جدارية هندية أُهمِلت لعقود سعرها 13.8 مليون دولار

حطَّمت الرقم القياسي بعدما ظلَّت غير ملحوظة على جدران مستشفى

تاريخ في لوحة (كريستيز)
تاريخ في لوحة (كريستيز)
TT
20

جدارية هندية أُهمِلت لعقود سعرها 13.8 مليون دولار

تاريخ في لوحة (كريستيز)
تاريخ في لوحة (كريستيز)

بعد عقود من النسيان، أُعيد اكتشاف تحفة زيتية على القماش للرسام الهندي مقبول فيدا حسين، مما أدّى إلى تحطيم الأرقام القياسية للفنّ الهندي. وبيعت لوحة حسين المُعنونة لاحقاً: «غرام ياترا»؛ وهي جدارية واسعة بعرض 14 قدماً، بسعر غير مسبوق بلغ 13.8 مليون دولار (10.6 مليون جنيه إسترليني) في مزاد لدار «كريستيز» بنيويورك الأسبوع الماضي، مُتجاوزةً بذلك الرقم القياسي السابق للفنّ الهندي الذي بلغ 7.4 مليون دولار (5.7 مليون جنيه إسترليني)، والذي سجَّلته لوحة «قاص الروايات» للفنانة أمريتا شير غيل عام 2023. ووفق «بي بي سي»، يُعدُّ حسين، الراحل عام 2011 عن 95 عاماً، رائداً في الحداثة الهندية، ومصدر إلهام دائم للفنانين الهنود. وعام 2006، غادر الهند بعد تلقّيه تهديدات بالقتل من جماعات متطرّفة هندوسية.

لنحو 5 عقود، ظلَّت اللوحة التي حطَّمت الرقم القياسي معلَّقة على جدران مستشفى نرويجي، غير ملحوظة وغير مقدَّرة. لكنها الآن أحد أبرز أعمال الفنّ الحديث في جنوب آسيا. ورسم حسين «غرام ياترا» التي تعني «رحلة القرية»؛ وهو الاسم الذي أُطلق عليها لاحقاً، عام 1954؛ أي قبل وقت طويل من أن يصبح رمزاً فنّياً. تتألَّف اللوحة من 13 مشهداً للقطات نابضة بالحياة القروية في الهند، تعكس مزيجاً مميّزاً من التقاليد الشعبية الهندية والتأثيرات الحداثية. وتُذكّر هذه المَشاهد بأسلوب اللوحات السردية في تقاليد المنمنمات الهندية؛ إذ تتشابك الصور الصغيرة في نسج قصّة متكاملة. استخدم حسين في جدارية «غرام ياترا» ألواناً زاهية وترابية لإضفاء الحيوية على المَشاهد، وصوَّر النساء في مشهديات الحياة اليومية؛ مثل الطهي، ورعاية الأطفال، وركوب العربة. وفي أحد المَشاهد، يمدُّ مزارع ذراعه كما لو كان يُمسك بالأرض في المَشهد المجاور؛ وهو إشارة إلى الجذور الزراعية العميقة في المجتمع الهندي.

في هذا السياق، قال رئيس قسم الفنّ الحديث والمعاصر في جنوب آسيا بدار «كريستيز»، نيهاد أفاري: «إذا كنت تبحث عن عمل فنّي واحد يُعرِّف الفنّ الحديث في جنوب آسيا، فهذه اللوحة المثالية». وأضاف أنّ اللوحة أظهرت أيضاً تأثُّر حسين برحلاته إلى الخارج، لا سيما رحلته إلى الصين عام 1952 التي عرّفته بأسلوب الخطوط التعبيرية للفنان شو بيهونغ؛ وهو تأثير تمكن رؤيته في ضربات الفرشاة القوية. في السنوات التي تلت استقلال الهند، لم يبحث حسين عن الإلهام في باريس أو نيويورك، وإنما في القرى الهندية، مُجسِّداً إيمان المهاتما غاندي بأنّ قلب الأمة يكمن في جذورها الريفية. وفق سيرة حسين التي كتبها أكهيليش (الذي يستخدم اسماً واحداً فقط)، فقد ساعد ارتباط الفنان العميق بالنسيج الثقافي للهند في تشكيل رؤية البلاد لنفسها؛ «كيف يعيش الناس، وماذا يحبون، وما الذي يفكرون فيه». كما أظهرت اللوحة البدايات المُبكرة لأسلوبه التكعيبي المُعدَّل؛ إذ برزت الأشكال الهندسية والخطوط الجريئة في أعماله.

