مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح
TT

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

مشاهير تُرعبُهم الجماهير... «المهاتما» هرب من المحكمة وفنانة فقدت الوعي على المسرح

يُصنَّف «Notting Hill (نوتينغ هيل)» بأنه أحد أقرب الأفلام الرومانسية إلى قلوب الجماهير حول العالم. لكن لا أحد من محبّي الفيلم يعرف، ربّما، أنّ بطلَه الممثل البريطاني هيو غرانت، الذي أبدع في أداء شخصية «ويليام» إلى جانب الممثلة الأميركية جوليا روبرتس، لم يكن إطلاقاً على ما يُرام خلال التصوير عام 1999.

لا تَقُل «أكشن»...

في حوارٍ مع وكالة الصحافة الألمانية قبل أسبوعَين، عاد غرانت (64 عاماً) بالذاكرة إلى تلك الفترة التي بدأت تظهر فيها عليه عوارض قلق الأداء (performance anxiety)، وهي كانت تتجلّى من خلال نوباتِ هلعٍ تصيبه أمام الكاميرا. وقد اعترف مراراً بأنّ القلق هو الرفيق الدائم لكل فيلمٍ يصوّره؛ «فور عرضِ دورٍ جديد عليّ، أبدأ بالتساؤل متى ستبدأ نوبة الهلع»، مضيفاً أنّ الأمر يتسبّب له بالإحراج والإذلال.

بدأت نوبات قلق الأداء تصيب الممثل هيو غرانت عام 1999 خلال تصوير فيلم Notting Hill (إنستغرام)

يسلكُ كل شيءٍ بسلاسة إلى أن تدور الكاميرا، فتنتاب غرانت عوارض الضيق والتيبّس: «أبدأ بالتعرّق وأنسى سطوري». قاسى من الأمر كثيراً إلى درجة أنه صار يطلب من المخرجين ألّا يتفوّهوا بكلمة «أكشن»، لأنها تضاعف ذعره. لجأ إلى وسائل متعددة لحلّ تلك العقدة، كالتحضير المكثّف قبل شهور، والعلاج النفسي، والحبوب المهدّئة، والرياضة الصباحية، إلا أنّ شيئاً لم ينفع.

ما زال يعاني غرانت قلق الأداء وهو اليوم في الـ64 من عمره (رويترز)

غاندي هرب من المحكمة

ليس غرانت وحدَه من بين المشاهير مَن يعاني قلقَ الأداء، فهذه ظاهرة منتشرة بقوّة في أوساط الفنانين والرياضيين. وفق المختصة في علم النفس العياديّ يارا بصيبص، فإنّ «قلق الأداء مفهوم نفسي بدأ التنبّه إليه خلال عشرينات القرن الماضي، عندما عمل علماء النفس عليه في مجالات الفنون والرياضة». وتوضح بصيبص لـ«الشرق الأوسط» أن «قلق الأداء هو الخوف الذي يشعر به الإنسان خلال الأداء المباشر أمام الجمهور».

من الصعب التصديق أنّ شخصيةً تاريخيّة مؤثّرة عبر العصور كالمهاتما غاندي كان يعاني هو الآخر من تلك الحالة، حتى قبل أن يُصبح لها تعريفٌ في علم النفس. ووفق موسوعة «بريتانيكا»، فإنّ غاندي وخلال بداياته كمحامٍ عام 1889، أصيب بالهلع والدوار أمام القاضي خلال مرافعته الأولى وفرّ هارباً من المحكمة قبل أن يتكلّم. تكرر هذا الموقف في مناسباتٍ لاحقة، ما جعل غاندي يمتنع عن إلقاء الخطابات لسنوات. إلا أنّ شغفه بقضيته وقناعته بأنّ الهند تستحق الحرية، رمّما لديه الجرأة وساعداه في مواجهة مخاوفه.

عانى المهاتما غاندي من قلق الأداء فامتنع عن الخطابات لفترة طويلة (إنستغرام)

ذعر ممتدّ من توماس جيفرسون إلى أديل

لم يكن الرئيس الأميركي توماس جيفرسون (1743-1826) أفضل حالاً، فهو كذلك عرّض مهنته كمحامٍ للفشل بسبب خوفه من الكلام أمام العامّة. وعندما أصبح الرئيس الثالث للولايات المتحدة، لم يُلقِ سوى خطابَين خلال ولايته كلّها.

