من المحيط للخليج... أم كلثوم تتربع على قمة الغناء العربي لمدة نصف قرن

رجل يرتب أشرطة صوتية لأغاني أم كلثوم في متجر موسيقى بالكويت (أ.ف.ب)
رجل يرتب أشرطة صوتية لأغاني أم كلثوم في متجر موسيقى بالكويت (أ.ف.ب)
TT

من المحيط للخليج... أم كلثوم تتربع على قمة الغناء العربي لمدة نصف قرن

رجل يرتب أشرطة صوتية لأغاني أم كلثوم في متجر موسيقى بالكويت (أ.ف.ب)
رجل يرتب أشرطة صوتية لأغاني أم كلثوم في متجر موسيقى بالكويت (أ.ف.ب)

على الرغم من وفاتها قبل 50 عاماً، لا تزال أم كلثوم «صوت الأمة» العربية من شوارع القاهرة الصاخبة ومقاهي بغداد التاريخية، إلى بيوت ملايين العرب من أقصى المغرب العربي حتى الخليج.

ويقول أبو أحمد الذي يدير مقهى في العاصمة المصرية يحمل اسم أشهر مطربة في العالم العربي: «طالما تكون الموسيقى، تكون أم كلثوم». ويضيف في حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، معدّلاً مستوى الصوت على مسجل قديم: «لا تزال حيّة في كل لحن وكل أغنية».

على جدران المقهى صور للمطربة الأسطورة بهتت مع الزمن تُجاوِر ملصقات من حفلاتها الشهيرة. ومع بلوغ أغنية «إنت عمري» ذروتها، تخفت أصوات مرتادي المكان، إجلالاً لواحدة من أشهر أغاني «كوكب الشرق»، في حين تهمس آية خميس (36 عاماً) وهي تحتسي القهوة: «أم كلثوم هي صوت الأمّة».

صورة لأم كلثوم في أحد مقاهي تونس (أ.ف.ب)

خارج المقهى، يعرض البائع شادي سعيد تماثيل صغيرة لأم كلثوم مرتدية وشاحها المميز ونظاراتها الشمسية مع فرقتها الموسيقية، وقد صُممت كل قطعة بعناية فائقة. فالموسيقيون يرتدون بزّات أنيقة ويحملون آلات تقليدية مثل القانون والعود. ويوضح الرجل الذي يبلغ 37 عاماً، حاملاً أحد التماثيل: «هذه أكثر القطع مبيعاً لديّ».

متنكّرة في زيّ صبي

وإلى العاصمة العراقية، يصدح الصوت نفسه في مجموعة من المقاهي العراقية أبرزها مقهى «أم كلثوم» الذي افتُتح في «شارع الرشيد» في بغداد عام 1970 قبل خمس سنوات من وفاة الفنانة وهي في السادسة والسبعين.

بعيداً من جنازتها الرسمية في القاهرة، أقام المقهى البغدادي حفلاً تأبينياً لمَن يعتبرونها أهمّ مغنية على الإطلاق، بينهم يوسف حمد البالغ 77 عاماً؛ إذ يتردد المهندس المتقاعد منذ 55 عاماً مع أصدقائه إلى المقهى، حيث «تعني له» أم كلثوم «خصوصاً لأنها غنّت لبغداد».

جواز سفر المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم معروض في المتحف الخاص بها بالقاهرة (أ.ف.ب)

من جهته، يعبّر خزعل أبو علي (83 عاماً) بتأثر عن ولعه بالمغنّية، قائلاً من دون أن يتمكّن من ضبط دموعه: «أم كلثوم هي بالنسبة لي الشريان الأبهر الذي يوزّع الدم في كل جسمي. لحنها وأداؤها معجونان في قلبي، وهي المخدّر الذي كلّما سمعناه تعلّقنا به أكثر». ويضيف: «هي تقول (إن مرّ يوم من غير رؤياك ما ينحسبش من عمري)، وأنا أقول: إذا مرّ يوم من دون أن أسمعها لا يكون هذا اليوم محسوباً من عمري».

