«يونان»... رحلة فلسفية للبحث عن معنى الحياة

الفيلم العربي الوحيد بالمسابقة الرسمية لمهرجان «برلين»

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
TT
20

«يونان»... رحلة فلسفية للبحث عن معنى الحياة

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

يخوض فيلم «يونان»، وهو الشريط السينمائي العربي الوحيد ضمن أفلام المسابقة الرسمية للدورة الـ75 من مهرجان «برلين السينمائي»، مغامرة فلسفية للبحث عن معنى الحياة من خلال قصة الكاتب العربي منير، الذي يمر بأزمة نفسية حادة تدفعه إلى الإقامة في جزيرة نائية.

الفيلم الحاصل على دعم من صندوق وسوق «البحر الأحمر» يغوص في أعماق النفس البشرية، وتتواصل أحداثه على مدى 124 دقيقة، وهو من تأليف وإخراج ومونتاج أمير فخر الدين، وبطولة الممثل اللبناني جورج خباز، والممثلة الألمانية الكبيرة هانا شيغولا، والممثل الفلسطيني علي سليمان، والممثلة الألمانية من أصول تركية سيبل كيكيلي، والممثلة اللبنانية نضال الأشقر، والممثل الألماني توم بلاشيا.

صناع الفيلم على السجادة الحمراء في «برلين» (إدارة المهرجان)
صناع الفيلم على السجادة الحمراء في «برلين» (إدارة المهرجان)

يعدّ الفيلم العمل الثاني من ثلاثية «وطن»، بعد فيلم «الغريب»، ليستكمل من خلاله أمير فخر الدين استكشاف قضايا المنفى والهوية من خلال تجربة كاتب شرق أوسطي، يؤدي دوره جورج خباز، يعاني أزمة إبداعية، وينتقل للعيش في جزيرة ألمانية، حيث يقيم في نُزل تديره امرأة مسنّة، تقوم بدورها هانا شيغولا. تتطور العلاقة بينهما من التوتر إلى الحوار العميق، وسط بيئة طبيعية تصبح بدورها بطلة الفيلم، حيث تتحول المياه والهواء والأعشاب البرية إلى عناصر روائية تعكس مشاعر شخصياته.

يمزج فخر الدين في الفيلم بين السرد السينمائي الشاعري والأسلوب البصري المتأمل، مع بطء متعمد في الكادرات، مفعمة بالحياة، ويدعو الفيلم إلى التأمل في العلاقة بين الإنسان والمكان.

عبر العلاقة بين الكاتب ومديرة النُزل، نشاهد استكشافه لمفهوم اللطف الإنساني والقدرة على التأقلم مع الحزن والمنفى. ورغم العزلة التي يعيشها، يجد في البيئة القاسية والجمال الطبيعي للجزيرة متنفساً لإعادة تقييم حياته.

لم يرد مخرج الفيلم تقديم الوهم بإمكانية استعادة الأشياء كما كانت، بل استكشف ما يحدث عندما يصبح المألوف مستحيلاً، مؤكداً أنه في مرحلة ما، يصبح من المستحيل مواصلة الحياة بشكلها المعتاد تحت وطأة ما فقدناه، حسب تصريحاته لموقع المهرجان.

وقال إن فيلمه بدأ كتأمل في النزوح، والمساحات الهادئة التي يخلقها داخلنا وحولنا، مع رغبته في استكشاف ما يحدث عند اختفاء المألوف وانكسار الشعور بالوطن والانتماء، مشيراً إلى انجذابه في الفيلم إلى ما لا يقال، واستكشاف المساحات الهادئة التي يخلفها النزوح.

يشيد الناقد المصري أندرو محسن بأداء الممثل اللبناني جورج خباز، ويقول إن «العمل أبرز موهبته الفنية، مع اعتماد شخصية منير على تعبيرات الوجه أكثر من الحوار»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كان من اللافت تجميع فريق العمل من عدة بلدان عربية وأوروبية، وتوظيفهم في التجربة بحيث ظهروا جميعاً مناسبين للعمل، وهو أمرٌ يُحسب للمخرج الذي أجاد تسكين أدوار مشروعه السينمائي».

