«طقوس على حافة الوجود»... لوحات تستدعي الأساطير الشعبية

الفنان عادل ثروت يجسد «الروح المصرية» في 25 عملاً

أعمال الفنان تحمل الكثير من الدراما (الشرق الأوسط)
أعمال الفنان تحمل الكثير من الدراما (الشرق الأوسط)
TT

«طقوس على حافة الوجود»... لوحات تستدعي الأساطير الشعبية

أعمال الفنان تحمل الكثير من الدراما (الشرق الأوسط)
أعمال الفنان تحمل الكثير من الدراما (الشرق الأوسط)

من قلب الحارات الشعبية، وتحديداً من منطقة القلعة بالقاهرة الفاطمية، تشكلت الرؤية البصرية الأولى للفنان التشكيلي المصري عادل ثروت؛ لتنعكس بعد ذلك في أعمال تستدعي الأساطير الشعبية والرموز المترسبة في الوجدان المصري منذ العصور القديمة (زمن الفراعنة)، مروراً بحضارات متنوعة مرت على مصر.

وداخل معرضه المقام في غاليري «ضي» بالزمالك (غرب القاهرة)، حتى منتصف مايو (أيار)، يعيد ثروت صياغة هذه المعاني والأفكار والرموز المحتشدة في الوجدان الشعبي تحت مسمى «طقوس على حافة الوجود» الذي اختاره عنواناً لمعرضه، وعبر 25 لوحة يقدم رؤية بصرية حاشدة وثرية تعبر عن الطقوس الشعبية في الموالد والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة.

أعمال عادل ثروت تستلهم التراث الشعبي المصري (الشرق الأوسط)

يقول ثروت إنه استهدف منذ بداية مشروعه الفني إنتاج أعمال تستند إلى مفهوم تأصيل الحاضر بخلفية الماضي، وكان التراث والموروث الشعبي المصري هو المنطلق الفكري والفلسفي لمجمل أعمالي الفنية.

وبحكم الميلاد والنشأة في أحضان القاهرة التاريخية (حي القلعة بالدرب الأحمر)، عايش الفنان مجموعة من التصورات والممارسات الشعبية والمعتقدات التي تمتد جذورها في التراث المصري أو ما يمكن أن نطلق عليه المخيال الجمعي الشعبي الذي كان ولا يزال المصدر الرئيس لمشروعه الفني الذي بدأه عام 1990.

ويضيف الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «منذ تعييني معيداً بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، في تسعينات القرن الماضي، فكرت في الطريقة التي تؤهلني لدخول الوسط الفني بطريقة مميزة تعبّر عني وتمسّ وجداني، ووجدت الحي الشعبي الذي ولدت فيه هو المكان الأنسب لنقل ثقافته وأبعاده وطقوسه الشعبية الممتدة في عمق الزمن».

تتداخل الألوان مع الرسم والفن الحروفي في أعمال الفنان (الشرق الأوسط)

ويتابع: «رأيت الموالد وحلقات الزار والكثير من الطقوس الشعبية الأصيلة. واعتبرت هذه الطقوس مدخلاً لأعمالي تحت مفهوم معتقدات شعبية مصرية، وإن كنت بدأت مشواري بالعمل المركب، ووضعت فيه العديد من الرموز عن الطقوس والمعتقدات الشعبية، فإن هذه التيمة أو الفكرة ظلت ممتدة معي في فن التصوير».

وينطلق الفنان عادل ثروت من مشروع متكامل يعتمد على رصد المعتقدات الشعبية التراثية الراسخة في الوجدان الجمعي المصري، فالمعارض الأولى له كانت تحمل عناوين «معتقدات مصرية1» و2 و3، ثم «على هامش الذاكرة» و«الزار»، وكان معرضه السابق في جاليري «بيكاسو» بعنوان «طقس شعبي» عام 2022، ويقول: «حين ظللت 10 سنوات أقدّم الأعمال المركبة، ضمنت فيها الرموز الخاصة بالحسد أو الأحجبة أو التماسيح المحنطة وقرون الحيوانات والنصوص الكتابية، ثم انتقلت للتصوير الذي أعمل عليه منذ أكثر من 20 عاماً».