وتحوّلت أم كلثوم المولودة في عام 1898 في قرية صغيرة في دلتا النيل، من فتاة ترعرعت في عائلة متواضعة إلى الصوت الأشهر في العالم العربي. ولاحظ والدها الذي كان إماماً موهبتها في وقت مبكر، لكنه جعلها تتنكّر في زيّ صبي لتؤدي الغناء في الأماكن العامة، وذلك خوفاً من نفور مجتمع أوائل القرن العشرين في مصر. وسرعان ما أسرت جماهيرها بصوتها الممتلئ وحضورها الجذاب، حتى انتقلت في الثلاثينات إلى القاهرة.

نادل يحمل مشروبات في مقهى أم كلثوم في مدينة الحمامات السياحية التونسية (أ.ف.ب)

وأحدثت موسيقى أم كلثوم ثورة في الموسيقى العربية، فقد مزجت بين الشعر الكلاسيكي والتوزيعات الأوركسترالية الكبرى. لكن ما جعل منها فعلياً أسطورة كان ارتجالاتها وانبهار الجمهور بها. وانبهر بها كذلك موسيقيون غربيون أمثال ماريا كالاس وروبرت بلانت وبوب ديلان. وأدخلت أخيراً كلّ من شاكيرا وبيونسيه مقتطفات من أغانيها في أغانيهما. وقال بوب ديلان يوماً: «إنها واحدة من أفضل المغنّيات لديّ على الإطلاق».

«أكثر من مجرد مطربة»

ولم يكن تأثيرها موسيقياً فحسب، فقد تحوّل صوتها إلى الموسيقى التصويرية المرافقة لمصر على مر السنوات، مجسّداً القومية والوحدة والهوية الجمهورية الجديدة بعد ثورة 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي.

وفي عام 1967، قدّمت أم كلثوم عرضاً على مسرح الأولمبيا في باريس جمعت خلاله أكبر الإيرادات في تاريخ هذا المسرح. تبرّعت وقتها بالمبلغ للجيش المصري دعماً لجهوده في حربه ضدّ إسرائيل التي احتلت وقتها شبه جزيرة سيناء.

وتقول الناقدة الفنية المصرية المخضرمة ماجدة خير الله: «أم كلثوم كانت أكثر من مجرد مطربة (...) كانت شخصية وطنية. لذلك لم يكتفِ الناس بتسميتها (أم كلثوم)، بل سمّوها أيضاً (الستّ)».

عدد من مقتنيات أم كلثوم في متحفها في حي المنيل بالقاهرة (أ.ف.ب)

ومن المتوقع أن تعود قصة حياتها إلى الشاشة الكبيرة هذا العام في فيلم «الستّ» من بطولة الممثلة المصرية منى زكي، على أن يصوّر موسيقاها وسيرتها كشخصية نسوية تحدّت المجتمع.

ولم تُنجب المغنّية التي تزوجت في سن السادسة والخمسين، وأصبحت في أربعينات القرن المنصرم أول امرأة تتولى رئاسة نقابة المهن الموسيقية في مصر.

وتشير الناقدة الفنية فايزة هنداوي إلى أنها «كانت امرأة تمتلك قوة كبيرة في قطاع يسيطر عليه الرجال». وتتابع: «كانت قوية جداً ومسيطرة على كل شيء؛ أغانيها ومظهرها وخياراتها في الحياة».

مجموعة من الفساتين التي كانت تخص المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم معروضة في المتحف الخاص بها في القاهرة (أ.ف.ب)

وفي القاهرة، يطلّ تمثال برونزي لأم كلثوم على نهر النيل، مخلّداً ذكراها بعد 50 عاماً على رحيلها. ومن الجانب الآخر من النهر، يقدّم «متحف أم كلثوم» المخصص لإرثها لمحة عن تفاصيل عالمها الممثل في فساتينها المزخرفة ودفاتر ملاحظاتها ونظاراتها الشمسية المرصعة بالألماس التي أصبحت جزءاً من إطلالتها. بين أروقة المتحف زوار معظمهم من الشباب المفتونين هم أيضاً بأم كلثوم. وتقول رودينة محمد (15 عاماً)، متأملة أحد فساتين المغنّية: «كانت حريصة على كل التفاصيل، من الكلمات حتى الألحان والأداء؛ لذلك لا تزال قيمتها مهمة».