المخرج متوسطاً فريق الممثلين بالفيلم خلال عرضه في المهرجان (إدارة المهرجان)
المخرج متوسطاً فريق الممثلين بالفيلم خلال عرضه في المهرجان (إدارة المهرجان)

وتابع أن «بعض مشاهد الفيلم أولت اهتماماً بالصورة على حساب تطور الأحداث، بجانب طول مدة العمل نسبياً، لكن في النهاية، التجربة اتسمت بالجودة الفنية، خصوصاً في بداية الأحداث ونهايتها، مع اختيار موقع تصوير بالجزيرة، ملائم لطبيعة الأحداث وليس مجرد مكان جميل».

رأي يدعمه الناقد السعودي أحمد العياد، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «سينما أمير فخر الدين تطرح أفكاراً عميقة، ونجح في استكمالها في (يونان)، بعد تجربة (الغريب) التي قدمها قبل سنوات في مهرجان (البندقية)»، مشيداً بقدرته على توظيف الممثلين أمام الكاميرا بشكل جعلهم قادرين على إيصال فكرته بالطريقة التي أرادها.

وأضاف أن «فيلم (يونان) يفتح باب الترقب للفيلم الأخير في الثلاثية، الذي أتوقع أن يتطرق إلى فكرة الوطن والاغتراب، وهي قضية تعكس رؤية المخرج الفنية»، مشيراً إلى أن التجربة تعتبر من أهم التجارب العربية خلال العام الجاري.

عودة إلى الناقد أندرو محسن، الذي يتطرق إلى مشهد العاصفة الموجود في أحداث الفيلم، الذي يؤدي إلى ابتلاع مؤقت لمساحة من الجزيرة، باعتباره من المشاهد المتميزة التي تعكس فكرة الفيلم الأساسية.

وهو ما أشار إليه أمير فخر الدين، بتصريحاته التي أكد فيها أن «الأمر لم يكن مجرد مشهد، بل ظهر وكأنه استعارة مثالية لإيقاع القصة»، موضحاً أن فكرة الغمر لليابسة، والخسارة، والعودة، تعكس أن ما يختفي لا يختفي للأبد، لكنه لا يعود دون تغيير، مشيراً إلى أن هذه النقطة كانت بمنزلة الفكرة المحورية للفيلم.


مقالات ذات صلة

3 أفلام مصرية في مهرجان «برلين للفيلم العربي»

يوميات الشرق لقطة من فيلم «إلى أرض مجهولة» (إدارة المهرجان)

3 أفلام مصرية في مهرجان «برلين للفيلم العربي»

البرنامج يُضيء على قضايا مُلحّة، مثل معاناة الشعب السوداني، وما يحدُث من كارثة إنسانية في غزة، وأيضاً الأوضاع في لبنان، بالإضافة إلى الشتات والاغتراب...

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من فيلم «ماري وجولي» (إدارة الملتقى)

«قمرة السينمائي» بقطر لدعم 18 مشروعاً عربياً

أعلن ملتقى «قمرة السينمائي» في دورته الـ11 التي تقام فعاليتها راهناً في العاصمة القطرية الدوحة، عن الأفلام المدعومة من «مؤسسة الدوحة للأفلام»، وتتضمن 18 فيلماً.