لوحات الفنان عادل ثروت (الشرق الأوسط)

وتتنوع لوحات الفنان في رصد المعتقدات أو المظاهر الشعبية التي تلوح فيها رموز تعود بجذورها للحضارة المصرية القديمة (الفرعونية)، وبعضها ينتمي للفن القبطي، وآخر للفن الإسلامي في تناغم وبناء متصل، وتغلب المساحات البيضاء على لوحات بعينها، فيما تتركز الفكرة أو الشخوص في حيز بسيط كدليل على اتساع الأفق بما يمنح العين براحاً في الرؤية.

وعن هذه التأثيرات المتعددة للحضارات المصرية على لوحاته، يقول ثروت: «التراث الشعبي المصري هو مزيج بين كل الحضارات التي كانت موجودة في مصر، جزء منه قادم من مصر القديمة، وآخر من الحضارات التالية، والوعي الجمعي المصري يصوغ من كل ذلك حالة خاصة به».

وأشار إلى رؤية استلهمها من أحد باحثي التراث الشعبي الذي قال إن التراث المصري هو جدار يعود للحضارة المصرية القديمة، ثم جاء الفن القبطي وقام بطلاء الجدار، ثم جاء الفن الإسلامي وأضاف طبقة أخرى من الطلاء، ثم بدأ الجدار يتفاعل مع الطلاءَيْن ويحدث تأثيره فيهما، ومن ثم لا تستطيع على المستوى الشعبي أن تفصل المصري القديم عن القبطي عن الإسلامي.

ويضرب الفنان مثالاً بما يرسخ في الوجدان الشعبي بأن القادم من الخارج عليك وأنت في بيتك عادة ما يكون محملاً بطاقة وقوى غير مرئية، ربما تكون خيّرة أو شريرة، من هنا جاءت فكرة التمائم التي تُعلّق على البيوت للحد من طاقة الشر، ومنها تماسيح محنطة أو حدوة حصان أو «خمسة وخميسة» أو غيرها من التمائم.

تأثيرات حضارية متنوعة تتضمنها اللوحات (الشرق الأوسط)

وأشار الفنان إلى أن معرضه الأحدث الذي اختار له اسم «طقوس على حافة الوجود» يتحدث عن موضوع الرجل والمرأة في الموروث الشعبي، واعتبر أن لهذه العلاقة العديد من التصورات المرئية وغير المرئية التي تظهر في الأفراح وطقوس واحتفالات الزواج، ولها مرجعيات تاريخية، وتنتقل عبر الأجيال، وتكمن عبقرية الذاكرة الشعبية المصرية الجمعية في إعادة صياغتها بما يناسب الواقع.

وختم ثروت بأنه لا يقدّم هذه الأفكار بشكل مباشر، بل تظل كامنة خلف اللوحات، ويقوم برصد المحتوى الدلالي لها في لوحات تسجيلية تحمل نوعاً من الترميز.


مقالات ذات صلة

كليوباترا في باريس... الملكة المتمرّدة أيقونة تتجاوز الزمن

يوميات الشرق تعدَّدت الملامح والاسم واحد (صور المعرض)

كليوباترا في باريس... الملكة المتمرّدة أيقونة تتجاوز الزمن

بفضل انتحارها، أفلتت كليوباترا من أسر الرومان، وصنعت أسطورتها الخالدة: الموت البطولي لملكة بالغة الجاذبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا منظر لمنطقة «ووتر بلازا» في موقع المعرض العالمي بأوساكا 4 يونيو 2025 (أ.ب)

معرض «إكسبو» في اليابان يعلّق العروض المائية بسبب تلوّث بكتيري

عُلِّقت العروض المائية اليومية ومنطقة حمام السباحة الضحلة في معرض «إكسبو 2025» في مدينة أوساكا باليابان مؤقتاً بسبب تلوث بكتيري يتطلب أعمال تطهير.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق امرأة تتأمل منحوتة «شخصية» لخوان ميرو من نافذة «المؤسسة» في برشلونة (أ.ف.ب)

برشلونة تحتفي بـ50 عاماً من عمر «مؤسسة خوان ميرو»

«مؤسسة خوان ميرو» في برشلونة تحتفل بمرور 50 عاماً على تأسيسها، عبر برنامج فني متنوع يُبرز إرث الفنان الكاتالوني العالمي.