وتضيف رحلة اللوحة من دلهي إلى أوسلو مزيداً من الغموض عليها. فقد اشتراها الطبيب الأوكراني ليون إلياس فولودارسكي عام 1954 مقابل 295 دولاراً فقط، خلال وجوده بالهند في مهمَّة لمنظّمة الصحة العالمية. وبعدما نقلها إلى النرويج، ظلَّت القطعة معلَّقة على جدران مستشفى جامعة أوسلو لنحو نصف قرن، من دون أن تحظى باهتمام كبير في عالم الفنّ. ظلَّ الوضع كذلك لعقود أخرى حتى تنبَّهت دار «كريستيز» إليها عام 2013 - بعد عامين من وفاة حسين - ما أدّى إلى عرضها في معارض عالمية قبل أن تُحقّق هذا المبلغ القياسي. ويعتقد الرئيس التنفيذي لمؤسّسة «داغ» (المعروفة سابقاً باسم معرض دلهي الفنّي)، أشيش أناند، أنّ هذا الإنجاز سيرفع من قيمة أعمال حسين بالكامل، وسيؤدّي إلى النظر للفنّ الهندي «ليس فقط من الناحية الجمالية، وإنما أيضاً بكونه أصلاً مالياً جاداً وملموساً».


مقالات ذات صلة

فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

العالم الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)

فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

أكّدت النيابة المالية الفرنسية أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي كان «صاحب القرار والراعي الفعلي» لصفقة الفساد التي أبرمها معاونان له مع القذافي سنة 2005.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الكشف قد يُغيِّر فَهْم التاريخ (جامعة دورهام)

كنز من العصر الحديدي قد يُغيّر تاريخ بريطانيا

كُشِف عن أحد أكبر وأهم كنوز العصر الحديدي التي عُثر عليها في المملكة المتحدة على الإطلاق، مما قد يُغيّر فهمنا للحياة في بريطانيا قبل 2000 عام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي يلقي كلمة خلال احتفال في سانت بطرسبرغ بروسيا 29 يونيو 2022 (رويترز)

روسيا: ميدفيديف يشبّه المستشار الألماني المحتمل ميرتس ﺑ«غوبلز» النازي

شبّه الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، اليوم الخميس، المستشار الألماني المحتمل فريدريش ميرتس بوزير الدعاية النازي السابق جوزيف غوبلز.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق الأطفال أكثر الدفنات الموجودة بجبانة كانت ورشة للفخار (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف مقبرة ملكية من عصر الانتقال الثاني في سوهاج

البعثة الأثرية المصرية - الأميركية من جامعة بنسلفانيا عثرت على المقبرة الملكية بجبانة «جبل أنوبيس» بأبيدوس في سوهاج.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق حفرية للجزء الأوسط الأيسر من وجه إنسان بدائي يعود تاريخها إلى ما بين 1.1 مليون و1.4 مليون سنة (أ.ب)

الكشف عن أقدم حفرية وجه جزئي معروفة لأحد أسلاف الإنسان بغرب أوروبا

أكد علماء آثار اليوم (الأربعاء) أنهم عثروا على أحفورة وجه جزئي لأحد أسلاف الإنسان هي الأقدم في أوروبا الغربية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

«ستوب كولينغ بيروت»... أحلام غارقة في بحر الحنين

فريق زقاق الذي يعمل معاً منذ نحو 20 عاماً (مسرح زقاق)
فريق زقاق الذي يعمل معاً منذ نحو 20 عاماً (مسرح زقاق)
TT
20

«ستوب كولينغ بيروت»... أحلام غارقة في بحر الحنين

فريق زقاق الذي يعمل معاً منذ نحو 20 عاماً (مسرح زقاق)
فريق زقاق الذي يعمل معاً منذ نحو 20 عاماً (مسرح زقاق)

لبيروت تأثيرها على أولادها، وزوّارها، وكل من وطأ أرضها. وتبقى بالنسبة لأجيال مرّت الحلم الذي لا تنطفئ شعلته، فيتذكرونها بحلوها ومرّها، وفي زمن السِّلم كما في زمن الحرب. قصصهم معها لا تنتهي، وهي محفورة في ذاكرة بحرها، وأزقتها، ومقاهيها، وشوارعها. وفي مسرحية «ستوب كولينغ بيروت» (Stop calling Beirut) على خشبة «زقاق» في العاصمة اللبنانية، يستعرض المخرج عمر أبي عازار فسيفساء العاصمة. اختار حقبة معينة ليحكي عن ذكرياته فيها. وتمتد ما بين الثمانينات والتسعينات. خلالها كانت بيروت تنتقل من الرماد إلى الإعمار. وحينها كبرت أحلام الشباب وتوسعت إلى حدّ طال سماءها.

تحكي قصة العمل عن 3 أصدقاء، يحاولون التقاط حنينهم للمدينة في تلك الفترة.

«ستوب كولينغ بيروت» على خشبة زقاق ابتداء من 4 أبريل (مسرح زقاق)
«ستوب كولينغ بيروت» على خشبة زقاق ابتداء من 4 أبريل (مسرح زقاق)

ومع الممثلين لميا أبي عازار، وجنيد سري الدين، ومايا زبيب، يتابع الحضور حكاياتهم. أما التصميم البصري فيعود إلى مايا الشامي، والسينوغرافيا لحسين بيضون. ويعود التأليف الموسيقي إلى كارول أوهير، وتصميم الإضاءة لأنطونيلا رزق. ويوقع إخراجها كل من عمر ولميا أبي عازار.

