هل يمكنك التعرف على الأميرة ديانا من خلال امتلاك أغراضها؟

مزادات المشاهير طريقة للتقرب من الشخصيات والاستثمار

ضم المزاد سترة ارتدتها في حدث عام 1988 (غيتي)
ضم المزاد سترة ارتدتها في حدث عام 1988 (غيتي)
TT

هل يمكنك التعرف على الأميرة ديانا من خلال امتلاك أغراضها؟

ضم المزاد سترة ارتدتها في حدث عام 1988 (غيتي)
ضم المزاد سترة ارتدتها في حدث عام 1988 (غيتي)

إحدى أغرب القطع التي عرضها مارتن نولان أحد مؤسسي دار مزادات جوليان خلال أكثر من عقدين من عمله في مجال المزادات كانت شريحة رقيقة من كعكة زفاف الأميرة ديانا، أميرة ويلز، من الأمير تشارلز في يوليو (تموز) 1981. وقد بيعت الشريحة بمبلغ 2831 دولاراً. كان ذلك في عام 2008. أما اليوم، فإن نولان يُقدر أن قيمتها قد تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات. قال نولان في مقابلة هاتفية أجريت معه مؤخراً: «لقد لاحظنا على مر السنين أن ديانا تعتبر من الأصول التي تحظى بشعبية كبيرة بين هواة جمع التحف. فهي تعتبر استثماراً مضموناً. كما أن الناس يشعرون بأنهم على صلة وثيقة بأميرتهم المحبوبة». وأضاف نولان أن العالم لم يكن لديه سوى 16 عاماً للتعرف على الأميرة، في إشارة إلى الفترة بين دخولها الرسمي إلى الحياة العامة ووفاتها المفاجئة في عام 1997. وقال إن قِصَر تلك الفترة لم يؤد إلا إلى زيادة انجذاب الجمهور إليها.

يبحث الكثيرون الآن عن تذكارات ديانا في محاولة للحفاظ على الصلة التي يشعرون بها معها. دفع هذا الطلب دور المزادات إلى طرح عدد متزايد من متعلقاتها للبيع. إذ باعت دار جوليان، الأسبوع الماضي، مجموعة كبيرة من متعلقاتها الشخصية، إلى جانب مجموعة مختارة من متعلقات أفراد العائلة المالكة الآخرين، بمن في ذلك الملكة إليزابيث الثانية والأميرة مارغريت. كان من بين المعروضات حقيبة ليدي ديور الخاصة بديانا (التي أعيدت تسميتها تكريماً لها)، وفساتين، وقبعات، ومجموعة من القطع الأكثر حميمية، مثل الرسائل الشخصية، وبطاقات أعياد الميلاد، وبطاقات الأعياد. كان من المقرر التبرع بجزء من عائدات البيع إلى جمعية «ضمور العضلات في المملكة المتحدة».

حقيبة ديانا من ماركة Lady Dior

المقتنيات الشخصية نجمة المزادات

في المزادات رفيعة المستوى التي تعقب وفاة الشخصيات العامة -وتستمر لسنوات بعد ذلك، شريطة استمرار الطلب- تعتبر قطع مثل الملابس، والأثاث، والمجوهرات، والصور الفوتوغرافية أمراً معتاداً. لكن المقتنيات الشخصية للغاية أصبحت شائعة بشكل متزايد. عندما باعت دار كريستيز مقتنيات مارلين مونرو في مزاد عام 1999، شملت القطع المعروضة رخصة قيادتها، وبطاقة نقابة ممثلي الشاشة، وأقلام أحمر الشفاه القديمة. كما عرضت دار كريستيز للمزادات تذكارات المطرب الراحل «برنس»، وتضمنت إيصالات فندقية، ودفتر شيكاته الشخصي. وشمل مزاد آخر لدار كريستيز مقتنيات الرئيس السابق رونالد ريغان، وكانت عبارة عن رسومات بالقلم رسمها ريغان بنفسه على أوراق مكتبية للبيت الأبيض. يقول منظمو المزادات إنهم يضمون هذه الأغراض لأنها تساعد في وضع الشخصيات العامة في سياقها، وتضفي عليها طابعاً إنسانياً. قالت إليزابيث سيغل، رئيسة قسم المجموعات الخاصة والأيقونية في كريستيز: «أشعر بحماس شديد كلما أمكنني رؤية مسيرة شخص ما والتحدث عن الأجزاء من تاريخه التي اشتهر بها. كما أنه من الممتع أن تتمكن من كشف اللثام قليلاً عن شخصية شخص ما».

