«ألوان النيل والتيبر»... حوار عابر للقارات بين فناني مصر وإيطاليا

معرض جماعي بالقاهرة

«حفارات النفط» عمل للفنانة الإيطالية سيمونا غلورياني (مؤسسة أرتوداي)
«حفارات النفط» عمل للفنانة الإيطالية سيمونا غلورياني (مؤسسة أرتوداي)
TT
20

«ألوان النيل والتيبر»... حوار عابر للقارات بين فناني مصر وإيطاليا

«حفارات النفط» عمل للفنانة الإيطالية سيمونا غلورياني (مؤسسة أرتوداي)
«حفارات النفط» عمل للفنانة الإيطالية سيمونا غلورياني (مؤسسة أرتوداي)

يتدفَّق نهر التيبر وسط المناظر الطبيعية الخلابة في إيطاليا حتى يلتقي بمياه البحر الأبيض المتوسط، وبرشاقة يمتد نهر النيل من جنوب مصر إلى أقصى شمالها ممثِّلاً الشريان الرئيسي للحياة، ورغم أن النهرين لا يلتقيان جغرافياً، فإنهما يجتمعان فنياً في الوقت الحالي، عبر المعرض التشكيلي الجماعي «ألوان النيل والتيبر»، الذي يحتفي بالروابط الفنية العميقة بين مصر وإيطاليا، ويؤكد التشابه الكبير بين الثقافتين؛ من «المنبع» إلى «المصب».

والمعرض، الذي تنظمه مؤسسة «أرتوداي» بالتعاون مع المعهد الإيطالي بالقاهرة، ويستضيفه مقر المعهد، حتى 20 فبراير (شباط) الحالي، يضم مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية لـ44 فناناً من مصر وإيطاليا، بالإضافة إلى مشاركة من بلجيكا وسلطنة عمان، تعكس كيف يمكن أن يغرس الفن التفاهم والاحترام المتبادلين بين الثقافات المختلفة.

عمل للفنانة الإيطالية كريستينا ميلكوفيتش (مؤسسة أرتوداي)
عمل للفنانة الإيطالية كريستينا ميلكوفيتش (مؤسسة أرتوداي)

وتقول شيرين بدر، المؤسسة والرئيس التنفيذي لمؤسسة «أرتوداي»، لـ«الشرق الأوسط»: «معرض (ألوان النيل والتيبر) يُعدّ بمنزلة لوحة فنية واسعة تتجاوز مفهوم النهرين، لتجمع بين شعبيهما، وينسج خيوطاً من الحوار الثقافي والفني العابر للقارات، والفن قادر على تعزيز التفاهم المتبادل والاحترام بين الثقافات المختلفة، وربط الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، كما أنه شهادة حيّة على الأهمية الدائمة للتبادل الثقافي بين البلدين».

لوحات للفنان المصري أحمد بركات حول مفهوم تلاقي الحضارات (مؤسسة أرتوداي)
لوحات للفنان المصري أحمد بركات حول مفهوم تلاقي الحضارات (مؤسسة أرتوداي)

وتوضح أن أهم الموضوعات التي عبّر عنها المشاركون تتمثل في التراث الثقافي الغني لكل من مصر وإيطاليا، من خلال الأعمال الفنية التي تستوحي من التاريخ والعادات والتقاليد في البلدين، وكذلك التنوع والاندماج، إذ يحتفي المعرض بالتنوع التراثي، ويشجع على الحوار والتفاعل بين الفنانين من مختلف الخلفيات، كما يتطرق المعرض لقضايا معاصرة من خلال الفن تهم المجتمعات في مصر وإيطاليا، مثل قضايا البيئة، والمساواة، والتحديات الاجتماعية».

بالتجول بين أعمال المعرض يستكشف الزائر موضوعات بطلها الهوية الثقافية، وفكرة تلاقي الحضارات، وهو ما نراه في 3 لوحات للفنان المصري، أحمد بركات، يظهر خلالها أحد المصريين بجلبابه المصري التقليدي، وعمامته المميزة، ومن خلفه يظهر النصب التذكاري الوطني للملك فيتوريو إمانويلي الثانى، أول ملك لإيطاليا الموحدة، الكائن بمدينة روما.

