«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

بمنحوتات من البرونز والزجاج والغرانيت

جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
TT

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)

اختار النحات المصري ناثان دوس لمعرضه الأحدث اسماً دالاً على الحكمة والفهم في الحضارة المصرية القديمة، وإن كان «سيشميت» بدا لفظاً غريباً على الواقع المصري، إلا أنه يتضمن دلالات عدة تجلَّت في الأعمال المعروضة بقاعة الزمالك للفن (غرب القاهرة).

واشتهر دوس بنحت الحجارة الصلبة مثل الغرانيت والبازلت، وقدم أكثر من معرض مستخدماً خامة البرونز، إلا أنه في هذا المعرض يدمج الكثير من الخامات، سواء أنواع الصخور الصلبة أو البرونز أو الزجاج ليقدم أعمالاً، يتضمن كل منها حكمة.

أعمال الفنان ناثان دوس تضمنت فلسفته في الحياة (صفحة الفنان على فيسبوك)

وإلى جانب كل تمثال، حرص الفنان على وضع ملصق يعبّر عن فلسفة العمل أو الحكمة النابعة منه مثل مجسم «البيانو»، حيث كتب بجواره «الحياة كالبيانو: أصابع بيضاء هي السعادة، وأصابع سوداء هي الحزن، لكن تأكد أنك ستعزف بالاثنتين؛ لكي تعطي الحياة لحناً».

وعن تجربته في هذا المعرض الذي يعدّ رقم 14 في مسيرته الفنية، يقول دوس: «منذ سنوات عدة أركّز على مسألة التنوير وإعمال العقل والانتصار للإنسان، وكنت أنوي تسمية هذا المعرض (إعمال العقل)، لكن وجدته اسماً بعيداً عن ثقافتنا وواقعنا، فبحثت في الحضارة المصرية القديمة على ما يعادل هذا الكلمة فوجدت كلمة (سيشميت) بمعنى الحكمة والفهم والاستنارة، هي الأكثر تعبيراً عما أريد أن أقدمه في أعمالي».

العمل المهدى لنجيب محفوظ وفرج فودة (الشرق الأوسط)

ويوضح دوس لـ«الشرق الأوسط» أنه رصد فكرة الاستنارة في أكثر من عمل «من بينها عمل قدمته تحيةً لفرج فودة ونجيب محفوظ، والعمل يحكي قصة تقول: صاح الديك حينما تيقن الخطر فقام الكلب من ثباته ونبح فاستيقظ الراعي وانتبه أهل القرية للذئب الذي كاد يفترس الأغنام فطاردوه حتى هرب، فقرر أهل القرية الاحتفال بهذا الأمر فذبحوا الديك».

ويتابع: «هذا ما يحدث في مجتمعنا، أي شخص يحاول أن يقدم لنا الاستنارة ويوقظنا من ثباتنا يكون مصيره الذبح أو التنكيل، هذا ما فعلناه مع طه حسين حين كتب (في الشعر الجاهلي) وما حدث أيضاً مع فرج فودة وكذلك عانى نجيب محفوظ، وكأن هذا مصير كل من يحاول إيقاظنا».

ناثان دوس مع الكاتب يوسف زيدان خلال افتتاح المعرض (صفحة الفنان على فيسبوك)

تتدخل إرادة الفنان ليصوغ من خامات متناقضة ومتباينة الطبائع مزيجاً متفاهماً وكلاً منسجماً بقيادة حكيمة، ورؤية جادة ورسالة، ليعزفها منحوتات بديعة، سيمفونية حياة، بحسب رؤية الفنان والناقد صلاح بطرس للمعرض.

هناك عمل آخر بعنوان «نافذة» يشبّه فيه الفنان العقل بالنافذة؛ فهي إن لم تكن مفتوحة لن يدخل منها ضوء ولا شمس، وكذلك العقل الذي اختار له خامة الزجاج الشفاف لا يعمل إلا إذا كان منفتحاً مثل النافذة، وهناك عمل آخر عن التغيير يظهر فيها البطل يغير ملابسه، لكن لديه مكاناً يضع فيه عقله بأفكاره الثابتة الجامدة، واستخدم الفنان خامة حجر الصوان في تكوين العقل للدلالة على صلابة الفكر.

