من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

في يومها العالمي... كيف كرَّمت الأغنية لغة الضاد؟

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين
TT

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

كُتب مجد اللغة العربية الفصحى في دواوين الشعر على مدى قرون، إلى أن جاءت الموسيقى لتنسكب فوقها وتزيدَها ألَقاً. هذه اللغة التي تصنَّف من بين أصعب 10 لغات في العالم، تلألأت بأصوات نجوم الأغنية الذين ساهموا في نشرِها ونَشر قصائدها، وبالتالي إيصالها إلى الأجيال العربية الصاعدة، وجعلها أكثر سلاسة على آذانهم.

الكوكب والموسيقار

يعود أوَّل الفضل في تحويل الفصحى إلى أغنياتٍ خالدة، لصوتَين هما من أعمدة الموسيقى العربية. عام 1924، وبينما كانت بعدُ فنانة مبتدئة، استعارت أم كلثوم من شعر أحمد رامي وغنَّت «الصبُّ تفضحه عيونه»، لتليها بعد سنتَين إحدى أصعب قصائد اللغة العربية «أراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني، والتي نظمها في مديح سيف الدولة في القرن العاشر.

وازنت «السِّت» ما بين الأعمال الناطقة باللهجة المصرية والفصحى على امتداد مسيرتها. قدَّمت عشرات القصائد أكثر ما خُلِّد من بينها «الأطلال» (1965) التي كتبها الشاعر المصري إبراهيم ناجي، ولحَّنها رياض السنباطي. تميَّزت كذلك «هذه ليلتي» الصادرة عام 1968، وهي من شعر الأديب اللبناني جورج جرداق، ولحن محمد عبد الوهاب. والأخير لحَّن لها كذلك «أغداً ألقاك» التي ألَّفها الشاعر السوداني الهادي آدم.

لم يقتصر تكريم محمد عبد الوهاب للُّغة العربية الفصحى على تلحينها لـ«كوكب الشرق»، فقد وضع عليها نغماته ليغنِّيها بنفسه مستقياً من كبار الكلمة. عام 1928، أنشدَ عبد الوهاب لبنان عبر قصيدة «يا جارة الوادي» لأحمد شوقي، والتي نظمها الشاعر المصري غزلاً بمدينة زحلة. ومن المعلوم أن فيروز عادت وقدَّمت تلك الأغنية، من ضمن مجموعة من الألحان التي ألَّفها لها «موسيقار الأجيال».

من بين النصوص الكثيرة التي غنَّاها عبد الوهاب للشاعر اللبناني بشارة الخوري، قدَّم عام 1933 «جفنه علَّم الغزل» والتي تُعدُّ من بين أكثر أغانيه شهرة. وكما زميلتُه في الطرب والالتزام الفني أم كلثوم، وازنَ عبد الوهاب بين النصوص المَحكيَّة والقصائد العربية، محافظاً على لفظ حرف «الجيم» على الطريقة المصرية، حتى عندما كان يغنِّي بالفصحى.

تُذكر من بين أشهر أغانيه كذلك: «مضناك جفاه مرقده» عام 1938 التي نظمها أحمد شوقي، و«النهر الخالد» لمحمود حسن إسماعيل عام 1954، وهي بمثابة تكريم للنيل بضفافه ونخيله وملَّاحيه. أما سنة 1960، فلحَّن «أيظنُّ» من شعر نزار قباني، وهي أولى قصائد الشاعر الدمشقي التي جرى تلحينها وغناؤها، وقد حققت شهرة واسعة بصوتَي كلٍّ من نجاة الصغيرة وعبد الوهاب.

حليم بالفصحى

الباحث في مكتبة عبد الحليم حافظ الموسيقية، لا بد من أن يخرج مذهولاً. فكيف لفنانٍ عاش 48 سنة فقط، وأمضى معظمها مريضاً، أن يسجِّل أغنياتٍ لا تُحصى بقيت عالقة في الأذهان والحناجر. صحيح أن غالبية تلك الأعمال هي باللهجة المصرية، إلا أن بعض القصائد سطعت من بينها، ليتبيَّن أنّ إبداع عبد الحليم بالعربيَّة الفصحى لا يختلف عن إبداعه بالمصرية.