«الحكمة والجمال والقوة» عمل للفنان الإيطالي جورجيو بيكايا على ورق البردي (مؤسسة أرتوداي)
«الحكمة والجمال والقوة» عمل للفنان الإيطالي جورجيو بيكايا على ورق البردي (مؤسسة أرتوداي)

ويقول الفنان لـ«الشرق الأوسط»: «هي رسالة فنية، أحاول بها التعبير عن فكرة التلاقي الثقافي وإمكانية تحقيقه، رغم اختلاف الثقافات والملامح واللغة والملبس»، ومؤكداً على «أهمية التقارب بين الحضارات وليس صراعاتها، إلى جانب دعم العلاقات المصرية - الإيطالية».

عمل للفنانة المصرية فيروز سمير (مؤسسة أرتوداي)
عمل للفنانة المصرية فيروز سمير (مؤسسة أرتوداي)

ومن التاريخ المشترك بين البلدين اختار الفنان الإيطالي، جورجيو بيكايا، التعبير عن شكل التقارب الثقافي، من خلال اللجوء إلى ورق البردي؛ فمن خلال الألوان الأكريلك على هذا الورق الذي استخدمه قدماء المصريين، يقدم ثلاثيته (الحكمة والجمال والقوة)، التي (في رأيه) تُعد من أهم القيم الإنسانية المشتركة التي يجب أن يحملها الإنسان المعاصر في روحه.

ويظهر استلهام عنوان المعرض لدى الفنانة الإيطالية، سيمونا غلورياني، التي تنظر إلى ماء النهر، وتستكشف موضوعات مرتبطة بها؛ حيث تتناول حياة الموانئ وقوارب الصيد، كما تثير الفنانة تساؤلات حول المُنشآت الصناعية وما تُخلِّفه من نفايات وتلوُّث بالمياه، كما يتضح في عملها «حفارات النفط».

نسيج «الدانتيل» بطل للوحة الفنانة المصرية إيمان أسامة (مؤسسة أرتوداي)
نسيج «الدانتيل» بطل للوحة الفنانة المصرية إيمان أسامة (مؤسسة أرتوداي)

بينما اختار الفنان صلاح المليجي أن يأتي عمله المشارك بالمعرض ليمثل مشهداً لشجيرات تنمو على ضفاف النيل. يقول عنه لـ«الشرق الأوسط»: «الشجيرات لا تأتي متماثلة مع الشكل التقليدي لها، وإنما جاءت من خلال ضربات لونية لفرشاة وسكينة تلامس السطح لتصنع أبعاداً مختلفة، بما يحقق تناغماً لونياً، وكأن الضباب يسكن المشهد، ويجتمع لون السماء مع لون مياه النيل».

وكما ينحت الماء مجراهُ عبر الزمن، اختارت الفنانة الإيطالية، أليساندرا بيلوتا، في عملها التجريدي، التعبير عن النقوش التي تحكي رحلة الإنسان، وتشرح رؤيتها الفلسفية بالقول: «تبقى بعض الآثارِ عميقة لا تُمحى، وتتلاشى أخرى، وهكذا هم الناس في حياتِنا؛ بعضهم رحل عنا، لكنّ حبهم وأثرهم باقٍ في قلوبِنا إلى الأبد».

وبين الرؤى التشكيلية المشتركة بين الفنانين الإيطاليين والمصريين، تظهر الأعمال المعبرة عن المرأة، فالفنانة ليتيزيا ريغوتشي، تعبِّر تجريدياً من خلال الأشكال الدائرية عن الذات الداخلية للأنثى. وهو ما يمتد إلى لوحة الفنانة المصرية، فيروز سمير، التي تعبر عن مشاعر المرأة والصراع الصامت بين الجميل شكلا والمؤذي والمؤلم داخلياً وخارجياً.

شجيرات تنمو على ضفاف النيل للفنان صلاح المليجي (مؤسسة أرتوداي)
شجيرات تنمو على ضفاف النيل للفنان صلاح المليجي (مؤسسة أرتوداي)

وبينما تستوحي الفنانة إيمان أسامة، من نسيج «الدانتيل» الأنثوي رؤية بصرية حول أعماق المرأة، ورغباتها في التواصل والتعبير عما يدور بداخلها، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كثيراً ما تجد المرأة في الجمادات المحيطة بها الألفة والمؤانسة التي تحتاج إليها، كفساتينها وأدوات الزينة والدمى وغيرها، التي قد تتحول من الجماد إلى أشكال أنثوية حيّة صديقة، وأرواح ممتلئة بالحياة والشفافية والرقة، تماماً كنسيج الدانتيل».


