مصر: واقعة عنف طلابي بـ«مدارس أثرياء» تعيد الحديث عن «منظومة التربية»

وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)
وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)
TT

مصر: واقعة عنف طلابي بـ«مدارس أثرياء» تعيد الحديث عن «منظومة التربية»

وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)
وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

تجددت التساؤلات في مصر حول العنف المدرسي، عقب مشاجرة طالبات داخل إحدى «مدارس الأثرياء» بالقاهرة، والتي عكست أن العنف ليس مقتصراً على مدارس أو فئات اجتماعية معينة، وأعادت الحديث عن «منظومة التربية».

وشهدت إحدى المدارس الدولية (الإنترناشيونال) بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة)، واقعة شجار جرت بين طالبة وثلاث طالبات أخريات، ويُظهر الفيديو جانباً من المعركة بين الطالبات، وإطلاق الشتائم بألفاظ نابية، في حين يقف زملاؤهن في حلقة مكتفين بمشاهدة المشاجرة.

وتتنوع المدارس في مصر بين الحكومية والخاصة والدولية والتجريبية، وتبرز من بينها المدارس الدولية (الإنترناشيونال)، بتعليمها المميز ومصروفاتها مرتفعة الثمن، وتطبق منهجاً دولياً معترفاً به عالمياً، ومعتمداً من وزارة التربية والتعليم المصرية.

وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

وكرد فعل سريع، اتخذت المدرسة إجراء بالفصل النهائي للطالبات الثلاث اللاتي اعتدين على الطالبة الضحية التي كُسر أنفها نتيجة الاعتداء، وفق التقرير الطبي الخاص بها، في حين أعلنت وزارة التربية والتعليم توجّه لجنة، الأحد، إلى المدرسة للتحقيق في الواقعة وكشف ملابساتها.

وعلق شادي زلطة، المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم، في تصريحات متلفزة، مساء السبت، واصفاً الواقعة بأنها «مؤسفة للغاية»، مؤكداً أن مثل تلك الوقائع تتحرك فيها الوزارة بشكل عاجل، سواء كانت المدرسة خاصة أو حكومية، مبيناً أن أي مدرسة على أرض جمهورية مصر العربية تخضع للقوانين المصرية وإشراف كامل من الوزارة.

وشغلت الواقعة أحاديث المصريين خلال الساعات الماضية، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات من جانبهم حول أسباب وصول العنف للمدارس الخاصة التي يحظى فيها الطلبة والطالبات بتعليم متميز ذي طابع دولي؛ كونهم ينتمون إلى طبقة ميسورة.

ويبلغ إجمالي عدد المدارس الخاصة في مصر 10 آلاف و450 مدرسة، يدرس بها نحو مليونين و800 ألف طالب وطالبة، في حين ارتفع عدد المدارس الدولية من 168 مدرسة عام 2011 إلى 785 مدرسة في عام 2020 وفق كتيب «مصر في أرقام 2024» الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر في مارس (آذار) الماضي.

إلى ذلك، استمعت النيابة العامة إلى أقوال والد الطالبة المجني عليها الذي اتهم خلال التحقيقات المدرسة بالإهمال وعدم تدخل أي من المشرفين الموجودين للدفاع عن ابنته، بالإضافة لتصوير الواقعة من قبل الطلاب دون التدخل لفض المشاجرة، لافتاً إلى أن ابنته تعاني من حالة نفسية سيئة.

كما استدعت النيابة مسؤولاً إدارياً بالمدرسة لسماع أقواله، وأمرت كذلك بالتحفظ على مقطع فيديو متداول يُظهر واقعة التعدي على الطالبة، وتفريغ كاميرات المراقبة داخل المدرسة وحولها، لتحديد المسؤولين عن الحادث.

وأرجع أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، هذه الواقعة لعدة أسباب، «أبرزها غياب التربية والرقابة في المدارس الخاصة التي يكون شاغلها الأكبر المكسب المادي؛ لذا لا تلعب دورها الموكل لها، ولا تأخذ موقفاً جاداً تجاه هذه الوقائع أو غيرها، ولا تعاقب المخطئ»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ما قامت به المدرسة من فصل الطالبات المعتديات جاء فقط لتهدئة الرأي العام».

كما يلفت «صادق» إلى سبب آخر يتعلق بالأسر، والتي «تربّي أطفالها على أخذ حقوقهم بأيديهم إذا حدث لهم اعتداء، وبالتالي يقرر الطالب الحصول على حقه بنفسه، دون الرجوع للمعلم أو إدارة المدرسة»، وفق قوله.

وكان وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، أكد في تعليق للوزارة على واقعة الطالبات تعامل وزارته بحسم مع مثل هذه الظواهر، مشدداً على أن «الدور التربوي للمدرسة يأتي في مقدمة الأولويات، ولا ينفصل عن تقديم منظومة تعليمية جيدة».

