جورج خباز... تكريم جديد يكرّس مسيرة استثنائية بين المسرح والدراما

الفنان اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: للشباب أقول إنه لا شيء مستحيل والعزيمة تصنع النجاحات

جورج خباز... تكريم جديد يكرّس مسيرة استثنائية بين المسرح والدراما
TT

جورج خباز... تكريم جديد يكرّس مسيرة استثنائية بين المسرح والدراما

جورج خباز... تكريم جديد يكرّس مسيرة استثنائية بين المسرح والدراما

يُعدّ جورج خباز فناناً استثنائياً بأعماله الفنية المسرحية والدرامية. يجمع في موهبته الإبداع والأفكار الخارجة عن المألوف. ارتبط اسمه بالخشبة، فصار رمزاً من رموزها. آثر، على مدى سنوات طويلة، تقديم أعمال من تأليفه وإخراجه. كان يومها مسرح «شاتو تريانو» ملاذه، يقصده جمهور عريض من كل حدب وصوب ليستمتع بمسرح كوميدي بامتياز.ولمدة 4 سنوات، امتدت من عام 2020 إلى عام 2024، انشغل خباز بالأعمال الدرامية، ومن بينها «النار بالنار» و«براندو الشرق».مؤخراً، كُرّم خباز من قبل رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، فمنحه وسام الاستحقاق اللبناني الفضي تقديراً لعطاءاته الفنية المميزة، ولأعماله الإبداعية التي جسّدت الواقع الاجتماعي اللبناني بأبعاده الفكرية والتاريخية. وكان قد سبق أن نال «وسام الأرز» برتبة «فارس» من الرئيس السابق ميشال عون.يأتي هذا التكريم بعد سلسلة نجاحات عالمية حققها خباز، تُرجمت بجوائز دولية، من بينها جائزة أفضل ممثل عن فيلم «يونان»، وقد حصد الجائزة نفسها في مهرجانات «هونغ كونغ»، و«لاس بالماس» الإسباني، و«روتردام» الهولندي. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التكريم يشمل مسيرتي الفنية بأكملها... وأنا سعيد جداً بالتكريم، لا سيّما أنه يأتي في مرحلة نأمل فيها الكثير».وعمَّا إذا كان قد حان الوقت لتلتفت الدولة اللبنانية إلى فنانيها، يردّ: «لا شك في أن الفنان يمثل واجهة البلد وصورته المضيئة... فمن الضروري دعم الفنان ليشعر بالتقدير من قبل وطنه».ويرى خباز أن الفنان اللبناني، مثل غيره من المواطنين، انعكست عليه أزمات البلد سلباً؛ فكل النقابات المهنية يعاني المنتسبون إليها من قلة فرص العمل والأجور المنخفضة، كما يفتقدون حقوقهم المهنية.

قريباً، تنطلق عروض مسرحية «خيال صحراء»، في موسمها الأخير على خشبة «كازينو لبنان». وهي من تأليف وإخراج خباز، ويشاركه في بطولتها عادل كرم.وكانت المسرحية قد حققت نجاحاً باهراً في مواسم سابقة، وهو ما دفع منتجها طارق كرم إلى إطلاق عروض إضافية لهذا الصيف، تبدأ في 17 يوليو (تموز)، وتستمر حتى 17 أغسطس (آب) المقبل.فهل يعدّ خباز هذه المسرحية محطة مختلفة في مسيرته الفنية؟ يردّ: «لهذه المسرحية خصوصية كبيرة عندي، فقد وُلدت بعد غيابي عن المسرح لـ4 سنوات... فقد حضر المسرحية نحو 50 ألف مشاهد، وولّدت لدى الجمهور تفاعلاً مقروناً بجدلية جميلة. فهي لم تمرّ مرور الكرام، بل شكّلت تجربة مختلفة».ويشيد خباز بثنائيته مع عادل كرم الذي تربطه به علاقة صداقة قديمة، قائلاً: «لطالما حلمنا بالتعاون معاً... فجاءت (خيال صحراء) لتشكّل الجواب».بعد كل هذه النجاحات، كيف يفكّر خباز بالغد؟ وهل تراوده فكرة الاستراحة؟ يجيب بحماس: «أشكر رب العالمين على كل هذه النجاحات... وأقول: لا شيء مستحيل، لأنه بالعزيمة تُصنع النجاحات». ويستطرد: «أما بالنسبة للتفكير بالاستراحة، فهو أمر لا يراودني بتاتاً... صرت في مرحلة الانتقاء واختيار ما يحاكي قناعاتي».تعاون خباز مؤخراً مع نجمات في عالم الدراما؛ ففي «النار بالنار»، وقفت كاريس بشار بطلة أمامه، وفي «براندو الشرق» تعاون مع أمل عرفة. فمن التي يتمنى الوقوف معها في عمل جديد؟ يردّ: «أول اسم يراودني هو المخرجة نادين لبكي، التي يلفتني أداؤها ممثلةً... وربما الوقت والمستقبل يحققان لنا هذا التعاون معاً».ويشير خباز إلى مجموعة أعمال يحضّر لها، من بينها أعمال درامية قد نشاهدها في موسم رمضان، كما يكتب نص مسرحية جديدة تُعرض في صيف 2026 وتتناول حق الإنجاب. وعن رأيه بالنهضة المسرحية في بيروت، يقول: «أشاهد غالبية الأعمال... وربما يحمل لنا المستقبل الأفضل، فلا يصبح المسرح مجرد حركة، بل عجلة فنية دائمة».


