بمقتنيات من الحرمين الشريفين ومؤسسات عالمية... جدة تستقبل النسخة الثانية لـ«بينالي الفنون الإسلامية»

تحت عنوان: «وما بينهما»

أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)
أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)
TT

بمقتنيات من الحرمين الشريفين ومؤسسات عالمية... جدة تستقبل النسخة الثانية لـ«بينالي الفنون الإسلامية»

أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)
أحد الأعمال المعاصرة ضمن قسم «المظلة» في بينالي الفنون الإسلامية (الشرق الأوسط)

في مساء لطيف النفحات بمدينة جدة عروس البحر الأحمر أُطلقت النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية، بحضور كثيف جمع زواراً من كل أنحاء العالم الذين تناثروا في المساحات الخارجية الواسعة لصالة الحجاج الغربية، في انتظار فتح قاعات العرض وانطلاق رحلات الدهشة والاكتشاف. وبعد حفل قصير انطلق بالنشيد الوطني السعودي، وكلمات افتتاحية لراكان الطوق مساعد وزير الثقافة السعودي، وآية البكري الرئيس التنفيذي لمؤسسة «بينالي الدرعية»، انتظم الزوار في صفوف أمام القاعات المختلفة التي توزعت عليها المعروضات.

وعد المنظمون زوار النسخة الثانية من البينالي بالكثير من الجمال والمتعة والثقافة، وبتذوق جرعة مركزة من كل ما جادت به الثقافة الإسلامية عبر العصور. وبعد زيارة قاعات البينالي يمكن القول إن القيّمين على الحدث العالمي الضخم قد أوفوا بوعدهم، ونجحوا في تسجيل النسخة الثانية من البينالي كأكبر محفل للفنون الإسلامية في العالم. وهي ليست مبالغة؛ فهو أول «بينالي» في العالم يختص بالفنون الإسلامية قديمها وحديثها.

 

«وما بينهما»

 

خلال الندوات التي أقيمت قبيل حفل الافتتاح، شرح فريق المديرين الفنيين للبينالي، وهم: الدكتور جوليان رابي، والدكتور أمين جعفر، والدكتور عبد الرحمن عزام، إلى جانب القيّم الفني لأعمال الفن المعاصر الفنان السعودي مهند شونو، المفهوم الرئيس خلف العرض الذي ينتظم في ضوء العبارة القرآنية: «وما بينهما» التي وردت في عدة مواضع في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾. وفسر القيّمون العلاقة بين الآية الكريمة وبين الرؤية الفنية التي ترى الإنسان وسعيه وعمله في ذلك المكان المتوسط؛ إذ لجأت التفسيرات المختلفة للمقدس وعلاقته بالإنسان والسعي الدائم لفهم جمال وروعة ما أبدعه الخالق عبر أكثر من 500 قطعة أثرية وأعمال فنية معاصرة.

 

القاعات

 

يتمثل مفهوم العرض على نحو مركز في قاعة «البداية» التي تعرض عدداً من القطع النادرة، بعضها يُعرض للمرة الأولى خارج مكة المكرمة، مثل الكسوة التي ازدانت بها الكعبة المشرفة العام الماضي. هناك أيضاً التفسير الذي يتبدى في العلوم والأرقام، كأساس للفنون الإسلامية، وهو ما نراه في عروض قاعة «المدار» من خلال مجموعة من الأدوات العلمية مثل الأسطرلاب والخرائط الجغرافية والمخطوطات الهندسية. غنيّ عن القول إنَّ القاعة أيضاً تضم معروضات نادرة جداً، وتُعرض في جدة للمرة الأولى، مثل بعض مقتنيات مكتبة الفاتيكان. وسيكون لنا مع تفاصيل تلك القطع وقفة لاحقة.

من معروضات قاعة «المدار» (الشرق الأوسط)

في قاعة «المقتني» سنكون على موعد مع قطع فائقة الوصف والقيمة من مجموعتين مميزتين: مجموعة الشيخ حمد بن عبد الله آل ثاني (مجموعة آل ثاني)، ومجموعة رفعت شيخ الأرض (مجموعة الفروسية). في قاعتي «المكرمة» و«المنورة» سيكون الزائر على موعد مع أكثر من مفاجأة، منها قطع من الحرمين الشريفين بعضها لم يُعرض من قبل، مثل ستائر للحجرة النبوية، وستارة لباب الكعبة، وشمعدانات تاريخية ترى العالم خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة للمرة الأولى، وتأخذ بيد زوار القاعتين لأبواب الحرمين الشريفين.

