«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

العرض محاكاةٌ لسخرية الأقدار بأسلوب المسرح العبثيّ

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
TT

«لعبة النهاية»... رائعة صمويل بيكيت بالعاميّة المصرية

جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)
جانب من العرض الذي كتب نصّه صمويل بيكيت (مسرح الطليعة)

استقبل مسرح «الطليعة» في مصر أحد العروض الشهيرة للكاتب الآيرلندي الراحل صمويل بيكيت (1906- 1989)، «لعبة النهاية»، الذي رغم احتفاظه بالروح الأصلية للعمل الشهير المنسوب إلى مسرح العبث، فقد شكَّل إضاءة على مشاعر الاغتراب في الواقع المعاصر. وهو عرضٌ اختتم مشاركته في مهرجان «أيام قرطاج المسرحي» ليُتاح للجمهور المصري في المسرح الكائن بمنطقة «العتبة» وسط القاهرة حتى بداية الأسبوع المقبل.

على مدار 50 دقيقة، يحضر الأبطال الـ4 على المسرح الذي يُوحي بأنه غُرفة منسيّة وموحشة، فيتوسّط البطل «هام» (محمود زكي) الخشبة جالساً على كرسيّه المتحرّك بعينين منطفئتين، في حين يساعده خادمه «كلوف» ويُمعن في طاعته والإصغاء إلى طلباته وتساؤلاته الغريبة التي يغلُب عليها الطابع الساخر والعبثيّ المُتكرّر عبر سنوات بين هذا السيّد والخادم.

يَظهر والد «هام» ووالدته داخل براميل قديمة وصدئة، ويجلسان طوال العرض بداخلها، ولا يخرجان إلا عندما يستدعيهما الابن الذي صار عجوزاً، فيسألهما أسئلة عبثية لا تخلو من تفاصيل عجيبة، ويخاطبهما كأنهما طفلين يُغريهما بالحلوى، في حين يبادلانه أحاديث تمتزج بالذكريات والجنون، ليبدو كأنهما خارج العالم المادي؛ محض أرواح مُحتضرة تُشارك «هام» هلوساته داخل تلك الغرفة.

الأب يؤدي دوره من داخل أحد البراميل (مسرح الطليعة)

في المعالجة التي يقدّمها العرض، يحتفظ المخرج المصري السيد قابيل بأسماء الأبطال الأجنبية التي كتبها صمويل بيكيت من دون منحها أسماء محلّية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قدَّم المسرح المصري هذه المسرحية قبل 60 عاماً تقريباً في عرض للفنان الكبير الراحل سعد أردش، لكنه كان باللغة العربية الفصحى. اليوم، عالجتُ النص وأقدّمه بالعامية المصرية. احتفظت بالأسماء الأصلية للأبطال وهوياتهم، وكذلك بروح العمل وتفاصيل الحوار فيه، خصوصاً أنّ لهذا العرض الذي ينتمي إلى مسرح العبث فلسفته التي تمسّكتُ بها ضمن قالب جديد».

يؤدّي دور الخادم «كلوف» الفنان المصري محمد صلاح الذي اعتمد جزءٌ كبير من أدائه على الإفراط بحركات سير متعرّجة في محاولاته المُتسارعة لتلبية طلبات سيّده الأعمى، إذ يبدو كأنه في مَهمّات لا نهائية، منها ترتيب البيت الخالي بشكل فانتازي. بالإضافة إلى تردّده الدائم على نافذة الغرفة التي يظّل سيّده يطلب منه وصف ما يدور خارجها، فيصف له الضوء والبحر اللذين لا يدرك إذا كانا موجودَيْن بالفعل أم محض خيال.

على مدار العرض، يظلُّ الخادم يسأل: «لماذا أطيعك في كل شيء؟»، و«متى جئتُ إلى هذا البيت لخدمتك؟»، فيكتشف أنه قضى عمره داخل جدرانه المخيفة، فيقرّر في خطوة خلاص مغادرة خدمة سيّده، فتكون لحظة فتحه باب البيت هي عينها لحظة نهاية اللعبة، حتى وإنْ ظلّ واقفاً أمامه، متوجّساً من الخروج إلى العالم الحقيقي ومواجهة المجهول. لحظة تحدّيه سيطرة سيّده «هام» سرعان ما تبدو كأنها لا تختلف عن «الفراغ» الذي أمامه، بما يعكس فلسفة صمويل بيكيت عن سخرية الحياة، حيث لا يبدو الهروب من عبثها ممكناً أبداً.

