ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

«الذراري الحمر» يُتوَّج بالجائزة الذهبية و«مودي» يختم الدورة الرابعة

رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)
رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)
TT

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)
رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة بحفل مميَّز في قلب جدة التاريخية، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر»، وأُقيمت فعاليات ثقافية وفنّية بارزة.

وشهد الحفل تكريم نجمتين عالميتين تقديراً لمسيرتيهما الاستثنائية، هما الأميركية فيولا ديفيس والهندية بريانكا شوبرا؛ فقدّمت الكاتبة والمخرجة السعودية هناء العمير الجائزة لديفيس، وتولّت الأميركية سارة جيسيكا باركر تقديم الجائزة لتشوبرا. كما انضمَّت أسماء لامعة مثل البريطانية إيميلي بلنت، والمصرية منى زكي، والأميركية فان ديزل، إلى قائمة المُكرَّمين، احتفاءً بمكانتهم الرائدة في صناعة السينما.

وعرض المهرجان «مودي: ثلاثة أيام على حافة الجنون» للمخرج جوني ديب، فيلماً ختامياً للدورة، وهو يروي حكاية الرسام والنحات الإيطالي أميديو موديلياني خلال خوضه 72 ساعة من الصراع في الحرب العالمية الأولى.

«مودي: ثلاثة أيام على حافة الجنون» لجوني ديب يختم المهرجان (تصوير: بشير صالح)

ترأس لجنة تحكيم الأفلام الروائية المخرج الأميركي الشهير سبايك لي، إلى جانب أعضاء مثل البريطانية - الأميركية ميني درايفر، والأميركي دانيال داي كيم. واختير فيلم «الذراري الحمر» للمخرج التونسي لطفي عاشور لجائزة «اليُسر الذهبية» بكونه أفضل فيلم روائي، أما «اليُسر الفضية» لأفضل فيلم طويل، فنالها فيلم «إلى عالم مجهول» للفلسطيني مهدي فليفل، بالإضافة إلى جائزة خاصة من لجنة التحكيم نالها فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور.

أسماء لامعة حضرت المهرجان في دورته الرابعة (تصوير: بشير صالح)

من جهته، قال مخرج «الذراري الحمر» لطفي عاشور لـ«الشرق الأوسط»، إنّ الفيلم ليس مجرّد عمل سينمائي، بل رسالة إنسانية إلى العالم والأسر مفادها ضرورة احتضان الأطفال والاهتمام بهم. وتابع: «الأطفال نعمة من الله، علينا الحفاظ عليها. المطلوب وقف تعنيفهم أو إهمالهم أو تحميلهم أعباء لا طاقة لهم بها. الفيلم لا يروي قصة مستوحاة من واقع تونس فحسب، وإنما يقدّم تجربة عالمية تمسُّ جميع المجتمعات التي تعاني الإهمال والعنف ضدّ الطفولة».

المخرج التونسي لطفي عاشور يتسلَّم جائزة «اليسر الذهبية» عن فيلمه «الذراري الحمر» (غيتي)

شكَّلت سوق «البحر الأحمر السينمائي» منصّةً محوريةً لدعم الإنتاجات الإقليمية والدولية، فاستضافت 24 مشروعاً في مراحل التطوير و8 مشروعات في مرحلة ما بعد الإنتاج. وشهدت السوق فعاليات عدّة مثل «حديث السوق»، وجلسات التواصل المهني، بحضور ممثلين عن صناعة السينما من السعودية وفرنسا ودول أخرى.

في هذا السياق، قالت رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد: «تشرّفنا هذا العام باستقبال العالم في البيت الجديد للسينما، من موقع مهرجاننا الجديد في البلد، بجدة التاريخية. على مدار الأيام الماضية، رحّبنا بضيوفنا من جميع أنحاء العالم، واحتفينا معاً بقوة السينما، مقدّمين منصّة تزخر بالروايات العالمية المتنوّعة».

وأضافت: «نجحنا في هذه الدورة بعرض 122 فيلماً من 85 دولة، كما استضفنا مجموعة واسعة من اللقاءات المثمرة، والاتفاقات الاستراتيجية، والشراكات الواعدة، والابتكارات المُلهمة ضمن الفعاليات؛ ونلتزم بتعزيز مستقبل مُشرق لصناعة السينما في المنطقة، وفَتْح آفاق جديدة للإبداع والتميُّز السينمائي».

جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي المُكلَّف لـ«مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي»، محمد بن عايض عسيري: «عقدنا خلال الدورة الرابعة من المهرجان شراكات ومبادرات تهدف إلى الارتقاء بالأصوات السينمائية على الصعيدَيْن المحلّي والإقليمي؛ وكلنا ثقة بأنّ هذه الجهود ستُثمر في دوراته المقبلة».

وأبرزت القنصلية الفرنسية في جدة التعاون السعودي - الفرنسي بإحياء حفل ختامي في مقرّها، إذ اجتمع صنّاع السينما من البلدين، إلى جانب شخصيات بارزة من المؤسّسات الثقافية والتعليمية، لتعزيز الشراكات في مجال التدريب والإنتاج. وأكد قنصل فرنسا بجدة، محمد نهاض، أهمية هذه الجهود التي تشمل مبادرات مثل مسابقة «تحدّي الفيلم 48 ساعة» لتحفيز الشباب.

القنصل الفرنسي محمد نهاض يتسلّم درعاً لتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا (غيتي)

شكَّل الحفل منصّةً للتواصل بين الخبراء والمبدعين لتعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، مع تأكيد التعاون في مجال السينما.

ومن أبرز أنشطة القنصلية ضمن المهرجان، الجناح الفرنسي في «السوق» الذي عرض مشروعات سينمائية فرنسية وسعودية مشتركة، ووفَّر فرصاً للتواصل مع منتجين ومخرجين سعوديين، وورشات عمل مشتركة تدريبية لصنّاع الأفلام الشباب بالتعاون مع محترفين فرنسيين، إلى جانب مبادرات تعليمية، مثل عقد شراكات مع المؤسّسات التعليمية في فرنسا لتقديم برامج تدريبية للسعوديين في مجالَي السينما والإخراج.

وفي كلمته خلال الحفل الختامي، أكد قنصل عام فرنسا بجدة، محمد نهاض، التزام فرنسا بدعم السينما السعودية، مشيراً إلى أنّ التعاون بين البلدين يمتدّ إلى مجالات عدّة، منها التعليم السينمائي، والإنتاج المشترك، وتطوير الكفاءات المحلّية. كما توقّف عند أهمية مبادرة «تحدي الفيلم 48 ساعة» المعنيّة بتحفيز المواهب السعودية الشابة لإنتاج أفلام قصيرة ضمن مدّة محدودة.

«البحر الأحمر» يؤكد التزامه المستمر إثراء المشهد السينمائي العالمي (أ.ف.ب)

وأيضاً، أكد الحضور أنّ «مهرجان البحر الأحمر» أصبح منصّة محورية للقاء الثقافات وتعزيز الشراكات بين فرنسا والسعودية. ويأتي هذا التوجُّه ضمن استراتيجيات أوسع لتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، مدعوماً بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، وتوقيع اتفاقات في مجالَي الفنون والإبداع.

بفضل الدعم الواسع من الجهات الراعية والشركاء المحلّيين والدوليين، يتطلّع «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائية عالمية.

بهذا الإصرار، ختم فعالياته، مؤكداً على التزامه المستمر إثراء المشهد السينمائي العالمي، وترسيخ مكانة السعودية، خصوصاً مدينة جدة، مركزاً للإبداع الثقافي والفنّي.


مقالات ذات صلة

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

العالم العربي نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في سلطنة عمان، الاثنين، ملف التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا علماء الأحياء البحرية وجدوا أن لدى أسماك القرش مستويات عالية من الكوكايين في عضلاتها وكبدها (أرشيفية - رويترز)

مقتل سائح وإصابة آخر في هجوم لسمكة قرش بمصر

قالت وزارة البيئة المصرية إن سائحاً لقي حتفه وأُصيب آخر في هجوم سمكة قرش بمنتجع مرسى علم المطل على البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)

مصر ترفض وجود أي طرف «غير مشاطئ» بالبحر الأحمر

تزامناً مع تأكيد دعمها وحدة الصومال وسيادته، أعلنت القاهرة رفضها وجود أي طرف «غير مشاطئ» في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)
مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)
TT