مقالات ذات صلة

«الإعلام» الكويتية تقرّ آلية جديدة لإجازة العروض المسرحية والفنية لمنع «المحظورات»

ثقافة وفنون عبد الرحمن المطيري وزير الإعلام والثقافة الكويتي خلال ورشة خاصة باستراتيجية وزارة الإعلام (كونا)

«الإعلام» الكويتية تقرّ آلية جديدة لإجازة العروض المسرحية والفنية لمنع «المحظورات»

أصدر عبد الرحمن المطيري، وزير الإعلام والثقافة الكويتي، رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، قراراً وزارياً بإعادة تنظيم آلية إجازة العروض المسرحية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
يوميات الشرق طارق الدسوقي في مشهد من العرض (وزارة الثقافة المصرية)

طارق الدسوقي: الإقبال الكبير على «الملك لير» فاق توقعاتنا

الإقبال الجماهيري الكبير على مشاهدة مسرحية «الملك لير» تجاوز توقعات فريق العمل وأسعده كثيراً

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تؤكد جوزيان بولس أنّ «المونو» كائنٌ حيّ يتنفّس بالفنّ ويتغذّى على الشغف (الشرق الأوسط)

«المونو» يُطلق رؤيته المستقبلية: منصّة التجديد الثقافي في بيروت

تحوَّل مسرح «المونو» أحد أعمدة الحرّية الثقافية في لبنان. ظلَّ صامداً في وجه العواصف، مفتوحاً على احتمالات الجمال، ومتاحاً لكلّ مَن أراد أن يقول شيئاً من القلب.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق حكايات أسطورية (الجهة المنتجة)

في لندن... سندباد يبحر من جديد بحكاية عربية راقصة

احتضنت خشبة مسرح سادلز ويلز الشهير بلندن الأسبوع الماضي مسرحية «سندباد»، وهي عرض راقص باذخ يُعيد تشكيل إحدى أشهر الحكايات في الأدب العربي.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق من مسلسل «الخطيئة الأخيرة» في دور الشرير (إنستغرام الفنان)

طارق تميم... من الكوميديا إلى أدوار الشرّ والتحدّي مستمر

طارق تميم يُجسّد تحولاً لافتاً في مسيرته الفنية، منتقلاً من الكوميديا إلى أدوار الشرّ باحتراف، مع حفاظه على شغفه العميق بالمسرح.

فيفيان حداد (بيروت)

«ميّاس» تُنير أَرز لبنان بـ«العودة»... تحيّة بصرية لجبران خليل جبران

لوحة رحيل جبران خليل جبران (الشرق الأوسط)
لوحة رحيل جبران خليل جبران (الشرق الأوسط)
TT

«ميّاس» تُنير أَرز لبنان بـ«العودة»... تحيّة بصرية لجبران خليل جبران

لوحة رحيل جبران خليل جبران (الشرق الأوسط)
لوحة رحيل جبران خليل جبران (الشرق الأوسط)

كان يا ما كان، في قديم الزمان، فيلسوف اسمه جبران خليل جبران، شكّل جسراً ثقافياً بين العالم ووطنه الأم لبنان، مجبولاً بالألم والمعاناة منذ طفولته، فصنع منهما طريقاً للحكمة والإنسانية. ألّف الكتب، ودوّن الشعر، ورسم لوحاته، ليصبح أسطورة الأجيال.