في قاعة «المنوّرة» قطع من الحرم النبوي الشريف (الشرق الأوسط)

في كل القاعات نرى إبداعات لفنانين وحرفيين من عصور الفن الإسلامي المختلفة، ولكن المفهوم يمتد ليصل للفنان المعاصر، وهو الحلقة الجديدة في السلسلة الباهرة. ويغزل القيّمون السرد الفني ما بين القديم والحديث لفتح أبواب الحوار ما بين المعروضات. غير أن العرض لا ينتهي بزيارة القاعات الداخلية، فهناك في المساحات الخارجية «المظلة» مجموعة كبيرة من الأعمال التركيبية المعاصرة التي تبحث في الإنسان وعلاقته بالأرض من خلال تعبيرات من فنانين من أنحاء العالم. وتسلط «المظلة» الضوء على مفهوم الحديقة في الحضارة الإسلامية؛ فمنذ العصور القديمة، وحتى اليوم، كانت الحديقة مكاناً للتأمل والتفكر. وفي الثقافات الإسلامية، تعد الحديقة وسيلة للتعبير عن علاقة الإنسان بالأرض والسماء، ويرتبط مفهوم الحديقة في الإسلام بفكرة الجنة، وهي مشتقة من الكلمة الفارسية القديمة «بردیس» (pardis) التي تعني «مساحة مسورة».

 

استعارات ومشاركات دولية

 

في نسخته الثانية، يعرض البينالي عدداً أكبر من الأعمال الفنية المعاصرة، ويجمع أعمالاً مُعارة من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في الفنون الإسلامية؛ من تونس إلى طشقند، ومن تمبكتو إلى يوغياكارتا، لتفتح مشاركة هذه الشبكة العالمية من المؤسسات آفاقاً واسعة للفنون الإسلامية، تجمع بين الماضي والحاضر، وتفتح قنوات جديدة للحوار والتعاون. وتتضمن الأعمال المُعارة تحفاً أثرية وقطعاً تاريخية ومقتنيات إسلامية ثمينة، وأعمالاً فنية من مؤسسات كبرى مثل متحف اللوفر (باريس)، ومتحف فكتوريا وألبرت (لندن)، بالإضافة إلى مجموعات متخصصة في الفنون والثقافات الإسلامية قادمة من معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية (تمبكتو)، ومتحف الفن الإسلامي (الدوحة)، والمعهد التركي للمخطوطات (إسطنبول)، كما يجمع البينالي مؤسسات بارزة من أنحاء المملكة العربية السعودية، وهي: مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي - إثراء (الظهران)، ومجمع الملك عبد العزيز للمكتبات الوقفية (المدينة المنورة)، ومكتبة الملك فهد الوطنية (الرياض).

قطعة أثرية من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة (الشرق الأوسط)

 

جائزة «المصلى»

 

يتميز المصلى الفائز بجائزة «المصلى»، والذي شيّده التحالف المؤلف من «استوديو إيست» للهندسة المعمارية وشركة الهندسة الدولية «AKT II»، بالتعاون مع الفنان ريان ثابت، بهيكل مستوحى من المنسوجات المعالجة بالأصباغ الطبيعية، ويستخدم مخلفات أشجار النخيل، خصوصاً الأخشاب والسعف، ويتكون التصميم من فناء مركزي مفتوح ومساحات للصلاة، تشكل معاً هيكلاً مستوحى من التقاليد المحلية للحياكة والنسيج، مما يعكس القيم الإسلامية للتقارب والتآزر التي تعد أبعاداً أساسية للصلاة في الإسلام.

التصميم الفائز بجائزة «المصلى» (الشرق الأوسط)

 

بالأرقام

 

- تشارك في البينالي أكثر من 30 مؤسسة رائدة من دول تشمل الدنمارك ومصر وفرنسا واليونان والهند وإندونيسيا وإيطاليا والكويت ومالي وعُمان وفلسطين والبرتغال وقطر والمملكة العربية السعودية وإسبانيا وتونس وتركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوزبكستان والفاتيكان.

- يضم البينالي أعمالاً لأكثر من 30 فناناً من المملكة ومختلف أنحاء العالم، إلى جانب 29 عملاً فنياً جديداً بتكليف من مؤسسة «بينالي الدرعية»، تُعرض إلى جانب التحف الأثرية والقطع التاريخية.

- يتألف بينالي الفنون الإسلامية من سبعة أقسام: «البداية، والمدار، والمقتني، والمظلّة، والمكرّمة، والمنوّرة، والمصلّى»، تتوزع عبر صالات عرض ومساحات خارجية تمتد على مساحة 100.000 متر مربع.

 

نبذة عن بينالي الفنون الإسلامية

 

يقام بينالي الفنون الإسلامية الذي تنظمه مؤسسة «بينالي الدرعية»، كل عامين في صالة الحجاج الغربية - الحائزة جائزة «الآغا خان للعمارة» - بمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، والتي تتمتع بمكانة خاصة لدى ضيوف الرحمن لكونها تستقبل الملايين منهم كل عام في رحلتهم لأداء مناسك الحج والعمرة في بيت الله الحرام. كما مثلت مدينة جدة طوال قرون نقطة التقاء للكثير من الثقافات التي يحملها معهم الوافدون عليها من كافة أقطار العالم.

