«Têtes Brûlées»... عندما يواجه الأطفال فاجعة الفقد

الفيلم التونسي - البلجيكي حصد تنويهين بمهرجان «برلين السينمائي»

نال الفيلم إشادات عدة بسبب مستواه الفني - (إدارة المهرجان)
نال الفيلم إشادات عدة بسبب مستواه الفني - (إدارة المهرجان)
TT

«Têtes Brûlées»... عندما يواجه الأطفال فاجعة الفقد

نال الفيلم إشادات عدة بسبب مستواه الفني - (إدارة المهرجان)
نال الفيلم إشادات عدة بسبب مستواه الفني - (إدارة المهرجان)

حين يباغتنا الفقد، يصبح الصمت أكثر عمقاً، فالأماكن التي كانت تمتلئ بالضحك يوماً ما فقدت بريقها وحيويتها، لكن ما انعكاس الفقد على الأطفال؟ وكيف يواجهون الحزن عندما لا يكون لديهم كلمات كافية لوصفه؟

الفيلم الروائي التونسي - البلجيكي «Têtes Brûlées»، الذي عرض للمرة الأولى عالمياً في مسابقة «أجيال +14» بمهرجان «برلين السينمائي» عبّر عن كل هذه المشاعر، ونال تنويهين خاصين من لجنتي تحكيم المسابقة ولجنة التحكيم المستقلة.

واعتبرت لجنة التحكيم الفيلم «عملاً أول رائعاً يقدم لمحة نادرة عن عالم من التضامن والحب من خلال عيون فتاة صغيرة، بأسلوب بصري متجدد وسرد عاطفي صادق، يسلط الضوء على تعقيدات الحزن، موضحاً كيف يمكن للفقدان أن يكون مؤلماً ودافعاً للتغيير»، معتبرة أنه «عمل جريء ورقيق في آنٍ واحد، يذكرنا بقوة التكاتف في الأوقات الصعبة».

مشهد من الفيلم - (إدارة المهرجان)

في الفيلم الروائي الجديد «Têtes Brûlées»، تطرح المخرجة التونسية ماية عجمية هذه الأسئلة من خلال قصة «إيا»، فتاة في الثانية عشرة من عمرها، تجد نفسها في مواجهة فقدان غير متوقع لأخيها الأكبر «يونس»، الشخص الذي كان يمثل عالمها بأكمله، في وجودها بصفتها تونسية في بروكسل، حيث التقاليد والعادات تحدد إيقاع الحياة والموت.

على مدار الأحداث الممتدة لـ84 دقيقة، نشاهد «إيا» وهي تعيش حزنها الخاص وسط تضامن المجتمع الذي يحيط بها، لكنه لا يملك القدرة على انتزاع الحزن من قلبها، في تجربة سينمائية تعبر عن القوة في مواجهة الألم، والتضامن الذي يخفف وطأة الفقد، والإيمان الذي يمنح القوة في أحلك الأوقات.

تقول المخرجة التونسية ماية عجمية لـ«الشرق الأوسط» إن «الفيلم يحمل بُعداً شخصياً، لكنه ليس سيرة ذاتية خالصة». مشيرة إلى أن «القصة مستوحاة جزئياً من حياتها، لكنها لم ترغب في أن يكون الفيلم وثائقياً عنها أو عن عائلتها، الأمر الذي دفعها لخلق مساحة روائية تجعل التجربة عالمية، لأن الحزن في النهاية تجربة مشتركة بين جميع البشر».

توضح عجمية أن فكرة الفيلم بدأت من فيلم قصير كانت قد أخرجته حول الموضوع نفسه في عام 2022، حين التقت بالمنتج المشارك في الفيلم الذي أعجب بالفيلم القصير بعد مشاهدته، واقترح عليها تحويل العمل لفيلم طويل، لتبدأ في اليوم التالي في كتابته، وخلال عامين كانت قد انتهت من التصوير.