خامات متنوعة دمجها الفنان في أعماله (الشرق الأوسط)

من هنا يأتي اختيار الخامة لتعطي دلالة معينة، وفق ناثان الذي تحدث عن تمثال لوالده بعنوان «أبوي» وتعني كلمة أبي باللهجة الصعيدية، وقال إن الأب يمثل الحماية والصخرة، وهو فلاح مصري أصيل، وعلاقتي به مرتبطة بالزراعة فقد كنا 6 أبناء كان يصنع لكل منا فأساً منذ صغرنا، وبمرور الوقت تكبر معنا الفأس.

وظهر المصري القديم في عمل «عودة سنوحي»، وبحسب الفنان «بدأت الفكرة كطيف، فحين تضع وجهك أمام الشمس سيقع ظلك خلفك، وإذا استلهمنا الميراث المصري القديم سنجد الكثير من القوة والعظمة والفنون والإبداع؛ ما يجعلنا نتساءل في ذهول كيف ترك أجدادنا هذا الرصيد الضخم من الآثار»، جسَّد ناثان قصة «سنوحي» وهو طبيب مصري هرب من قصر الملك أخناتون بسبب وشاية خلال فترة اضطراب سياسي، وعاش في منطقة بين السعودية والأردن لنحو 30 عاماً، ثم قرر العودة إلى مصر، وبعد وفاة أخناتون خاطب سنوحي الملك معبراً عن اشتياقه للوطن، أنه يريد العودة إلى وطنه وأن يدفن فيه. ويصف ناثان هذه القصة بأنها من أروع القص التي تؤكد على الانتماء وعلى عمق الهوية المصرية.

من معرض «سيشميت» أو الحكمة والفهم (الشرق الأوسط)

استطاع ناثان دوس أن يحول الأعمال النحتية أعمالاً درامية، يمثل كل عمل منها حالة أو مشهداً أو حكمة، معتمداً على التجريدة وديناميكية الحركة والتشابكات والفراغات التي أضفت حيوية وتناسقاً وتوازناً في كل الأعمال التي تميزت بالبناء المتصاعد الصرحي، وفق الناقدة والفنانة إيمان خطاب.

وعن تمثال آخر من أعماله يتحدث دوس عن الأشياء الصغيرة البسيطة التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار التكوينات الكبيرة، يبدأ الأمر من مسمار سقط من حدوة حصان، أفقد الحصان حدوته، فسقط الحصان وسقط الفارس، «تماماً مثل تأثير الفراشة أو كما نقولها بالمصري إن القليل من الملح يمكن أن يفسد الطعام كله».

من الأعمال التي تتضمن فلسفة حول قيمة الأشياء الصغيرة (الشرق الأوسط)

فلسفة المعرض الذي يستمر حتى 10 فبراير (شباط) المقبل، كما يصفها الفنان، تقوم على محاولة استنباط الحكمة من وراء التكوينات أو المنحوتات؛ لذلك اعتبر كتابة رؤيته لهذه الفلسفة أشبه بمفتاح يقدمه للمتلقي خلال استقباله العمل الفني.


مقالات ذات صلة

بن زقر مفوضاً لجناح السعودية في «إكسبو 2025 أوساكا»

الخليج الدكتور غازي بن زقر سفير السعودية لدى اليابان (واس)

بن زقر مفوضاً لجناح السعودية في «إكسبو 2025 أوساكا»

عيّنت السعودية سفيرها لدى اليابان، الدكتور غازي بن زقر، مفوضاً عاماً لجناحها المشارك بمعرض «إكسبو 2025 أوساكا»، تزامناً مع المراحل الأخيرة لأعمال بنائه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الفنان أحمد مناويشي ولوحاته (إنستغرام «آرت ديستريكت»)

معرض «نسيج الشتاء»... تحيكه أنامل دافئة تعانق الشاعرية

يتمتع شتاء لبنان بخصوصية تميّزه عن غيره من المواسم، تنبع من مشهدية طبيعة مغطاة بالثلوج على جباله، ومن بيوت متراصة في المدينة مضاءة بجلسات عائلية دافئة.