وتوضح الدكتورة داليا الحزاوي، الخبيرة التربوية والاجتماعية، مؤسسة «ائتلاف أولياء أمور مصر»، أن «انتشار العنف بين أبناء البيئات الراقية تتداخل فيه عدة عوامل، منها التفكك الأسري الذي قد يدفع الأبناء إلى السلوك العدواني»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «قد ينشغل الوالدان بشكل دائم، فيحدث غياب للدور التربوي والتوجيهي، وفي بعض الأحيان يتم الاعتماد على الخادمات لتربية الأبناء؛ مما يشعرهم بالبرود العاطفي وفقدان الدفء الأسري، ويزيد من السلوكيات العدوانية لديهم، ويدفعهم للعنف لإثبات الوجود ولفت الانتباه».

وزير التربية والتعليم المصري خلال زيارات تفقدية للمدارس (صفحة الوزارة على «فيسبوك»)

وتتابع: «قد يعتبر الوالدان التدليل الزائد للأبناء تعويضاً عن غيابهما، ولكن للأسف يؤدي ذلك لنتائج عكسية، كذلك يشعر بعض أبناء الطبقات الراقية أنهم محصنون ضد العقوبات بسبب نفوذ أسرهم؛ مما يدفعهم للتجاوز دون التفكير في عواقب تلك الأفعال».

عودة إلى أستاذ علم الاجتماع السياسي الذي يفسر مشهد تصوير الواقعة من قبل الطلاب دون التدخل لفض المشاجرة، قائلاً: «المشهد يدل على الإدمان الشديد للهواتف الذكية، وارتباطهم بشاشات هواتفهم، فينسون اللحظات الحقيقية التي يعيشونها، فالهدف فقط هو التقاط صورة أو فيديو ونشرها على (السوشيال ميديا)، كما أنه يعكس مدى السلبية واللامبالاة التي يعيشها هذا الجيل».

هنا، تشير الخبيرة التربوية والاجتماعية إلى سبب آخر لانتشار العنف المدرسي، قائلة: «نجد في البيئات الراقية استخداماً مفرطاً للأجهزة الإلكترونية، وممارسة الألعاب الإلكترونية العنيفة التي تعد أحد أسباب السلوك العدواني والدموي، ومع عدم الرقابة على المحتوى من قبل الوالدين تتفاقم العدوانية لديهم».

وتبيّن داليا أن «انتشار مقطع الفيديو الذي يرصد واقعة الاعتداء أغضب بشدة أولياء الأمور وأثار مخاوفهم، مطالبين باتخاذ إجراءات صارمة حتى لا تتكرر هذه الواقعة»، لافتة إلى أن «ظاهرة العنف بالمدارس تحتاج إلى تضافر الجهود للقضاء عليها بين الأسرة والمدرسة والإعلام؛ فالأسرة يجب أن تقوم بالدور المنوط بها بالرعاية والرقابة، والمدرسة بتنفيذ لائحة الانضباط المدرسية بكل حزم، والإعلام بتجنب عرض الأعمال المشجعة على العنف الجسدي واللفظي، وتلك التي تُظهر الشخص البلطجي على أنه شخص ناجح أو نموذج يحظى بالإعجاب».


مقالات ذات صلة

وزارة التعليم الأميركية في مرمى ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

وزارة التعليم الأميركية في مرمى ترمب

باتت وزارة التعليم الأميركية في مرمى الرئيس دونالد ترمب الذي وصفها بأنها غير فعالة ومبذرة، ويهيمن عليها اليساريون المتطرفون، ما ينذر بتفكيكها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا مدرسة ديفيد غايم كولدج اللندنية التي تسعى إلى تطبيق تجربة تتمثل في جعل تلاميذها يستعدون للامتحانات باستخدام الذكاء الاصطناعي بدلاً من الاستعانة بالمعلمين (صفحة المدرسة على «فيسبوك»)

الذكاء الاصطناعي يمتحن قدرات التلاميذ في مدرسة لندنية

تسعى إحدى المدارس الخاصة في لندن إلى تطبيق تجربة تتمثل في جعل تلاميذها يستعدون للامتحانات باستخدام الذكاء الاصطناعي بدلاً من الاستعانة بالمعلمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يسهم استقطاب المدارس العالمية في تعزيز قطاع التعليم وتحسين جودة الحياة (الهيئة الملكية للرياض)

بافتتاح «باكسوود» البريطانية... ‏الرياض تواصل استقطاب المدارس العالمية

أعلنت الهيئة الملكية لمدينة الرياض، الخميس، عن افتتاح مدرسة باكسوود البريطانية، ضمن «برنامج استقطاب المدارس العالمية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحقيقات وقضايا تلامذة سوريون يلعبون خلال الاستراحة في باحة مدرستهم في مخيم للاجئين في أعزاز قرب الحدود التركية (غيتي) play-circle 02:16