بطاقة موقعة بخط ديانا

بالنسبة لمزاد جوليان بعنوان: «أسلوب الأميرة ديانا ومجموعة ملكية»، ركز نولان بشكل خاص على الأسلوب. في حين أن ذوقها في الموضة مُمثّلٌ بالتأكيد، قال إن الغرض هو إظهار كيف عاشت ديانا وتواصلت مع الآخرين، ولهذا السبب تعتبر البطاقات الشخصية والرسائل جزءاً أساسياً من العرض. ولكن هناك خط رفيع يجب السير عليه. «هناك فائدة من الانتقاء»، كما أشارت السيدة سيغل. «لا نوصي دائماً ببيع كل شيء كان ملكاً لشخص ما». لكن إدراج الرسائل الشخصية للغاية لا يقتصر على مجرد سرد القصص. إنه يتعلق أيضاً بالأشياء التي من المرجح أن تُعرض للبيع. غالباً ما تكون هذه الأشياء الحميمة أقل سعراً من حقيبة مصممة، أو أثاث عتيق، مما يفتح باب المزايدة، ويمنح المشترين الذين لا يرتادون المزادات فرصة نادرة لامتلاك قطعة من التاريخ.

من يشتري هذه الأشياء؟

في حالة تذكارات الأميرة ديانا، غالباً ما يكون المشترون من هواة جمع التحف الفنية مثل رينيا بلانت. بلانت، مديرة روضة أطفال في لوس أنجليس، تمتلك أكثر من 2700 قطعة شخصية كانت ملكاً لديانا، وهي مجموعة جمعتها مما تقدره بأكثر من 2000 مزاد. تضم مجموعتها أكثر من 600 رسالة شخصية كتبتها الأميرة إلى أصدقائها وعائلتها ومدربها الرياضي ومصفف شعرها. كما تمتلك أكثر من 100 قطعة من ملابس ديانا، بما في ذلك سترة الأغنام السوداء (ليست الأصلية، التي بيعت بمبلغ 1.1 مليون دولار، ولكن البديلة التي أرسلت لها بعد أن ثُقبت السترة الأصلية)، وفستان فيرساتشي المصمم خصيصاً لها والذي ارتدته في جلسة تصوير في عام 1991، حيث استخدمت إحدى الصور من تلك الجلسة على غلاف مجلة «هاربر بازار» بعد وفاتها في عام 1997.

غلاف مجلة «بازار»

تفخر بلانت بأنها حصلت على هذا الفستان بعد أن تجاوزت مزايدة قصر كنسينغتون، على الرغم من أنها اضطرت إلى رهن منزلها لتتمكن من دفع مبلغ 250 ألف دولار حتى تستطيع تغطية قيمة المزاد.

تملك رينيه بلانت وهي من هواة جمع التحف أكثر من 100 قطعة من ملابس الأميرة ديانا والتي تخطط لعرضها في متحف الأميرة ديانا (متحف الأميرة ديانا)

بلانت، التي شعرت بأن ممتلكات ديانا «تتناثر بلا هدف في جميع أنحاء العالم، وتباع لمن يدفع أعلى سعر»، اعتبرت أن مهمتها الشخصية هي تكريم إرث الأميرة في مجال الموضة والعمل الإنساني. في عام 2020، أسست متحف الأميرة ديانا، وهو أرشيف رقمي قائم على مجموعتها الخاصة. بدأت الأميرة ديانا بالفعل بيع العديد من الأشياء المرتبطة بها عندما قامت، في عام 1997، قبل شهرين فقط من وفاتها، ببيع 79 من فساتينها في مزاد كريستيز، وجمعت 3.25 مليون دولار لصالح جمعيات خيرية لمكافحة الإيدز والسرطان. قالت بلانت: «يؤلمني قلبي مرة أخرى أن أرى هذه المجموعة الكبيرة تذهب دفعة واحدة ولا أستطيع الحفاظ عليها للمتحف، لأنني أشعر بأن هذا هو المكان الذي تستحقه، وليس في خزانة شخص ما».