بعد عبد الوهاب، كان «العندليب الأسمر» ثاني مَن يغنِّي شعر نزار قباني، في «رسالة من تحت الماء» عام 1973، و«قارئة الفنجان» في 1976، وكلتاهما من تلحين محمد الموجي. في مطلع السبعينات كذلك، قدَّم عبد الحليم أغنية «يا مالكاً قلبي» وهي من شعر الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، وألحان الموجي. وبعد أن غيَّبه الموت بأربعة أعوام، صدرت في 1981 «حبيبتي من تكون»، وهي القصيدة التي نظمها الأمير خالد بن سعود، ولحَّنها بليغ حمدي.

ناظم الغزالي وصباح فخري

لا يمكن المرور على الأغنية العربية الفصحى من دون ذكر البصمة التي تركها عليها الفنان العراقي ناظم الغزالي. استقى الغزالي من الشعر القديم فقدَّم أغنياتٍ اشتُهرت، من بينها «قل للمليحة» التي كتبها ربيعة بن عامر التميمي في العصر الأموي، و«عيَّرتني بالشيب» من كلمات الخليفة العبَّاسي المستنجد بالله، إضافة إلى «أقول وقد ناحت قربي حمامة» من شعر أبي فراس الحمداني، و«أي شيء في العيد أهدي إليك» لإيليا أبو ماضي.

حرصَ على تقديم هذا النمط كذلك الفنان السوري صباح فخري الذي أغنى المكتبة الموسيقية العربية بالقصائد المغنَّاة، كما بالقدود الحلبيَّة.

فصحى الخليج

من المشرق العربي إلى الخليج؛ حيث كانت للأغنية الفصحى صولاتٌ وجولات. البداية مع الفنان السعودي طلال مدَّاح الذي غنَّى «تعلَّق قلبي» من شعر امرئ القيس، ولحن مطلق الذيابي. ومن بين أكثر ما انتشر له بالفصحى: «ماذا أقول» التي جمعته تلحيناً بمحمد عبد الوهاب، أما الكلمات فلشاعر معروف بـ«فتى الشاطئ». وفي مكتبة مدَّاح كذلك: «يا موقد النار» من كلمات سعيد الهندي، و«جاءت تمشي باستحياء» من التراث السعودي.

كرَّم محمد عبده بِعُودِه وصوتِه القصيدة العربية الفصحى، فغنَّى الفنان السعودي من شعر نزار قباني «القرار»، و«أحلى خبر»، و«في المقهى». كما انتشرت من بين أغانيه «أنشودة المطر» لبدر شاكر السياب، و«على البال» للشاعر الملقَّب بـ«أسير الشوق».

فيروزةٌ على جبين الفصحى

من بين الفنانين الذين كرَّموا اللغة العربية الفصحى بأصواتهم، تبقى الصدارة لفيروز التي سجَّلت عشرات القصائد. فكانت لها محطات مأثورة مع عظماء الكلمة، من جبران خليل جبران، إلى سعيد عقل، مروراً بنزار قباني، وبشارة الخوري، وجوزيف حرب، وليس انتهاءً بالأخوين رحباني.

حتى عندما دخلت فيروز مرحلة غنائية جديدة إلى جانب ابنها زياد الرحباني، عادت لتستقي من شعر القدامى، أمثال قيس بن الملوَّح، ولسان الدين بن الخطيب، وجميل بثينة، وأبي العتاهية.

العربيَّة بأصوات الجيل الثاني

من الجيل المؤسس في الموسيقى العربية انتقلت الشعلة إلى الجيل الثاني الذي حرص على الحفاظ على اللغة غناءً. هكذا فعل الفنان اللبناني مارسيل خليفة الذي صار سفير قصيدة محمود درويش، ولم يقتصر غناؤه الفصحى على نصوص الشاعر الفلسطيني؛ بل انسحب على شعراء آخرين، مثل الحلَّاج، وأدونيس، وخليل حاوي، وشوقي بزيع، وعلي فودة، وغيرهم.

أما الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، فقد افتتحت مسيرتها بألبوماتٍ زاخرة بالقصائد. دخلت ماجدة الرومي التاريخ الموسيقي العربي من الباب العريض، مع أغنيات مثل «كلمات» من شعر نزار قباني وألحان إحسان المنذر، و«كن صديقي» لسعاد الصباح، والتي لحَّنها عبدو منذر، و«شعوب من العشاق» لأنسي الحاج، من ألحان جوزيف خليفة. كما اتَّسعت المروَحة لتشمل قصائد نظمَها أدباء وشعراء، مثل: سعيد عقل، ومحمود درويش، وغسان تويني، وحبيب يونس.