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)
مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

ليس عرضُ «فريكة» على مسرح «زقاق» في منطقة الكارنتينا البيروتية مما يُحدِث التلقّي المألوف في المسارح. ذلك، بأهميته، قلّما يُتوَّج على أنه تجربة، باستثناء ما تقدّمه نصوصٌ مُتقَنة بسحر الأداء والإخراج. كاتبة المسرحية، ومخرجتها وبطلتها، هبة نجم، تُكرّس أسلوبها المُرتكِز على تفعيل تلك التجربة ومدّها بعناصر حيّة. مسرحُها تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ»، وترقُّب لحظة الالتهام بعد إعلانٍ بأنها ستشكّل نهاية العرض. بسردها حكاية عمّتها الراحلة قبل 40 يوماً، تمرّ الفنانة اللبنانية على علاقة الحياة بالموت، والحضور الساطع لمَن تركت مغادرتهم في الأحياء حفرة أبدية.

بوستر مسرحية «فريكة» على مسرح «زقاق» في منطقة الكارنتينا البيروتية

يتحرّر هذا الحيّز البيروتي من شكله المُتوقَّع، ليقدّم مسرحاً خارج الصورة المُتداوَلة للخشبة والمقاعد. «زقاق» تجربة أيضاً، لتوليد تجارب. مسرحٌ لا يكترث للمظهر، وربما يفضّل «فوضويته»، فيمنح قاصدَه شعور التفلُّت من الشكل. تصطفّ الكراسي بوضعية قابلة للتعديل، مُتحرّرةً من ثباتها والعلاقة الواحدة مع المساحة، لتبدأ هبة نجم ومعها شريك الأداء وعازف الأكورديون سامح بالمنى، العرض.

هبة نجم وشريك الأداء وعازف الأكورديون سامح بالمنى (الشرق الأوسط)

من موت العمّة، وبما يُشبه التأبين الفنّي لرحيل لم يبرُد بعد، يحوم الموضوع حول وَقْع الغياب في البشر، من دون اقتصاره على دفن أحبّة وامتهان الوداع الإنساني. هو هنا غياب لِما ألفه الفرد واليوم يُفتَقد، ولِما راح يتوه عن الأصل ليتّخذ تعريفاً آخر. تُقدِّم وجبة «الفريكة» الرائجة في بلاد الشام، والمكوَّنة من حبوب القمح وخضراوات منها البصل والجزر، مُنكَّهةً بخليط بهارات شهيّ، برهاناً حسّياً على تداخُل المفاهيم في زمن غلبة الرائج. وبإخضاعها للضوء المسرحي، تشاء الفنانة الاعتراض على منطق الوجبات السريعة المفضَّلة لدى إنسان اليوم، والشرخ المتمادي بين الطبخة ومُلتَهمها. تردُّ المفهوم إلى أصله، فلا تغدو «الفريكة» شائعة جداً أو ضئيلة الحضور، وإنما الأجدى محافظتها على «وسطيّتها» بين الوهج والخفوت. وهو موقعها في الأصل.

هبة نجم تُكرّس أسلوبها المُرتكِز على تفعيل التجربة ومدّها بعناصر حيّة (الشرق الأوسط)

باستذكار عمّتها، تُجنّبها هبة نجم الإحالة على الانطفاء الحقيقي المُمثَّل بالنسيان. تولِّف الحكاية بالميثولوجيا؛ وبتداخُل مشهدية جنائزية على أنغام الأكورديون، تُستدعى متناقضات تحكُم دورة حياة البشر. فالخصوبة المُمثَّلة بالقمح والفناء المُمثل بالجفاف، يرسمان مسار الإنسانية منذ فجر التاريخ. وباستعادة صوت العمّة الراحلة، وحكاية زراعة «الفريكة» وحصادها، تُبيّن ترابُط الكائن الحيّ بالطبيعة؛ من أكثر الأشكال بداهةً؛ وهو الغَرْس، إلى ذروتها؛ وهي دفن الجسد بالتراب.