مقالات ذات صلة

«عشرون»: في مواجهة الذاكرة المُهدَّدة والفراغ المُعلَّب

يوميات الشرق إعادة الإضاءة على الأعمال التي صنعت الذاكرة الثقافية العربية (صور مايا الحاج)

«عشرون»: في مواجهة الذاكرة المُهدَّدة والفراغ المُعلَّب

يَعبُر «عشرون» من مجرّد برنامج عن ترتيب الأعمال، إلى مشروع في قلب المعركة الثقافية. وهي معركة لا تُخاض بالسلاح، وإنما بالكلمة والذاكرة والاختيار.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)

«مفكرة أبريل»: لقاء الفنّ والحوار في نسيج تكوينات جديدة

بالإضافة إلى كونها حدثاً ثقافياً، تُشكل «مفكرة أبريل» دعوة مفتوحة لتكوين مقاربات جديدة نحو التبادل وبناء الشبكات المجتمعية، وإعادة تخيّل الهياكل الداعمة للحياة.

فاطمة عبد الله (الشارقة)
ثقافة وفنون «كشتبان»... أم مصرية ترمّم تصدعات الذات في الهند

«كشتبان»... أم مصرية ترمّم تصدعات الذات في الهند

يحفل تاريخ الشعرية العربية بهاجس الارتحال، فقد كانت الرحلة غرضاً رئيسياً ومركزياً من أغراض الشعر العربي، واحتلت الناقة رمزيتها في تراثنا الشعري بصفتها رفيقة.

عمر شهريار
يوميات الشرق من ورشات العمل في بينالي الفنون الإسلامية (هيئة بينالي الدرعية)

«طُرُق: نكهات ومسارات» في بينالي الفنون الإسلامية

على مدى 3 أيام، نظَّمت مؤسسة «بينالي الدرعية» منتدى استكشاف فنون الطهي في العالم العربي تحت عنوان «طُرُق: نكهات ومسارات»، ويمثل هذا الحدث باكورة فعاليات «مساحة…

يوميات الشرق الأمير سلمان بن حمد خلال حفل تدشين لوحة «وئام وسلام» في مطار البحرين (بنا)

«وئام وسلام»... لوحة عملاقة تزاوج الضوء والألوان بمطار البحرين

دشّن ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد لوحة «وئام وسلام» للفنان العالمي برايان كلارك في الصالة الرئيسية بمطار البحرين الدولي.

«الشرق الأوسط» (المنامة)

يوسف عمر لـ«الشرق الأوسط»: انتقاد مسلسل «شباب امرأة» أمر طبيعي

يوسف عمر (حسابه على فيسبوك)
يوسف عمر (حسابه على فيسبوك)
TT

يوسف عمر لـ«الشرق الأوسط»: انتقاد مسلسل «شباب امرأة» أمر طبيعي

يوسف عمر (حسابه على فيسبوك)
يوسف عمر (حسابه على فيسبوك)

قال الممثل المصري يوسف عمر إن استعانته بمدرب تمثيل لتجسيد شخصية «إمام» في مسلسل «شباب امرأة»، الذي عُرض خلال شهر رمضان الماضي، ساعده كثيراً على التفاعل مع طبيعة الدور الذي تطلّب تركيزاً كبيراً في التفاصيل وضبطاً للانفعالات بما يتناسب مع تطوُّر الأحداث.

وأضاف عمر لـ«الشرق الأوسط» أن التحضيرات مع مدرب التمثيل ياسين العصامي لم تقتصر على المشاهد المكتوبة في السيناريو فقط، بل امتدت إلى دراسة تاريخ الشخصية وخلفياتها، إلى جانب مجموعة من التفاصيل غير الموجودة في النص، لكنها ضرورية لفهم دوافع الشخصية وتصرفاتها في المواقف الصعبة التي مرّت بها، الأمر الذي ساعده في التعامل مع المشاهد المعقدة ضمن الأحداث.

وأشار إلى أن التحضير قبل التصوير تضمن أيضاً تنسيقاً مع مخرج العمل أحمد حسن، للاتفاق على تفاصيل الأداء أمام الكاميرا، وهو ما أتاح له فرصة التركيز بشكل أكبر أثناء التصوير، وفهماً دقيقاً لما يجب تقديمه في كل مشهد، مؤكداً أن أحد أسباب صعوبة أداء شخصية «إمام» كان متعلقاً بردود أفعاله المتداخلة، والتي اعتمدت في كثير من الأحيان على الصمت أو الهدوء وعدم إظهار انفعالات مباشرة أمام الكاميرا، ما تطلب التزاماً صارماً بالنص المكتوب دون ارتجال.