داليا ماهر (الدوحة)
يوميات الشرق سامح حسين (حسابه على «فيسبوك»)

إلغاء العرض الخاص لـ«استنساخ» يفجر جدلاً في مصر

فجر إلغاء العرض الخاص لفيلم «استنساخ» جدلاً في مصر، حين أعلنت الشركة المنتجة له عدم عرضه بالتزامن مع وصول الإعلاميين ومراسلي القنوات الفضائية إلى دار العرض.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق كتاب الدكتور محمد البشير «السينما السعودية»

«الموسوعة السعودية للسينما» تُثري المشهد العربي بـ40 كتاباً

تنتظر المكتبة السينمائية العربية 40 إصداراً جديداً خلال هذا العام>

«الشرق الأوسط» (الدمام )
يوميات الشرق المخرج الفلبيني لاف دياز (ملتقى قمرة السينمائي)

المخرج الفلبيني لاف دياز: الأعمال «البطيئة» لها جمهور عريض

كشف المخرج الفلبيني والرائد في «السينما البطيئة»، لاف دياز، والمعروف بـ«الأب الروحي للسينما الفلبينية»، فلسفته الخاصة وعشقه لهذا النوع من الفن.

داليا ماهر (الدوحة)

3 أفلام مصرية في مهرجان «برلين للفيلم العربي»

لقطة من فيلم «إلى أرض مجهولة» (إدارة المهرجان)
لقطة من فيلم «إلى أرض مجهولة» (إدارة المهرجان)
TT
20

3 أفلام مصرية في مهرجان «برلين للفيلم العربي»

لقطة من فيلم «إلى أرض مجهولة» (إدارة المهرجان)
لقطة من فيلم «إلى أرض مجهولة» (إدارة المهرجان)

تُشارك 3 أفلام مصرية في الدورة الـ16 لمهرجان «الفيلم العربي» ببرلين، المقرَّرة إقامتها من 23 إلى 30 أبريل (نيسان) الحالي.

وتُحاكي الدورة موضوعات مرتبطة بحقبة التحرّر من الاستعمار، مع عرض أحدث إنتاجات السينما العربية التي شاركت في مهرجانات سينمائية دولية مختلفة، عبر 3 أقسام رئيسية، هي: «مختارات الفيلم»، و«بقعة ضوء»، و«الأفلام القصيرة».

وتُشارك في أقسام المهرجان 40 فيلماً أُنتِجت خلال العامين الماضيين، من بينها المصرية «أبو زعبل 89» لبسام مرتضى، و«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور، بالإضافة إلى فيلم «معطر بالنعناع» لمحمد حمدي؛ وهي شاركت في مهرجانات سينمائية دولية خلال العام الماضي.

واختارت إدارته الفيلم الفلسطيني «إلى أرض مجهولة» لمهدي فليفل، الذي عُرض للمرة الأولى في النسخة الماضية من مهرجان «كان السينمائي»، ليكون فيلم الافتتاح؛ بينما سيُعرض فيلم «يونان» للمخرج السوري الأصل أمير فخر الدين، الذي شارك بالدورة الماضية لمهرجان «برلين السينمائي»، في ختام الدورة الجديدة.

وسيَعرض الحدث مجموعة من الأفلام القصيرة بعنوان «عن العسكرة»؛ تُبرز الصمود في مواجهة الاحتلال والعنف الأمني، من بينها الفيلم الفلسطيني «برتقالة من يافا»، والسوري-الهولندي «العودة» للمخرج يزن ربيع، الذي سيشارك في ندوة سينمائية يتحدّث خلالها عن الفيلم التجريبي.

فيلم «سودان يا غالي» من الأعمال المُشارِكة (إدارة المهرجان)
فيلم «سودان يا غالي» من الأعمال المُشارِكة (إدارة المهرجان)

ومن ضمن الفعاليات، «ماستر كلاس» مع الفنان البصري والمخرج السينمائي الفلسطيني كمال الجعفري، الذي سيركّز على التفاعل مع الأرشيف من منظور مُناهض للاستعمار، في ورشة مفتوحة لصُنّاع الأفلام والجمهور، يديرها الناقد السينمائي الفلسطيني صالح دباح.

الجعفري سيعرض فيلمه الوثائقي «عمل فدائي» ضمن المهرجان، ويدور حول الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، والاستيلاء على الأرشيف الكامل لمركز البحوث الفلسطيني الَّذي ضمَّ وثائق حول تاريخ فلسطين، محاولاً من خلاله استعادة ما طمسته الصورة الاستعمارية.

