أيادٍ ماهرة تُرمِّم كنوز «المدينة المحرَّمة» الصينية

حُوِّلت متحفاً عام 1925 بعد طرد الإمبراطور المخلوع وبلاطه

يدٌ ماهرة تعيد الألق (أ.ف.ب)
يدٌ ماهرة تعيد الألق (أ.ف.ب)
TT
20

أيادٍ ماهرة تُرمِّم كنوز «المدينة المحرَّمة» الصينية

يدٌ ماهرة تعيد الألق (أ.ف.ب)
يدٌ ماهرة تعيد الألق (أ.ف.ب)

في ورشة عمل بـ«المدينة المحرَّمة» في بكين، تنحني إحدى مرمِّمات القطع التاريخية فوق تمثال عمره قرون، وتستخدم قطعة قطنية لتنظيف زواياه المتربة بعناية، بعد سنوات قبع خلالها في المخازن.

فمن أصل 1.86 مليون قطعة محفوظة في متحف القصر الإمبراطوري السابق في العاصمة الصينية بكين، لا يتسنى للجمهور الاطّلاع إلا على جزء صغير، يُعرض تباعاً، بالمداورة، أو تبعاً للمعارض.

وتحت قيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي يدعو بانتظام إلى تحسين حماية التراث الثقافي، تكثَّفت جهود الحفاظ على القطع القديمة.

ويُعمَل حالياً على ترميم الآلاف من هذه الكنوز الثقافية، على أمل عرضها، بمجرّد إعادة البريق إليها، أمام زوار القصر السابق لأباطرة أسرتي مينغ (1368-1644) وتشينغ (1644-1911).

يحتفل المتحف هذا العام بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه (أ.ف.ب)
يحتفل المتحف هذا العام بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه (أ.ف.ب)

والأسبوع الماضي، عاينت «وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال زيارة نظّمتها الحكومة، الورشة المضيئة الواقعة في أحد أجنحة المدينة المحرّمة القديمة.

يضع عمال قفازات «لاتكس» ويعتنون بقطع ثمينة يعمدون إلى تلميعها بلطف ليعيدوا إلى فوانيس ومعلّقات من اليشم ولوحات مهترئة مجدها السابق.

تستخدم إحدى المرمّمات فرشاة دقيقة لتصليح رأس تمثال مكسور بعناية، بينما تغطّي أخرى مخطوطة قديمة من سلالة تشينغ بالسائل.

وفي هذا السياق، توضح رئيسة قسم الحفاظ على المخطوطات واللوحات في المتحف ما يوي أنّ «هذه المرمِّمة تعمل على ترميم حافة القطعة، أي المادة الزخرفية التي تدعمها». وتضيف: «ترميم هذه القطعة يعكس طبيعة عملنا بشكل جيد، لأننا يجب أن نعتمد على العناصر الأصلية، سواء لجهة الدعامة، أو المواد المستخدمة، أو لوحة الألوان أو حتى درجة القِدم».

إحدى مرمِّمات القطع التاريخية (أ.ف.ب)
إحدى مرمِّمات القطع التاريخية (أ.ف.ب)

وفي الجزء المفتوح للجمهور من المتحف، أصبحت إنجازات فرق الترميم مرئية بالفعل لآلاف الزوار الذين يتجوّلون يومياً في «المدينة المحرَّمة» القديمة؛ يرتدي البعض منهم أزياء تقليدية لالتقاط صورهم على طول الجدران الحمراء للمجمع الضخم.

وأشار المتحف إلى أنّ افتتاح مركز ثقافي جديد في بكين في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من شأنه أن يزيد بشكل كبير من عدد القطع الأثرية القديمة التي تُرمَّم كل عام.

وقد حُوِّلت «المدينة المحرَّمة» متحفاً عام 1925 بعد طرد الإمبراطور المخلوع آنذاك، بو يي، وبلاطه. ويحتفل المتحف هذا العام بالذكرى المئوية الأولى لتأسيسه.

وتشمل مجموعته لوحات ومخطوطات وبرونزيات وقطعاً ذهبية وفضية وأخرى من السيراميك ومنسوجات، وتغطّي كلّ أشكال الفنّ الصيني تقريباً من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث.

وقد تعرّض المتحف وأعماله للتهديد مرات في القرن الـ20، لا سيما خلال الغزو الياباني والحرب الأهلية الصينية.

مشهد من ورشة العمل في «المدينة المحرَّمة» (أ.ف.ب)
مشهد من ورشة العمل في «المدينة المحرَّمة» (أ.ف.ب)

وأزالت الحكومة الصينية آنذاك مئات الآلاف من القطع لمنع وقوعها في أيدي القوات اليابانية التي غزت أجزاء عدّة من الصين.

