لعبة فيديو مبتكرة تنجح في تشخيص التوحد

عادة ما يستغرق تشخيص التوحد مدداً زمنية طويلة (معهد كيندي كريجر)
عادة ما يستغرق تشخيص التوحد مدداً زمنية طويلة (معهد كيندي كريجر)
TT

لعبة فيديو مبتكرة تنجح في تشخيص التوحد

عادة ما يستغرق تشخيص التوحد مدداً زمنية طويلة (معهد كيندي كريجر)
عادة ما يستغرق تشخيص التوحد مدداً زمنية طويلة (معهد كيندي كريجر)

نجح فريق من الباحثين في معهد كيندي كريجر الأميركي وجامعة نوتنغهام ترينت الإنجليزية، في ابتكار وتطوير لعبة فيديو بسيطة يمكن استخدامها على نطاق واسع في العيادات كبديل سريع ومنخفض التكلفة لدعم تشخيص الأطفال المصابين بالتوحد وبدقة عالية.

ووفق الباحثين، تستطيع لعبة الفيديو الجديدة، ومدتها دقيقة واحدة، تحديد الأطفال المصابين بالتوحد بدقة وكفاءة مقارنة بأولئك الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو من الأشخاص الطبيعيين.

وتستخدم الأداة التي جرى تطويرها، وتعرف علمياً باسم أداة «التقييم المحوسب للتقليد الحركي» (كامي CAMI)، تقنية تتبع الحركة للكشف عن اختلافات دقيقة في مهارات التقليد الحركي لدى الأطفال.

وهو ما علق عليه الدكتور ستيوارت موستوفسكي، طبيب أعصاب الأطفال ومدير مركز أبحاث النمو العصبي والتصوير في معهد كيندي كريجر والمؤلف المشارك للدراسة: «إن هذه الأداة تمثل خطوة للأمام في كيفية تشخيص التوحد».

وكتب موستوفسكي في بيان نشر على موقع المعهد الثلاثاء: «قد يكون تشخيص التوحد أمراً صعباً، خاصة عندما يكون لدى الأطفال سمات متداخلة مع حالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. إذا تم تشخيص الحالة بشكل خاطئ، فقد يؤثر ذلك على الدعم والموارد العلاجية المتاحة للطفل».

وغالباً ما يستغرق تشخيص التوحد وقتاً طويلاً، ويتطلب أطباء سريريين مدربين تدريباً عالياً، وهو ما يكلف الأسر ما بين 1500 إلى 3 آلاف دولار سنوياً، وفقاً للمكتبة الوطنية الأميركية للطب.

وفي الدراسة المنشورة في «المجلة البريطانية للطب النفسي»، طُلب من 183 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 7 و13 عاماً تقليد حركات الرقص التي تقوم بها إحدى الشخصيات الرمزية في الفيديو لمدة دقيقة واحدة، بينما تم قياس أدائهم في التقليد باستخدام الأداة الجديدة «كامي».

ووفق النتائج تمكنت لعبة الفيديو من التمييز بشكل صحيح بين الأطفال المصابين بالتوحد والأطفال الطبيعيين بنسبة نجاح تصل إلى 80 في المائة. كما ميزت «كامي» بين التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بدقة 70 في المائة.

ويقول الباحثون إن هذا يشكل تحدياً خاصاً لأن «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه» والتوحد في الغالب يحدثان معاً، وقد يكون من الصعب تحديد التشخيصات بدقة عالية، حتى من قبل الأطباء الخبراء.

من جهتها قالت الدكتورة بهار تونججينك، المؤلفة الرئيسية للدراسة وخبيرة التنمية الاجتماعية في جامعة نوتنغهام ترينت، «يُنظر إلى التوحد تقليدياً على أنه اضطراب في التواصل الاجتماعي، لكننا نعلم الآن أن الصعوبات الحسية والحركية، مثل التقليد الحركي، تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل المهارات الاجتماعية والتواصلية».

وأضافت: «تحدد (كامي) سمات التوحد من خلال الاستفادة من هذه التحديات، والتي تختلف عن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه»، مشددة على أن «ما يجعل (كامي) تقنية جديدة ومثيرة للاهتمام هو بساطتها، فألعاب الفيديو ممتعة للأطفال، وسريعة الأداء بالنسبة للأطباء، وتوفر نتائج واضحة».

ومع المزيد من التطوير، يمكن تكييف «كامي» لتتناسب أيضاً مع الأطفال الأصغر سناً وأولئك الذين يعانون من تحديات نمو أكثر حدة، مما يوسع تأثير تلك الأداة العملية الجديدة.

