فوق جبال الطائف العريقة، حيث يلتقي عبق الماضي بنسمات الحاضر، تنبت زهرةٌ ناعمةٌ بلون البنفسج تحمل بين طياتها قصة شغف وطموح. إنها اللافندر، أو كما تُعرف محلياً بـ«الضرم» التي أعاد عيضة عواض الطويرقي زراعتها إلى الواجهة بعد أن أوشكت على الاختفاء من البيئة الجبلية في المنطقة.
في مزرعة «ورد الطائف»، لم تعد هذه الشجيرة مجرد نبات عطري، بل أصبحت رمزاً للهوية الزراعية المحلية، ومصدراً لمنتجات فاخرة تجمع بين الجمال والعلاج، وأحد أسرار النحل الذي يصنع من رحيقها عسلاً لا يُضاهى في الجودة والمذاق.
يقول الطويرقي: «اللافندر شجرة مشهورة عند أهل المنطقة، وتنمو في بيئتنا الجبلية بشكل طبيعي، لكن مع مرور الوقت بدأت أعدادها تتناقص بشكل ملحوظ»، هذا التدهور الطبيعي دفعه إلى البحث عن طريقة منهجية لاستزراعها بطريقة حديثة ومنظمة، تحافظ على هذه النبتة ذات الخواص الطبية والعطرية المميزة، وتعيد لها حضورها في الطبيعة والذاكرة.
لم تكن البداية سهلة، فالتحدي الأول كان في الحصول على شتلات اللافندر، وهو ما تطلب سنوات من البحث والجهد والتجريب. ومع المعرفة بأن هذا النبات يفضّل المناخ البارد أو المعتدل، عمل الفريق على تهيئة الظروف الملائمة له.
واليوم، تزهر شجيرات اللافندر مرتين في السنة، بداية من شهر يناير (كانون الثاني) وحتى مارس (آذار)، وتبقى الزهور متألقة على الأغصان لنحو شهرين قبل أن تذبل، بعدها تبدأ دورة حياة جديدة. وقد تم اختيار نوعين من الأنواع المحلية التي تتلاءم مع طبيعة المنطقة؛ حفاظاً على التنوع البيئي المحلي.
من الزهرة إلى الزيوت والعسل
في مزرعة «ورد الطائف»، لا تُستخدم زهور اللافندر فقط للزينة، بل تتم الاستفادة منها بطرق رئيسية عدة، وهي: النبات مباشرة، حيث تُعرض النباتات لزوار المزرعة لتأملها ولمسها واستنشاق عبيرها، وتجفيف الزهور؛ لتُستخدم لاحقاً في مستحضرات منزلية أو عطرية، وأيضاً استخلاص الزيوت العطرية التي تدخل في الكثير من الصناعات التحويلية، مثل مستحضرات التجميل والعلاج بالعطور.
لكن أكثر ما يُثير الإعجاب هو أن هذه الزهرة الساحرة تجذب النحل، وتنتج أجود أنواع العسل في المملكة، وهو عسل اللافندر، أو كما يُعرف محلياً بـ«عسل الضرم»، الذي يتميز بلونه الفاتح وطعمه ورائحته الفريدة، إلى جانب فوائده الصحية الكثيرة، منها مقاومة البكتيريا، التهدئة وتحسين النوم، دعم الهضم، تعزيز المناعة، وتخفيف التهابات البشرة ومشاكل الجهاز التنفسي.
وجهة سياحية تنبض بالجمال
قبل زراعة اللافندر، كانت المزرعة وجهة سياحية تقليدية، لكن إدخال هذا النبات أضفى عليها بعداً جديداً، جذب الزوار من كل أرجاء المملكة والخليج وحتى الدول الأجنبية. عن ذلك يقول الطويرقي: «أشعر بالفخر عندما أرى الزوار يقضون أوقاتهم بين الزهور، يلتقطون الصور، ويعيشون لحظات من الصفاء مع عائلاتهم».
يؤمن الطويرقي أن ما بدأه اليوم نواة لغدٍ زراعي مزدهر، متماشٍ مع «رؤية السعودية 2030» و«مبادرة السعودية الخضراء». ويضيف: «نحن في أول الطريق، وأعتقد أن زراعة اللافندر ستكون من الزراعات الواعدة تجارياً، وقريباً سنرى المزيد من المزارع المتخصصة تنتشر في أنحاء المملكة». ويتابع بالقول: «نضع كل إمكاناتنا وطاقتنا لجميع الباحثين أو طلاب العلم، ونسعد دائماً بالتعاون مع الجميع».
ويأتي حضور اللافندر البنفسجي متناغماً مع توجه ثقافي أوسع في المملكة، التي اعتمدت في عام 2021 اللون البنفسجي ليزين سجاد مراسم استقبال ضيوفها الرسميين، في مبادرة مشتركة بين وزارة الثقافة والمراسم الملكية. وهذا الاختيار جاء محاكاةً لألوان زهور الخزامى والريحان والعيهلان التي تكسو صحاري السعودية في فصل الربيع؛ تجسيداً لقيم الترحيب والكرم، وللدلالة على النمو والتجدد الذي تمضي المملكة نحوه بثقة ضمن «رؤية السعودية 2030».