سفير الفصحى

إذا كان من سفيرٍ للأغنية العربية الفصحى، أضاف إليها رونقاً خاصاً، ولعب دوراً كبيراً في نقلها إلى الأجيال العربية الشابة، فهو حتماً كاظم الساهر. دخل الفنان العراقي المشهد الموسيقي العربي كإعصار، محمَّلاً بأجمل قصائد نزار قباني. عام 1997، أحدثت «زيديني عشقاً» ثورة غنائية، وكرَّت السبحة مع «مدرسة الحب»، و«إلا أنتِ»، و«قولي أحبك»، و«صباحك سكَّر»، و«أحبِّيني بلا عُقَد»، وغيرها كثير من شعر قباني. كما تعاون الساهر مع شعراء آخرين، نظموا له الأغاني بالفصحى، من بينهم كريم العراقي ومانع العتيبة.

إرثٌ لا ينطفئ

رغم وصفها بأنها صعبة وغير مرغوبة من الجيل الجديد، فإنه جرى تناقُل اللغة العربية الفصحى عبر أجيال متعاقبة من الفنانين. من بين هؤلاء -على سبيل المثال- المطربة اللبنانية جاهدة وهبي التي تستحق عن جدارة لقب «شاعرة الأغنية»، لفرط ما غنَّت ولحَّنت أعمق النصوص وأجملها لكبار الأدباء.

كذلك فعل الفنان السعودي عبد الرحمن محمد الذي كانت له اليد الطولى في إضافة الألق إلى نصوصٍ كانت لتبقى حبراً على ورق، لولا صوته وموسيقى مهاب عمر.

لم يَحُل أي شيء دون أن تتجمَّل الأغاني بالفصحى، وها إن الجيل الثالث يتولَّى الشعلة، من كارول سماحة، وهبة طوجي، إلى نانسي عجرم، وناصيف زيتون. حتى أن الفصحى سلكت طريقها إلى الموسيقى الإلكترونية، على يد عمرو دياب وعزيز الشافعي، اللذَين قدَّما نسخة معاصرة جداً من شعر ابن زيدون في «والله أبداً».


مقالات ذات صلة

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

ثقافة وفنون هوشنك أوسي

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون ريجين أولسين

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك

هاشم صالح
ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
TT

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)

التصفيق للشاب اللبناني أنطوني أبو أنطون وهو يُطلق الحدث الضخم، «كريسماس أون آيس»، جمع وَقْعَي اليد والقلب. فاليد أدَّت الفعل والخافقُ رقص. وسط الظنّ أنّ التعثُّر قدر، والنهوض شقاء، وفي ذروة الشعور بقسوة الاحتمالات، وقف أمام الحضور في صالة «غراند سينما» بمجمع «أ ب ث» في منطقة ضبية المضاءة بأنوار العيد، ليُعلن وصول العرض العالمي إلى لبنان المُنهك بعد الحرب.

أنطوني أبو أنطون أطلق الحدث الضخم (الشرق الأوسط)

ليست الضخامة والإبهار وحدهما ما رفع الحماسة إلى الأقاصي، وإنما عظمة الإرادة. توجَّه المدير التنفيذي لشركة «آرتستس آند مور» المنتجة مع «كرايزي إيفنتس»، أنطوني أبو أنطون، إلى المشكِّكين بقدرة الروح اللبنانية على التحليق، وأعلن: «الراقصون والمؤدّون وصلوا إلى لبنان. كثر رأوا الاستحالة في ذلك. حضروا بأزيائهم وديكوراتهم، وبأعداد كبيرة، لنقول للعالم إنّ الهزيمة لا تليق باللبنانيين».

اشتدَّ التصفيق بإعلانه أنّ العرض أُرجئ مرّتين لتوحُّش الحرب، ومع ذلك عاد. تراءت الدائرة مغلقة، والمصير الجماعي معلّقاً بعنق زجاجة. لم يكن الإلغاء خياراً، بل ضرورة. ولمّا هدأ الويل، عجَّل إطلاق المشروع، فكثَّف الفريق الجهود للحاق بالعيد.

من 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، يضيء «كريسماس أون آيس» واجهة بيروت البحرية بعجائب الميلاد الخلّابة. استعارت الردحة الخارجية لصالة «غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر، حيث غلبة البنفسجي والأبيض، رغم سطوة الأحمر على المناسبة، والأخضر التابع له لتكتمل كلاسيكية الصورة.