الأب والأم في أحد مَشاهد المسرحية (مسرح الطليعة)

يشير مخرج العرض السيد قابيل إلى أنّ «للقضية التي تطرحها المسرحية صيغة إنسانية عابرة للمكان والزمان، وتصلُح لتقديمها في أي وقت؛ وإنْ كُتب النصّ الأصلي لبيكيت في الخمسينات. فكثير من نصوص شكسبير، والنصوص اليونانية القديمة العائدة إلى ما قبل الميلاد، لا تزال قابلة لإعادة تقديمها، وصالحة لطرح أسئلة على جمهور اليوم. وفي هذا العرض أدخلنا بعض الإضافات على الإضاءة والموسيقى للتعبير بصورة أكبر عن دراما الأبطال، ومساعدة المتلقّي على مزيد من التفاعُل».

الفنان محمود زكي في مشهد من العرض (مسرح الطليعة)

وعكست ملابس الممثلين الرثّة حالة السواد التي تطغى على عالمهم، في حين وُظّفت الإضاءة في لحظات المُكاشفة الذاتية التي تتوسَّط سيل الحوارات الغارقة في السخرية والتكرار العدميّ والخضوع التام. فإذا كان السيّد الأعمى والمشلول يعتمد على خادمه في مواصلة لعبة عبثية يتسلّى بها في عزلته، فإنّ الخادم يظلُّ غير قادر على تصوُّر الحياة بعيداً عن قواعد تلك «اللعبة».


مقالات ذات صلة

«بني آدم»... مُغامرة جديدة لأحمد حلمي مع «عفريت المسرح»

يوميات الشرق المُلصق الدعائي للمسرحية (هيئة الترفيه السعودية)

«بني آدم»... مُغامرة جديدة لأحمد حلمي مع «عفريت المسرح»

ينطلق أول عروض مسرحية «بني آدم» من بطولة الفنان أحمد حلمي على «مسرح بكر الشدي» في الرياض من 23 يناير الحالي إلى 1 فبراير المقبل.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق مسرحها محاكاة لغربة طوعية عاشتها في حياتها (صور زينة دكاش)

زينة دكاش لـ«الشرق الأوسط»: مسرحية «اللي شبكنا يخلّصنا» تختصر بعض حياتي      

أمضت زينة دكاش نحو 14 عاماً مع المساجين في لبنان تعالج أوجاعهم وآلامهم النفسية بالدراما، وكذلك أسهمت في تعديل بعض القوانين المُجحفة بحقّهم.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الأزياء لعبت دورا مهما في العرض (مخرج العمل)

«بلاي»... مسرحية مصرية تتمرد على القوالب التقليدية

مجموعة من الممثلين يحلمون بتقديم عرض مسرحي يكتب لهم الشهرة والانتشار، يحضرون بكل حماس لأداء «بروفة» جديدة من مشروعهم الوليد، لكنهم يفاجأون بغياب المؤلف والمخرج.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات عاطفية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

في ذكرى رحيل منصور الرحباني يتحدّث غسان صليبا ورفيق علي أحمد وهبة طوجي عن ذكرياتهم مع أحد عباقرة لبنان والشرق وما تعلّموا من العمل على مسرحه

كريستين حبيب (بيروت)

فنانة مصرية تجدد الحديث عن ظاهرة «الابتزاز الإلكتروني»

الفنانة مي الغيطي (حسابها على منصة فيسبوك)
الفنانة مي الغيطي (حسابها على منصة فيسبوك)
TT

فنانة مصرية تجدد الحديث عن ظاهرة «الابتزاز الإلكتروني»

الفنانة مي الغيطي (حسابها على منصة فيسبوك)
الفنانة مي الغيطي (حسابها على منصة فيسبوك)

جدد تعرض الفنانة المصرية الشابة مي الغيطي للتهديد الحديث عن ظاهرة «الابتزاز الإلكتروني»، وتصدرت مي الغيطي مؤشرات البحث بموقع «غوغل»، الجمعة، بعد قيام والدها الإعلامي المصري محمد الغيطي بتقديم بلاغ للأجهزة الأمنية ضد فرد حراسة قام بابتزاز وتهديد ابنته بالإيذاء حال رفضها طلب الزواج منه عبر رسائل «سوشيالية».

