تبحث مصر أفضل السبل للاستفادة من الآثار الغارقة في الإسكندرية، خصوصاً بخليج أبو قير. ووجّه رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بحصر شامل للآثار الغارقة، ووضع خطة لاستخراجها وعرضها في المتاحف، أو تخصيص تلك المواقع للغطس للسائحين، وبحث إمكانية إنشاء متحف تحت الماء لهذه الآثار.
وأكد مدبولي على «أهمية العمل على دراسة كيفية الاستفادة من آثار الإسكندرية الغارقة بخليج أبو قير، في إطار الحرص على دعم قطاع السياحة بصفته أحد القطاعات الواعدة بالاقتصاد المصري».
وأشار خلال اجتماع مع وزير السياحة والآثار، ومحافظ الإسكندرية، وعدد من المسؤولين بالجهات المعنية إلى أهمية القيام بحصر شامل للآثار الغارقة، مع النظر في إمكانية وجود متحف تحت الماء من خلال مسارات للسائحين، أسوة بما هو معمول به في عدد من الدول، أو النظر في إمكانية عرض تلك الآثار بالمتاحف بعد استخراجها من الماء، بحسب بيان لرئاسة مجلس الوزراء، الاثنين.
ويحتوي خليج أبو قير على أنقاض مدينتين هما «كانوبيس» و«هيراكليون»، حيث كانتا في هذا الموقع قبل إنشاء مدينة الإسكندرية، وتشير الدلائل إلى أن هاتين المدينتين كانتا مزدهرتين للغاية، وتم الكشف حديثاً عن أطلال المدينتين، إذ ظهرت أجزاء من معبد وتماثيل لمعبودات، وتشير الدلائل الأثرية إلى انهيارهما في القرن الرابع قبل الميلاد، وغرقهما بالبحر في ظروف غامضة حتى الآن.
وأكد وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، أن الوزارة تقوم بجهود كبيرة للحفاظ على الآثار الغارقة بخليج أبو قير، منوهاً بالجهود التي يقوم بها المجلس الأعلى للآثار في هذا الصدد.
وتناول الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل، الجهود التي يقوم بها المجلس بالتنسيق مع عدد من الشركاء ومنظمة «اليونيسكو» لدراسة إمكانية إنشاء متحف تحت الماء، والضوابط اللازمة لذلك.
وأشار إلى وجود إمكانيات كبيرة لاستكشاف مزيد من الآثار الغارقة بالمياه المصرية، منوهاً بمواقع تعمل بها بالفعل البعثات الخاصة بالاستكشاف.
وخلال الاجتماع أشار محافظ الإسكندرية، الفريق أحمد خالد، إلى وجود فرص للتعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، والبعثات العاملة في مجال الاستكشافات الأثرية، لدعم قطاع السياحة والمزارات السياحية بالمحافظة، ولفت إلى إمكانية الاستفادة من المواقع التي يتسنى طرحها مواقع للغطس لمشاهدة الآثار الغارقة.
ويرى المتخصص في الآثار الرومانية واليونانية بكلية الآثار بجامعة القاهرة الدكتور خالد غريب أن «هذا المشروع حلم كانت تتمناه مصر منذ وقت طويل»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح هذا المشروع، ونتمنى تنفيذه فعلاً؛ لأن الآثار الغارقة يمكن أن تمثل متحفاً مفتوحاً، وتجعل من الإسكندرية وجهة سياحية غير عادية».
وبدأت جهود البحث واكتشاف الآثار الغارقة منذ ثلاثينات القرن الماضي على يد الأمير عمر طوسون، وفق غريب، موضحاً أن كامل أبو السعادات استكمل المسيرة في خمسينات القرن العشرين واكتشف تمثال المعبودة إيزيس، ثم جاءت مدام فوريست أول موفدة من «اليونيسكو» عام 1968 وأعلنت عن اكتشاف كثير من الكنوز في الميناء الشرقي بالإسكندرية.
وتضم مدينة الإسكندرية كثيراً من المناطق الأثرية المرتبطة خصوصاً بالعصرين الروماني واليوناني، كما يوجد بها مقابر كوم الشقافة، والمسرح الروماني، وأسطول نابليون، وكثير من الآثار الأخرى من العصور الإسلامية مثل قلعة قايتباي.
من جانبه، يرى عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، أن «بحث إنشاء متحف تحت الماء في خليج أبو قير بالإسكندرية خطوة بالغة الأهمية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الآثار الغارقة في الإسكندرية، من معابد وتماثيل وأعمدة ومدن كاملة، ليست فقط كنوزاً أثرية، بل هي شواهد نادرة على تاريخ عالمي مشترك يجب إبرازه للعالم».
وأكد أن «هذا المشروع، إذا تم تنفيذه وفقاً للمعايير العلمية والسياحية الدولية، سيضع مصر في مقدمة الدول التي تستثمر في آثارها الغارقة، كما سيمنح الإسكندرية دفعة كبيرة لاستعادة مكانتها بوصفها عاصمة ثقافية وسياحية على البحر المتوسط».
وقال: «سيحدث تطوير مواقع الغوص الأثري، وإنشاء مسارات تحت الماء تتيح للسائحين رؤية هذه العجائب في بيئتها الأصلية، نقلة غير مسبوقة في السياحة الثقافية المصرية».