«الجزيرة العربية الخضراء» يُعيد كتابة التاريخ الطبيعي لأراضي السعودية

12 موسماً للمشروع كشفت عن دورها وأثرها في قارات العالم

بعض أعضاء فريق عمل المشروع المكوَّن من كوادر سعودية ودولية (هيئة التراث)
بعض أعضاء فريق عمل المشروع المكوَّن من كوادر سعودية ودولية (هيئة التراث)
TT

«الجزيرة العربية الخضراء» يُعيد كتابة التاريخ الطبيعي لأراضي السعودية

بعض أعضاء فريق عمل المشروع المكوَّن من كوادر سعودية ودولية (هيئة التراث)
بعض أعضاء فريق عمل المشروع المكوَّن من كوادر سعودية ودولية (هيئة التراث)

كانت صحراء السعودية، التي تُعدُّ اليوم إحدى كبرى المساحات الجغرافية الجافة على الأرض، واحةً خضراء قبل ملايين السنين، وحلقة وصل طبيعية للهجرات الحيوانية والبشرية بين 3 قارات، كما شهدت على مدى 8 ملايين عام مضت حِقَباً مطيرة كثيرة؛ ازدهرت فيها بيئة الجزيرة العربية وزادت كثافة غطائها النباتي وتنوَّعت الكائنات الحية فيها.

هذا ما أوضحته أحدث الدراسات العلمية النوعية التي كشفت عنها «هيئة التراث» في السعودية، الأربعاء، وهي الأولى من نوعها؛ والتي جاءت ضمن مشروع أضخم اتّخذ اسم «الجزيرة العربية الخضراء»، انطلق في السعودية للكشف عن الأبعاد البيئية والتغيّرات المناخية التي أثّرت في المنطقة عبر العصور، ودورها في تشكيل الجغرافيا والبيئة الطبيعية؛ مما يُعزّز فَهْم التاريخ الطبيعي للسعودية.

والمشروع علمي سعودي مشترك مع فريق بحثي عالمي، ويهدف إلى دراسة دلالات الوجود البشري في السعودية على مدى عصور ما قبل التاريخ، ويتميّز بتطبيق مناهج علمية متعددة التخصُّص؛ لاستخلاص أدقّ النتائج بشأن التراث الحضاري والبيئة القديمة للبلاد، وذلك بالشراكة مع جهات وقطاعات محلّية ودولية.

يدرس المشروع دلالات الوجود البشري في السعودية طيلة عصور ما قبل التاريخ (هيئة التراث)

12 موسماً للمشروع

مع ازدياد الاكتشافات القيّمة التي تصل إليها الفرق العلمية للمشروع، بعد إنجاز 12 موسماً منه في مناطق مختلفة من السعودية، تتّضح القيمة الثمينة لموقع الجزيرة العربية بالنسبة إلى قارات العالم، لا سيما آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ إذ تُظهر نتائج الدراسات والبحوث الميدانية أنها شكّلت عبر العصور نقطة اتصال مهمّة بين القارات. وتُركز الأعمال التي تضاعفت وتيرتها مؤخراً، على تصحيح كثير من المفاهيم التي استقرّت طويلاً بشأن دور الجزيرة العربية في قصة التطوّر البشري، وارتكازها نقطةَ تلاقٍ للثقافات خلال الأعوام الـ10 آلاف الماضية. وتتموضع الجزيرة العربية الآن في طليعة الأعمال العلمية؛ بفضل الاكتشافات التي توصل إليها الباحثون بعد توافر أدلّة على أنّ هذه البقعة الجغرافية كانت مفترق طرق مهمّاً عبر التاريخ.