«المدرسة العالمية للاجئين»: بصيص أمل وسط الحروب والنزوح

وسط الكوارث الناجمة عن الحروب والنزاعات، لا يزال هناك أمل تعيده مبادرات إنسانية لمن فقدوه، منها «المدرسة العالمية للاجئين» التي وفَّرت التعليم لأكثر من 38 ألفاً

«الشرق الأوسط» (عمّان)
آسيا شير محمد عباس ستانيكزاي نائب وزير خارجية حكومة «طالبان» قبل رحيله عن أفغانستان (غيتي)

فرار وزير في «طالبان» بعد إدانته لحظر تعليم النساء

أفادت تقارير بأن المسؤول البارز في «طالبان»، محمد عباس ستانيكزاي، نائب وزير الخارجية الأفغاني، قد غادر أفغانستان بعد أن عارض علناً حظر النظام تعليم النساء.

«الشرق الأوسط» (كابل - لندن )

«أسعد أيامي شكراً يا ترمب»... صانع مصاصات بلاستيكية يحتفل

مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
TT

«أسعد أيامي شكراً يا ترمب»... صانع مصاصات بلاستيكية يحتفل

مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)

بعد الأمر التنفيذي الذي أصدره دونالد ترمب بشأن المصاصات البلاستيكية، يقول أحد أصحاب الأعمال إن آفاق شركته «تغيرت تماماً» بينما يشعر آخرون بالقلق بشأن العواقب المستقبلية على البيئة وجسم الإنسان.

لم يسعد أي شخص خلال استماعه إلى تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سياسته الجديدة بشأن المصاصات مثل روس بوياجيان، رئيس شركة تصنيع المصاصات البلاستيكية في غلينديل، كاليفورنيا.

وبحسب تقرير لشبكة «سكاي نيوز»، يمتلك بوياجيان، وهو أميركي من أصل أرمني، شركة «المصاصات الماسية Diamond Straws» منذ عام 1995. وينتج مصنعه أكثر من 800 مصاصة في الدقيقة، ويزود المقاهي والمطاعم الأميركية الكبيرة في الولايات المتحدة.

مصاصات بلاستيكية معروضة في متجر (رويترز)

وتوظف شركة «Diamond Straws» حالياً 15 شخصاً، ولكنها تتوقع ارتفاعاً في الأعمال بعد أمر ترمب التنفيذي الذي أعلن أن الولايات المتحدة «تعود إلى المصاصات البلاستيكية» وتبتعد عن المصاصات الورقية.

وفي هذا الإطار، قال بوياجيان: «لقد كان أحد أسعد أيامي عندما سمعته يقول ذلك. لقد تغيرت أعمالنا بالكامل. في السابق كان الجميع قلقين ويقولون لي ماذا تفعل؟... سوف تخرج من العمل لأن لا أحد يشتري المصاصات البلاستيكية. لذلك شكراً لك يا ترمب».

صناديق من الورق المقوى مكتوب عليها «صنع في الولايات المتحدة» مكدسة حول المصنع. والمصنع واحد من المصانع المتبقية في الولايات المتحدة التي تصنع المصاصات البلاستيكية بعد انتقال جزء كبير من الصناعة إلى الصين.

لقد انتقد ترمب مراراً وتكراراً المصاصات الورقية. وباعت حملته لإعادة انتخابه عام 2019 مصاصات بلاستيكية قابلة لإعادة الاستخدام تحمل علامة ترمب التجارية.

وسيعمل أمره التنفيذي على عكس سياسة إدارة بايدن للتخلص التدريجي من مشتريات الحكومة من المصاصات البلاستيكية، وكذلك أدوات المائدة البلاستيكية والتغليف بحلول عام 2027.

لطالما كان دعاة حماية البيئة قلقين بشأن استخدام المصاصات البلاستيكية، رغم أنهم يقولون إن القضية أكبر بكثير من المصاصات وحدها.

وقالت ديانا كوهين، أحد مؤسسي تحالف التلوث البلاستيكي، ويتضمن عملها تثقيف الناس حول تأثير البلاستيك على البيئة وجسم الإنسان: «المشكلة ليست في المادة، بل في البلاستيك المستخدم لمرة واحدة. نحن بحاجة حقاً إلى الاهتمام بتقليل استخدام هذه المادة والابتعاد عنها. إن استخدام البلاستيك في تناول وشرب جميع الأطعمة التي نتناولها أمر سيء لصحتنا وصحة أطفالنا».

وأضافت: «البلاستيك يلوث أجسادنا. وقد ارتبط بعدد من المشكلات الصحية المختلفة، بما في ذلك مشكلات الخصوبة. فقد تم العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة في أدمغتنا وفي الخصيتين والمشيمة».