من هذا المنطلق، استلهمت فرقة «ميّاس» من هذه الشخصية الأدبية رموزاً لعرضها الفني «العودة»، في مشهد بصري سمعي باهر افتتح «مهرجانات الأرز الدولية»، فرسمت حياته وأقواله كما في الخيال، واستعارت من فخامة أرز لبنان الذي يحيط بمسرح المهرجان ألق الفن المتوهّج، وقدّمت عرضاً يخطف الأنفاس بأفكاره وطريقة تنفيذه.

واحدة من لوحات «ميّاس» على مسرح «مهرجانات الأرز الدولية» (الشرق الأوسط)

بمشاركة نحو 50 فتاة قدّمن بلوحات راقصة قصة حياة الأديب اللبناني، صمّم العرض مؤسس «ميّاس»، نديم شرفان، وشارك فيه مجموعة من الفنانين اللبنانيين، من بينهم بديع أبو شقرا، وسينتيا كرم، وعمار شلق، وملحم زين. حوّل هؤلاء «العودة» إلى صفحات تاريخية تعبق بالفن المسرحي المبتكر، وقدموا عرضاً لا يمكن استنساخه أو تشبيهه بأي عمل فني آخر. عبروا معه إلى سماء بلاد الأرز، ليوقّعوا من خلاله واحداً من أجمل المشاهد الفنية في العالم.

منذ اللحظات الأولى، عمل نديم شرفان على نقل الحضور إلى بساط الروحانيات. وبتحية قصيرة إلى قديس عنايا (مار شربل)، فاحت رائحة البخور في أجواء المهرجان، معلنة بداية المشوار، لتتوالى بعدها لوحات الرقص لفرقةٍ لم تأبه إلى حرارة طقس منخفضة في عزّ الصيف. وبدلاً من أن ترتعش برداً، حيكت رقصات أشعلت الأجواء دفئاً. واستُهلّ العرض برقصة ذكّرت الحضور بالأميرة سالومي، التي جسّدتها ريتا هيوارث في فيلم «سالومي» (1953).

وقد سبق المشهدية الفنية كلمة مختصرة لمنظّمة «مهرجانات الأرز الدولية» ورئيستها النائبة ستريدا جعجع، أكّدت فيها أنّ «العودة إلى الحياة ممكنة، ونحن أكثر من يُجيدها. انطلقنا ورجعنا أقوى ممَّا كنا».

التصميم الإلكتروني امتزج بصور الخيال واللوحات الراقصة (الشرق الأوسط)

وحضر الحفل كل من السيدة الأولى نعمت عون، ورئيس الحكومة نواف سلام وزوجته، والبطريرك الماروني بشارة الراعي. وبعد الكلمة الترحيبية مباشرةً، تلوّنت سماء المهرجان بلوحات من الألعاب النارية أضفت الفرح على الحضور، فاستعادوا معها زمن لبنان الذهبي على وقع أغنية جوزيف عطية «الحق ما بموت».

ويعود المهرجان بنسخته الجديدة لعام 2025 بعد غياب دام 5 سنوات، إثر الظروف المضطربة التي شهدها لبنان.

حضرت سيرة حياة جبران خليل جبران في عرض «العودة» لتحكي حكاية أديب لبناني لن يتكرَّر. ظهر في العرض طفلاً صغيراً متأثراً بأفراد عائلته، ومن ثَمَّ شاباً صاحب أحلام كبيرة، فالعبقري الذي صاغ من آلامه أدباً يُدرَّس.