كشف المشروع عن دلائل 170 منشأة حجرية في شمال السعودية (هيئة التراث)

«الماضي الأخضر» للجزيرة العربية‏

في هذا السياق، قال الأكاديمي في جامعة الملك سعود وعضو الفريق العلمي للدارسة، الدكتور عبد الله الشارخ، إنّ «أهمية الدراسات العلمية التي يتضمّنها المشروع، ومن بينها ما كشف عنه مؤخراً البحث في منطقة للكهوف بشمال شرقي الرياض، تكمُن في إبراز أهمية (الدُّحُول) بوصفها سجلّات تحفظ دلالات طبيعية موثوقاً بها على التاريخ المناخي القديم للجزيرة العربية، وتصبُّ في خدمة دراسة التراث الحضاري للسعودية، واستكشاف دور البيئة القديمة بالتأثير في حركة الجماعات البشرية والأنواع الحيوانية المختلفة».‏

وأشار إلى تأكيد الدراسة عدم صحة الرأي القائل إنّ صحارى أفريقيا والجزيرة العربية كانت مانعة لحركة الكائنات الحية وانتشارها؛ «وذلك لحدوث مراحل مطيرة عدّة دلّت عليها الرواسب الكهفية في منطقة الصمان، ولدلالات البقايا العضوية لحيوانات منقرضة عُثر عليها في الجزيرة العربية».

د. عبد الله الشارخ شارك الفريقَ العلميَّ اكتشافَه وأحدثَ الدراسات (تصوير: تركي العقيلي)

ويواصل «مشروع الجزيرة العربية الخضراء» جهوده التي بدأت عام 2010 لدراسة العلاقات بين التغيّرات المناخية المتتالية عبر العصور، وأسفرت عن اكتشافات ثمينة بشأن وجود البشر في المنطقة منذ آلاف السنين. وهو يُمثّل جهوداً علمية مشتركة بين «هيئة التراث» والجامعات المحلّية والدولية ومجموعة من المتطوّعين وطلاب الدراسات العليا الذين يُسهمون في دعم الأعمال الميدانية. وقد نجح منذ انطلاقه في الكشف عن دلائل 170 منشأة حجرية على نمط المستطيلات، بُنيت على مدى أكثر من ألف عام في شمال البلاد، واكتشاف أحافير لحيوانات متنوّعة الفصائل، بالإضافة إلى العثور على بقايا أقدم إنسان على أرض الجزيرة العربية قبل 85 ألف عام من العهد الحالي، توفّر أدلة متعدّدة على وجود البشر في المنطقة منذ آلاف السنين، وصولاً إلى الاكتشاف العلمي الجديد الذي أثبت «الماضي الأخضر» للمنطقة.

وقال الشارخ، خلال مؤتمر للإعلان عن الاكتشاف عالي الأهمية في الرياض، الأربعاء، إنّ «الدراسات تخدم فَهْم التراث الحضاري والطبيعي في الجزيرة العربية، وأصبحت، ضمن مشروع (الجزيرة العربية الخضراء)، تخترق مراحل زمنية أعمق، وصلت من خلال الدراسة الحديثة، ولأول مرة، إلى نحو 8 ملايين عام مضت».

كما أنّ الدراسات مهمّة في فَهْم أثر التحولات البيئية والطبيعية في الوجود البشري، ومعرفة الأحوال المناخية التي سادت حقباً زمنية متعدّدة، وتأثير المراحل المطيرة على حركة الجماعات الإنسانية والكائنات الحيّة، ونقْض الفرضية التي كانت سائدة سابقاً؛ والتي قالت إنّ الصحارى الممتدّة في الجزيرة العربية كانت تمنع حركة الكائنات الحيّة فيها. هذه الدراسة أثبتت أنّ الجزيرة العربية شهدت مراحل مطيرة لِحِقَبٍ زمنية طويلة.


مقالات ذات صلة

ولي العهد السعودي يؤكد خلال اتصالات دولية وإقليمية أهمية خفض التصعيد وضبط النفس

الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يؤكد خلال اتصالات دولية وإقليمية أهمية خفض التصعيد وضبط النفس

بحث ولي العهد السعودي، خلال اتصالات إقليمية ودولية، تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران بما في ذلك الاستهداف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات (وام)

محمد بن زايد يبحث مع قادة السعودية وقطر والكويت تطورات الشرق الأوسط

بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مع قادة السعودية والكويت وقطر تطورات المنطقة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
يوميات الشرق قرية «آل منجم» التراثية أحد أبرز الشواهد الحية على عبقرية العمارة الطينية في منطقة نجران (واس)