وإذ يُفسَح المجال لرقصة الضوء مع المشهد الجنائزي، وتصاعُد النغم الموسيقي؛ تتأكد هبة نجم من أنّ طبخة «الفريكة» تُعدُّ على نار هادئة. وبكشفها الغطاء عن الطنجرة، يملأ البخار ما حولها وهي تُقلِّب بالملعقة الخشب ما رسَبَ في القعر نحو الأعلى، لمَنْح المكوّنات فرصة استواء عادلة.

طبخة «الفريكة» تُعدُّ على نار هادئة وسط تصاعُد النغم (الشرق الأوسط)

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات يُشكّلها الوفاء والعطف. يغرف العمل من رقصة الموت والحياة أسئلة تُرمى على المتلقّي لتحرّضه على السعي خلف إجابة. وكما يُحتَفى بالحيّ، ضمن سيرورة الوجود، يُستذكر الميت ضمن السيرورة عينها وفق منطق أنّ الحياة نداء الموت، والموت شبح الحياة. في نصّ هبة نجم، تُعاد الصياغة على هذا النحو: «نولد من حفرة وننتهي بحفرة»، مع ما يكمُن بين البداية والنهاية من حزن وصراع وتقبُّل وذكريات.

يُمهِّد القربان لولادة الوليمة، فتُوزّع الفنانة على الجمهور، وهو هنا المُشارك في الجنازة، خبزاً بإمكان مذاقه التفوّق على انتشار ما سمّته «رائحة الخطايا في أرجاء المسرح»، فيغتسل الموتى من الإثم وتستكين أرواحهم المُعذّبة. وتتويجاً للخلاص الإنساني المرجوّ، تدعو «ضيوفها» لإعداد تلك الوليمة، بأصابع أذنبت، وقلوب لعلّها مُثقلة. عملية إعداد السفرة بمثابة تطهُّر جماعي من الآثام المُرتَكبة؛ فإذا بالجميع يجلس حول المائدة لتناوُل خطاياه ومَضْع الندم!

عملية إعداد السفرة بمثابة تطهُّر جماعي من الآثام (الشرق الأوسط)

بطلب هبة نجم الانقسام إلى 4 مجموعات؛ تُنجز الأولى مَهمّة تقطيع الخضراوات لإضافتها إلى طبخة «الفريكة»، والثانية خَفْق اللبن مع الخيار والثوم لتنكيه الوجبة، والثالثة تقطيع الفاكهة وشكّها بعيدان خشبية تُزيّن السفرة، والرابعة الاهتمام بترتيب الزهور وتوزيع الشموع؛ تُحوّل المسرح ورشة تنبض بالحياة رداً على الحِداد المُسيطر، وانتصاراً للأمل على الزعل.

فجأة، تجد صاحبة السطور نفسها تتناول العشاء، «فريكة» ولبن مُثوَّم، على سفرة يملأها غرباء، يلتهمون آثامهم بشهية ثم يغسلون الصحون! مثلهم تماماً تُحطّم بعض المألوف فيها، ومما تأطَّر وتجمَّد وأُصيب بالصمت المميت.

يجلس الجميع حول المائدة لتناوُل خطاياه ومَضْع الندم (الشرق الأوسط)

تقول هبة نجم لـ«الشرق الأوسط» إنّ الفكرة وُلدت عام 2015 بوحيّ من مادة الإنثروبولوجيا والمسرح في الجامعة: «يمكن للطعام أن يحمل طابعاً مسرحياً. المائدة تُخاطب الحواس وتجمع البشر بتشكيلها ذريعة للقائهم وإمكان حدوث البوح. هذه المسرحية ثالث عروضي التذوّقية احتفاء بمأكولات غير مألوفة وربما منسيّة؛ بعد (عدس بشومر) و(فطاير ببندورة). أردتُ ردَّ (الفريكة) إلى أصلها/ منطقتنا. أحبّ لقاء الناس والحديث معهم. واستحضار شخصيات ليس لها عادةً أيّ حيّز مسرحيّ، مثل مُزارع (الفريكة) مثلاً أو عمّتي. سرد قصصهم يُريحني».

لم ينتهِ العرض بتصفيق وتحية. لمَّ الجميع على المائدة وأسعَدَ. حركش بأسئلة كبيرة وصنع تجربة. تصفيق من نوع آخر سُمِع عالياً.