ونقل القوميون كثيراً من القطع من هذه المجموعة لاحقاً إلى تايوان بعد هزيمتهم على يد القوات الشيوعية الصينية وفرارهم من البرّ الرئيسي عام 1949.

وأنشأ المتحف فريقاً متخصّصاً في عمليات الحفظ عام 1952.

وفي مختلف أنحاء الصين، تعرّض عدد كبير من التحف الفنية والأماكن ذات القيمة التاريخية للتلف أو التدمير خلال الثورة الثقافية (1966-1976) على أيدي شباب متعصّبين استهدفوا رموز الماضي الإمبراطوري.


مقالات ذات صلة

ورقة علمية تكشف عن إصدار تجريبي نادر من النقود الأموية على معدن الرصاص

يوميات الشرق المسكوكة الرصاصية و دينار الخليفة الواقف ضرب دمشق (الشرق الأوسط)

ورقة علمية تكشف عن إصدار تجريبي نادر من النقود الأموية على معدن الرصاص

كشفت ورقة علمية جديدة عن اكتشاف جديد في تاريخ النقود الإسلامية المبكرة حيث أظهرت دراسة حديثة توثق لأول مرة وجود مسكوكة أموية مصنوعة من الرصاص.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق بعض أعضاء فريق عمل المشروع المكوَّن من كوادر سعودية ودولية (هيئة التراث)

«الجزيرة العربية الخضراء» يُعيد كتابة التاريخ الطبيعي لأراضي السعودية

مشروع علمي سعودي مشترك مع فريق بحثي عالمي يهدف إلى دراسة دلالات الوجود البشري في الجزيرة على مدى عصور ما قبل التاريخ.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق تاريخ في لوحة (كريستيز)

جدارية هندية أُهمِلت لعقود سعرها 13.8 مليون دولار

بعد عقود من النسيان، أُعيد اكتشاف تحفة زيتية على القماش للرسام الهندي مقبول فيدا حسين، مما أدّى إلى تحطيم الأرقام القياسية للفنّ الهندي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)

فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

أكّدت النيابة المالية الفرنسية أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي كان «صاحب القرار والراعي الفعلي» لصفقة الفساد التي أبرمها معاونان له مع القذافي سنة 2005.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الكشف قد يُغيِّر فَهْم التاريخ (جامعة دورهام)

كنز من العصر الحديدي قد يُغيّر تاريخ بريطانيا

كُشِف عن أحد أكبر وأهم كنوز العصر الحديدي التي عُثر عليها في المملكة المتحدة على الإطلاق، مما قد يُغيّر فهمنا للحياة في بريطانيا قبل 2000 عام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الجامعة الأميركية تحتفل بالقاهرة بوصفها «مدينة عالمية»

تلوين وأنشطة فنية في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)
تلوين وأنشطة فنية في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)
TT
20

الجامعة الأميركية تحتفل بالقاهرة بوصفها «مدينة عالمية»

تلوين وأنشطة فنية في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)
تلوين وأنشطة فنية في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)

على مدار ثلاثة أيام، فتحت الجامعة الأميركية بالقاهرة أبوابها للجمهور لاستضافة النسخة الثانية من مهرجانها الثقافي السنوي في مقرها التاريخي بميدان التحرير، وسط القاهرة، الذي كرّس فعالياته، التي تختتم (السبت) للاحتفاء بالقاهرة مدينةً عالميةً، باعتبارها «مركزاً لالتقاء الثقافات يربط بين أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط والعالم العربي».

وحسب الدكتور أحمد دلال، رئيس الجامعة الأميركية، في كلمته الافتتاحية، فإن المهرجان «يستكشف القاهرة كمدينة عالمية، نقطة التقاء بين أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط والعالم العربي، وبصفتها مركزاً ثقافياً للجنوب العالمي، فإن القاهرة هي المكان الذي يلتقي فيه التراث والناس والتاريخ في مشهد ديناميكي ومتطور».

افتتاح الحجرة الأرمينية (الجامعة الأميركية بالقاهرة)
افتتاح الحجرة الأرمينية (الجامعة الأميركية بالقاهرة)

انعكست ثيمة المهرجان الرئيسية على أعماله التي شملت عروضاً فنيةً وراقصةً، ومعرضاً فنياً، و«بازاراً» مفتوحاً يضم منتجات يدوية، ولقاءات ثقافية حول تاريخ الأطعمة الغنية متعددة الثقافات، يقول عادل راغب، أردني يعمل في مجال تطوير المطاعم بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يحضر خلال المهرجان ندوة مخصصة لمناقشة تطوّر المطبخ الشرق أوسطي، لأنه مهتم بفكرة الترابط الثقافي بين المطابخ، وكذلك التأثيرات المتبادلة بينهم، خصوصاً المطبخ الشامي والمصري».

