دفء البيوت وحكايات الجدّات في معرض بالقاهرة

يضمّ 45 لوحة بمثابة مذكرات شخصية للفنانة شيماء كامل

تجربة فنّية مختلفة تقدّمها شيماء كامل في أحدث معارضها (الشرق الأوسط)
تجربة فنّية مختلفة تقدّمها شيماء كامل في أحدث معارضها (الشرق الأوسط)
TT

دفء البيوت وحكايات الجدّات في معرض بالقاهرة

تجربة فنّية مختلفة تقدّمها شيماء كامل في أحدث معارضها (الشرق الأوسط)
تجربة فنّية مختلفة تقدّمها شيماء كامل في أحدث معارضها (الشرق الأوسط)

بلوحاتها، تُوثّق مختلف مراحل عمرها؛ ترصد تبدُّل مشاعرها وتطوّرها. فتارة تستدعي الفنانة المصرية شيماء كامل الماضي بملامحه الجميلة وذكرياته المستقرّة في الذهن، مثل مراتع الطفولة، ودفء البيوت وحكايات الجدّات في الجنوب، وتارة أخرى تُعبّر في أعمالها عن الحاضر بكل ما يحمله من أنماط جمالية وإنسانية. وفي أثناء ذلك، تُقدّم حزمة متنوّعة من العناصر الفنّية والأساليب المتناغمة مع الواقع والخيال معاً.

وفي معرضها الفردي الجديد بعنوان: «تسجيل»، في غاليري «أركيد» بحيّ المعادي الهادئ (جنوب القاهرة)، تُقدّم الفنانة المصرية 45 عملاً تناولت من خلالها كثيراً من الأفكار والرؤى والمشاعر المتعلّقة بتحوّلات اجتماعية مختلفة، والتي تتلاقى في كونها سجلاً مرئياً لحياتها: «الرسم مثل مذكراتي الشخصية؛ أعدُّه عملية توثيق لتجارب الفنان وحواديته مثل الأديب الذي يوثّق حياته ورؤاه بالقلم».

الناس محور اهتمام الفنانة (الشرق الأوسط)

ربما يكون عنوان المعرض - «تسجيل» - صادماً أو مغايراً لحقيقة أنّ الفنّ لا يمكن اختزاله في التسجيل؛ ولذلك هي كلمة مرفوضة من جانب المبدعين دوماً، وإنما بالنسبة إلى شيماء كامل، فالأمر مختلف، وفق ما توضح لـ«الشرق الأوسط»: «أُرحّب بهذه الكلمة؛ لأنها لا تعني بالنسبة إليّ النقل الحرفي، وإنما تعبّر عن إحساسي بالفنّ؛ فكل قطعة من أعمالي تحمل مشاعر وأفكاراً وذكريات خاصة عشتُها».

المصرية شيماء كامل في مرسمها (صور الفنانة)

وتُضيف: «إنها لحظات من الصراع والتغيُّر والتبدُّل؛ فالرسم عندي ليس مجرّد عملية إبداعية، إنما عملية حفظ اللحظات والمشاعر التي من الممكن أن تضيع مع الوقت، فتوثّقها لوحاتي قبل هذا الضياع».

ولا تهتم الفنانة بالأسماء: «لا يعنيني عنوان المعرض أو أسماء اللوحات؛ فثمة كلمات مطاطية لا تدل على شيء. ما أهتم به هو اشتباك المتلقّي مع الأعمال عينها، ومع تجربتي التي أقدّمها إليه».

تصف تلك التجربة، كما رصدتها في المعرض: «يتضمّن لوحات من مجموعات رسمتُها منذ عام 2007 حتى 2025، ولم تُعرَض من قبل». وتتابع: «كنت أرسم وأرسم، وأترك بعض اللوحات جانباً؛ لأنني أرى أنه لم يحن الأوان لعرضها ولتفاعلها مع الجمهور. مرَّت السنوات، واكتشفتُ عدداً كبيراً من الأعمال وحيدة في المرسم؛ أتطلّع إليها من حين إلى آخر».

لحظات من الصراع والتغيُّر والتبدُّل (الشرق الأوسط)

وفي لحظةٍ ما، شعرت شيماء برغبتها في فحصها وتأمّلها، فإذا بها تكتشف عناصر متشابهة بين الأعمال، رغم أنها رسمتها على مدى سنوات طويلة، فاستكملتها ووضعت اللمسات الأخيرة عليها بعدما شعرت أخيراً بأنّ اللحظة المُنتَظرة لعرضها قد حانت، وفق قولها. وتُضيف: «شعرتُ أنّ هناك شيئاً يُناديني لاستخراجها والانتهاء من أي أعمال لم أكن قدّمتها بعدُ في صورتها النهائية».