تشرح يارا بصيبص أنّ مسببات قلق الأداء متنوّعة، وأوّلُها الخوف من الفشل وتخييب آمال الجمهور. هذا ما حصل على سبيل المثال مع المغنية البريطانية أديل، التي أقرّت في لقاءٍ مع مجلّة «روليتغ ستون» بأنها تخاف الجماهير، وذلك لأنها تقلق من أن تخيّب توقّعاتهم وظنَّهم بموهبتها. وكشفت أديل عن أنها غالباً ما كانت تُصاب بنوبات قلق قبل الصعود إلى المسرح، إلى درجة أنها هربت مرةً من مخرَج الطوارئ قبل إحدى حفلاتها في أمستردام. أما في بروكسيل، فكان الأمر أسوأ إذ تقيّأت أمام الجمهور.

تخاف أديل من الفشل وتخييب تطلّعات جمهورها (إنستغرام)

في المرحلة الأولى، لجأت النجمة العالمية إلى قول النكات للتخفيف من توتّرها، وهي خضعت لاحقاً لجلسات العلاج النفسي ما ساعدها كثيراً في تخطّي قلق الأداء الذي كان يصيبها.

حتى بوتشيللي لم يَسلَم

من مسبّبات قلق الأداء كذلك، وفق بصيبص، مقارنة الذات بالآخرين، والخوف من الفشل، وقلّة الثقة بالنفس، والسعي الدائم إلى أداءٍ أفضل ما يضاعف الضغط النفسي، إضافةً إلى التجارب السيئة في الماضي والمرتبطة بالأداء أمام العامة.

حتى التينور الإيطالي أندريا بوتشيللي، الذي يُعَدّ من أكثر الفنانين هدوءاً على المسرح، لم يَسلَم من قلق الأداء. في الوثائقي الذي يروي سيرته والصادر عام 2024، أخبر كيف أنه عانى الخوف من الصعود إلى الخشبة لسنوات طويلة؛ «كان ينتابني خفقان شديد في القلب، وقلق لا أستطيع السيطرة عليه طيلة الحفل. كان يحدث ذلك بسبب عدم تمكُّني من تقنيّاتي». لم يتغلّب بوتشيللي على قلقه إلا بعد فترة من التدريب أمضاها إلى جانب التينور العالمي لوتشيانو بافاروتي، الذي ساعده في إتقان إمكاناته الصوتيّة.

يعود الفضل في سيطرة أندريا بوتشيللي على قلقه إلى التينور لوتشيانو بافاروتي (رويترز)

عوارض قلق الأداء

إلى جانب خفقان القلب الذي ألمّ ببوتشيللي، والدوار الذي شعر به غاندي، والتعرّق الذي أصاب هيو غرانت، ثمة عوارض أخرى تنتج عن قلق الأداء. تعدّد المعالجة النفسية يارا بصيبص من بينها الصعوبة في التنفّس وفي التركيز، والرجفة، والنسيان المتكرر، والآلام المبرحة في المعدة، والبكاء الخارج عن السيطرة، والشعور بالاختناق، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حدّ فقدان الوعي.

هذا ما حصل فعلاً مع المغنية الأميركية كارلي سايمون التي فقدت الوعي لأسبابٍ عصبية قبل إحدى حفلاتها في بيتسبورغ عام 1981، ما دفعها إلى الابتعاد عن المسرح طيلة 7 سنوات. أمّا النجمة العالمية باربرا سترايسند فامتدّ بها الغياب عن الأداء المباشر 27 عاماً، خوفاً من نسيان كلام الأغاني أو النص المسرحي. ووفق كتاب سيرتها الذاتية «اسمي باربرا»، فقد حصل ذلك فعلاً خلال إحدى حفلاتها عام 1967، ما أدّى إلى إصابتها بقلق الأداء وتَفاقُم حالتها.

غابت باربرا سترايسند 27 عاماً عن المسرح خوفاً من نسيان الكلام (إنستغرام)

نصائح للسيطرة على قلق الأداء

من بين المشاهير الذين صارعوا قلق الأداء والخوف من الظهور أمام الجمهور، الممثل المخضرم لورنس أوليفييه الذي أخبر في سيرته أنه كان يشعر وكأن حنجرته تصاب بعقدة أمام الناس. أما الممثل الكوميدي جيم كاري، الذي تعرّض للتنمّر في سن الـ15 على خشبة المسرح، فلم يتمكّن من تخطّي الأمر إلا بعد سنوات. وتطول اللائحة لتشمل المغنيتَين مايلي سايرس وديمي لوفاتو اللتَين دخلتا معترك الفن والعروض المباشرة في سن صغيرة، ما فاقم القلق لديهما.

