«كانت غضبة» تفتح باب الأسئلة وتعيد تعريف الخشبة في عرض مسرحي معاصر

العمل الذي ينتمي إلى فئة «المسرح داخل المسرح» (الشرق الأوسط)
العمل الذي ينتمي إلى فئة «المسرح داخل المسرح» (الشرق الأوسط)
TT

«كانت غضبة» تفتح باب الأسئلة وتعيد تعريف الخشبة في عرض مسرحي معاصر

العمل الذي ينتمي إلى فئة «المسرح داخل المسرح» (الشرق الأوسط)
العمل الذي ينتمي إلى فئة «المسرح داخل المسرح» (الشرق الأوسط)

اكتظ مسرح «استديو إيقاع» بحي القادسية في الرياض بأكثر من 450 متفرجاً، على مدى ثلاثة أيام، لاكتشاف تجربة مسرحية غير تقليدية، من خلال العرض المسرحي «كانت غضبة»، الذي لامس أبعاداً فلسفية، وتقنية، وجمالية متعددة.

في العمل الذي ينتمي إلى فئة «المسرح داخل المسرح»، وحمل توقيع الكاتب رجا العتيبي تأليفاً وإشرافاً، وأخرجه جلواح الجلواح، قدّم العرض مقاربة درامية كثيفة تُعيد مساءلة مفاهيم الغضب العربي والهوية الثقافية، من خلال حبكة متداخلة زمنياً، حيث تندمج البروفات مع العرض نفسه، وتتحول الخشبة مسرحاً مفتوحاً أمام جمهور محاط بالحدث من جانبيه، في تكوين مسرحي يُعرف بـ«ترافيرس ستيج» أو «خشبة الممر».

وفي نهاية مفاجئة لم تُكتب ضمن النص الأصلي، يشهد العرض مقتل المستشار «هيثم» على يد عمرو بن كلثوم، الذي يُجسّد فكرة الغضب الجاهلي، قبل أن ينتقم مساعد المستشار «أنس» بقتل عمرو.

قدّم العرض مقاربة درامية كثيفة تُعيد مساءلة مفاهيم الغضب العربي والهوية الثقافية من خلال حبكة متداخلة زمنياً (الشرق الأوسط)

المخرجة داخل النص تستدعي الشرطة، في إشارة رمزية تكشف أن «الفتكة» ليست مجرد رد فعل، بل جين ثقافي مضمر يتوارثه الوعي الجمعي، في قراءة تتقاطع مع مفاهيم النقد الثقافي.

وقال مؤلف العمل رجا العتيبي: «حاولنا أن نقدم تجربة مسرحية معاصرة تتجاوز المألوف، وتنتمي إلى فئة المسرح المعاصر المعتمدة في برنامج (ستار)»، مضيفاً: «سعينا إلى تقديم نموذج فني راقٍ يُعبّر عن هذا النوع من المسرح، فكرياً وجمالياً، من خلال كسر الحواجز التقليدية بين الجمهور والممثل، وتوظيف فضاء الخشبة المفتوحة بأسلوب (ترافيرس)، إضافة إلى بناء سينوغرافي محمّل بالدلالات، ومقاربات سردية تستند إلى تقنيات المسرح داخل المسرح».

وأشار إلى أن العمل يهدف إلى إشراك المتلقي بصفته طرفاً فاعلاً داخل المعادلة الدرامية، لا مجرد متلقٍ سلبي، مقدماً شكره لهيئة المسرح والفنون الأدائية وبرنامج «ستار» على توفير الدعم والتسهيلات لهذه التجربة النوعية.

حمل العمل توقيع الكاتب رجا العتيبي تأليفاً وإشرافاً وأخرجه جلواح الجلواح (الشرق الأوسط)

الديكور الذي صُمّم في هيئة أطلال قصر عمرو بن هند، ملك الحيرة، استُخدم عنصراً سينوغرافياً رمزياً يعكس مفاهيم الحكم، الهيبة، والدم، حيث توزعت أعمدة وسواري حجرية وأرضية مُفعمة بإيحاءات مملكة الحيرة القديمة. الخشبة، من جهتها، كُسرت تماماً كحدود: ليس فقط الجدار الرابع، بل الجدران الأربعة كلها، ليتحوّل المسرح فضاءً حراً تتقاطع فيه الأزمنة والرؤى.