ويأمل الباحثون أن يلهم نجاح «كامي» آخرين لابتكار طرق جديدة لتبسيط وتحسين أدوات التشخيص لحالات أخرى. وهو ما علق عليه موستوفسكي، قائلاً: «يمكن أن تؤدي هذه الأداة إلى تحويل تشخيصات التوحد في جميع أنحاء العالم».

وختم بالقول: «من خلال تحديد التوحد بدقة قدر الإمكان، يمكننا ربط الأطفال بالتدخلات العلاجية التي تعمل على تحسين نوعية حياتهم ونتائجهم على المدى الطويل. ونريد أن نرى استخدام تلك الأداة الجديدة على نطاق واسع في العيادات لدعم التشخيص كبديل سريع ومنخفض التكلفة ويتطلب الحد الأدنى من الإعداد».


مقالات ذات صلة

5 فوائد لممارسة تمارين الكارديو يومياً على صحة الرجال

صحتك 5 فوائد لممارسة تمارين الكارديو يومياً على صحة الرجال

5 فوائد لممارسة تمارين الكارديو يومياً على صحة الرجال

يُمكن لممارسة تمارين الكارديو (مثل المشي وركوب الدراجة والسباحة) يومياً أن توفر كثيراً من الفوائد للرجال، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك دراسة تكشف الصلات بين السكري وأمراض القلب

دراسة تكشف الصلات بين السكري وأمراض القلب

الخطر المرتفع للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية قائم منذ وقت مبكر، يصل إلى 30 عاماً قبل تشخيص مرض السكري من النوع 2.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك المسح المبكر... للسيطرة على أعراض القلق لدى الأطفال

المسح المبكر... للسيطرة على أعراض القلق لدى الأطفال

كشفت دراسة نفسية لعلماء من مركز أبحاث الطب النفسي للأطفال بجامعة توركو في فنلندا، عن الفاعلية الكبيرة لبرنامج «سيطر على قلقك»، في علاج أعراض القلق في الأطفال

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 4 حقائق صحية تدعوك إلى تناول الفطر

4 حقائق صحية تدعوك إلى تناول الفطر

لا يحتاج الفطر «عيش الغراب» (Mushrooms) إلى ضوء الشمس لينمو، ويتضاعف حجم الفطر كل 24 ساعة، ويُزرع ويُحصد على مدار العام.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك إرشادات صحية مبسّطة لعيد فطر سعيد

إرشادات صحية مبسّطة لعيد فطر سعيد

مع عيد الفطر تعمّ البهجة أرجاء البيوت، وتزداد اللقاءات العائلية، وتتنوع الأطعمة والمظاهر الاحتفالية. ومع هذه الأجواء الجميلة، تبرز الحاجة إلى الوعي الصحي

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

«إعلانات رمضان»... نافذة على التمايز الطبقي في مصر

كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
TT

«إعلانات رمضان»... نافذة على التمايز الطبقي في مصر

كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)
كريم عبد العزيز ومنى زكي في أحد إعلانات العقارات (الشركة المنتجة)

مع زيادة جرعة الإعلانات في موسم الدراما الرمضانية، تتباين الصورة بين إعلانات العقارات الفاخرة والسلع المنزلية والترفيهية، وإعلانات التبرع للجمعيات الخيرية والمستشفيات؛ ليصبح هذا التباين سمة أساسية من سمات التلفزيون في موسم رمضان.

فخلال الشهر تابع المشاهدون أكثر من 20 إعلاناً على قنوات مختلفة يروّج لمساكن فاخرة في مجمعات سكنية (كمبوندات) لكبرى الشركات العقارية بأرقام مليونية، بعض تلك الإعلانات استعانت بعدد من نجوم الفن مثل آسر ياسين وكريم عبد العزيز ومنى زكي، أو بأصوات مطربين من بينهم تامر حسني وإليسا وتامر عاشور وأنغام وويجز.

على الجانب الآخر، تظهر إعلانات لمؤسسات خيرية مثل مستشفيات علاج أمراض السرطان ومستشفى مجدي يعقوب لأمراض القلب، و«مصر الخير» و«بنك الطعام» ومؤسسات الزكاة والصدقات وغيرها، وهي مؤسسات تدعو للتقرب إلى الله بإخراج الصدقات والتبرعات إلى الحالات الأكثر فقراً في القرى والنجوع المصرية.

أحد إعلانات التبرع لمؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب (الشركة المنتجة)

ووفق الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس المصرية، فإن «هذه الإعلانات تعكس الفجوة الطبقية في مصر»، وترى خضر هذه الفجوة «أمراً طبيعياً، بل سنة الحياة»، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «انعكاس هذه الفجوة في الإعلانات وخلال شهر رمضان على وجه الخصوص ربما يستهدف إعلاء قيمة التضامن والتكافل بين الفئات المختلفة، فأصحاب العقارات الفخمة أو زبائنها، ربما يتحمسون لدعم الطبقات المادية الأقل». على حد تعبيرها.