تتزاحم على المسطح المَشاهد والوجوه بانفعالات متباينة، وتختلف ردات فعلها بين كثير من اللوحات، وحتى ضمن اللوحة الواحدة؛ لتقدّم مجموعة كبيرة من الحالات التي يمكن أن يمرّ بها الناس: «العلاقات البشرية من الأشياء المهمّة بالنسبة إلى الفنان، يميل دائماً لتوثيقها، سواء كانت لها علاقة به مباشرة، أو لها علاقة بأشخاص آخرين حوله. من جهتي، يستهويني تجسيد الناس، خصوصاً من خلال البورتريهات؛ حيث الانفعالات والإيماءات والأسرار التي تبوح بها النظرات».

تستدعي الفنانة ذكريات الطفولة (الشرق الأوسط)

لا تعتمد الفنانة على التوثيق الدقيق الحرفي لذكرياتها كما تفعل الصورة الضوئية، وإنما تُقارب ذلك لخلق فضاء إبداعي يدلّ على دواخلها، ويحمل أفكاراً هائمة عنها. ووسط ذلك كله، تنبعث طاقة من الدفء من داخل اللوحات يمكن إرجاعها إلى استخدامها أسلوب الحكي المرئي الذي استلهمته من حكايات الجدّة في الصعيد: «عندما كنت أزور جدّتي، كانت تحتضنني بمشاعرها الفياضة وحكاياتها المشوقة التي تمزج الواقع بالخيال، والأساطير بالقصص الشعبية المتوارثة عبر آلاف السنوات».

تضع شيماء كامل المتلقّي أمام رؤيتها التي تريد بثّها في وجدانه؛ وهي رؤية استخلصتها من اتجاهات تشكيلية عدة، تتبدّى فيها الصور الجمالية في أشكال مُفعمة بالحركة، والدلالات الفنّية المتنوّعة، مُستخدمةً الأبيض والأسود في كثير من اللوحات؛ مما يؤكد الإحساس باستعادة الذكريات، ويعزّز من ذلك أيضاً استخدامها للألوان الأكريلك الهادئة التي تضع المتلقّي في حالة تفاعل مع مشاعرها وتجربتها الفنّية.


مقالات ذات صلة

بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

يوميات الشرق التشكيلية ليلى داغر أمام مجموعتها «لاند سكايب» (الشرق الأوسط)

بين الواقع والتجريد... بيروت كما تراها ليلى داغر

في «حوار غير متوقّع»، تُعيد ليلى داغر تشكيل بيروت بخيال تجريدي وتقنيات مُتعدِّدة، ناسجة حواراً بصرياً بين الواقع واللاوعي.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جانب من جناح سلطنة عمان (الجناح)

أبراج الرياح البحرينية والسبلة العُمانية تجيب عن تساؤلات حول البيئة والعمارة

نجح جناح البحرين الذي يحمل عنوان «موجة حر» في تقديم معطيات مقنعة للتعامل مع التغيرات المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة المتزايد.

عبير مشخص (فينيسيا)
يوميات الشرق بورتريه للمُصوّر السويسري فريد بواسونا (الشرق الأوسط)

مجموعة «فريد بواسونا» توثق ملامح الحياة المصرية قبل مائة عام

ترصد عدسة الكاميرا التفاصيل الثرية لمصر قبل مائة عام. بعد أن دعا الملك فؤاد الأول أشهر مصور سويسري لزيارة مصر.

منى أبو النصر (القاهرة )
عالم الاعمال الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

الرياض تحتضن معرض «جواهر العالم»

افتُتح رسمياً معرض «جواهر العالم» في فندق ماندارين أورينتال الفيصلية بالعاصمة السعودية.

يوميات الشرق «قمصان فارغة... طفولة ضائعة» (جامعة بريستول)

القميص المدرسي يتحوَّل صرخة فنّية في بريستول

يُقام معرض فنّي يضم قمصاناً مدرسية تحمل رسائل مناهضة لجرائم السكاكين، وذلك ضمن فعاليات أسبوع التوعية بجرائم السكاكين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة... صاحب السعفة الذهبية بمهرجان «كان»

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
TT

رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة... صاحب السعفة الذهبية بمهرجان «كان»

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)
المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة (أ.ف.ب)

توفي (الجمعة) المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة، العربي والأفريقي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي: «عن عمر ناهز 95 عاماً»، على ما أعلنت عائلته.