جدير بالذكر أن النسخة الافتتاحية استقبلت أكثر من 600.000 زائر، وتسعى مؤسسة «بينالي الدرعية» للبناء على هذا النجاح من خلال النسخة الثانية.


مقالات ذات صلة

«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

يوميات الشرق «انطباعات» يدمج ما بين فني التصوير الفوتوغرافي وعصر النهضة (الشرق الأوسط)

«انطباعات»... أحلام نساء تطفو على سطح المياه

تُبحر الفنانة لارا زنكول بعدستها في أعماق الحلم فترسم بالضوء ملامح أنوثة تسبح بين السكون والماء.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تتألق الأصالة وتتجلّى الثقافة السعودية بكل تنوعها (إكسبو السعودية)

‏85 يوماً لرحلة الثقافة السعودية في «إكسبو أوساكا»

عبَرت رحلة الثقافة السعودية المشاركة في «إكسبو أوساكا»، ثاني أكبر جناح بعد الدولة المستضيفة، يومها الخامس والثمانين وقدمت لأكثر من مليون زائر الثقافة السعودية.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الطوابع القديمة أصبحت نماذج فنّية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

«أثر × طابع»... أرشيف بصري لإبراز ملامح الهوية المصرية

نظَّم المتحف القومي للحضارة المصرية فعالية ثقافية فنّية تضمَّنت طوابع تُحاكي آثاراً تاريخية أو شخصيات بارزة، تحت عنوان «أثر × طابع».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق معرض «سنوات مع الباستيل» يبرز تجربة محمد غانم مع الوسيط الفني

«سنوات مع الباستيل» يحتفي بالهوية المصرية

«سنوات مع الباستيل» للدكتور محمد غانم من المعارض النادرة المُخصصة لرسومات وألوان الباستيل لفنان مصري.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق من لوحات دي مارتينو في معرض «همسات كهربائية» (المركز الإيطالي)

«همسات كهربائية»... تجربة فنية إيطالية تنبض في قلب لبنان

معرض «همسات كهربائية» للفنانة رآ دي مارتينو في بيروت، يستكشف العلاقة بين الذاكرة والتكنولوجيا من خلال أعمال فنية رقمية مبتكرة.

فيفيان حداد (بيروت)

حريق في بطارية يُجبر طائرة أميركية على الهبوط اضطرارياً

طائرة تابعة لشركة «دلتا» تُقلع من مطار في جورجيا بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «دلتا» تُقلع من مطار في جورجيا بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)
TT

حريق في بطارية يُجبر طائرة أميركية على الهبوط اضطرارياً

طائرة تابعة لشركة «دلتا» تُقلع من مطار في جورجيا بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)
طائرة تابعة لشركة «دلتا» تُقلع من مطار في جورجيا بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)

تُجري إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية تحقيقاً في حريق بطارية على متن طائرة «بوينغ 757» تابعة لشركة «دلتا» للطيران، كانت متجهة من أتلانتا إلى فورت لودرديل، ما أدى إلى هبوط اضطراري في فورت مايرز، فلوريدا، صباح الاثنين.

وكانت الرحلة 1334 تُقلع وعلى متنها 191 شخصاً عندما أبلغ الطاقم عن وجود دخان في المقصورة، وفقاً لإدارة الطيران الفيدرالية، بحسب ما نقلته شبكة «سي إن إن».

وصرح متحدث باسم «دلتا» في بيان: «سارع الطاقم الجوي إلى إخماد بطارية يُحتمل أنها مشتعلة تخص أحد الركاب، بينما اتبع الطيارون الإجراءات اللازمة لتحويل مسار الرحلة بأمان».

وتسمح إدارة الطيران الفيدرالية بحمل معظم الأجهزة الإلكترونية الشخصية الاستهلاكية التي تحتوي على بطاريات ليثيوم أيون في الأمتعة المسجلة والمحمولة. ومع ذلك، يُسمح فقط بحمل البطاريات الاحتياطية في الحقائب التي يُدخلها الركاب معهم إلى المقصورة.

وأبلغ الطيار رجال الإطفاء على الأرض في مطار فورت مايرز عبر الراديو، وفقاً لتسجيل بثه موقع LiveATC.net: «تم احتواء حقيبة الظهر. نعتقد أن بطارية ليثيوم هي التي تسببت في الدخان والحريق. إنها في كيس احتواء. لا يوجد دخان في المقصورة حالياً. لا يوجد حريق نشط».

تحمل الطائرات أكياس احتواء مقاومة للحريق حيث يمكن عزل البطاريات المحترقة حتى الهبوط.

ولم تُبلغ شركة الطيران عن أي إصابات.

وقال متحدث باسم «دلتا»: «نُقدّر سرعة عمل موظفينا وحرصهم على متابعة تدريبهم، ونعتذر لعملائنا عن تأخير رحلاتهم».