وتربط بين قاعات المهرجان المختلفة ساحةٌ مفتوحةٌ تُقدم بها رقصات حيّة في الهواء الطلق أمام الجمهور، أبرزها لفريق رقص هندي يحاكي رقصات «بوليوود» الصاخبة، التي جرى تقديمها بدعم من مركز «مولانا آزاد» للثقافة الهندية في مصر.

جانب من العروض الغنائية بالمهرجان (الجامعة الأميركية)
جانب من العروض الغنائية بالمهرجان (الجامعة الأميركية)

وجذبت «الحجرة الأرمينية» زوار المهرجان بعد انتهاء ترميمها، وحرص الكثيرون على التقاط الصور أمام الجدار الرئيسي للغرفة الذي ضمّ حروف الأبجدية الأرمينية القديمة بتصميم جمالي وفني يجمع رموزاً ثقافية وفلكلورية من الثقافتين المصرية والأرمينية، وتحمل تلك الحروف اسم «أبجدية ماشتوتس» التي عُرض عنها فيلم تسجيلي في المهرجان حول سيرة الراهب «ميسروب ماشتوتس» الذي اشتهر باختراعه للأبجدية الأرمنية نحو عام 405 الميلادي، وكذلك استعراض لأشهر معالم أرمينيا التي تظهر بها الكتابات الأرمينية مثل الكنائس ودار المخطوطات القديمة.

حفل غنائي ضمن فعاليات المهرجان (الجامعة الأميركية)
حفل غنائي ضمن فعاليات المهرجان (الجامعة الأميركية)

وخلال المهرجان، عقد مؤتمر متخصص حول «تاريخ الترفيه في الثقافة» الذي نظم عدداً من المحاضرات واللقاءات، وكذلك معرضاً للكتاب يتماشى مع الثيمة الرئيسية للمؤتمر، وتقول الكاتبة والناشرة المصرية دينا قابيل، مديرة النشر بدار «المرايا»، إن «التاريخ مدخل مهم في الدراسات المعاصرة والإنسانية، واختيار ثيمة مثل الترفيه هذا العام لافت، وتستكشف كثير من العناوين والدراسات الجادة حول موضوع حيوي مثل الترفيه وصناعته وتأثيره في عالمنا العربي».

وتضيف: «نشارك في معرض الكتاب بعدد من العناوين التي تتماشى مع تلك الثيمة من تاريخ السينما والموسيقى والرقص والسيرة والفكاهة وغيرها، منها السيرة الروائية عن الملحن الراحل بليغ حمدي بعنوان (المزيكاتي) للكاتبة وسام سليمان، وكتاب (قهقهة فوق النيل) و(مهندس البهجة - فؤاد المهندس ولا وعي السينما) للدكتور وليد الخشاب، و(مسرح نجيب الريحاني) للدكتور سيد علي إسماعيل، وكتاب الدكتورة زينب أبو المجد كتاب (السياسة الأمينة بتاريخ من سكن المدينة)»، كما تقول لـ«الشرق الأوسط».

زوار للحجرة الأرمينية التي افتتحت أخيراً بالجامعة (الشرق الأوسط)
زوار للحجرة الأرمينية التي افتتحت أخيراً بالجامعة (الشرق الأوسط)

كما نظّم المهرجان الثقافي للجامعة الأميركية معرضاً للفنون البصرية لطلاب الفنون بالسنة النهائية بالجامعة بعنوان «قلب المقلوب» الذي جمع بين التصوير، والفيديو آرت، والفنون التفاعلية، ويطرح بشكل نقدي تفاعل الفنانين مع أسئلة وصراعات شخصية ووجودية والبحث عن مرتكزات تاريخية وروحية لتأملها، منها مشروع «من التراب إلى التراب» الذي اعتمد على فن «التجهيز في الفراغ» واستخدام مواد خام أولية مثل الخيش والجلود والحبال ليطرح رؤية فنية حول صراع الإنسان الداخلي الذي يستلهم سرديات توراتية وإنجيلية، وكذلك مشروع يُبرز عدم المساواة في توزيع الطاقة الكهربائية الذي يتجلى في الإضاءات الساطعة للوحات الإعلانات التجارية بالقاهرة في مقابل حرمان مناطق أخرى من الإضاءة.