السعودية: تسجيل نحو 6 آلاف موقع تراث عمراني جديد في السجل الوطني

أعلنت هيئة التراث في السعودية عن تسجيل 5969 موقعاً تراثيّاً عمرانيّاً جديداً بالسجل الوطني للتراث العمراني، ليرتفع إجمالي المواقع المسجلة إلى 34171 موقعاً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق 30 ألف نحال سعودي يملكون أكثر من مليون خلية نحل (واس)

صناعة العسل في المملكة… من تقليدٍ متوارث إلى اقتصادٍ واعد

تتجه المملكة اليوم بخطى واثقة نحو توطين صناعة العسل، في خطوة تتناغم مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030».

أسماء الغابري (جدة)
الخليج طائرة تابعة لـ«الخطوط السعودية» تغيِّر مسار رحلتها بعد تلقيها بلاغاً كاذباً بوجود تهديد أمني للمرة الثانية في أقل من أسبوع (الخطوط السعودية)

هبوط اضطراري لطائرة سعودية إثر بلاغ كاذب

هبطت رحلة طائرة تابعة لـ«الخطوط الجوية السعودية»، صباح اليوم (السبت)، اضطرارياً في مطار كوالانامو الدولي بإندونيسيا، بعد ورود بلاغ كاذب يفيد بوجود تهديد أمني.

«الشرق الأوسط» (جدة)

مصر تُكرّم مجدي يعقوب بتمثال جديد في «الكيت كات»

يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
TT

مصر تُكرّم مجدي يعقوب بتمثال جديد في «الكيت كات»

يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)

أعلنت وزارة الثقافة المصرية تكريم جرّاح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب بوضع تمثال جديد له في أحد ميادين حي الكيت كات، بمحافظة الجيزة غرب القاهرة، ضمن خطة للاحتفاء بالرموز الوطنية.

واحتفلت الوزارة، الأحد، بـ«السير يعقوب»، في دار الأوبرا المصرية، وأعلنت تفاصيل مشروع إقامة تمثال يُخلّد مسيرته الإنسانية والعلمية، وسط حضور عدد من المسؤولين والإعلاميين.

وقال السير الدكتور مجدي يعقوب، خلال الحفل: «أُحب مصر كما أحب عملي، وأحب كذلك الفن والثقافة، وأرى أن الطب والثقافة هما من يصنعان قيمة للحياة». وأعرب عن «بالغ امتنانه لهذا التقدير، ولكل من أسهم في هذا المشروع».

يعقوب خلال حديثه في الحفل (وزارة الثقافة المصرية)

وعَدّ يعقوب أن «حضارة الشعوب ونموها يعتمدان، بشكل أساسي، على الثقافة، التي تشمل تكريم خدمة المجتمع والعلم والبحث العلمي، وكذلك الفن؛ لأن العلم والصحة لا يكتملان من دون الفن»، متمنياً أن «يكون هذا التكريم مصدر إلهام لكل شاب مصري يطمح لأن يضع بصمة في خدمة الإنسانية».

ووصف أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة المصري، يعقوب بـ«ابن مصر المخلص، الذي آمن بأن الطب ليس مهنة فحسب، بل رسالة رحمة ومحبة، وأن الشفاء لا يأتي من العلم وحده، بل من القلب أيضاً».

جرّاح القلب المصري البريطاني، المولود في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1935 في بلبيس بمحافظة الشرقية (دلتا مصر)، حصل على درجة البكالوريوس في الطب من جامعة القاهرة، ثم انتقل إلى بريطانيا لمواصلة دراسته وتدريبه في جراحة القلب، قبل أن يُصبح واحداً من أشهر جرّاحي القلب في العالم.

أكد الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، أن السير مجدي يعقوب يشكل «قيمة مصرية عالمية ورمزاً للتفاني والإنسانية»، مشيراً إلى أن «ما يقدمه من مشروعات وخدمات، خاصة في صعيد مصر، يعكس حباً عميقاً لوطنه وشعبه، كما يبذل جهوداً كبيرة في دعم شباب الأطباء وتأهيلهم؛ لضمان استمرار مسيرته النبيلة».