أمام هذه الحالة التي تُصيب نحو 20 في المائة من البشر، لا سيّما المشاهير منهم، توجّه يارا بصيبص نصائح عدّة للتخفيف منها أو السيطرة عليها: «التحضير والتدرّب على الأداء، الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم والغذاء الصحي، اللجوء إلى تمارين التنفّس والتأمّل خصوصاً قبل الأداء، تعلّم استراتيجيات التعبير عن القلق والخوف، إضافةً إلى اللجوء للعلاج النفسي».


مقالات ذات صلة

3 علامات تدل على أن ابنك البالغ يواجه أزمات وكيف تتعامل معها

يوميات الشرق يحلم كل أب وأم بتربية طفل سعيد ذي عقل قوي مبدع (رويترز)

3 علامات تدل على أن ابنك البالغ يواجه أزمات وكيف تتعامل معها

على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا، يتعين علينا أحياناً مواجهة حقيقة مفادها أننا لا نعرف أطفالنا البالغين جيداً، كما نعتقد. ومع ذلك يجب أن نظل يقظين للعلامات التي…

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم طريقة «خالية من التوتر»... لتحديد أهداف حياتك

طريقة «خالية من التوتر»... لتحديد أهداف حياتك

المال يقتل متعة الهدف

ستيفاني فودزا (واشنطن)
يوميات الشرق يمكن للوقت الذي تقضيه بمفردك أن يكون سبباً في إعادة شحن طاقتك (رويترز)

تحتاج إلى إعادة شحن طاقتك... إليك نشاط فردي سيساعدك على ذلك

يحتاج معظم البشر إلى بعض «الوقت الخاص» بهم من حين لآخر. ووجدت دراسة حديثة أن 56 في المائة من الناس يعتقدون أن قضاء الوقت بمفردهم أمر حيوي لصحتهم العقلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق معدلات الشعور بالوحدة ترتفع (رويترز)

في عالم تنتشر فيه الوحدة... وصفة طبيب لـ«مصدر قوي للفرح»

مع اقتراب فيفيك مورثي من نهاية فترة عمله جراحاً عاماً للولايات المتحدة، قدم «وصفة فراق» تهدف إلى معالجة واحدة من أكثر المشاكل انتشاراً: الوحدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا جهاز استشعار اللعاب «كورتي سينس» من شركة «نيوتريكس إيه جي» وتطبيق مراقبة هرمون التوتر خلال معرض الإلكترونيات الاستهلاكية (أ.ف.ب)

معرض للتقنيات الحديثة المخصصة للصحة النفسية

بات الفاعلون في القطاع التكنولوجي يوفرون مزيداً من الأجهزة الحديثة والتقنيات المخصصة للصحة النفسية، كجهاز يرصد القلق أو آخر يحدّ من تفاقم التوتر.

«الشرق الأوسط» (لاس فيغاس )

مغامرات لونية من وحي الموالد يخوضها الفنان المصري سمير فؤاد

مراحل فنية متعددة قدمها الفنان في معرضه الأحدث (الشرق الأوسط)
مراحل فنية متعددة قدمها الفنان في معرضه الأحدث (الشرق الأوسط)
TT

مغامرات لونية من وحي الموالد يخوضها الفنان المصري سمير فؤاد

مراحل فنية متعددة قدمها الفنان في معرضه الأحدث (الشرق الأوسط)
مراحل فنية متعددة قدمها الفنان في معرضه الأحدث (الشرق الأوسط)

الدخول إلى عالم الفنان التشكيلي المصري سمير فؤاد أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، تتضمن عدداً من المنعطفات الزمنية والمغامرات اللونية التي خاضها على مدى 60 عاماً، لتجذب المتلقّي في كثير من الأحيان نحو بئر من النوستالجيا.

ما بين لوحات مشبعة بـ«اللحم» وأخرى خارجة لتوّها من وحي الموالد والطقوس الشعبية وحكايات «ألف ليلة وليلة»، وثالثة يستعيد فيها الفنان إعلانات وسينما زمن الفن الجميل، تتجلّى الألوان لتبوح بأسرار تلك العوالم المتعددة الكامنة في اللوحات.

الألوان رهان مهم في لوحات الفنان سمير فؤاد (الشرق الأوسط)

في معرضه الأحدث بـ«غاليري بيكاسو» في الزمالك (غرب القاهرة) المستمر حتى 30 يناير (كانون الثاني) الحالي، يستعرض الفنان سمير فؤاد عالمه الفني عبر 34 لوحة، تُمثل مراحل مختلفة، وربما حالات ومقامات متعددة، في حين يعدّ المعرض الفردي الـ24 في مشواره الفني.