مقالات ذات صلة

الأوبرا المصرية تحتفي بأديب «نوبل» نجيب محفوظ

يوميات الشرق احتفالات مصرية بنجيب محفوظ (وزارة الثقافة المصرية)

الأوبرا المصرية تحتفي بأديب «نوبل» نجيب محفوظ

تحت لافتة «محفوظ في القلب»، تحتفي الأوبرا المصرية بأديب «نوبل» نجيب محفوظ، عبر عدة فعاليات. بينها عرض أفلام تسجيلية عن مسيرته، ومعرض لفن الكاريكاتير حول محفوظ.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق عمل الفنان قادر عطية في أسبوع الفن بالرياض (هيئة الفنون البصرية)

أسبوع فن الرياض... تنسيق مبتكر وإبداع بصري

أجواء احتفالية غمرتْ الرياض الأسبوع الماضي بمناسبة إطلاق النسخة الأولى من «أسبوع فن الرياض»، الذي یقدّم في قسمه الرئيسي أعمالاً من أكثر من 30 غالیري محلياً…

عبير مشخص (الرياض)
يوميات الشرق اللبنانية الأولى نعمت عون تفتتح معرض «هوريكا» (الشرق الأوسط)

نسيج النكهات والخلطات العالمية في معرض «هوريكا» ببيروت

في نسخته الـ29، يُجدّد «هوريكا» في مساره، ومحتواه، إذ يطلّ على خبراء في عالم التغذية والطبخ من مختلف دول العالم. ويخصّص مساحات لعروض مباشرة في هذا الفنّ.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق يتمحور الجناح حول مفهوم سبيل الماء الذي يوفر الشرب مجاناً في جميع أنحاء السعودية (بينالي لندن)

«مياه صالحة» تُجسِّد التقاليد السعودية في «بينالي لندن للتصميم»

تشارك السعودية بجناح يحمل عنوان «مياه صالحة»، في فعاليات «بينالي لندن للتصميم 2025»، التي تحتضنها «سومرست هاوس» بالعاصمة البريطانية بين 5 و29 يونيو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يُمكن لألعاب الفيديو أن تتحدّى المنطق المكاني والجاذبية (الشرق الأوسط)

معرض قاهري يرصد تأثير ألعاب الكومبيوتر في الفنون البصرية

في أعماله، يبني صبري عوالم هجينة باستخدام عناصر بصرية بقيت في لا وعيه منذ طفولته؛ إذ كان منغمساً إلى حدّ كبير في ألعاب الفيديو أسوةً بأبناء جيله.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

نهاية مأساوية جداً لكوكب ابتلعه نجم

التوجّه نحو المصاير المحتومة (رويترز)
التوجّه نحو المصاير المحتومة (رويترز)
TT
20

نهاية مأساوية جداً لكوكب ابتلعه نجم

التوجّه نحو المصاير المحتومة (رويترز)
التوجّه نحو المصاير المحتومة (رويترز)

في مايو (أيار) 2020، رصد علماء الفلك للمرّة الأولى كوكباً يبتلعه النجم المضيف، واعتقدوا بناءً على البيانات المتوفرة آنذاك، أنه فُنِي مع تضخّم النجم في مرحلة متأخّرة من عمره ليصبح ما يُسمّى عملاقاً أحمر. لكن مشاهدات جديدة من التلسكوب «جيمس ويب»، وهي فحص تشريحي إلى حدٍّ ما لما بعد وقوع المأساة، تشير إلى أنّ فناء الكوكب حدث بشكل مختلف عما اعتُقد في البداية.

ونقلت «رويترز» عن الباحثين قولهم إنّ النجم لم يتّجه إلى الكوكب، وإنما حدث العكس مع عواقب وخيمة، بسقوط الكوكب في النجم بعد تأكُّل مداره بمرور الوقت.

وأوضحت المُشاهدات أنّ النهاية كانت مأساوية جداً. ورصد التلسكوب المداري الذي أُطلق عام 2021 وبدأ تشغيله عام 2022، غازاً ساخناً يُرجح أنه شكَّل حلقة حول النجم بعد الحادث، وسحابة آخذة في التوسُّع من الغبار البارد تحيط بالمشهد.