بلانت، التي تُحفظُ مجموعتها حالياً في وحدتي تخزين في لوس أنجليس، تخطط لتنظيم معرض متنقل العام المقبل لنقل المتحف عبر الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا. ولكن قبل أن يحدث ذلك، تتطلع بلانت إلى الحصول على قطعة أخرى مميزة: فستان من تصميم بيلفيل ساسون، الذي يُطلق عليه غالباً اسم «فستان الرعاية» بسبب تكرار ارتدائه من قبل ديانا عند زيارتها للمرضى. هذا الفستان هو جزء من مزاد جوليان يوم الخميس.

فستان نهاري من الحرير مطبوع عليه زهور من تصميم بيلفيل ساسون والذي عُرف باسم «فستان الرعاية» لأن ديانا كانت ترتديه كثيراً أثناء زياراتها للمستشفيات

شاهدت بلانت الفستان عن قرب عندما ارتدته ديانا في عام 1988 لتحية الحشود خارج كاتدرائية سانت أندروز في سيدني. نظراً لتاريخها الشخصي مع الفستان، تعتقد بلانت أنه سيكمل مجموعتها. وقالت بلانت: «سوف أقدم عرضاً مباشراً للشراء. أحب أن أرى الغرفة وأشعر بها. وأنا مزايدة استراتيجية للغاية، ودائماً عندما أفوز. أقوم بحركة استعراضية رائعة».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«بيضة الشتاء»… جوهرة إمبراطورية في الطريق لتحطيم الأرقام القياسية

يوميات الشرق «بيضة الشتاء» تحفة من الكريستال والألماس من تصميم الصائغ فابرجيه (كريستيز)

«بيضة الشتاء»… جوهرة إمبراطورية في الطريق لتحطيم الأرقام القياسية

تُعرض «بيضة الشتاء» الإمبراطورية التي كلّف القيصر الروسي نيقولا الثاني الصائغ فابرجيه بصنعها بوصفها هدية عيد الفصح لوالدته، للبيع في مزاد يُقام الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا هذه العملة هي الأولى من نوع «سنتن سيغوفيانو» على الإطلاق والتي سُكّت في سيغوفيا عام 1609 (رويترز)

بيع عملة ذهبية إسبانية بسعر قياسي ناهز 3.5 مليون دولار

بيعت عملة ذهبية إسبانية من أوائل القرن الـ17 بسعر يناهز 3.5 مليون دولار في مزاد، مسجلةً رقماً قياسياً لعملة أوروبية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق صورة للساعة من الموقع الرسمي لدار مزادات «هنري ألدريدغ آند سان»

توقفت عند لحظة الغرق... بيع ساعة أحد ركاب «تيتانيك» بأكثر من مليوني دولار

بيعت ساعة جيب ذهبية، استُعيدت من جثة أحد أغنى ركاب سفينة تيتانيك، بمبلغ قياسي بلغ 1.78 مليون جنيه إسترليني في مزاد علني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق البابا فرنسيس في استاد مدينة زايد الرياضية بأبوظبي... فبراير 2019 (د.ب.أ)

كاميرا للبابا فرنسيس تُباع بنحو 7.5 مليون دولار

بيعت كاميرا من ماركة «لايكا» كانت للبابا فرنسيس، ضمن مزاد أُقيم في فيينا، السبت، مقابل 7.49 مليون دولار، على أن يعود ريع المزاد لجمعية البابا الراحل الخيرية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق كنز ورقي نجا من الزمن (هيريتدغ أوكشنز)

نسخة «سوبرمان» نادرة تقفز من الغبار إلى ملايين الدولارات

في واقعة تبدو أقرب إلى حكايات الكنوز المنسيّة، عثر 3 أشقاء خلال تنظيف علّية منزل والدتهم الراحلة في كاليفورنيا، على نسخة أصلية من أوائل أعداد شخصية «سوبرمان».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.