عمر على الملصق الدعائي لمسلسل «شباب امرأة» (الشركة المنتجة)

ورأى عمر أن جزءاً من الانتقادات التي وُجهت إلى المسلسل تعد أمراً طبيعياً لأنه نابع من شعور بالغيرة على الفيلم الأصلي، الذي عُرض منذ نحو 70 عاماً، ويُعد من كلاسيكيات السينما المصرية، رغم أن صنّاع المسلسل حرصوا على الابتعاد عن الفيلم من خلال تقديم أحداث وشخصيات جديدة غير موجودة فيه، معرباً عن سعادته بردود الفعل الإيجابية التي تلقاها حول أدائه في المسلسل، وكذلك النقاشات التي دارت عن الاختلافات بين العملين.

وشدد على أن بعض الانتقادات جاءت نتيجة المقارنة بين المسلسل والفيلم، رغم الفوارق الكبيرة بين العملين، سواء من حيث الحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث أو من خلال الشخصيات والمواقف الجديدة، مشيراً إلى المجهود الكبير الذي بذله فريق الكتابة في هذا الإطار على حد تعبيره.

وعن تعاونه الأول مع الفنانة غادة عبد الرازق، قال يوسف عمر إنها هي التي رشحته للدور، وأبدت رغبتها منذ البداية في أن يُجسّد شخصية «إمام»، قبل أن يتواصل معه فريق العمل رسمياً. ورأى أن الوقوف أمامها فرصة جيدة لأي ممثل، ولم يتردد في قبول المشاركة في العمل.

وأضاف أن أول مشهد جمعه بها خلال التصوير كان الأصعب، نظراً لأنه كان نقطة انطلاق للأحداث التالية في المسلسل، مؤكداً أن تعامل غادة وفريق العمل ساعد في تهيئة أجواء مريحة لتقديم المشهد بشكل ناجح.

في كواليس التصوير مع فريق العمل (حسابه على فيسبوك)

وأكد أن أي ممثلة ستؤدي شخصية «شفاعات» كانت ستواجه انتقادات بسبب المقارنة بالفيلم، حتى قبل عرض المسلسل، معتبراً أن غادة عبد الرازق قدمت الدور باحترافية عالية.

وفيما يخص مشاركته في المسلسل السعودي «شارع الأعشى»، أوضح عمر أن ترشيحه جاء عبر فريق إدارة أعماله، حيث أجرى «أوديشن» لأحد المشاهد قبل بدء التصوير، معرباً عن سعادته بهذه التجربة، خصوصاً في ظل الحراك الفني الكبير الذي تشهده السعودية. وأضاف أنه حرص على تنسيق مواعيد تصوير العملين، حتى لا يتأثر أي منهما بالآخر، رغم تنقله المستمر بين القاهرة والرياض خلال الفترة السابقة لشهر رمضان.

عمر على الملصق الدعائي لمسلسل «شباب امرأة» (الشركة المنتجة)

وتحدث يوسف عمر عن انفتاحه على أداء تجارب الأداء (أوديشن) للأدوار التي يُرشّح لها، معتبراً أن تقديم مشهد تمثيلي يساعده في فهم الشخصية، ويتيح للمخرج الحكم على أدائه قبل بدء التصوير، مشيراً إلى أنه سيشارك في فيلم صيني - بريطاني قيد التحضير، بعد اجتيازه اختبارات الأداء.

ورغم تقديمه البطولة السينمائية في فيلم «مين يصدق»، الذي عُرض نهاية العام الماضي، وأدائه دور البطولة في المسلسل التليفزيوني في «شباب امرأة»، شدد يوسف عمر على أنه يبحث عن الأدوار المميزة بغض النظر عن كونها بطولة أم لا، معبراً عن رغبته في تقديم أدوار مختلفة تُضيف له تمثيلياً.

وحول مشاريعه المقبلة، قال يوسف إنه صوَّر جزءاً من مشاهده في فيلم «فرقة الموت» إلى جانب أحمد عز، وآسر ياسين، ومنة شلبي، ومن المقرر استئناف التصوير قريباً تمهيداً لطرحه في دور العرض، مشيراً إلى أنه يقدم دوراً مختلفاً ضمن أحداث الفيلم الجديد.