في حين يعيش العالم، لحظات تسارع، وفي زمن يعاد فيه رسم الحدود بين ما هو ممكن وما هو واقع، تأتي الأعمال المشاركة في أسبوع «فن الرياض» الذي انطلق (الأحد)، لتسلط الضوء على العلاقة ما بين الأفكار والأدوات التي يتعامل معها الناس.
وتشكّل الأعمال الفنية التي يقدمها أسبوع فن الرياض ما يشبه خريطة متعددة الألحان، ومترابطة ومتنوعة في الوقت نفسه، وتتفاعل في 3 موضوعات رئيسية تشكل محاور نسخة هذا العام من المعرض، وهي الحياة اليومية والمناظر الطبيعية والزخارف.

وفي صالة «أثر لا يرى» ضمن معارض أسبوع فن الرياض، تعالج الأعمال المشاركة العلاقة مع الصوت، وإعادة النظر فيه، ليس بوصفه وسيلة إدراك، بل بمثابة قوة تحولية، وتتبّع الأعمال تجليات الصوت والموسيقى التي تتجاوز وظيفتها الجمالية، وتتحوّل إلى حضور غير مرئي يربط الجسد بالذاكرة، والإيقاع بالمساحة، واللحظة بما يتجاوزها.
وتساهم أعمال الفنانين عبد العزيز عاشور، وبدور السديري، وعبد الله الخريّف وخالد بن عفيف، المشاركة في معرض أثر لا يرى، في تتبّع أثر ما يختبره الأفراد، في تشكيل وعيهم، بحيث لا تكون الموسيقى في وجهة نظر الفنانين مجرد حدث صوتي، بل تجربة يتجاوز أثرها لحظة الاستماع، وتستقر في مكان أعمق من الحواس.
وفي التكوين الفني المتعدد الذي قدمه الفنانون، لا تُقدَّم الأعمال أجوبة، بل إشارات مفتوحة نحو تجارب حسية تتجاوز ظاهر الصوت، ودعوة لتأمل ما تتركه التجربة بعد انقضائها، وفي القدرة على الإصغاء لما لا يُقال، والتفاعل مع ما لا يُرى، ومع ما يُحدثه من تغيير دقيق، دائم، وهادئ لدى الأفراد.

أما عمل «الدرعية: مشروع الربع تون» فتحاول من خلاله الفنانة السعودية بدور السديري التعاطي مع ملامح سؤال بدأ يطرق ذهنها بعد خوض تجربة شخصية مهمة، وحاولت من خلال عملها الإجابة على سؤال «ما الذي يجعل للصوت هوية؟ وكيف يمكن أن نحفظ الأثر السمعي في زمن تهيمن فيه الماكينات؟».
وعبر صندوق صغير سمته الفنانة بـ«البوكس الموسيقي» الذي ابتكرته ليكون بمثابة مسرح لصوتٍ يحمل الذاكرة ولا يكررها، تحاول السديري إعادة اكتشاف الصوت من جذوره.
وقد بدأ العمل من خلال رحلة قطعتها بدور السديري برفقة الباحث غالب الحميميدي، للعثور على فهم دقيق للنوتة العربية في سياقها التقني، والتحديات التي تواجهها داخل الأنظمة الصوتية الصناعية.

تلك الرحلة التي امتدّت إلى كل المناطق السعودية بدأت في عام 2019، وكانت خلالها الأغنية وسيلة لتمرير القيم، لا مجرد وسيلة للاحتفال بها فقط، ومع تراكم الخبرة وتداخل الاختصاصات، تحوّلت التجربة إلى مشروع تجريبي يعيد صياغة العلاقة بين الموروث والآلة، ومحاولة لتثبيت الهوية السمعية لا في الماضي، بل في الزمن التقني الراهن.
واستلهم العمل من كتابات المؤرخ «ابن بشر» حول الدرعية، ومن وصف المستشرق جون لويس رينادو، لوادي حنيفة عام 1795، وكأن الزمن تحوّل إلى نغمة، والوادي إلى ذاكرة تتكلم.


«على مشارف الأفق» دعوة للتأمل
يأتي أسبوع فن الرياض، في وقت تجد فيه العاصمة السعودية نفسها في خضم تحول غير مسبوق، فالرياض التي شكلها تراثها الغني، تعكس هذه الديناميكية بشكل مثالي، خاصة أنها تقع على تقاطع طرق الصحراء والمدينة، وتنبض بإيقاع التجدد، ويعد مكانها سرداً للتكيف والتعددية، حيث تتناغم فيها المناظر الطبيعية الثقافية والمعمارية والاجتماعية، وعلى مشارف هذا الأفق، يأتي الفن ليبث التحدي والتفكير، وليصور ما ينتظر الأفراد في المستقبل فيما هم منغمسون في الحاضر.
تجدر الإشارة إلى أن الموضوعات التي تناولتها الأعمال المشاركة في المعرض تشكل بمجملها، خريطة تحول متعددة الألحان، وتكشف عن تفاصيل إيقاع داخلي تتقاطع فيه الأوقات، لتقديم وجهات نظر متعددة حول تطور المنطقة وقدرتها على مواكبة التسارع الذي تشهده.