د.جوليان رابي: البينالي تجربة روحانية تمس القلب والعقل

القيّم الفني على جناح «البداية» في بينالي الفنون الإسلامية بجدة

الدكتور جوليان رابي (مؤسسة بينالي الدرعية)
الدكتور جوليان رابي (مؤسسة بينالي الدرعية)
TT

د.جوليان رابي: البينالي تجربة روحانية تمس القلب والعقل

الدكتور جوليان رابي (مؤسسة بينالي الدرعية)
الدكتور جوليان رابي (مؤسسة بينالي الدرعية)

الدكتور جوليان رابي، أحد المديرين الفنيين للبينالي والقيّم على قاعة البداية، تحدث إلى «الشرق الأوسط» حول أهم القطع فيه ومدلولاتها.

يقول في البداية: «لم أقم بإحصاء القطع المعروضة (في البداية)، فالأهمية تكمن ليس في عدد القطع بل في العلاقات بينها. كيف يمكننا أن نُحصي قطعة مثل الكسوة؟ لا تنطبق الأرقام هنا. هي خارج الأرقام».

ويضيف: «أردنا تقديم قطع تعبر عن أفكار، ومن ناحية أخرى الجمع بين قطع لها قدسية خاصة في مكان واحد، وهو أمر صعب تقديمه في معرض. أن نعرض قطعاً كاملة من الكسوة هو أمر فائق يجعلنا نفكر فيما خلف القطع، في المقدّس حولنا الذي لا نستطيع رؤيته أو وصفه، وهنا يصبح الأمر كله معتمداً على الإحساس».

أسأله إن كان ينصح الزائر بمحاولة التغلب على الأحاسيس لمحاولة فهم علاقات القطع؟ فيجيب: «لا أريد للزائر أن يتغلب على قوة الشعور والأحاسيس التي تبعثها فيه القطع الضخمة، أرى أن العاطفة هي أهم عنصر في الزيارة، المشكلة في المتاحف والمعارض المعتادة أنها تركز أكثر على المعلومات، بالنسبة إلى التأثير العاطفي فهو يعمل بطريقتين؛ يساعد على فهم المعلومات المرتبطة على نحو أكبر من أي شيء آخر، وإن كانت المشاعر فقط هي ما يجنيه الزائر من معاينة القطع فهذا أمر يستحق الاعتزاز».

كسوة الكعبة محط الأنظار في جناح «البداية» ببينالي الفنون الإسلامية بجدة (الشرق الأوسط)

ويستطرد قائلاً: «قال لي أحد الأشخاص إنه بكى لرؤية الكسوة، وهو رد فعل لا نربطه عادةً بالزيارة المتحفية، ففي المتاحف نتحكم في عواطفنا خلال رؤية القطع التاريخية، ولكني أشعر بقوة أن الكسوة والمعروضات الأخرى في قاعة المدينة المنورة تتجاوز ذلك».

ويصف العرض بالتجربة الروحانية التي تمس القلب والعقل، ويأخذنا الوصف إلى الحديث عن كسوة الكعبة وطريقة عرضها التي جذبت زوار البينالي بجُمَلها وروحانيتها. يقول: «كانت هناك حوارات مع فريق المصممين لتحديد طريقة العرض، كنا متفقين على أن عرض الكسوة بالشكل المربع الطبيعي لها كان سيكون خطأً، ولكن عرضها متوازيةً سمح للزوار برؤية مزيد من التفاصيل على نحو أكثر. ما نريد أن نعكسه ليس فقط جلال القطعة بل أيضاً الإحساس بالرحمة وانعكاسه عبر اللون الأبيض المحيط بالجدران».

نقش كان يعلو باب الكعبة بخط صالح جلبي يعود إلى عام 1708 (الشرق الأوسط)

يتحدث عن الصلات بين المعاصر والمقدس ضارباً المثل بالقاعة المعنونة «الخالق»، حيث اجتمع عمل الفنان عبد القادر بن شامة الجداريّ الضخم «بين كل سماء» مع أعمدة الحرم المكي، وعمل الفنان الإيطالي أركانجيلو ساسولينو «ذاكرة التحول»، يقول: «الفنانون في غرفة (الخالق) يجعلوننا نفكر في تلك الطاقة التي لا يمكن وصفها والتي تتجلى في عملية الخلق، ليست التفاصيل، ولكن الإحساس بالحركة والاضطراب، يجعلنا نفكر في تلك الآية في القرآن (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) ثم بعد ذلك الإحساس بالقوة مقارنةً مع الضياء في الغرفة الأخيرة».

