«طيارو مصر الجدد» يوصلون البضائع ويفجرون الأزمات

عدد كبير من عمال «الدليفري» يعتبرون مهنتهم «مؤقتة» و«غير آمنة»

هيثم خلال توصيله أحد الطلبات في شوارع القاهرة (الشرق الأوسط)
هيثم خلال توصيله أحد الطلبات في شوارع القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

«طيارو مصر الجدد» يوصلون البضائع ويفجرون الأزمات

هيثم خلال توصيله أحد الطلبات في شوارع القاهرة (الشرق الأوسط)
هيثم خلال توصيله أحد الطلبات في شوارع القاهرة (الشرق الأوسط)

يقف عادل عبد الكريم الشهير بـ«أبو عمر» أمام مطعم مشويات في منطقة حدائق 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) يتابع الاتصالات الواردة بترقب، فكلما «طار» أكثر لتوصيل الطلبات، زاد ما يتحصل عليه نهاية الشهر.

الشاب الثلاثيني الذي التحق بالعمل في مجال توصيل الطلبات للمنازل «الدليفري» بالصدفة يحقق دخلاً شهرياً يصل إلى 9 آلاف جنيه (الدولار يعادل 50.27 جنيه مصري). عادل واحد من آلاف الشباب الذين وجدوا في العمل بتوصيل الطلبات ملجأً يوفر دخلاً يفوق الحد الأدنى للأجور (6 آلاف جنيه) دون أن يحتاج مهارات كثيرة. لكن ذلك يثير حفيظة جزء آخر من المواطنين ممن دخلوا في صدامات مع عمال «الدليفري» لأسباب كثيرة أبرزها طريقة قيادتهم على الطريق.

«الطيار» عادل عبد الكريم ينتظر أمام مطعم مشويات لتوصيل الطلبات (الشرق الأوسط)

والتصق لقب «الطيار» بعمال «الدليفري» لقدرتهم على التحرك بسرعة واجتياز مسافات طويلة في وقت قصير. يبتسم هيثم سعيد، «دليفري» ينشط في منطقة المعادي (جنوب القاهرة)، وهو يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في مصر يطلقون على الطيارين الحقيقيين لقب (كابتن)، بينما يصفوننا نحن بـ(الطيارين)».

ولا توجد إحصائية بأعداد العاملين في توصيل الطلبات بمصر، فيما تعكس الأرقام الصادرة عن شركات متخصصة في توصيل الطلبات حجم العمالة الكبير والمتزايد. ففي عام 2020 أعلنت شركة «طلبات» توفير 50 ألف فرصة عمل لـ«السائقين المصريين بنظام العمل الحر».

وفي عام 2022، افتتحت الشركة مقراً جديداً وقالت المديرة التنفيذية، هدير شلبي، إن «مصر خيار استراتيجي لنا؛ نظراً لمجموعتها الكبيرة من المواهب الشابة التي نتوق للاستفادة من إمكاناتهم». وقُدرت إيرادات الشركة في مصر عام 2023 بـ370 مليون درهم إماراتي (الدولار يساوي 3.67 درهم)، حسبما كشفته نشرة اكتتاب لطرح أسهمها في بورصة الإمارات.

«الدليفري» هيثم سعيد يسلم الطلبات في منطقة المعادي (الشرق الأوسط)

رغم ذلك، يتحفظ الباحث في علم الاجتماع عصام فوزي، على وصف «الدليفري» بـ«المهنة»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنها مجرد «سلعة راجت في ظل الحاجة إليها، مع التكدس الكبير في المدن، وصعوبة التحرك بالسيارات لجلب الأسرة حاجاتها».

ويعتبر أن «الدليفري» يكشف عن أزمات؛ أولها البطالة، التي يهرب منها هؤلاء الشباب باللجوء إلى هذا العمل الهامشي، فتعكس فشلاً في إدارة موارد المجتمع البشرية، التي تذهب في التوصيل بدلاً من الإنتاج».

دراجات نارية تنتظر أوامر التشغيل أمام صيدلية في الجيزة (الشرق الأوسط)

وتقدَّر نسبة البطالة في مصر بـ6.7 في المائة في الرُّبع الثالث من عام 2024، حسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

يتبنى «الدليفري» الشاب يوسف عبد الله، وجهة نظر فوزي؛ إذ أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «يعتبر هذا العمل مؤقتاً، ولا يرى فيه مهنة مستقبلية يعتمد عليها»، مضيفاً: «شغل مثل أي شغل، ميزته ربما أنه لا يوجد فيه مدير مباشر يعسّفك».

عمال «الدليفري» يزاحمون وسائل النقل في طرق مصر (الشرق الأوسط)

لكن «الدليفري» الأربعيني محمود عبد المنعم، يختلف مع عبد الله؛ إذ ينظر إلى عمله بتقدير، ويعتبره ذات قيمة إنسانية، حيث يعمل في مجال توصيل الأدوية.