وشارك في تجسيد هذه الرؤية مجموعة من الممثلين الذين قدّموا أداءً مشحوناً بالانفعال والدقة، وهم: معتز العبد الله، وبندر الحازمي، وغيداء سلام وغازي حمد، إلى جانب الاستعراض الجسدي الذي قدّمته فرقة «شغف».

كما برز في العرض عبد الملك العبدان وياسر عبد الرحمن، في حين جاءت الملابس من تصميم شهد البهوش، وتولى عبد العزيز النخيلان إدارة الإنتاج.

وامتد أثر العرض إلى ما بعد نهايته، بصفته تجربة سينوغرافية وفكرية، تتجاوز المشهد التقليدي وتؤسس لمفهوم جديد للمسرح بوصفه أداة تفكيك ثقافي. كانت غضبة ليست مجرد نص، بل موقف فني واجتماعي، في لحظة تتحول فيها الخشبة منبراً تفكيراً في الذات والمجتمع والتاريخ.

ويأتي العمل جزءاً من تحوّل نوعي يشهده المسرح السعودي، مدفوعاً برؤية هيئة المسرح والفنون الأدائية وبرنامج «ستار»، الذي يسعى لتقديم أعمال مسرحية تواكب الحداثة وتطرح الأسئلة لا الأجوبة.


مقالات ذات صلة

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

يوميات الشرق فريق مسرحية «الأرتيست» (صفحة العرض على «فيسبوك»)

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

حصدت المسرحية المصرية «الأرتيست» إعجاباً لافتاً من جمهور ونقاد وفنانين أشادوا بها منذ انطلاقها منتصف العام الماضي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)

«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

للمرّة الأولى، تتبدَّل مقاعد المسرح لتصبح الأساسية فيها ثانوية، ويكون مُشاهد العمل على بُعد سنتيمترات من الممثلين.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من العرض المسرحي «الطريق» (هيئة قصور الثقافة)

26 عرضاً مسرحياً مصرياً تتنافس في «السامر» و«روض الفرج»

يتنافس 26 عرضاً مسرحيّاً في الدورة الـ47 للمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بمصر، على مسرح السامر بالجيزة (غرب القاهرة)، ومسرح قصر ثقافة روض الفرج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق في مسرحية جو الخوري تتحوّل الرحم إلى خشبة (مسرح المونو)

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

الخيط السردي الذي يربط الداخل بالعالم الخارجي، شبيه بحبل السرّة: مرئيّ، لكنه هشّ... متين بما يكفي ليُغذّي، وضعيف بما يكفي ليخنق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عرض «كارمن» وفق رؤية إخراجية جديدة (وزارة الثقافة المصرية)

«كارمن» تعود مجدداً لخشبة المسرح المصري برؤية حداثية

تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية.

محمد عجم (القاهرة )

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
TT

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)

استعان مهرجان «موازين»، في دورته الـ 20 والتي تقام فعالياتها حالياً في العاصمة المغربية الرباط، بشخص شبيه للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، ليجسد صورته «الهولوغرامية»، مع الاستعانة بصوته الأصلي لتقديم عدد من أغنياته، التي تعود ملكيتها للمنتج محسن جابر، وذلك لتجاوز الأزمة التي نشبت قبل الحفل بين ورثة العندليب وإدارة المهرجان.

وخرج الحفل «الهولوغرامي»، الذي أقيم على خشبة «المسرح الوطني... محمد الخامس» للنور، ورفع شعار «كامل العدد»، حسب إدارة المهرجان، بعد أزمة كبيرة دارت خلال الأيام الماضية بين ورثة العندليب، وإدارة مهرجان «موازين»، التي استعانت بشركة أخرى غير التي تتعاون مع الورثة، نظراً لأنها ليست شركة مغربية خالصة، وفق بيان للمهرجان.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

الحفل الذي رفع شعار «كامل العدد»، حضره نخبة من الشخصيات الرسمية، وفق بيان المهرجان، الذي أكد أن كل ما نشر عن إلغائه أو منعه لا يمت للحقيقة بصلة، وكان الغرض منه إثارة الجدل فقط، وأنه أُقيم بشكل قانوني، بعد حصولهم والشركة المنظمة على جميع التصريحات الرسمية من المنتج محسن جابر، صاحب الحقوق الحصرية لأرشيف عبد الحليم.