ويعلق على عمل الفنان آصف خان «مصحف الزجاج»: «لدينا عملان لآصف خان الذي اقترح علينا فكرة المصحف الزجاجي، وفي وقت قصير جداً نجح في تنفيذ العمل، بالنسبة إليه كان العمل ذا دلالة عميقة؛ أن تكون لديك القدرة على التعبير عن القرآن، وأن تستطيع جعل العمل يسبح في النور، فالنور ينبعث من داخله، ومن حوله... أراد الفنان هذا التأثير؛ أن تأخذ العين وقتاً لتتعود على كم الضوء في هذا الخزانة، ليس شيئاً سهلاً، ولكن يدفع الزائر إلى قضاء وقت في مشاهدة العمل لتتضح الرؤية شيئاً فشيئاً».


مقالات ذات صلة

السعودية تؤكد التزامها الراسخ بدعم القضايا الإنسانية العالمية

الخليج السفير عبد المحسن بن خثيلة لدى إلقائه بياناً أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (البعثة السعودية بجنيف)

السعودية تؤكد التزامها الراسخ بدعم القضايا الإنسانية العالمية

أكدت السعودية التزامها الراسخ بدعم القضايا الإنسانية العالمية، ومساهمتها في التخفيف من معاناة المتضررين من الحروب والكوارث.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (الشرق الأوسط)

فيصل بن فرحان يصل إسطنبول للمشاركة في «الوزاري الإسلامي»

يشارك الأمير فيصل بن فرحان في اجتماعات مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، التي تستضيفها مدينة إسطنبول التركية يوم السبت.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
يوميات الشرق يستمر فصل الصيف هذا العام 93 يوماً و15 ساعة و37 دقيقة (واس)

السبت... بداية فصل الصيف فلكياً ويستمر 94 يوماً

تشهد سماء السعودية وبقية النصف الشمالي من الكرة الأرضية، فجر السبت، الانقلاب الصيفي، إيذاناً ببدء الفصل فلكياً، الذي سيستمر 93 يوماً و15 ساعة و37 دقيقة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
عالم الاعمال «عسل الشفاء» توقّع مذكرة تفاهم مع جمعية النحالين بالباحة

«عسل الشفاء» توقّع مذكرة تفاهم مع جمعية النحالين بالباحة

وقّعت «عسل الشفاء»، التابعة لمجموعة «السنبلة» الرائدة في صناعة الأغذية بالسعودية، مذكرة تفاهم مع جمعية النحالين بالباحة تحت رعاية وزارة البيئة والمياه والزراعة.

الخليج تمكن الاحترافية العالية للقدرات الوطنية الاستباقية في السعودية من توقع التداعيات الإشعاعية مبكراً (هيئة الرقابة النووية)

السعودية تؤكد سلامة بيئتها من أي تسربات إشعاعية

أكدت «هيئة الرقابة النووية» السعودية سلامة بيئة البلاد من أي تسربات إشعاعية قد تكون ناتجة من التطورات الإقليمية في المنطقة.


«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)
المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)
TT

«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)
المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)

الشعور بالغرابة يطبعك منذ اللحظة الأولى لدخولك صالة عرض «رقم 23» على مسرح «المونو» في بيروت. فالحضور يُدعى للجلوس حول خشبة ضيّقة لا يتجاوز طولها مترين، فيتوزّعون على كراسٍ تصطفّ تحت جدران سوداء رُسمت عليها بالطبشور الأبيض فتحات صغيرة. وللمرّة الأولى، تتبدَّل مقاعد المسرح لتصبح الأساسية فيها ثانوية، ويكون مُشاهد العمل على بُعد سنتيمترات من الممثلين.

وعلى مدى نحو 30 دقيقة، يتابع الحضور عملاً تراجيدياً يتلوَّن بالعبثية والواقعية في آن. المسرحية هي مشروع تخرّج الطالبة بيا خليل، فازت من خلاله بجائزة «مونو الذهبية». وتدور أحداثها التي كتبتها وأخرجتها، في السجن؛ وقد استوحتها من عمل للكاتب المسرحي الفرنسي جان جينيه، واختارت أن تضع لها نهاية بطريقتها، فتأتي تكملة للمسرحية الأصلية «هوت سيرفيانس» أو «حارس الموت»، كما هي معروفة بالعربية.

الممثل طوني فرح يجسّد شخصية السجين (الشرق الأوسط)

يؤدّي بطولة المسرحية طوني فرح بدور السجين، وجو رميا بشخصية السجّان. يحكي موضوعها عن العنف والسلطة وصراعات عدّة تشوب العلاقات الاجتماعية في السجن كما في الحياة العادية. نسبة إصغاء لافتة يُسجّلها الجمهور طوال عرض العمل، وربما جلوسه قريباً إلى هذا الحدّ من الممثلَيْن يُشعره وكأنه يشارك بشكل غير مباشر، فيتفاعل مع مجرياتها لا شعورياً، بصرخة مخنوقة حيناً، وصمتٍ تام لا تكسره سوى حركة جسده المائل يميناً ويساراً. وهو ما يتيح عدم تفويت أي لحظة، فيلتقط كل إشارة أو مشهد انفعالي.