يعدّ عمال «الدليفري» ضمن فئة العمالة غير المنتظمة في مصر؛ إذ يحصلون على مرتباتهم من عدد المشاوير التي يقضونها يومياً في توصيل الطلبات، وإذا قررت الجهات التي يعملون لديها التأمين عليهم اجتماعياً وطبياً يكونون من سعداء الحظ، وهو ما حدث مع هيثم سعيد الذي يعمل في شركة «طلبات» منذ 4 سنوات، وأمّنت الشركة عليه تأميناً صحياً العام الماضي.

 

أزمات على الطريق

لا يعدّ «الدليفري» على انتشاره عملاً يحمل قدراً كبيراً من الأمان، ليس فقط لعدم ارتباطه بدخل ثابت، لكن لارتفاع معدلات الخطورة فيه جراء التنافس على «الطيران» بسرعة لتوصيل الطلبات.

لا يخفي هيثم قلقه من أن يصيبه مكروه فيفقد عمله دون أي أمان مادي يستند إليه. وينبع قلقه جراء تعرضه لـ3 حوادث سابقة، كان آخرها قبل عام.

«الدليفري» يوسف عبد الله يعمل في توصيل الطلبات (الشرق الأوسط)

ويتشارك كل عمال «الدليفري» المخاوف نفسها. يقول «أبو عمر» إنه كان يجتاز الطرق من فوق الأرصفة، وفي إحدى المرات تعرض لحادث كسر فيه مرآة سيارة فنزل صاحبها وكسر له مرآة دراجاته النارية، من حينها أصبح يتقيّد بأنظمة المرور بشكل أكبر.

وفقد 970 شخصاً أرواحهم في عام 2023 بسبب حوادث «الموتوسيكلات» حسب الجهاز المركزي للإحصاء، في منحنى شهد انخفاضاً مقارنة بعام 2022 الذي توفي فيه 1015 شخصاً إثر هذا النوع من الحوادث.

وبسبب السرعات «الزائدة» و«القيادة المتهورة» أحياناً يفضل أصحاب السيارات الخاصة إفساح المجال لهؤلاء الطيارين الذي يظهرون ويختفون في لمح البصر من جميع الاتجاهات، ويتمايلون يميناً ويساراً في حركات بهلوانية مفعمة بالحماسة.

«الطيار» عادل عبد الكريم ينتظر أمام مطعم مشويات لتوصيل الطلبات (الشرق الأوسط)

ويؤكد الروائي المصري أحمد شوقي، الذي يقيم في حلوان (جنوب القاهرة) وهو أب لطفلين، أن أقصى ما يخشاه وهو يقود سيارته، هم عمال «الدليفري».

ويتابع شوقي، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم «يظهرون من تحت الأرض، ويقطعون عليك الطريق، وتكون مطالباً بتفاديهم طوال الوقت، حيث يحاولون العبور من أي اتجاه حتى لو كان من الجانب الأيمن عكس ما تقضي قواعد الطريق، دون حتى منح إشارة، ما يمثل خطراً دائماً عليهم وعلى قائدي المركبات الخاصة».

ويعتبر قطاع كبير من المصريين أن «الدليفري» بات قطاعاً حيوياً ومهماً للغاية يصعب الاستغناء عنه في ظل صعوبات التنقل في الكثير من شوارع العاصمة المصرية والمدن الكبرى الأخرى، حيث يوفر عنصري الراحة والسرعة للزبائن، لكنه في المقابل يعد عنصر إزعاج للكثير من سكان الأحياء الراقية والهادئة، لا سيما في ضواحي العاصمة المصرية المكتظة بالسكان، حيث تكسر أصوات الدراجات النارية فائقة السرعة حالة الهدوء والصمت التي تعم تلك الأحياء.

وبعيداً عن أزمات وحوادث الطريق «المروعة»، فإن نورا إمام، وهي صاحبة مشروع لبيع المنتجات الغذائية، كان لديها مشكلة مع «الدليفري»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنها «خلال مرحلة التوسع في مشروعها، قررت الاعتماد على (الدليفري) لتخرج من دائرة الأصدقاء والمحيطين إلى دوائر أخرى، لكن رهانها عليهم لم يصب دائماً، لكنها بعد خيبات عدة، عثرت على عمال جيدين».


مقالات ذات صلة

الحكومة المصرية تضع «لمسات أخيرة» على حزمة حماية اجتماعية

شمال افريقيا مصطفى مدبولي خلال اجتماع الحكومة المصرية (مجلس الوزراء المصري)

الحكومة المصرية تضع «لمسات أخيرة» على حزمة حماية اجتماعية

وفق رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الخميس، «سوف نعرض حزمة الحماية الجديدة على الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الأيام القليلة المقبلة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

مدبولي يرأس وفد مصر إلى «القمة الأفريقية» في إثيوبيا

يترأس رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، وفد بلاده المشارك في اجتماع الدورة العادية الـ38 لمؤتمر «قمة الاتحاد الأفريقي» بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال مشاركته في «الاجتماع التنفيذي» للاتحاد الأفريقي (الخارجية المصرية)

مصر تعزز علاقاتها الأفريقية عبر «شراكات» لمجابهة تحديات القارة

ناقش وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع عدد من نظرائه الأفارقة «التعاون في مجالات مختلفة ومشروعات الشراكة»، إلى جانب «التنسيق بشأن تحديات القارة».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا قناة السويس تستهدف زيادة السفن المارة بالمجرى الملاحي (هيئة قناة السويس)

قناة السويس تعوّل على «مشروع الازدواج» لتعزيز الإيرادات

تعوّل قناة السويس المصرية على بدء التشغيل الفعلي لـ«مشروع الازدواج» لتعزيز الإيرادات خلال الفترة المقبلة.