جانب من الاحتفال بتكريم جرّاح القلب العالمي (وزارة الثقافة المصرية)

وأشار وزير الصحة إلى أن «يعقوب أسهم في علاج آلاف المرضى، خصوصاً في صعيد مصر»، لافتاً إلى أن «مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في مدينة الشيخ زايد بالجيزة (غرب القاهرة)، ستكون صرحاً طبياً عالمياً لا مثيل له»؛ موضحاً أن نسبة العلاج في الخارج تراجعت كثيراً، بفضل عرض الحالات على الدكتور يعقوب وتدريبه عدداً من الكفاءات الطبية الشابة؛ لما يمتلكه من قدرة على التواصل والتفاهم مع مختلف الأعمار والخلفيات.

ووفق المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، فإن «التمثال سيُوضَع في ميدان الكيت كات بحي إمبابة، بالقرب من معهد القلب، حيث يتردّد يومياً آلاف المرضى، ما يمنح التمثال دلالة رمزية مرتبطة بمسيرة الدكتور يعقوب جرّاح القلب العالمي».

وزير الثقافة متحدثاً عن مشروع تدشين تمثال يعقوب (وزارة الثقافة المصرية)

ومن المقرر أن يُنفَّذ التمثال من خامة البرونز بارتفاع 6 أمتار، وفقاً للنحّات الدكتور عصام درويش، الذي أعرب عن فخره بالمشاركة في تخليد هذه القامة الوطنية، موضحاً أن «التمثال سيُثبت على قاعدة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار، وسيجسد الروح الإنسانية للدكتور يعقوب وعلاقته بتلاميذه، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذه خلال نحو 8 أشهر، ليأخذ مكانه في قلب ميدان الكيت كات بوصفه علامة فنية وإنسانية مميزة».

جاء اختيار ميدان الكيت كات لوضع التمثال فيه لكونه مركزاً حيوياً وملاصقاً لمعهد القلب، مما يُضفي بعداً بصرياً وإنسانياً على التمثال. ووفق المهندس عادل النجار، محافظ الجيزة، فإن المحافظة ستنفِّذ خطة تطوير شاملة للمنطقة تشمل الأرصفة والحركة المرورية، بالتعاون مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

ويُعدّ حي الكيت كات من أشهر الأحياء المصرية، وسبَق للفنان المصري الراحل محمود عبد العزيز تقديم فيلم يحمل اسم الحي، بتوقيع المخرج داود عبد السيد، ويُصنَّف الفيلم بأنه من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

ويحظى يعقوب، الملقب بـ«ملك القلوب»، بتقدير لافت في مصر، ولا سيما بعد إنشائه مركزاً يحمل اسمه لعلاج أمراض القلب في مدينة أسوان (جنوب مصر)، التي أُطلق اسم مجدي يعقوب على أحد ميادينها؛ تقديراً لمسيرته وإسهاماته الطبية الخيرية.

هنو لدى استقباله يعقوب بدار الأوبرا المصرية (وزارة الثقافة المصرية)

ويُعد مركز مجدي يعقوب للقلب واحداً من أبرز المؤسسات الطبية في مصر والشرق الأوسط، ومنارة أمل لكثير من المرضى الذين يعانون أمراض القلب، إذ تأسس عام 2008، وكان الهدف من إنشائه توفير الرعاية الطبية المتخصصة في أمراض وجراحات القلب للأطفال والكبار بالمجان.

واختار الدكتور يعقوب مدينة أسوان لإنشاء المستشفى؛ لـ«رأفته بالأطفال وحبه للمحافظة الجنوبية»، وفق الدكتور مجدى إسحاق، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في أسوان.

ويُقدم المستشفى مجموعة واسعة من الخدمات الطبية المتخصصة في أمراض القلب؛ من بينها جراحات القلب المفتوح، والقسطرة القلبية، والعناية المركزة، بالإضافة إلى الأبحاث والتطوير في مجال أمراض القلب.