وقال رايان لاو من مختبر «إن أو آي آر لاب» التابع لمؤسّسة العلوم الوطنية الأميركية: «نعلم أنّ هناك كمية لا بأس بها من المواد من النجم تُطرد في أثناء اتجاه الكوكب للسقوط المميت. والدليل بعد وقوع الاصطدام هو هذه المادة الغبارية المتبقّية التي قُذفت منه». ولاو مُعدّ رئيسي للدراسة المنشورة في دورية «أستروفيزيكال» العلمية.

ويقع هذا النجم في مجرّتنا «درب التبانة»، على بُعد نحو 12 ألف سنة ضوئية من الأرض باتجاه كوكبه العُقاب. وهو يتميّز بأنه أكثر حمرة بنحو طفيف وأضعف إضاءة من شمسنا، وتبلغ كتلته نحو 70 بالمائة من كتلتها.

ويُعتقد أنّ الكوكب ينتمي إلى فئة تُسمّى «المشتريات الحارّة»، نسبة إلى كوكب المشتري؛ وهي كواكب غازية عملاقة تتمتّع بدرجات حرارة عالية بسبب مدارها الضيّق حول نجمها الذي تدور حوله.

وقال الباحث ما بعد الدكتوراه في مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، مورغان ماكلاود، المُشارك في الدراسة: «نعتقد أنه ربما كان كوكباً عملاقاً، على الأقل أكبر مرات من كتلة كوكب المشتري، ليتسبَّب في مثل هذا الاضطراب المذهل الذي شهدناه للنجم». وكوكب المشتري هو أكبر كواكب نظامنا الشمسي.

وأيضاً، يعتقد الباحثون أنّ مدار الكوكب تضاءل تدريجياً بسبب تفاعل جاذبيته مع جاذبية النجم، وطرحوا فرضيات حول ما حدث بعد ذلك.

علَّق ماكلاود: «ثم يبدأ الكوكب بالاحتكاك بالغلاف الجوّي للنجم، ويسقط بسرعة متزايدة داخله، فيتجرّد من طبقاته الغازية الخارجية خلال توغّله داخل النجم. وخلال هذه العملية، ترتفع درجة حرارة هذا الاصطدام ويطرد غازات النجم، مما ينتج الضوء الذي نراه، والغاز والغبار والجزيئات التي تحيط بالنجم الآن». لكن الباحثين لا يستطيعون التأكد على وجه اليقين من الأحداث الفعلية لفناء الكوكب.

وتابع ماكلاود: «في هذه الحالة، رأينا كيف أثَّر سقوط الكوكب في النجم، لكننا لا نعرف على وجه اليقين ما حدث للكوكب. في علم الفلك، ثمة أشياء كثيرة شديدة الضخامة وشديدة البُعد لدرجة يصعب إجراء التجارب عليها. لا يمكننا الذهاب إلى المختبر وسحق نجم وكوكب معاً، لكن يمكننا محاولة إعادة بناء ما حدث باستخدام نماذج الكمبيوتر».

لا يقع أي من كواكب نظامنا الشمسي على مسافة قريبة بما يكفي من الشمس لتأكُّل مداراتها، مثلما حدث في هذه الحالة. لكن هذا لا يعني أنّ الشمس لن تبتلع أياً منها في النهاية.

بعد نحو 5 مليارات سنة من الآن، من المتوقَّع أن تتمدَّد الشمس نحو الخارج في طور العملاق الأحمر، وقد تبتلع أقرب الكواكب إليها؛ عطارد والزهرة، وربما تبتلع الأرض. خلال هذا الطور، ينفث النجم طبقاته الخارجية، ليبقى مركزه فقط، وهو البقايا النجمية التي تُسمَّى القزم الأبيض.

وتقدّم مشاهدات التلسكوب «جيمس ويب» الجديدة أدلّة حول نهايات الكواكب. علَّق لاو: «تشير ملاحظاتنا إلى أنّ الكواكب ربما تكون أكثر عرضة لملاقاة مصيرها المحتوم عن طريق التحرّك ببطء نحو نجمها المضيف (الذي تدور حوله)، بدلاً من تحوّل النجم إلى عملاق أحمر يبتلعها. ومع ذلك، يبدو نظامنا الشمسي مستقراً نسبياً؛ لذا لا داعي للقلق إلا من تحوّل الشمس إلى عملاق أحمر وابتلاعنا».