وتوالت اللوحات الراقصة لترسم أرزة لبنان حيناً، وصراع الخير والشر حيناً آخر. وبديكورات مسرح رُصّع بمجسّم لجذع شجرة أرز خالدة، دارت الحكاية. جسّد بديع أبو شقرا شخصية جبران الشاب، ونحتها عمار شلق بالشيب والخبرة، لأديب تفوّق على نفسه. وخرج صوت سينتيا كرم من وراء الكواليس أكثر من مرة، يتلو أقوال جبران. وعلى خشبة المسرح، رقصت مرتدية زيّاً أحمر، وقد انسدل شعرها الطويل الأسود على كتفَيها، مجسّدةً دور العرّافة «المطرة» من كتاب «النبي».

مشهدية بصرية باهرة سادت عرض «العودة» لـ«ميّاس» (الشرق الأوسط)

لم يختر نديم شرفان أقوال جبران الرائجة أو الشعبية، بل انتقى غير المألوف منها ليعرّف الحضور إلى أعماق أفكار جبران المنيرة، وحمّلها رسائل مباشرة تحاكي اللبناني وواقعه. بعضها حمل جرعات من القسوة، يغمز من خلالها إلى أداء الحُكّام غير السَّوي. وفي مشهدية حضرت فيها سفينة الوداع من كتاب «النبي»، تلت سينتيا كرم مقتطفات مؤثرة منه، منها:

«أليس لهاثكم هو الذي يقيم بنيان عظامكم ويشدّده؟ بل أليس الحلم الذي لم يحلم به أحد منكم قط، هو الذي بنى مدينتكم وعمل كلّ ما فيها؟ فلو كان لكم أن تنظروا مجاري ذلك اللهاث، لما كانت لكم حاجة إلى أن تنظروا شيئاً آخر غيرها. ولو استطعتم أن تسمعوا مناجاة ذلك الحلم، لما كنتم تزعمون سماع أيّ صوت آخر في العالم».

في تابلوهات فنية تمازج فيها الخيال مع السحر والغرابة، قدّم شرفان مجموعة لوحات تعبيرية، استحدث فيها العنصر البصري المدعَّم بالتصميم الإلكتروني والكادرات الضخمة. كما مرّ على الفولكلور اللبناني، من دبكة ودلعونا. وقد أثار شهية الحضور بمتابعة لا يرفُّ لها جفن، كما في لوحة «رقصة الديناصور» وغيرها.

واستخدم الإضاءة والظلال وطيف جبران ليمنح العرض بُعداً عبثياً. وفي أحيان أخرى، جاءت الحركة السريعة على أنغام موسيقى إيقاعية لتعزيز الإتقان. أما أزياء فريق «ميّاس»، فصُمّمت بألوان ترمز إلى الوطن، فكانت ذهبية كترابه أحياناً، وغلب عليها الأخضر والأبيض والأحمر في أحيان أخرى، وهي ألوان العلم اللبناني.

لوحة «الوداع» من كتاب «النبي» لجبران (الشرق الأوسط)

بلغ تفاعل الجمهور ذروته في لوحات عدّة، منها ما صوّر بديع أبو شقرا بشخصية الأديب الرسّام، وأخرى تناولت فلسفة جبران ونشأته مع الممثل عمار شلق. وعندما صدح صوت ملحم زين بأغنية «أعطني الناي وغنِّ»، لم يستطع الجمهور إخفاء تأثّره، فترك صدى صوته أثره على أوراق شجر الأرز، وصفّق طويلاً لنجاح شرفان في توليد أفكار إبداعية، أهدى من خلالها تحية فنية إلى العالم أجمع.

وفي ختام العرض، الذي رآه البعض قصيراً نسبياً (80 دقيقة) قياساً برحلة طويلة من بيروت إلى الأرز، صعد فريق العمل إلى خشبة المسرح لتحية الجمهور، وسط تصفيق حار ووقوف تقديري من الحاضرين. واختُتمت الأمسية بصعود نديم شرفان، الذي انحنى بإجلال أمام جمهور تفاعل بحرارة مع إبداعاته طوال العرض.

ورغم النجاح الكبير لعرض «العودة» وابتكاره المميز في الفكرة والتنفيذ، لم تكن رحلة العودة إلى بيروت بالمستوى نفسه؛ إذ أثَّر سوء تنظيم نقل روّاد المهرجان سلباً على التجربة، مما قلَّل من فرحة الجمهور وفخره بهذا العرض المميز.