وكتب أولاده في بيان إنّ لخضر حمينة «توفي في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، تاركاً وراءه إرثاً سينمائياً لا يقدر بثمن»، مشيدين «برؤيته الفريدة التي طبعت تاريخ السينما».

وأشارت العائلة إلى أن محمد لخضر حمينة تمكن من إقامة «جسر ثقافي فعلي بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وبلده، على مدى أربعين عاماً تقريباً».

ومحمد لخضر حمينة هو أحد المخرجين الأفارقة والعرب القلائل الذين نافسوا 4 مرات في مسابقة مهرجان كان السينمائي، وفاز بجائزتين رئيسيتين، هما جائزة أفضل فيلم أول عن «ريح الأوراس» (Le Vent des Aures)، وجائزة السعفة الذهبية العريقة عن فيلم «وقائع سنوات الجمر» (Chronique des annees de braise) عام 1975.

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة والممثل اليوناني يورغو فوياجيس والممثلة المغربية ليلى شنا في صورة جماعية خلال مهرجان كان السينمائي بفرنسا في 23 مايو 1975 (أ.ف.ب)

وفي رسالة تعزية، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون «بالغ الحزن والأسى» لوفاة مَن وصفه بـ«عملاق السينما العالمية» الذي ترك «بصمة خالدة في تاريخ السينما».

وشهد مهرجان كان هذه السنة لفتة تكريمية لحمينة من خلال عرض نسخة «4 كاي» من فيلم «وقائع سنوات الجمر» ضمن برنامج فئة «كان كلاسيكس».

وبفضل فيلم «وقائع سنوات الجمر»، حقق المخرج الجزائري شهرة على المستوى العالمي، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار تبون إلى أن «رائعة» لخضر حمينة هذه «فتحت عيون العالم على قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار».

وأكدت عائلة المخرج في بيانها أن المخرج كان «أحد آخر عظماء السينما الملحمية والشاعرية، وترك بصمة لا تُمحى على مهرجان كان السينمائي الدولي، وعلى السينما عموماً».

بطولات

شكَّل النضال من أجل استقلال الجزائر محور فيلم «وقائع سنوات الجمر» الذي يتناول من عام 1939 إلى عام 1954، ولادة أمّة، ورحلة الشعب الجزائري، وصولاً إلى اندلاع الحرب ضد الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال (1954- 1962).

وقال تبون: «قبل أن يكون مخرجاً عالمياً مبدعاً ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهداً أبياً، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صور ومشاهد عرَّفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفَّرة».

المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة خلال مؤتمر صحافي لمناقشة فيلمه «وقائع سنوات الجمر» في مهرجان كان عام 1975 (أ.ف.ب)

وُلد محمد لخضر حمينة في 26 فبراير (شباط) 1934 في المسيلة في الأوراس (شمال شرق)، في عائلة فلاحين متواضعة الحال. وقد تلقى دراسته في كلية زراعية، ثم درس في فرنسا وتحديداً في أنتيب؛ حيث التقى بزوجته، أم أولاده الأربعة.

خلال حرب الجزائر، خطف الجيش الفرنسي والده وعذَّبه قبل قتله. وانضم حمينة شخصياً عام 1958 إلى صفوف المقاومة الجزائرية في تونس.

تعلَّم حمينة السينما بالممارسة، عن طريق تدريب في إحدى القنوات التونسية قبل الشروع في أفلامه القصيرة الأولى.

بدأ مسيرته مخرجاً عام 1964 مع فيلم «لكن في أحد أيام نوفمبر» (Mais un jour de novembre) الوثائقي. خلال مسيرته الفنية الممتدة على 50 عاماً (1964- 2014)، أخرج فيلماً وثائقياً و7 أفلام أخرى، هي: «رياح الأوراس» (1966)، و«حسان طيرو» (Hassan Terro) (1968)، و«ديسمبر» (Decembre) (1973)، و«وقائع سنوات الجمر» (1975)، و«رياح رملية» (Vent de sable) (1982)، و«الصورة الأخيرة» (La derniere image) (1986)، و«شفق الظلال»(Crepuscule des ombres).