«متنبي العراق» في الرياض... رحلة بين أهم معالم بغداد التراثية

«بين ثقافتين» يظهر القواسم الثقافية المشتركة

يعد «شارع المتنبي» أحد الرموز الثقافية البارزة للعاصمة العراقية بغداد (الشرق الأوسط)
يعد «شارع المتنبي» أحد الرموز الثقافية البارزة للعاصمة العراقية بغداد (الشرق الأوسط)
TT

«متنبي العراق» في الرياض... رحلة بين أهم معالم بغداد التراثية

يعد «شارع المتنبي» أحد الرموز الثقافية البارزة للعاصمة العراقية بغداد (الشرق الأوسط)
يعد «شارع المتنبي» أحد الرموز الثقافية البارزة للعاصمة العراقية بغداد (الشرق الأوسط)

«شعرت بأنني في بغداد وليس في الرياض... دقة المحاكاة مهولة»؛ هكذا عبّر العراقي أحمد عبد المطلب عن دهشته، عندما تجول في «شارع المتنبي»، ولكن هذه المرة في العاصمة السعودية.

لم يكن أحمد الوحيد الذي عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن «اندهاشه» برؤية «شارع المتنبي»، في مهرجان «بين ثقافتين»، الذي تنظمه وزارة الثقافة السعودية، بل كان هناك زوار آخرون أشادوا بـ«الاهتمام بأدق التفاصيل».

مدارس الفن الحديث

في المهرجان هناك منطقة خاصة «للرواد»، تُبرز أكثر من 100 عمل فني لكبار الفنانين السعوديين والعراقيين، من بينهم العراقي جواد سليم، مؤسس «معهد الفن الحديث» في بغداد. ومن أبرز أعماله تصميمه لتمثال المتنبي في بغداد، وتمثال «الحرية».

أما الفنان السعودي عبد الله الشيخ، الذي تتلمذ على يد جواد سليم، والسبب نشأته في مدينة الزبير العراقية؛ فقد كان له حضور لافت في المهرجان، كونه «الفنان السعودي الوحيد الذي أجاد عمل فن الميكس ميديا»، وهو شكل من أشكال الفنون التشكيلية التي تعتمد على تكوين وتنسيق العناصر المختلفة.

نحت حجري بعنوان «نساء ينتظرن» وآخر بعنوان «العائلة» للعراقي محمد غني حكمت (الشرق الأوسط)

أنغام سعودية بأداة عراقية

وبآلة العود التي تعبّر عن وجه من أوجه التشابه الثقافي العميق بين البلدين، حضر ذكر الفنان السعودي عبادي الجوهر «أخطبوط العود» بشكل متكرر، في حديث زوار لـ«الشرق الأوسط»، ما بين سعوديين وعراقيين.

ويعود ذلك لمكانة العود لدى الشعبين، ولامتلاك الفنان السعودي عبادي آلات «نادرة» من الراحل العراقي محمد فاضل، أحد أشهر وأفضل صناع آلة العود في العالم.

آلة العود من أوجه التشابه الثقافي العميق بين البلدين (الشرق الأوسط)

درب زبيدة

قبل ظهور وسائل النقل الحديثة، كانت رحلة الحج شاقة وطويلة، تتم عبر الطرق البرية والبحرية التي لا تستخدم فقط لرحلات دينية، بل كانت شرايين حيوية للتبادل التجاري والثقافي عبر العصور.

من هنا ظهر «درب زبيدة»، الذي يعد أحد أهم طرق الحج التاريخية؛ إذ يربط مدينتي الكوفة وبغداد بمكة المكرمة، ويمتد القسم الأكبر منه داخل السعودية؛ حيث يغطي أربعة أخماس الطريق، بينما يقع الخمس الآخر في العراق.

واليوم، يعد «درب زبيدة» مرشحاً مشتركاً بين البلدين، ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، ويشمل الترشيح 13 موقعاً تاريخياً، منها 9 في السعودية، و4 في العراق.

يُظهر المهرجان القواسم المشتركة بين الثقافتين السعودية والعراقية (الشرق الأوسط)

مقهى «الشابندر»

أُنشئ مقهى «الشابندر» عام 1917، وتعود تسميته إلى اسم أصحابه من أسرة الشابندر، وهي عائلة بغدادية قديمة. ويصفه البعض بأنه «رئة بغداد الثقافية والسياسية»، وآخرون يعدونه مركزاً تجارياً وثقافياً مهماً، يجمع بين دفتيه كل شرائح المجتمع العراقي، وهذا ما حدث، ولكن في العاصمة السعودية.

يشار إلى أن مهرجان «بين ثقافتين» يستمر حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ويُظهر القواسم المشتركة عبر جملة أنشطة وفعاليات ثقافية وفنية؛ بهدف تعزيز أواصر التعاون الثقافي بين البلدين، وتوفير الفرصة لاستكشاف الثقافة العراقية وعلاماتها الإبداعية المميزة.


مقالات ذات صلة

السعودية ترفض خريطة مزعومة لإسرائيل تضم أراضي عربية

الخليج السعودية شدّدت على ضرورة احترام سيادة الدول وحدودها (الشرق الأوسط)

السعودية ترفض خريطة مزعومة لإسرائيل تضم أراضي عربية

أعربت السعودية عن رفضها ادعاءات إسرائيل الباطلة حيال خريطة نشرتها حسابات رسمية تضم أجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

بعد 3 أشهر ونصف الشهر من المغامرة... كوسوفي يصل مكة المكرمة بدراجته الهوائية

مدفوعاً برغبة عميقة في تقوية إيمانه وإعادة اكتشاف ذاته قرَّر شاب كوسوفي في العقد الثالث من العمر يدعى سيكي هوتي ترك حياة الراحة والاستقرار خلفه ظهره

أسماء الغابري (جدة)
الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (الشرق الأوسط)

وزير الخارجية السعودي ونظيره الإسباني يبحثان هاتفياً المستجدات في المنطقة

تلقّى الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، اتصالاً هاتفياً، الأربعاء، من وزير خارجية مملكة إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
رياضة سعودية الأمير خالد بن سلطان العبد الله الفيصل مع الطاقم السعودي الذي سيشارك في «رالي داكار» (الاتحاد السعودي للسيارات)

اختيار طاقمَين من المواهب السعودية للمشاركة في «رالي داكار 2026»

أعلن الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية، بالتعاون مع «منظمة داكار»، يوم الثلاثاء، اختيار طاقمين من مبادرة الجيل السعودي القادم للمشاركة في «رالي داكار».


اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».