مشاهير يعيشون بلا هاتف... فمتى تمتدّ العدوى إلى باقي البشر؟

الجيل زد الأكثر جرأةً ويتحوّل إلى «الهواتف الغبيّة»

موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
TT

مشاهير يعيشون بلا هاتف... فمتى تمتدّ العدوى إلى باقي البشر؟

موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)
موضة التخلّي عن الهاتف تنتقل من المشاهير إلى «الجيل زد» (رويترز)

لا تستطيع المغنّية الأميركية دوللي بارتون الاستغناء عن آلة الفاكس الخاصة بها، فهي لا تزال حتى اليوم تستخدمها للتواصل مع الآخرين. ووفق صديقتها المغنية مايلي سايرس فإنّ بارتون لا تكاد تستعمل الهاتف.

مثلُها زميلُها ألتون جون الذي تخلّى عن الهاتف الجوال، واستعاض عنه بالجهاز اللوحي iPad عند الضرورة، وذلك للاتصال بولدَيه، أو لتسهيل أمور العمل. وفي حديثٍ ضمن برنامج Jimmy Kimmel Live، قال الفنان البريطاني إنّ حياته رائعة من دون هاتف: «أكره الهواتف الجوالة لأنها تلغي الخصوصيّة، ولم أتحمّل أن أقتني واحداً كي لا يتّصل بي الناس مرّتَين في الدقيقة».

صرّح المغنّي البريطاني إلتون جون بأنه يكره الهواتف الجوالة (رويترز)

ليست موضة الاستغناء عن الهاتف الجوال بكل ما يحمل من مغرياتٍ تكنولوجية محصورةً بالمشاهير الذين تخطّوا الـ70 من العمر، إنما تنسحب على مَن هم أصغر سناً.

عام 2015، وكجزءٍ من مقررات السنة الجديدة، تخلّص المغنّي البريطاني إد شيران من هاتفه الذكيّ. الهدف الأساسيّ من ذلك القرار كان الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي. في إحدى مقابلاته، تحدّث شيران عن الأمر كاشفاً أنّ تعلُّقَه بالهاتف أتعبه كثيراً، وقد انتهى الأمر بأن أُصيب بالإحباط. وأضاف: «عندما تخلّصت منه شعرتُ وكأنّ أثقالاً نزلت عن كتفيّ». ويكتفي شيران بالجلوس أمام جهاز الكمبيوتر بضع ساعات كل أسبوع من أجل متابعة بريده الإلكتروني.

منذ عقدٍ من الزمن قطع إد شيران علاقته بالهاتف الجوال (رويترز)

من بين المشاهير والفنانين الذين وجدوا سعادتهم في حياةٍ خالية من الهواتف الذكية، المغنية سيلينا غوميز، والممثلة سارة جسيكا باركر، والمغني جاستن بيبر، والمخرج كريستوفر نولان.

أما الإعلامي البريطاني سايمون كاول فقد كان هو الآخر من بين السبّاقين في الاستغناء عن هواتفهم. عام 2017، اكتشف كاول أنّ كل الرسائل الواردة إلى هاتفه تتسبّب له بالإرهاق، وتأخذ وقتاً كثيراً من عمله وحياته عموماً. في حوار مع أحد البرامج التلفزيونية الأميركية، أخبر كيف أنه وفي أحد الصباحات، استيقظ ليكتشف 52 رسالة غير مقروءة على شاشة الهاتف، فقرر ألّا يجيب عليها، وأن يطفئ هاتفه. أضاف كاول: «أطفأته يوماً ثم شهراً، فـ3 أشهر، ثم سنة، سنتَين، ثلاثاً... لقد راق لي الأمر كثيراً».

الإعلامي البريطاني سايمون كاول (إنستغرام)

في وقتٍ تدور معظم أخبار «السوشيال ميديا» حولهم، فإنّ عدداً كبيراً من المشاهير غير مدركين لذلك بما أنهم قرروا الانفصال عن الواقع الافتراضي.

هم الذين يوظّفون مديري أعمال ومساعدين شخصيين يتولّون الردّ على اتصالاتهم وبريدهم، وإدارة صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يبدو هذا القرار صعباً بالنسبة إليهم. لكن هل يستطيع البشر العاديّون أن يقوموا بالمثل، وأن يعيشوا حياةً خالية من الهواتف؟

التخلّي عن الهواتف الذكيّة صار من أكبر التحديات (رويترز)

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت مبيعات الهواتف الجوالة قديمة الطراز قفزةً نوعيّة، بعد أن كانت طيّ النسيان. يعود ذلك إلى ميلٍ لدى «الجيل زد» (Gen Z) إلى الابتعاد عن الهواتف الذكيّة. لا يفعلون ذلك تأثُّراً بالمشاهير، بل لأنّ هذا الجيل تيقّظ على ما يبدو إلى مضارّ الهواتف.