أحمد عدلي (القاهرة )
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي العاهل الأردني عبد الله الثاني خلال قمة بالقاهرة 27 ديسمبر 2023 حول الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة (رويترز)

السيسي وعبد الله الثاني يؤكدان «وحدة الموقفين المصري والأردني» بشأن غزة

شدّد الرئيس المصري والعاهل الأردني في اتصال هاتفي، على أهمية إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

4 عبارات يستخدمها المتلاعبون النفسيون لهزيمتك... احذر منها

التلاعب بالعقول يسبب ضرراً نفسياً بالغاً (أرشيفية)
التلاعب بالعقول يسبب ضرراً نفسياً بالغاً (أرشيفية)
TT

4 عبارات يستخدمها المتلاعبون النفسيون لهزيمتك... احذر منها

التلاعب بالعقول يسبب ضرراً نفسياً بالغاً (أرشيفية)
التلاعب بالعقول يسبب ضرراً نفسياً بالغاً (أرشيفية)

تعد «الإضاءة الغازية» أو (Gaslighting) مصطلحاً يستخدمه علماء النفس للإشارة إلى التلاعب أو الإساءة النفسية، وهي في أساسها أسلوب تلاعب بالعقول يجعلك تشكك في واقعك، ويزعزع ثقتك بنفسك، ويشعرك بالخوف والضعف، ويتركك في حيرة من أمرك.

ويعمد المتلاعبون النفسيون إلى إقناع ضحيتهم بأنه موهوم أو مجنون، عبر التشكيك في علاقاته بالآخرين، ويستخدمون عبارات محددة للتحكم في السرد وتقويض إحساسك بالواقع، سواء في علاقة رومانسية أو علاقة صداقة أو حتى في مكان العمل، وفقاً لما نشره موقع «سيكولوجي توداي» المعنيّ بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية.

وفيما يلي العبارات الأربع التي هي أكثر شيوعاً لدى المتلاعبين النفسيين:

أنت حساس للغاية

يريد المتلاعبون النفسيون من هذه الجملة التقليل من أهمية سلوكهم المؤذي، وجعل الضحية تشعر بأن عواطفه هي المشكلة وليست أفعالهم. ولا بد للضحية أن يؤكد حقه في احترام مشاعره، وأن مشاعره صحيحة، وأن التقليل منها غير مقبول.

هذا لم يحدث قَطّ

يحاول المُتلاعبون من خلال هذه الجملة «إعادة كتابة التاريخ»، وجعل الضحية يشك في ذاكرته. وفي هذه الحالة، على الضحية التأكيد على قوة ذاكرته وثقته بها، وعدم أخذ النقاش للجانب الذي يريده المتلاعب.

الجميع يتفق معي

جملة يريد بها المُتلاعب عزلك من خلال جعلك تشعر وكأنه لا أحد يقف إلى جانبك. وعلى الضحية الرد هنا بأنه لا يهتم بما لم يقله الآخرون بشكل مباشر، والتركيز على ما يشعر به وأهميته، ويمنع هذا الرد الضحية من التورط في «آراء خيالية»، ويعيد تركيز المحادثة على وجهة نظره.

أنت تبالغ في التفكير بهذا الأمر

محاولة من المُتلاعب لتجاهل مخاوفك بدلاً من معالجتها. ويجب على الضحية هنا تأكيد مخاوفه، وأهمية الأمر محل النقاش بالنسبة له، وأن «تجاهله لا يجعله يختفي».

نصائح لحماية نفسك من المُتلاعبين النفسيين:

ثق بشعورك: إذا شعرت بشيءٍ ما، فلا تقلل منه لأن شخصاً آخر يخبرك أنه ليس مشكلة كبيرة.

احفظ الوقائع: في الحالات التي يحدث فيها التلاعب بشكل متكرر، فإن كتابة هذه الوقائع وحفظها يمكن أن يساعدك على حفظ الحقيقة والحماية من التلاعب.

ضع حدوداً ثابتة: إذا كان شخص ما يهمل مشاعرك باستمرار، فضع حداً لمدى تعاملك معه عاطفياً.

ابحث عن منظور خارجي: تحدث إلى الأصدقاء الموثوقين أو المعالج النفسي لبناء حُكم سليم على الموقف.