«لحم»، «شهرزاد ترقص»، «الندّاهة»، «مقامات»، «حنين»، «طعم الزمن»، «مدينة الدواجن»، أسماء منتقاة لمعارض فردية قدّمها الفنان خلال مشواره، الذي بدأه بمعرض فردي في لندن عام 1971.

تعدّ الألوان من الرهانات الأساسية في أعمال فؤاد، إلى جانب الشخوص أو الكتل البشرية، فهي تحكي وتصرخ وتهمس وتمنح العمل الفني بعداً بصرياً جذاباً ومخاتلاً في الوقت نفسه يدعوه للتأمل والتفكير.

الفنان سمير فؤاد قدم تجربة فنية بأبعاد مختلفة (الشرق الأوسط)

يتحدّث فؤاد عن هذا الجانب، موضحاً أن «اللون حالة يُشبه الموسيقى، أعد الألوان مقامات مثل الموسيقى تماماً، يعني مثلاً الأزرق والبنفسجي والأحمر قد تقابل مقامات مثل الرصد والحجاز والنهاوند، فاللون بالنسبة لي أعدّه رهاناً يضع المتلقي داخل الحالة، وكل لوحة تُحدد لونها الخاص حسب طبيعتها».

ورغم أنه من مواليد مصر الجديدة (1944)، الذي يعدّ أحد الأحياء الراقية في مصر، فإنه انجذب إلى الأحياء الشعبية والموالد والتفاصيل الكثيرة التي تُعبر عن أحوال البسطاء، ورصدها بوعي فني، وأسلوب يُميز أعماله.

ويوضح الفنان لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا المعرض يُمثل ما أراه أهم التجارب التي قدمتها في مسيرتي الفنية وليس جميعها، هناك تجربتي في معرض (لحم) و(الموسيقيون) و(اتجاه واحد) ومرحلة الألوان المائية، وكذلك المرحلة الجديدة في 2024 موجودة».

من أعمال الفنان سمير فؤاد (الشرق الأوسط)

وحول اهتمامه واحتفائه بالموتيفات الشعبية التي تظهر في أكثر من عمل، يقول فؤاد: «الموتيفات الشعبية تُمثل جزءاً كبيراً من مشواري الفني، رغم أنني من مواليد مصر الجديدة، الذي كان يعدّ حياً (كوزموبوليتانياً) في القاهرة، به المصريون والأرمن واليونانيون وغيرهم، إلا أنني هويت رسم الموالد والمراجيح وكذلك الراقصات الشرقيات».

وتعدّ الموالد الحدث الفلكلوري الأبرز الذي يُكثف الحالة الشعبية المصرية، فتجد فيها كل شيء، الزينة والملابس والرقص والغناء والذكر، وكانت فترة السبعينات والثمانينات ثرية جدّاً وملهمة للغاية بالنسبة للفنان الذي يقول «كانت الموالد بالنسبة لي تُشبه كرنفالات الشوارع في أميركا الجنوبية».

معرض «لحم» من المراحل المهمة في مسيرة سمير فؤاد (الشرق الأوسط)

يستعين سمير فؤاد بالموديل الحي ليرسم الشخصيات، ثم يكسبها المعنى المراد عبر تكوينات لونية متنوعة، ويرفض فكرة الانتماء لمدرسة فنية بعينها، موضحاً أن «المدارس الفنية ارتبطت بالجماعات أو المجموعات التي تتلاقى أفكارهم وأمزجتهم، لكن حالياً لم تعد هناك مجموعات فنية، خصوصاً بعد تطور وسائل الاتصال والتواصل، ولم يعد الناس يلتقون أو يتجمعون مثل السابق، ومن ثم لم تعد هناك مجموعات فنية، كما أن الفن أصبح غاية في التنوع، كل فنان له طابعه الخاص وأسلوبه المميز».

الموسيقيون من المراحل المميزة في مشوار سمير فؤاد (الشرق الأوسط)

قدّم سمير فؤاد أول معارضه الفنية في لندن، وشارك في عدد من المعارض الجماعية بدول أخرى حول العالم، ويلفت إلى أنه عرض كثيراً بالخارج ضمن مجموعات، عادّاً أن «الفارق في استقبال الفن في الخارج عنه بمصر والدول العربية هو وعي المتلقي الذي يعيش بالخارج وسط متاحف مفتوحة ومقومات بصرية تصنع ذائقته، في حين أن المتلقي هنا يحتاج إلى بعض المشاكسة، وإلى مَن يأخذ بيده بعض الشيء ليساعده في قراءة اللوحة، وتلمُّس أبعادها الجمالية».