من 26 ديسمبر إلى 5 يناير يزيّن «كريسماس أون آيس» بيروت (الشرق الأوسط)

وفي الخارج، نكَّه «الدي جي» إيلي جبر الجوّ بأغنيات ميلادية. سيدات بملابس برّاقة لفتن عدسات الكاميرات، توجّهن مع المدعوّين إلى صالة السينما حيث أعلن أنطوني أبو أنطون ولادة الموسم الثاني من «كريسماس أون آيس» رغم التعسُّر. شكَرَ الرعاة والشركاء، وذكَّر بنجاحات موسم أول شاهده أكثر من 70 ألف شخص. لحظات ساحرة تمرّ على الشاشة، تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة تجعله يبتسم طوال اليوم. فالإعلان الترويجي بيَّن عالماً يمنح أجنحة ليُحلّق القلب إلى الغيمة. والعقل إلى عِبرة. والواقع إلى الدهشات.

العرض العالمي المبهر يصل إلى لبنان المُنهك بعد الحرب (الشرق الأوسط)

أخبر أبو أنطون أنّ الشخصية الرئيسية «إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام. ينضمّ إليها «كسارة البندق»، فيشكّلان مشهدية غنائية راقصة، وما يتجاوز السحرَيْن إلى مفهوم القيم الإنسانية والسلام.

حين غنّى آندي ويليامز «إنه أروع أوقات السنة»، صَدَق؛ وهذه الروعة تتجلّى بتعميم الجمال. فالفريق ذلَّل الصعاب، ولـ9 أشهر واصل التحضير. في شريط عرض الكواليس، تحدّث صنّاع الحدث عن «مسؤولية الكتابة والإخراج». أرادوا عرضاً يُحاكي جميع الأعمار من دون اقتصاره على سنوات الطفولة المأخوذة بالكاراكتيرات والبهجة. يشاؤون من خلال المواهب والأزياء والموسيقى أن يعمّ الدفء وتطول الأوقات السعيدة.

الروعة تتجلّى بتعميم الجمال (الشرق الأوسط)

يترقّب أبو أنطون حضور 60 ألف لبناني، مع احتمال تمديد العروض لِما بعد 5 يناير. بالنسبة إليه، إنه ليس مجرّد عرض من وحي فنون السيرك، وإنما احتفال للأمل المولود من عتمات الظرف القاهر. وإنْ تساءل بعضٌ مَن هي «إميلي فروست»؟ فسيجدها محاكاة للخير المتبقّي في الإنسان، وللضمير الكوني، والألفة والطيبة.

عبر لحظات الأسى والسعادة، ومسارات حياتها، والتحدّيات التي تعترضها، تُعلِّم النجاة بالأمل رغم الوحشية، لتبقى الذكريات والمشاعر، حين يعبُر كل شيء آخر نحو النسيان، ويتراكم الأثر كلما تسلّلت اللاجدوى وأمعنت في المرء برودة الأيام.

«إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام (الشرق الأوسط)

أُلغي الحدث للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) لمّا احتدم التوتّر، والثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) لما حلَّ الاشتعال. أعاد أبو أنطون لمشتري البطاقات مالهم، وظنّ أنها النهاية. ولمّا أُعلن وقف إطلاق النار، شدَّ الهِمّة. تمسَّك بالعودة، وإنْ عمَّق الخوف الأمني الهواجس وتوقّفت رحلات الطيران إلى لبنان. فالعرض عالمي والفنانون وافدون من بعيد، وسط ما يُحكى عن تجدُّد القصف وتعمُّد هذه الأرض بالدم.

استعارت الردحة الخارجية لـ«غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر (الشرق الأوسط)

هذا العام، تتّسع المساحة في عمق بيروت المُصرَّة على الحياة: «إنها أكبر بأضعاف!»؛ يقول أبو أنطون المتطلِّع إلى لبنان يشِّع. عبر عشرات الرحلات اليومية، تمرّ إعلانات «كريسماس أون آيس» على متن «طيران الشرق الأوسط»، وصولاً إلى المطار واللوحات الإعلانية المجاورة. احتفالية بالإرادة؛ هو الحدث، وصرخة تُخبر العالم عن بلد عنيد، أعيدت كتابة النصّ لتُوجَّه رسالة إليه على وَقْع أغنية «لبيروت» الفيروزية. تُستَعرض الأرزة ويعلو نداء السلام؛ رافع الأوطان إلى عزِّها.