«الشرق الأوسط» (برشلونة)
يوميات الشرق عمل للفنان عمر الفيومي ضمن المعرض (غاليري قرطبة)

«وُلد في قصيدة»... معرض جماعي يمزج الشِّعر وسحر الألوان

تحضُر قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش بشكل لافت، إذ كانت مصدر إلهام لعدد من أعمال المعرض، من بينها منحوتة للفنانة سماء يحيى بخامة البرونز...

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق الشَّعر... صوتٌ داخلي (غيتي)

الشَّعر الأفريقي في معرض «للجميع» بإنجلترا

سيُفتتح معرض للاحتفال بالشَّعر الأسود في أحد المعارض الفنّية بمدينة هال الإنجليزية. ويحمل الحدث عنوان «الشَّعر: الهوية في العالم الأفريقي».

«الشرق الأوسط» (لندن)

دمية «لابوبو» بحجم إنسان تُباع بمبلغ خيالي

«لابوبو»... من دمية إلى ظاهرة (رويترز)
«لابوبو»... من دمية إلى ظاهرة (رويترز)
TT

دمية «لابوبو» بحجم إنسان تُباع بمبلغ خيالي

«لابوبو»... من دمية إلى ظاهرة (رويترز)
«لابوبو»... من دمية إلى ظاهرة (رويترز)

بيعت دمية «لابوبو» بحجم الإنسان، هذا الأسبوع، بمبلغ قياسي بلغ 1.08 مليون يوان (150.324 دولار أو 110.465 جنيه إسترليني)، وفق دار مزادات صينية.

وذكرت «بي بي سي» أنّ الدمية البالغ طولها 131 سنتيمتراً (4 أقدام و4 بوصات)، بيعت في مزاد «يونغلي» الدولي في بكين. وقال منظّمو المزاد إنها أصبحت الآن أغلى لعبة من نوعها في العالم.

دمى «لابوبو» هي شخصيات غريبة على شكل وحوش، ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ من هونغ كونغ قبل عقد، وازدادت شعبيتها بعدما أيَّدها عدد من المشاهير.

تبيع شركة الألعاب الصينية «بوب مارت» هذه الدمى، وعادةً ما تكلِّف نحو 50 يواناً.

وهذا الأسبوع، كان المزاد مخصَّصاً بالكامل لـ«لابوبو»، فطُرحت 48 قطعة للبيع بحضور نحو 200 شخص.

وقالت دار المزاد إنها جمعت ما مجموعه 3.37 مليون يوان.

أثارت «لابوبو» ضجة شرائية عالمية بعد ظهورها المتكرّر في منشورات ليزا من فرقة البوب الكورية «بلاك بينك» على وسائل التواصل الاجتماعي.

أصبحت الآن أغلى لعبة من نوعها في العالم (رويترز)

وأصبحت هذه الدمى موضة رائجة على تطبيق «تيك توك» بعدما ارتداها مشاهير آخرون، منهم ريهانا ودوا ليبا.

كما نشر قائد منتخب إنجلترا السابق لكرة القدم، ديفيد بيكهام، صورة على «إنستغرام» لدمية «لابوبو» معلّقة على حقيبته.

في وقت سابق من هذا العام، سحبت شركة «بوب مارت» الدمى من جميع متاجرها في المملكة المتحدة بعد تقارير عن تشاجر العملاء عليها.

غالباً ما تبيع شركة التجزئة الصينية الألعاب القابلة للتجميع في «صناديق مغلقة» غامضة. وتحظى هذه المنتجات بشعبية لدى العملاء الذين لا يكتشفون تصميم الدمية إلا بعد فتح العبوة.

أسهمت شعبية ألعاب «لابوبو» في نجاح شركة «بوب مارت»، فبلغت إيراداتها 13 مليون يوان عام 2024، أي أكثر من ضعف الرقم المُسجَّل في العام السابق.

افتتحت الشركة، العام الماضي، متاجر جديدة في 5 بلدان، بما فيها إيطاليا وإسبانيا.