ويصل معدل الفقر في مصر إلى نسبة 32.5 في المائة، وفق أحدث تقرير للبنك الدولي عن حالة الفقر في مصر والصادر العام الماضي، وأكد التقرير وجود تفاوتات بين المناطق الحضرية والريفية، وأن 66 في المائة من الفقراء يعيشون في الريف، ونسبة التضخم في المناطق الريفية تصل إلى 42.6 في المائة.

وترى الدكتورة سارة فوزي، المتخصصة في الإعلان الإبداعي، بقسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن «الإعلانات المعاصرة تعرض صورة إما مثالية مفرطة، أو صورة مغايرة للواقع تركز على طبقة اجتماعية في مناطق معدمة. على خلاف إعلانات الثمانينات والتسعينات التي كانت تعكس إلى حد كبير الطبقة المتوسطة المصرية».

أحمد سعد في إعلان لإحدى شركات العقارات (الشركة المنتجة)

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الإعلانات تنطلق من فكرة تحديد وترسيخ المكانة الاجتماعية على أساس استخدام المنتج»، محذرة من أن «التمايز الطبقي الذي يظهر في الإعلانات خلال رمضان تحديداً، لما يشهده من زخم، قد يولّد شعوراً باليأس والإحباط لدى المواطن البسيط، ويؤدي إلى مقارنات اجتماعية شديدة الاستقطاب»، وفق قولها.

وإن كانت لا توجد إحصاءات موثقة لحجم الإنفاق الإعلاني في مصر، إلا أن الخبير الإعلامي المصري عمرو قورة يقدر حجم الإنفاق ما بين 3 و5 مليارات جنيه (الدولار الأميركي يعادل 50.5 جنيه مصري) خلال شهر رمضان فقط.

وتشهد سوق العقارات في مصر نمواً مضطرداً خلال السنوات الأخيرة، ويساهم القطاع الخاص بالنسبة الكبرى فيه التي تصل إلى 69 في المائة بحسب تقارير من مؤسسات متخصصة في سوق العقارات، فيما تصل قيمة سوق العقارات إلى نحو 22 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن تتصاعد إلى نحو 37 مليار دولار خلال 2029، وفق تقرير لوكالة «موردر إنتليجنت».

ويرى رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، أن «الفجوة الطبقية التي تعكسها إعلانات رمضان تشير إلى وجود طبقتين فقط؛ الطبقة الثرية الميسورة التي تستطيع امتلاك عقارات بأرقام مليونية، والطبقة التي تتوجه إليها التبرعات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فيما تآكلت الطبقة الوسطى تماماً نتيجة ارتفاع الأسعار وارتفاع معدل التضخم والكثير من العوامل الأخرى».

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في شهر مارس (آذار) الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 12.8 في المائة في فبراير (شباط) مقارنة بـ24 في المائة في يناير (كانون الثاني).

وتتراوح بعض أسعار العقارات المعلن عنها بين 4 ملايين جنيه و50 مليوناً، وفق ما يؤكده رئيس مركز «العاصمة للدراسات الاقتصادية»، موضحاً أن «هذا القطاع لا يستهدف السكن ولكن الاستثمار، لأن قيمة العقارات لا تتراجع مع الوقت».

جانب من إعلان لبنك الطعام المصري (الشركة المنتجة)

ويؤكد الخبير الاقتصادي المصري مصباح قطب أن «إعلانات رمضان هذا العام تعكس الطبقية الشديدة التي يتم تمويهها، وهي ليست المرة الأولى هذا العام»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك تزايداً واضحاً لإعلانات العقارات شديدة الفخامة والرفاهية التي لا تخص 99 في المائة من سكان المحروسة موجهة لطبقة معينة، فيما تراجعت إعلانات التبرعات هذا العام عن معدلها المعتاد، ويبدو أن السبب يعود إلى شعور المعلنين بالأزمة المادية التي يعاني منها المتبرعون».

لكن الخبير الإعلامي عمرو قورة يعترض على ربط الإعلانات الرمضانية بـ«التمايز الطبقي»، مشيراً إلى أن «80 في المائة من مشاهدي التلفزيون ليست لديهم أموال يدفعونها في هذه العقارات، ولكن الأمر يتعلق بانتشار العلامة التجارية (البراند)، وربما لذلك حصلت (السوشيال ميديا) على جزء كبير من (كعكة الإعلانات)، لكن أصحاب العقارات يفكرون بطريقة أخرى، فهم يبيعون المشاهد حلماً، يتمنى أن يتمكن من امتلاكه ذات يوم».