مخرجة الفيلم وبطلته بعد الإعلان عن الجوائز (إدارة المهرجان)

تقول عجمية إن من الصعب إيجاد تمويل لفيلم يتناول الحداد بهذه الطريقة، مشيرة إلى أن هناك مشاهد تُظهر «إيا» وهي تصلي، وهو ما كان مصدر قلق لبعض الجهات الداعمة، لكنها كانت مصرّة على إبقاء هذه المشاهد، لأنها جزء لا يتجزأ من التجربة الروحية للشخصية، وكانت ضرورة درامية لا يمكن التخلي عنها.

أما عن اختيار الممثلين، فقد استغرقت عملية «الكاستنج» 10 أشهر، واعتمدت المخرجة على البحث في المدارس، وأندية الرياضة، ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها وجدت البطلة صفاء غرباوي، التي تلعب دور «إيا»، من خلال «تيك توك» بعدما نشرت إعلاناً تبحث فيه عن فتاة تشبه الشخصية، فأرسلت لها فيديو تقول فيه: «هذا أنا»، لافتة إلى أنها «بمجرد رؤيتها، عرفت أنها المرشحة المثالية للدور».

لم تعتمد عجمية على التدريبات التقليدية مع الممثلين، بل ركزت على خلق روابط حقيقية بينهم، مشيرة إلى أنه بدلاً من التدريبات على المشاهد، كانوا يلعبون كرة القدم، ويذهبون إلى المطاعم، لقضاء وقت معاً، لافتة إلى أنها كانت تريد أن يشعر الممثلون وكأنهم عائلة حقيقية؛ لأن هذا سينعكس على الشاشة.

لقطة من الفيلم (إدارة المهرجان)

وعن عرض الفيلم في مهرجان برلين، قالت عجمية إنها لم تكن تتوقع هذا التفاعل الكبير، مشيرة إلى أنها كانت تتساءل إن كان الجمهور غير المسلم سيفهم الفيلم، لكنه لمس الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية، لافتة إلى أنه بعد العرض، «جاء إليّ مراهقون ألمان ليقولوا لي إنهم تأثروا بشدة بالقصة، وهو ما اعتبرته أكبر تأكيد على أن الفيلم نجح في نقل المشاعر التي قصدتها».

في الوقت الحالي، تعمل المخرجة التونسية على مشروعها الجديد، لكنها لا تريد التسرع، مشيرة إلى أنها تحب مرحلة الكتابة، وتريد أن تستغرق وقتها في تطوير فكرتها التالية دون ضغوط، رغم تأكيدات البعض لها بأنها يجب أن تتحرك بسرعة؛ لأن الصناعة لا تنتظر، لكن قناعتها بأنها بحاجة إلى تقديم قصة تشبهها وتلامس عواطفها.


مقالات ذات صلة

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يوميات الشرق المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يعدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق آمبر هيرد

آمبر هيرد تعلن إنجابها توأمين في منشور بمناسبة عيد الأم

أعلنت الممثلة الأميركية آمبر هيرد أنها أصبحت أمّاً لثلاثة أطفال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق منى زكي وأحمد داود بعد تسلُّم جوائزهما (إدارة المركز الكاثوليكي للسينما)

منى زكي وأحمد داود أفضل ممثلَيْن مصرييْن في «الكاثوليكي للسينما»

تسلَّمت منى زكي جائزتها من زميلها عضو لجنة التحكيم، الفنان عمرو يوسف، وشكرت اللجنة على اختيارها، معربة عن اعتزازها بجوائز المهرجان وصدقيته.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق توفيق الزايدي خلال عرض فيلمه في العاصمة السويدية (إدارة مهرجان مالمو)

توفيق الزايدي: السينما السعودية تسير بخطى واثقة نحو العالمية

رأى أنّ السينما السعودية تسير عموماً بخطى واثقة نحو العالمية، خصوصاً من خلال التجارب التي ترتكز على المشتركات الإنسانية وتتجاوز الحواجز اللغوية واللهجية.

أحمد عدلي (مالمو (السويد))

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».

وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».

الملصق الدعائي لفيلم «احكي يا شهرزاد» (سينما. كوم)

وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».

وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».

ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».

فيلم «باب الشمس» من إخراج يسري نصر الله (سينما. كوم)

وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».

وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».

يسرى نصر عقب حواره مع «الشرق الأوسط» عن صناعة السينما (الشرق الأوسط)

وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».

ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».