بشير الديك يصل إلى نهاية «المغامرة»

غيبه الموت... وترك رصيداً درامياً متنوعاً

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)
السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)
TT

بشير الديك يصل إلى نهاية «المغامرة»

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)
السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

قبل أن يطوي عام 2024 صفحته الأخيرة، غَيّب الموت، الثلاثاء، السيناريست المصري بشير الديك عن عمر ناهز 80 عاماً إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، ليصل إلى نهاية «المغامرة»، كما وصفها. ويُعدّ واحداً من أبرز كتّاب السيناريو في الوطن العربي.

«كانت مغامرة كبيرة سِرت فيها بمناطق غير مأهولة ودروبٍ لم أعهدها»، بهذه الكلمات عبّر الكاتب الراحل عن رحلته في الكتابة للسينما والتلفزيون. وتميّزت أفلامه بالجرأة والتنوع، وفق نقاد، وكشفت كثيراً من المسكوت عنه عبر أكثر من 50 فيلماً أبرزها: «سواق الأتوبيس»، و«ضد الحكومة»، و«ناجي العلي»، و«النمر الأسود»، وغيرها من الأعمال التي قدّمها مع كبار النجوم والمخرجين.

ونعى وزير الثقافة المصري، الدكتور أحمد فؤاد هنو، المؤلف الراحل، مؤكداً أنه «أحد أعمدة الإبداع السينمائي والدرامي الذي أثرى الساحة الفنية بأعمال خالدة حفرت مكانها في وجدان الملايين»، كما نعته أيضاً نقابة المهن السينمائية.

بشير الديك مع المخرجين خيري بشارة ومحمد خان (حساب خيري بشارة على منصة فيسبوك)

ونعاه أصدقاء ونقاد عبر صفحات التواصل الاجتماعي، من بينهم مدير التصوير السينمائي سعيد شيمي رفيق أفلامه ورحلة كفاحه الذي كتب عبر حسابه في «فيسبوك»: «مع السلامة يا بشير، إن شاء الله تلتقي وجميع الأحبة الذين سبقونا، أنت جوهرة الكتابة للسينما في جيلنا، وكثيرون يردّدون حواراتك الملهمة».

بينما وصفه المخرج مجدي أحمد علي بأنه «القلم الحر الذي لم يخط حرفاً يخالف ضميره، ذهب وترك عالماً لم يعطِه حقه»، متابعاً «لم ينقطع عطاؤه حتى اللحظات الأخيرة، لكن أحداً لم يلتفت لجمال إبداعه وعِفّة أخلاقه»، في حين عدّه الناقد الفني المصري محمود عبد الشكور «شريكَ إبداع مخرجين كبار من بينهم عاطف الطيب ومحمد خان».

في محافظة دمياط (شمال مصر) ولد السيناريست بشير الديك في 27 يوليو (تموز) 1944، وكان قد بدأ رحلته بكتابة القصص القصيرة وشارك السيناريست مصطفى محرم في كتابة حوار أول أفلامه «مع سبق الإصرار والترصّد» عام 1979 من بطولة محمود ياسين وميرفت أمين.

وكوّن بشير الديك والمخرج عاطف الطيب ثنائياً سينمائياً ناجحاً عبر 6 أفلام تُعدّ من أبرز ما قدّمته السينما المصرية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات وهي «سواق الأتوبيس» 1982، و«ضربة معلم» 1987، و«ضد الحكومة» 1992، و«ناجي العلي» 1992، و«ليلة ساخنة» 1995، و«جبر الخواطر» 1998، ومع محمد خان قدّم عدداً مماثلاً من الأفلام وهي «الرغبة» 1980، و«موعد على العشاء» 1981، و«طائر على الطريق» 1981، و«الحريف» 1948، و«نص أرنب» 1982، و«يوسف وزينب» 1984.

سعاد حسني وأحمد زكي في فيلم «موعد على العشاء» (يوتيوب)

وخاض السيناريست الراحل تجربة الإخراج عبر فيلمين «الطوفان» الذي لعب بطولته محمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي، و«سكة سفر» من بطولة نور الشريف ونورا، لكنه لم يُكمل في مجال الإخراج على الرغم من نجاح الفيلمين، مفضلاً ملعبه الأساسي في كتابة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي قدّم من خلالها نحو 13 عملاً، من بينها: «الناس في كفر عسكر»، و«حرب الجواسيس»، و«أماكن في القلب» للمخرج نادر جلال، فيما أخرج خيري بشارة المسلسل الأخير لبشير الديك «الطوفان»، وقد حقق نجاحاً لافتاً عند عرضه، كما كان قد شرع في كتابة مسلسل يتناول سيرة صديقه الراحل الفنان أحمد زكي ليقوم ببطولته محمد رمضان، لكن المشروع توقف.

ووصف الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، السيناريست الراحل بشير الديك بأنه «أحد أعمدة الفن في مصر»، لافتاً إلى أن «انضمامه لمنظمة الشباب في السبعينات منحته ثقافة سياسية طغت بدورها على مختلف أعماله»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «تصادف انطلاقه مؤلفاً وسيناريست مع ظهور مخرجي الواقعية الجديدة على غرار محمد خان وعاطف الطيب اللذين قدم معهما أعمالاً خالدة، وكان لقاؤه الأول مع خان في (موعد على العشاء) من بطولة سعاد حسني وأحمد زكي وحسين فهمي، ومع عاطف الطيب كان فيلمهما الأول (سواق الأتوبيس) الذي احتل المركز الثامن في قائمة أفضل مائة فيلم مصري».