فيفيان حداد (بيروت)
عالم الاعمال شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

أعلنت شركة «ديڤوتيه (Devoté)» عن مشاركتها «البارزة في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض (سعودي ديرم)

يوميات الشرق اختيار سلطنة عمان «ضيف شرف» الدورة الـ56 من معرض القاهرة للكتاب (وزارة الثقافة المصرية)

«الثقافة المصرية» تراهن على الذكاء الاصطناعي في «القاهرة للكتاب»

تحت شعار «اقرأ… في البدء كان الكلمة» تنطلق فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في 23 من شهر يناير الحالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون «القاهرة للكتاب 2025»: «دورة استثنائية» بمشاركة 1345 ناشراً

«القاهرة للكتاب 2025»: «دورة استثنائية» بمشاركة 1345 ناشراً

تم الإعلان عن إطلاق «منصة كتب رقمية» بالتعاون مع وزارة الاتصالات وهي تستهدف «إتاحة الوصول إلى مجموعة واسعة من الكتب الثقافية والتراثية»

رشا أحمد (القاهرة)

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
TT

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)

ازدحم المدخل المؤدّي إلى استوديوهات «تلفزيون لبنان» بالمحتفين بالحدث. فالتلفزيون الرسمي الذي ذكَّر وزير الإعلام زياد المكاري، بأنه «أول قناة تلفزيونية في الشرق الأوسط، والشاهد الوحيد على العصر الذهبي للبنان ومهرجان بعلبك الأول عام 1956»، يُحيي في 2025 ما انطفأ منذ 2001. ذلك العام، توقّفت «القناة التاسعة» الناطقة بالفرنسية في «تلفزيون لبنان»، مُعلنةً الانقطاع النهائي للصوت والصورة. بعد انتظار نحو ربع قرن، تعود نشرة الأخبار باللغة الفرنسية بدءاً من 23 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية (المكتب الإعلامي)

تتوقّف مستشارة وزير الإعلام، إليسار نداف، عند ما خطَّ القدر اللبناني منذ تأسيس هذه الخريطة: «التحدّيات والأمل». ففور اكتمال المدعوّين، من بينهم سفير فرنسا هيرفيه ماغرو، وممثل رئيس الجمهورية لدى المنظمة الفرنكوفونية جرجورة حردان، ورئيس الوكالة الجامعية الفرنكوفونية جان نويل باليو، والمسؤولة عن برامج التعاون في المنظمة الفرنكوفونية نتالي ميجان، بجانب سفراء دول وشخصيات؛ شقَّ الحضور طريقهم نحو الطابق السفلي حيث استوديوهات التلفزيون في منطقة تلّة الخياط البيروتية المزدحمة، مارّين بصور لأيقونات الشاشة، عُلّقت على الجدار، منهم رجل المسرح أنطوان كرباج، ورجل الضحكة إبراهيم مرعشلي... اكتمل اتّخاذ الجميع مواقعه، لإطلاق الحدث المُرتقي إلى اللحظة الفارقة، مُفتَتَحاً بكلمتها.

صورة إبراهيم مرعشلي تستقبل زوّار التلفزيون (الشرق الأوسط)

فيها، كما في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تُشدّد نداف على الأمل: «إنه ما يحرِّض دائماً على استعادة ما خسرناه». تُشبه إحدى مقدّمات النشرة، نضال أيوب، في تمسّكها بالثوابت. فالأخيرة أيضاً تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية، من ديمقراطية وتضامن وتنوّع لغوي.

تُعاهد نداف «بقلب ملؤه التفاؤل والعزيمة» مَن سمّته «الجمهور الوفي»، الذي تبلغ نسبته نحو 40 في المائة من سكان لبنان، بالالتزام والوعد بأنْ تحمل هذه الإضافة إلى عائلة الفرنكوفونية ولادة جديدة، بدءاً من 23 الحالي؛ من الاثنين إلى الجمعة الساعة السادسة والنصف مساء مع «لو جورنال» من «تلفزيون لبنان».