بالنسبة إلى بيا خليل، فإنّ قصة جان جينيه لامستها جداً، مما حضّها على اتخاذها مشروع تخرّج لها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «عنت لي كثيراً، ولا سيما أننا في لبنان كنا نعيش أجواء الحرب. فخاطبَتْ هواجسي ومخاوفي، وولَّدت عندي تحدّياً لترجمتها بوضع نهاية لها على طريقتي. وأجريت على القصة الأصلية تنويعاً فنّياً انعكس ثراءً على مشهديتها البصرية».

يقدّم الممثلان طوني فرح وجو رميا أداءً لا يقتصر على التمثيل؛ بل يتجاوزان حدود لغة الجسد وملامح الوجه ليجذبا المُشاهد بجهد فيزيائي. فهما يتصارعان ويتشابكان بالأيدي، يهاجم بعضهما بعضاً ليشعر الحضور كأنه على حلبة مصارعة حقيقية. ولعلّ الحذاء الثقيل الذي يرتديه السجين (لوفران) على هيئة أغلال تقيّد حركته، يرمي بثقله على المُشاهد منذ بداية العمل. أما السجّان (جو رميا)، فيمارس عليه كل أنواع السلطة التي يتمتَّع بها، وهي كناية عن أساليب تعذيب وقهر نفسي وجسدي، فيقطع أنفاس المُشاهد بأداءٍ قاسٍ، يهيمن على علاقة متشابكة بين السجين وسجّانه.

تعلّق بيا خليل: «إنها مشاهد تُشبه ما نعيشه في حياتنا اليومية، هناك من يتحكّم في الإنسان ويفرض عليه قوانينه. وضيق المساحة التي تدور فيها مجريات المسرحية يعبّر عن تقلّص الحرّيات في حياتنا إلى حد شعورنا بالاختناق. لذلك حاولت أن أُسيّج المكان الضيّق بالناس، كأنهم مسجونون بدورهم لا يستطيعون التحرّك».

مواجهات تدور بين السجين والسجّان في «رقم 23» (الشرق الأوسط)

وبالفعل، يشعر المُشاهد بالضيق وثقل المكان، فيساوره القلق نفسه الذي يُحرّك شخصيتَي الممثلَيْن.

السجين (لوفران) محكوم عليه بالإعدام. وقبل تنفيذ الحكم يحاول البوح بأسباب ارتكابه جريمته. فهو قد تخلَّص من زميله لأنه كان ينافسه على زعامة السجن. وبما أنّ هذا المكان هو الوحيد الذي يُشعره بالأمان، فكان لا بدَّ من أن يحافظ على مكانته فيه مهما كلّفه الأمر.

وهنا توضح بيا خليل الرسالة التي تحملها المسرحية: «رغبت في التأكيد على أن الإنسان على استعداد للقيام بأي شيء من أجل الشعور بالانتماء، وهو أكثر ما يمكن أن يؤذيه ويودي به إلى الحضيض».

خلطة موضوعات اجتماعية تتناولها مسرحية «رقم 23» لتؤلّف عناوين عريضة، من بينها: الحب، والحقيقة، والأمل، والحزن، والغيرة، والخيانة، فتدفع بمُشاهدها إلى تمضية وقت تفكير وتأمُّل يفرضه إيقاع المسرحية.

يدور العمل في أجواء تطغى عليها العتمة، بينما حركة الممثلين يحكمها البطء والمواجهات العنيفة. وتستخدم بيا خليل أدوات مسرحية عدّة تحمّلها رسائل مختلفة، من بينها الورود التي تُنثر في نهاية العمل، فتسقط على المُشاهد من سقف الصالة. أما الطبشورة التي يمسكها السجّان عند فقدان سجينه، فتعبّر عن الشوق. وتوضح: «أردتُها رسالة واضحة تحفّزنا على رسم طريقنا بأنفسنا. فنحن وحدنا مَن يستطيع التحكّم في قراراتنا ومستقبلنا، وهو ما يزودنا بقدرة على التغيير بدل الاستسلام».

نهاية غير سعيدة اختارتها بيا خليل لقصة كتبها جان جينيه. وتختم: «ليست جميع النهايات في حياتنا سعيدة، ورأيتُ أنّ هذه الخاتمة ترتقي بنا إلى أعلى المراتب بعد الحياة. وهي نوع من الحرّية لسجين أُعدم في عمرٍ فتيٍّ. فهو لا يتجاوز الـ23 عاماً، الرقم الذي نراه محفوراً على صندوق خشبي يحمل أغراضه في السجن، وبالتالي يعنون المسرحية؛ لأنه يشير إلى عدد سنوات حياته».