ويعرض المهرجان، الفيلم الوثائقي اللبناني «تدمر» للمخرجة مونيكا بورغمان، التي ترصد من خلاله شهادات لمجموعة من المعتقلين اللبنانيين السابقين الذين قضوا سنوات في سجن تدمر السوري وتعرّضوا للتعذيب.

مشهد من فيلم «عمل فدائي» (إدارة المهرجان)
مشهد من فيلم «عمل فدائي» (إدارة المهرجان)

في هذا السياق، قالت رئيسة المهرجان، باسكال فخري، إنّ لجنة مكوَّنة من 5 متخصّصين ومتخصّصات في السينما اختارت الأفلام المشاركة في دورة هذا العام، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «جرى التركيز في قسم (مختارات الفيلم) على أحدث الأعمال التي شاركت في مهرجانات دولية وإقليمية، بينما تميّز قسم (بقعة ضوء) بالتركيز على ثيمة (ما بعد الاستعمار)؛ مما أضفى على البرنامج طابعاً فكرياً مميّزاً عبر أفلام تناقش هذا الموضوع من زوايا وتجارب مختلفة».

وتابعت أنّ التوزيع الجغرافي يُمثّل عنصراً أساسياً في رؤية المهرجان، الذي يسعى سنوياً إلى تقديم أفلام من بلدان لا تحظى بفرص عرض كافية في أوروبا، مشيرة إلى أنّ «الدورة الحالية تشهد للمرة الأولى عرض فيلم من الصومال، وذلك ضمن الأخذ الدائم بالحسبان للسياق السياسي والاجتماعي الذي تمرّ به البلدان العربية، ومحاولة الإضاءة على القضايا المهمّة، حتى تلك التي لا تحظى بنقاش واسع عادة».

مشهد من الفيلم الصومالي «قرية قرب الجنة» (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم الصومالي «قرية قرب الجنة» (الشركة المنتجة)

ويعرض المهرجان الفيلم الصومالي «قرية قرب الجنة» للمخرج مو هواري، وقد عُرض للمرة الأولى في النسخة الماضية من مهرجان «كان»، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي داخل قرية ساحلية نائية.

وأشارت باسكال فخري إلى أنّ المهرجان يُركّز، رغم أنه لا يقدّم جوائز، على تقديم القصص من منظور عربي، وعلى التفاعل الثقافي والمعرفي أكثر من المنافسة، بهدف الوصول بالجمهور إلى قضايا المنطقة.

بدوره، أكد مديره الفنّي، إسكندر عبد الله، في تصريحات صحافية، أنّ الدورة الحالية تركز على عرض أفلام تعكس الأزمات التي تُواجه العالم العربي من حروب وانعدام استقرار، لكنها في الوقت عينه تحتفي بالمقاومة والأمل والسعي نحو التغيير، مشيراً إلى أنّ «الأفلام المعروضة مزيج من الروائية والوثائقية والقصيرة، من مختلف أنحاء العالم العربي والمهجر».

وأوضح أنّ «البرنامج يُضيء على قضايا مُلحّة، مثل معاناة الشعب السوداني، وما يحدُث من كارثة إنسانية في غزة، وأيضاً الأوضاع في لبنان، بالإضافة إلى الشتات والاغتراب على أنهما قضية محورية»، لافتاً إلى أنّ القصص الشخصية تحتلّ مكانة بارزة هذا العام في الموضوعات المُختارة بالأفلام السينمائية، مع عودة المخرجين إلى جذورهم العائلية بحثاً عن فَهْم أعمق لهويتهم وتاريخهم ضمن سياقات سياسية واجتماعية معقّدة.

ومن المقرّر أن يعرض المهرجان الفيلم الوثائقي «سودان يا غالي» للمخرجة التونسية-المغربية هند المدب، التي سعت إلى توثيق رحلة مجموعة من الناشطين السودانيين لتحقيق العدالة والحرّية.