ووفق حديث الإعلامي المصري لـ«الشرق الأوسط» فإن النيابة العامة بمحل سكنه بمصر تباشر التحقيقات بعد القبض على «المبتز» لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة تجاه الواقعة.

ولم تكن واقعة مي الغيطي الأولى، فقد تعرض العديد من الفنانين للأمر عينه، من بينهم الفنانة المصرية أيتن عامر التي أعلنت قبل سنوات تلقيها رسائل تهديد عبر حسابها الشخصي بموقع «فيسبوك»، لكنها لم تحدد المشكلة ولا طرف الخصومة حينها، لكنها أكدت أنها تعيش في «بلد قانون»، بينما تحدث الفنان أحمد زاهر عن موقف مشابه خلال حديث إعلامي؛ حيث أكد تسلُّمه رسائل تهديد على خلفية تقديمه إحدى الشخصيات الفنية، لكنه لم يعلن عن اتخاذه إجراءات قانونية.

الفنانة مي الغيطي شاركت في العديد من الأعمال الفنية (حسابها على منصة فيسبوك)

وفي السياق نفسه قضت محكمة جنايات المنصورة، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم بابتزاز ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب بعد ثبوت إدانته بالتهديد بنشر مقاطع فيديو خاصة بها في حال لم تمنحه ما طلبه من أموال، كما أعلن شقيق الفنانة ياسمين عبد العزيز قبل سنوات أيضاً عن تلقيها تهديدات بالقتل.

من جانبها تحدثت المحامية المصرية، ليلى الشريف، عن عقوبة «الابتزاز الإلكتروني» في مصر، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 تنص على أن عقوبة (الابتزاز الإلكتروني) تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وأيضاً تنص المادة 26 من قانون العقوبات المصري بالسجن لمدة لا تقل عن عامين، ولا تزيد على 5، وتغريم المبتز مبلغاً مالياً يتراوح ما بين 100 و300 ألف جنيه (الدولار يساوي 50.29 جنيه مصري)، أو بإحدى هاتين العقوبتين».

ووصفت الاستشارية النفسية المصرية إيمان عبد الله جريمة «الابتزاز الإلكتروني» بأنها تمثل «تدنياً للأخلاق»، خصوصاً أن المبتز يحاول الحصول على ما ليس له عن طريق التهديد أو تشويه السمعة وغيرها من الوسائل في حال لم يحقق أهدافه، وفق قولها لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت أن «هوس المشاهير أمر واضح في مثل هذه القضايا، سواء طلب الزواج أو طلب أموال أو غيرها من الطلبات التي يسعى إليها ويعتقد أن النجم سوف يستجيب ويخضع خوفاً من تشويه اسمه أو تأثير توابع التصعيد على مسيرته المهنية».

الفنانة مي الغيطي وخطيبها (حسابها على منصة فيسبوك)

وحذرت الاستشارية النفسية من «التعامل مباشرة مع المبتز؛ لعدم الإلمام بدوافعه وطريقة تفكيره، ومدى تعرض الضحية لأضرار جسيمة حال المواجهة المباشرة، لكن الحل الأمثل هو التعامل الأمني حتى يكون عبرة لغيره؛ لأن (هوس المشاهير) تغير مع التطور التكنولوجي».

وكانت مي الغيطي أعلنت، مطلع الشهر الماضي، عن خطبتها على شاب من خارج الوسط الفني، وشاركت مي وهي الشقيقة الصغرى للفنانة ميار الغيطي في أعمال فنية عدة من بينها مسلسلات: «القاصرات»، و«غراند أوتيل»، و«لا تطفئ الشمس»، و«زودياك»، و«في كل أسبوع يوم جمعة»، و«سلطانة المعز»، و«طايع»، وأفلام: «بنات ثانوي»، و«ريتسا»، و«اشتباك»، وغيرها.