وتعليقاً على الحضور اللافت للحفل، «الهولوغرامي»، من جميع المراحل العمرية، حسب البيان، وبعيداً عن أزمة «الملكية الفكرية»، يرى نقاد أن الحنين للكلمة واللحن، وحضور أحد نجوم «الزمن الجميل»، مجدداً هو أساس جماهيرية هذه الحفلات.

الناقد الموسيقي المصري محمد شميس يرى أن هذا النوع من الحفلات الغنائية ينعش الحنين لمطرب تابعه جمهوره، وارتبطوا بأعماله وأغنياته على الشاشة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رؤيته مجدداً على المسرح عن طريق هذه التقنية والتفاعل معه، أمر رائع وشعور جيد، لذلك تحظى هذه الحفلات غالباً بحضور، خصوصاً إذا كانت لمطرب له جماهيرية طاغية.

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان بـ فيسبوك)

وافتتح الحفل، بأغنية «الماء والخضرة والوجه الحسن»، التي قدمها عبد الحليم خصيصاً للمملكة المغربية، كما استمع الجمهور خلال الحفل لباقة من أغنيات «العندليب» الشهيرة من بينها، «أول مرة تحب يا قلبي»، و«بلاش عتاب»، و«أسمر يا أسمراني»، و«جبار»، و«بتلوموني ليه»، و«جانا الهوا»، و«حبك نار»، و«سواح».

ورغم شعار «كامل العدد»، الذي رفعه الحفل، وفق إدارة المهرجان، لكن حساب «عبد الحليم»، بـ«فيسبوك»، وصفه بأنه «مهزلة وفضيحة كبري، ومثير للاشمئزاز»، حيث ظهر حليم بشكل كارتوني مضحك، حسبما كتبت الصفحة، واستكمل الحساب الذي يدار بمعرفة «ورثة» العندليب، بأن «الحفل سيكون سقطة في حق المهرجان».

وبدأت أزمة الحفل التي أثيرت خلال الأيام الماضية، عقب إعلان صفحات المهرجان «السوشيالية»، عن إقامته، الأمر الذي أثار حفيظة أسرة العندليب، والتي أعلنت عبر بيان صحافي، أنها ستقوم بمقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، لعدم التواصل أو الاتفاق معهم بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

ويقول الناقد الموسيقي المصري أمجد مصطفى: «إن هذا النوع من الحفلات يحظى بحضور كبير، نظراً للحنين الجارف لهؤلاء النجوم، وأعمالهم التي أثرت الساحة الفنية»، وأوضح مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن إقامة هذه الحفلات في إطار منظم وعدم الإساءة لاسم النجم وشكله، أمر رائع ومتاح لتوثيق حضورهم مجدداً، كي تتعرف عليهم الأجيال الحالية.

وأكد مصطفى أن من حق «ورثة»، عبد الحليم، الاعتراض على إقامة الحفل إذا كان يسيء له، لكن خلاف ذلك فوجود اسمه، وغيره من النجوم بأعمالهم في حفلات وأعمال درامية أيضاً، أمر مهم للتوثيق الفني.

لم يكن حفل «العندليب»، الهولوغرامي، الأول من نوعه خلال مهرجان «موازين»، فقد تم استخدام التقنية نفسها، العام الماضي، في حفلين سابقين لـ«أم كلثوم»، وفق إدارة المهرجان.

الناقد الفني المصري محمد شوقي أكد أن نجاح هذه الحفلات يعود لكون الأغنيات التي تقدم بها تحمل مشاعر وأحاسيس ومعاني افتقدناها بشكل كبير في الإنتاجات الفنية الحالية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحفلات تعد فرصة جيدة للتحليق في سماء الفن، وظاهرة صحية نتيجة الظروف القاسية التي نعيشها».

وقدم عبد الحليم حافظ عدداً كبيراً من الأفلام العربية، التي اتسمت بالطابع الغنائي من بينها، «لحن الوفاء»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد غرام»، و«دليلة»، و«الوسادة الخالية»، و«شارع الحب»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، «أبي فوق الشجرة»... وغيرها.