«الإسكندرية كما لم يعرفها عشاقها من قبل»، جملة ربما تلخص العرض المسرحي «إسكندرية 73» الذي استضافه مساء (السبت) مسرح «سيد درويش» بالإسكندرية وتناول العرض هذه المدينة المصرية عبر منظور جديد ربما لم يتطرق إليه عمل فني من قبل.
العرض المسرحي يلقي الضوء على تاريخ المدينة في الفترة من حرب 1967 وحتى عام 1973، عبر 9 مشاهد تجمع بين الواقع والخيال؛ وذلك من خلال مجموعة أحداث حقيقية، ومواقف بطولية شهدتها المدينة في تلك الحقبة الزمنية.
تبدأ أحداث المسرحية بغارة على المدينة أثناء حرب 1967، ويعيش خلالها الجمهور أجواء الترقب، الخوف، والدعاء بالنصر، من خلال متابعة أسرتين تعيشان في المدينة، وهما أسرتي خطيب وإمام مسجد «تربانة» الشيخ رمضان، والقس في كاتدرائية «سانت كاترين» ميخائيل، ثم يتم إعلان الهزيمة والحزن الذي أصاب القلوب.
لكن لا تنتهي الأحاديث بين الشيخ والقس والصديق الثالث التاجر الحاج ماهر، وسائر أهل المدينة ـ والتي تشهدها إحدى المقاهي ـ حول الحرب والأمل وانتظار النصر. وتكشف الأحداث عن القبض على جاسوس خطير، كما تسلط الضوء على إحباط محاولة تدمير الفرقاطة المصرية «طارق»، ثم يتم الإعلان عن نصر أكتوبر وتظهر فرحة أهل الإسكندرية.
وبالرغم من هذه الأحداث «الدسمة» الجادة التي يختلط فيها التاريخ بالخيال، ويقدمها العرض على مدى ساعتين فإن العمل يتميز بخيط درامي مشوق، وأجواء إنسانية تخاطب عاطفة المتلقي؛ مثل مشاهد الحديث حول الشهداء، وانتظار السيدات والفتيات الشابات للرجال المقاتلين العائدين من الحرب عند وصول قطار النصر، وإعلانهن عدم الزواج من أي رجل آخر لو أُستشهد من تربطهن به علاقة زواج أو خطوبة.
ويحاول العمل إبراز الدور المهم للمدينة وأهلها في الفترة من حرب الاستنزاف وحتى «نصر أكتوبر» 1973، وهو ما تجاهلته الأعمال الفنية التي وثقت لهذه الحقبة الزمنية وفق مؤلف ومخرج العمل الدكتور إسلام رفعت، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تعرضت الإسكندرية لظلم كبير، ولم ينصفها أحد، فلم يوثق عمل واحد في الأدب أو السينما أو التليفزيون دورها في الحروب، وكذلك لم يُسلط الضوء على دورها الثقافي كما ينبغي».
وأضاف: «يكاد ينحصر تناول المدينة درامياً في تعدد الجنسيات، وكمصيف جاذباً لجميع الفئات، وأيضاً في تناول بنات بحري وجمالهن، وملابس الصيادين، وجرائم (ريا وسكينة) كما لو أن تاريخها توقف عند هذه الأمور، في حين أن ذلك لا يمثل شخصيتها وهويتها».
ومن هنا يحتفي الدكتور إسلام رفعت بتقديم أعمال مسرحية توثيقية للمدينة، حيث يُعد «إسكندرية 73» هو العرض الثالث في ثلاثية فنية قدمها حولها؛ حيث سبقه عرض «هنا الإسكندرية»، الذي يحكي تاريخ الثقافة والفنون فيها، بدايةً من هيباتيا وصولاً إلى أحداث تفجير الكنيسة المرقسية 2017.
أما العرض الثاني فهو بعنوان «إسكندراني حول العالم»، ويدور حول انتصارات الإسكندر الأكبر وإنجازاته. ويأتي هذا العرض الذي يقدمه فريق «اتحاد مبدعي الإسكندرية للفنون المسرحية» ليكشف عن دورها في الكثير من الأحداث المصيرية التي شهدتها مصر وفق قوله «أقدم فيه رؤية مغايرة تماماً للمدينة، وسيتبعه عمل جديد أجهز له حالياً هو «زمن الطلاينة»، ويتناول تاريخ الجالية الإيطالية فيها، وتم التنسيق لعرضه في إيطاليا مع مصر».
يشغل المسرح التوثيقي إسلام رفعت؛ الذي يرى أن الأعمال التي تضحك الجمهور ليست مهمته وعن ذلك يقول: «أرى أن العروض التوثيقية والتاريخية هي مرادف لمفهوم فن المسرح؛ فهو ليس (استعراض عضلات) ما بين قدرته على إثارة ضحك الجمهور، أو تقديم أعمال يتم وصفها بالسيريالية والتجريدية أو غير ذلك، إنه فن يضيف الكثير لجمهوره».
ولا يخشى رفعت من عدم تفاعل بعض شرائح الجمهور لأعماله نتيجة لذلك، واهتمام النخبة وحدهم بفنه: «لي جمهوري الذي ينجذب لأعمالي، ويقوم بمناقشتي بعد انتهاء العروض بشغف، صحيح أنهم فئة محددة، لكنهم هم من أستهدفهم، ولا يشغلني انصراف الباحثين عن الضحك والتسلية عن أعمالي».
ومن الجوانب التي يبرزها هذا العرض الدور النسائي في المجتمع السكندري؛ فنلتقي من خلاله بشخصيات مؤثرة مثل زوجة الشيخ رمضان، والفتيات ابتسام، وسعيدة، وسندس، وماريان ابنة القس اللاتي يوهبن حياتهن لمصر.
اللافت أن المخرج اعتمد في العرض الذي سبق تقديمه في مكتبة الإسكندرية سينوغرافيا تقوم على تقنية السينما بشكل أساسي؛ لذلك يشعر الجمهور وكأنه أمام فيلم سينمائي من دون شاشة عرض، وليس عملاً مسرحياً، وحول ذلك يقول: «استخدمت الـ(فيجن آرت) وهو أسلوب المسرح الحديث، القائم على استخدام خلفيات تعرض على الشاشات بجانب الاستعانة ببعض الموتيفات، ونظام الإضاءة الحديث الذي يزيد من مؤثرات هذه التقنية». ويختم حديثة قائلاً: «الاعتماد على هذا الاتجاه يتنامى في العالم كله، لتوفير التكلفة وفي الوقت نفسه تعزيز الواقعية».