كان كلّ شيء فرنسياً: لغة السلام والخطاب، والروح، وبعض الوجوه. في كلمته، رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى «بيت الفنانين اللبنانيين الكبار؛ فيروز، وزكي ناصيف، ووديع الصافي، والإخوة رحباني». وفيما كان الخارج يبعث الأمل لتزامُن الحدث مع يوم الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس للحكومة، ألمح الوزير إلى أنّ اللقاء يجري «غداة فصل جديد من تاريخ لبنان، للاحتفال بإعادة إطلاق أخبارنا التلفزيونية باللغة الفرنسية، بعد مرور 24 عاماً على توقُّف برامج (القناة التاسعة) المُرتبط اسمها بعملاق الإعلام الفرنكوفوني جان كلود بولس». وبأمل أن تلفت هذه النشرة الانتباه وتثير الفضول، أكد التزامها «تقديم رؤية واضحة ودقيقة لموضوعات تمسّنا جميعاً»، متوقفاً عند «رغبة متجدّدة في دعم قيم الانفتاح والتعدّدية وحرّية التعبير تُجسّدها عملية إعادة الإطلاق هذه».

تُشدّد إليسار نداف على الأمل في كلمتها (المكتب الإعلامي)

ليست الأخبار المحلّية والإقليمية والدولية ما ستتضمّنه النشرة فحسب، وإنما ستفسح المجال «للثقافة وصوت الشباب وتطلّعاتهم ورؤيتهم للبنان سيّداً علمانياً متعدّد اللغات؛ يجد كل مواطن فيه مكانه»، بوصف زياد المكاري. تشديده على أهمية الفرنكوفونية في وسائل إعلام القطاع العام مردّه إلى أنّ «الفرنسية ليست مجرّد لغة؛ إنها ثقافة وتاريخ وتراث مشترك؛ فتتيح لنا، في إطار هذه الأخبار، فرصة نقل صوت لبناني قوي ومميّز إلى الساحة الدولية، مع البقاء مُخلصين لجذورنا وثقافتنا وهويتنا».

يعلم أنّ «هذا الحلم لم يكن ليتحقّق من دون شركاء نتشارك معهم الرؤية والقيم»، ويعترف بذلك. ثم يدعو إلى «متابعة نشرة الأخبار الوحيدة باللغة الفرنسية في القطاع العام التي ستشكّل انعكاساً حقيقياً لتنوّع عالم اليوم». وقبل الإصغاء إلى كلمة ممثل المنظمة الفرنكوفونية ليفون أميرجانيان، يُذكّر بأنّ للبنان، بكونه ملتقى الحضارات والثقافات، دوراً أساسياً في تعزيز الفرنكوفونية.

رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى بيت الفنانين اللبنانيين الكبار (الشرق الأوسط)

ومنذ افتتاح مكتب المنظمة الفرنكوفونية في بيروت، تراءى ضرورياً النظر في قطاع الإعلام الفرنكوفوني بخضمّ الأزمة الاقتصادية التي تُنهك المؤسّسات ووسائل الإعلام. يستعيد أميرجانيان هذه المشهدية ليؤكد أنّ الحفاظ على اللغة الفرنسية في المؤسّسات الإعلامية مسألة حيوية للحفاظ على التنوّع الثقافي والتعبير الديمقراطي. يتوجّه إلى الإعلاميين الآتين بميكروفونات مؤسّساتهم وكاميراتها وهواتفهم الشخصية: «دوركم نقل القيم الأساسية للفرنكوفونية، مثل التعدّدية اللغوية، وتنوعّ الآراء، والانفتاح على العالم». ثم يتوقّف عند استمرار نموّ عدد الناطقين بالفرنسية في شكل ملحوظ، مع توقّعات بأنْ يصل إلى 600 مليون نسمة في حلول 2050. من هنا، يعدّ الترويج للغة الفرنسية «مسألة ضرورية لتعميق الروابط بين الدول والحكومات الناطقة بها، والسماح لسكانها بالاستفادة الكاملة من العولمة المتميّزة بالحركة الثقافية العابرة للحدود وبالتحدّيات التعليمية العالمية».

إعادة إطلاق النشرة تُعزّز هذا الطموح، وسط أمل جماعي بالنجاح، وأن تُشكّل مثالاً للقنوات الأخرى، فتُخطِّط لزيادة بثّ برامجها بلغة فيكتور هوغو.