بعد أن كان نجمها أفل، عادت شركة «نوكيا» إلى تصنيع بعضٍ من هواتفها القديمة. حصل ذلك نزولاً عند رغبة الجيل الصاعد، الذي أطلق حملة عبر منصة «تيك توك» تحت عنوان «أعيدوا الهواتف القديمة».

أعادت شركة «نوكيا» إطلاق طراز 3310 بعد أن صار من الأرشيف (رويترز)

وفق شركة الأبحاث البريطانية «GWI»، فإنّ أكثر شريحة عمريّة تدنّى مستوى استخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي للهواتف الذكية، هي تلك المتراوحة سنوات ولادتها ما بين 1995 و2012. يلي هؤلاء جيل الألفيّة (1980 – 1994).

إلى جانب موضة النوستالجيا إلى كل ما هو قديم، أدرك هذان الجيلان أو جزءٌ لا بأس به منهما، أنّ الخصوصية أهمّ من مشاركة تفاصيل حياتهم مع الآخرين عبر منصات التواصل. كما أنهم ارتأوا الابتعاد عن الهواتف الذكية لأسبابٍ مرتبطة بالصحة النفسية والجسديّة.

استُحدث الـ«Boring Phone» نزولاً عند رغبة الجيل الصاعد بهواتف غير ذكيّة (الشركة المصنّعة)

يدخل «الهاتف المملّ» (Boring Phone) ضمن قائمة الهواتف غير الذكيّة (أو الغبيّة كما يطلق عليها الجيل الجديد). طُرح هذا الهاتف في الأسواق قبل سنوات تلبيةً لرغبة الشباب بهاتفٍ غير معقّد، ويفتح على الطريقة القديمة، كما يساعدهم على التخلّص من الإدمان على الشاشة.

هذه العودة إلى الواجهة للهواتف القديمة لا تعني حتماً أنها آتية لتحلّ مكان الهواتف الذكيّة، ولا لتقنع الناس باقتناء القديم بدل الجديد، إلّا أنّ ثمّة حكمةً واضحة من هذه اليقظة. فمهما كانت مسلّية ومفيدة وعملية، تبقى العلاقة بالهواتف الذكية مشوبةً بالمخاطر. أوّلها صحّي، كآلام العنق والظهر، واضطرابات النوم، والآثار السلبية على العينَين والجهاز العصبي. وليس آخرُها نفسيّاً مثل القلق، والتوتّر، والعزلة الاجتماعية.

فهل يحذو الناس تدريجياً حذو المشاهير الذين قرروا العيش من دون هواتف، أم أنّ سطوتها ستزيد لتصبح الحياة من دونها أكثر استحالةً؟


مقالات ذات صلة

الطلب الشديد على رقائق الذاكرة قد يرفع أسعار الجوالات الذكية... ما القصة؟

تكنولوجيا امرأة تستخدم جوالها داخل متجر لشركة «أبل» في بكين (رويترز)

الطلب الشديد على رقائق الذاكرة قد يرفع أسعار الجوالات الذكية... ما القصة؟

مع استهلاك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي كميات كبيرة من رقائق الذاكرة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات قد يواجه المستهلكون ارتفاعاً بأسعار منتجات تكنولوجية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك كثرة استخدام الهاتف تهدد الصحة (رويترز)

هاتفك يهدد حياتك... تحذيرات من تسببه في السرطان وأمراض القلب والسكري

كشفت مجموعة من الدراسات الحديثة عن أن كثرة استخدام الهاتف تهدد الصحة، حيث تؤثر سلباً على النوم والحالة النفسية، وتؤدي إلى مجموعة من المشكلات الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أحدث طراز أحذية رياضية من توقيع ترمب (متجر ترمب الإلكتروني)

منتَجات «ترمب»... أحذية وعطور وشموع وأكواب وهواتف للبيع

دونالد ترمب لا يهدي العطور فحسب، إنما يبيعها. وفي متجره الإلكتروني أكثر من مجرّد عطور، فالسلع كثيرة وأسعارها تناسب الجميع.

كريستين حبيب (بيروت)
تكنولوجيا فصل أجهزة الشحن يوفر في استهلاك الطاقة (بيكسلز)

هل يجب فصل الشواحن عند الانتهاء من استخدامها؟

يزداد عدد الشواحن الموصولة بالكهرباء في المنازل اليوم سواءً للجوالات أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو كاميرات المراقبة وغيرها

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «أبل» يظهر على مبنى في مانهاتن (د.ب.أ)

«أبل» تتجاوز حاجز الـ4 تريليونات دولار للمرة الأولى

تخطت القيمة السوقية لشركة «أبل» حاجز 4 تريليونات دولار للمرة الأولى، الثلاثاء، لتصبح ثالث شركة تكنولوجيا كبرى تحقق هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (مانهاتن)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.


أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.