تُقدّم المسرحية على مسرح «زقاق» ابتداء من 4 أبريل لغاية 20 منه، وتحمل تكريماً للشقيق زياد أبي عازار الذي فقدته عائلته في حادثة غرق في محلة الدالية في الروشة.

لماذا تحمل المسرحية عنوان «ستوب كولينغ بيروت»؟ يوضح مخرجها عمر أبي عازار لـ«الشرق الأوسط»: «لأنه يُترجم وعوداً عشناها ولم تتحقق. وبسذاجة صدّقنا أن مستقبلاً زاهراً ينتظرنا، بيد أن جميع هذه الوعود اختفت كما اختفى الشقيق بين ليلة وضحاها، وبقيت بيروت واقفة هناك، وقد أصيب نموّها بالشلل. صارت مثل ولد لا يكبر، أو شاب رحل باكراً، ولكنه يسكن ذاكرتنا فتياً ينبض بالحياة أبداً».

مخرج العمل عمر أبي عازار (مسرح زقاق)
مخرج العمل عمر أبي عازار (مسرح زقاق)

الصورة سريالية، ولكنها ترتكز على مدينة من نارٍ وورق، يحاول 3 أصدقاء إنقاذها في خيالهم قبل أن تختفي. ويتابع أبي عازار: «الخط العريض للعمل يحكي عن الأخ المفقود، وقد خسرناه باكراً. وعن ذكرياتنا معه، ومع المدينة في تلك الفترة، عندما كانت بيروت تخلع لباس الحرب لترتدي زيّاً مزخرفاً بالازدهار».

العنوان له علاقة بالماضي، وأحداث جرت بين الثمانينات والتسعينات، لتنتهي في عام 2011. حين بدأت رياح التغيير في المنطقة تلوح من بعيد، وطال تفاصيل مدينة لم تعد تشبه نفسها.

يوضح أبي عازار: «تربينا على ذكريات أهالينا عن بيروت الذهبية في الستينات. ومن ثم اشتعلت الحرب الأهلية، وقضت على ما تبقى من تلك الخبريات. وبين الثمانينات والتسعينات عاش جيلنا ما يشبه بيروت الستينات. وخاض فرح العودة إلى الحياة والعيش المشترك والنهضة المعمارية والثقافية. وبعدها مُحيت تلك المشهدية عن خارطة أحلامنا. أُصبنا بالخيبة لوعود لم تتحقق، فتحولت تلك الفترة بدورها إلى ذكريات نخبر عنها أولادنا».

شعور الخيبة يصلك مباشرة من فحوى حديث المخرج عمر أبي عازار. ويعلّق: «هناك بالفعل خيبة أمل رغبت في تناولها بالمسرحية على طريقتي. وتتجلّى بقصص الممثلين الثلاثة على المسرح. فهم ينتمون إلى فريق «زقاق» المسرحي. عملنا معاً منذ سنوات طويلة، وعشنا سوياً الذكريات والإحباطات والصدمات نفسها». يتابع: «تُمثِّل المسرحية صورة مجازية تُشبه إلى حدّ كبير شخصاً نفقد الاتصال به. فعندما نقوم بهذه المحاولة مرة وأكثر ولا نتلقى جواباً، ندرك في أعماقنا أننا فقدنا الاتصال به إلى الأبد».

تعبق مسرحية «ستوب كولينغ بيروت» بالنوستالجيا، والحنين لما تبقى من مدينة. وانطلاقاً من قصص شخصية ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيروت، تنقل لمشاهدها حالة غرق؛ يسمع أصوات فقاقيع الهواء الأخيرة قبل التلاشي في بحر الموت، وتتحوّل هذه القصص إلى قصيدة شاعرية. ويُكمل أبي عازار: «هذه القصيدة نابعة من مشاعر حزن لم يتسنَّ لنا التعبير عنها. وهنا يأتي دور الخشبة لنستوعب خساراتنا بأسلوب حزين، بيد أنه لا يخلو من الأمل».

3 ممثلين يلعبون بطولة «ستوب كولينغ بيروت» (مسرح زقاق)
3 ممثلين يلعبون بطولة «ستوب كولينغ بيروت» (مسرح زقاق)

مؤثرات بصرية وسمعية تلوّن العمل، وتسهم في تبسيط مشهدية المدينة التي تعيش حالة غرق. «هذه المؤثرات توازي بأهميتها حبكة النص، ويشكّل الجمهور جزءاً منه. فهي لحظات شاعرية نحاول تشاركها مع الحضور».

وعكس ما قد يعتقده قارئ هذه السطور، المخرج أبي عازار يؤكد أن العمل لا يزوّد الحضور بمشاعر خيبة الأمل. ويختم :«سيكون بمثابة صدى ذكريات لشيء فقدناه. النص تمت كتابته جماعياً، لينقل قصصاً حقيقية عدّة. والمسرحية هي كناية عن عصارة مشاعر وأحاسيس محورها تلك القصص».