نور الشريف وعماد حمدي في فيلم «سواق الأتوبيس» (يوتيوب)

ويكشف الناقد المصري أن «عاطف الطيب كان يثق برأي بشير ويطلب منه قراءة السيناريوهات التي تُعرض عليه وقد تدخل الديك في كثير منها».

ويضيف سعد الدين أن «بشير الديك كان عاشقاً للتنوع في كتاباته، حتى إنه خاض مؤخراً تجربة مختلفة من خلال فيلم الرسوم المتحركة (الفارس والأميرة) الذي عُرض قبل سنوات في مهرجان الجونة السينمائي».


مقالات ذات صلة

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )
سينما أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما «لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق محمد سعد في لقطة من البرومو الدعائي للفيلم (الشركة المنتجة)

محمد سعد يحقق إيرادات واعدة في أول أيام عرض «الدشاش»

حقق أحدث أفلام الفنان المصري محمد سعد «الدشاش» إيرادات واعدة تجاوزت 2.5 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.77 جنيه مصري) في أول أيام عرضه متصدراً المركز الأول

داليا ماهر (القاهرة )

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
TT

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)
تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم. فمنذ أيام الفراعنة، وتحديداً في نقادة سنة 3725 قبل الميلاد، ظهر الفخار الأحمر المصنوع من طمي النيل أو طمي وديان الصحراء الغربية الذي يتمّ تجفيفه وطحنه وعجنه بالمياه ويتشكّل بالطريقة التي يريدها الصانع.

يصف الفيلم هذه المهنة بأنها مفتاح للحضارات، فلا توجد حضارة قديمة إلا واهتمت بهذه الحرفة، خصوصاً مصر التي صدّرت الفخار إلى الكثير من حضارات العالم القديم، خصوصاً في الشام وبلاد ما بين النهرَيْن وآسيا الوسطى.

ويُعد الفيلم الذي أنتجه مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري بمكتبة الإسكندرية، امتداداً لسلسلة أفلام تتناول الحضارة المصرية على امتداد الزمن، بكل ما فيها من فنون وحرف وأحداث وأماكن وشخصيات مميّزة، مع التركيز على الأبعاد التاريخية والتوثيقية للموضوع الذي يجري تناوله.

مراحل صنع الفخار لدى المصريين القدماء (مكتبة الإسكندرية)

ويقول مدير مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري، المشرف على مشروع الأفلام الوثائقية، الدكتور أيمن سليمان، إن «الفيلم يشير إلى إبداعات الأجداد في حرف يدوية أصيلة، تُعد شاهدة على عظمة الحضارة المصرية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «صناعة الفخار في صدارة هذه الحرف التراثية، بصفتها أقدم الفنون التي أبدعها الإنسان، وألهمت حضارات بأكملها عبر آلاف السنين».

كان الفخار أكثر من مجرد أداة، بل كان لساناً ناطقاً يحكي قصة تفاعل الإنسان المصري مع بيئته، ويروي رحلة تطور فني وتقني لا مثيل لها، وفق سليمان.

ويشير الفيلم إلى مراحل تطور صناعة الفخار، بداية من صناعة الآنية البسيطة وحتى تزيينها بالكثير من الأشكال؛ مثل: الحيوانات والنباتات الموجودة في الطبيعة، واستخدام الفخار في التخزين، وكان يتمّ ختم الأواني الفخارية الموجود بها مواد غذائية للتعريف بتاريخ الإنتاج.

ويوضح سليمان أن «الفيلم الوثائقي الجديد يتتبع مسيرة الفخار في مصر انطلاقاً من عهد المصريين القدماء، مروراً بمختلف الحقب التاريخية، وصولاً إلى يومنا هذا؛ حيث بدأت قصة حرفة الفخار في مدينة نقادة التاريخية، ومع تعاقب العصور، تطوّرت هذه الصناعة العريقة لتشمل قطعاً فخارية ذات رسومات بديعة مستوحاة من وحي الطبيعة، تجسّد صوراً للمراكب والحيوانات والطيور، وتعكس نظرة المصري القديم إلى عالمه المحيط».

صناعة الفخار حرفة ممتدة عبر الزمان (فيلم وثائقي في مكتبة الإسكندرية)

ومع دخول اليونان إلى مصر، ومن بعدها الرومان، تطورت صناعة الفخار، وأصبح أخف وزناً، وله لمعان وبريق، وتميّز بالزخارف المتعددة على سطحه. وفي الفترة المسيحية أخذ الكثير من الرموز القبطية، مثل: عناقيد العنب وأغصان الكروم، وغيرها من العناصر النباتية، ومع الحضارة الإسلامية اشتهرت وتطورت صناعة الفخار. وعُرف الفخاريّة بالاسم مثل مسلم بن الدهان، وظلّت الفسطاط أول عاصمة للحضارة الإسلامية في مصر مركزاً لصناعة الفخار حتى اليوم.

يُذكر أن فيلم «حرفة الفخار» جاء ضمن سلسلة أفلام «عارف» الوثائقية التي تقدّمها مكتبة الإسكندرية في حدود 3 دقائق. كما أصدرت من قبل عدة أفلام؛ من بينها: «هيباتيا»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«بورتريهات الفيوم»، و«رحلة مسلة»، و«الملك الذهبي - توت عنخ آمون»، وغيرها.