ملايين الدولارات في حسابات أموات... كيف يجني المشاهير الراحلون أموالاً طائلة؟

مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات
مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات
TT

ملايين الدولارات في حسابات أموات... كيف يجني المشاهير الراحلون أموالاً طائلة؟

مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات
مجموعة من المشاهير الراحلين الأعلى دخلاً رغم وفاتهم منذ سنوات

ليست الثروات حكراً على مَن هم أحياء يُرزقون، بل إنها تتكاثر كذلك في حسابات الموتى. خيرُ دليلٍ على ذلك إيرادات المشاهير الذين اندثرت أجسادهم، بينما لا تزال ملايينهم تتجدّد وتنبض حياةً.

في أحدث أرقامٍ نشرتها مجلّة «فوربس» الأميركية، يتصدّر مايكل جاكسون قائمة الفنانين الراحلين لناحية ثروة ما بعد الموت. في رصيد المغنّي الأميركي الذي توفّي عام 2009، نحو 600 مليون دولار. يلي جاكسون على لائحة 2024 للمشاهير المتوفّين الأعلى دخلاً، مغنّي فريق «كوين» فريدي ميركوري مع 250 مليون دولار، لتبدأ الثروات بالانخفاض إلى ما دون ال100 مليون، مع كلٍ من مؤلّف روايات الأطفال دكتور سويس، والفنان الأسطوري إلفيس بريسلي، يليه المغنّون ريك أوكازيك، وبرينس، وبوب مارلي، والرسّام تشارلز م. شولتز. أما أحدث الداخلين إلى القائمة فالممثل ماثيو بيري مع إيراداتٍ وصلت إلى 18 مليون دولار.

يتصدّر مايكل جاكسون قائمة الفنانين الراحلين الأعلى دخلاً وفق أرقام «فوربس»

أثرى في الممات من الحياة

لكن كيف يضاعف المشاهير المتوفّون ثرواتهم في وقتٍ هم عاطلون عن العمل والحركة والحياة؟

في طليعة مصادر تلك المداخيل، إيرادات أعمالهم وحقوق نشرها؛ إذ إنّ موت الفنانين لا يعني موت موسيقاهم، أو أفلامهم، أو مؤلّفاتهم. طالما أن تلك الأعمال مرغوبة من قِبَل المستمعين والمشاهدين والقرّاء، فإنّها تُدرّ الأموال عليهم. تُضاف إليها الصفقات التي يُبرمُها ورَثتُهم مع شركات التسويق والعلامات التجارية، والتي تُستخدَم فيها أسماؤهم أو صورُهم أو أعمالُهم.

حتى إنّ من بين المشاهير مَن يصبح أكثر ثراءً في مماته ممّا كان عليه في حياته، ولعلّ مايكل جاكسون خير مثال. فارق الفنان العالمي الحياة وفي ذمّته نحو 400 مليون دولار من الديون، لكن ما هي إلا سنتَين حتى سُدّد 160 مليوناً منها. أما سنة 2014 فشهدت تَصدُّر جاكسون قائمة الفنانين المتوفّين الأكثر ثراءً، وهو منذ ذلك الحين في طليعة تلك القائمة.

الأعمال التي تصدر بعد الوفاة هي من أهم مصادر دَخل الفنانين الراحلين (غلاف ألبوم مايكل جاكسون الصادر عام 2010)

من اللحظة التي تلت وفاته، أدركَ محامو ورثتِه أن اسمَ جاكسون وحده يُدرّ الملايين، فأبرموا صفقات مع منتجين موسيقيين لاسترجاع أبرز عروضه على المسارح العالمية، كما استخدموا وجهه في حملات إعلانية ضخمة، وأصدروا ألبومات جديدة كان قد سجّلها قبل وفاته. أضيفت إلى ذلك إيرادات أغانيه، التي انتعشت حركة الاستماع إليها تفاعلاً مع وفاته المفاجئة بجرعة زائدة من المهدّئات عن عمر 50 عاماً.

ما يساعد كذلك في تَراكُم ثروات المشاهير بعد وفاتهم، هو ببساطة أنهم ما عادوا هنا ليبذّروها. ووفق «فوربس»، فإنّ جاكسون جمع 3.3 مليار دولار منذ وفاته عام 2009.

الوفاة التراجيدية تضاعف الأرقام

يوم قُتل مغنّي «بيتلز» جون لينون عام 1980، قفز ألبوم الفريق مباشرةً إلى صدارة المبيعات. وهكذا حصل في 1994، بعدما انتحر مغنّي فريق «نيرفانا» كورت كوبين. تكرّر الأمر نفسه عام 2016، بعد وفاة أسطورتَي الموسيقى ديفيد بوي وبرينس.

أدّى مقتل جون لينون عام 1980 إلى قفزة غير مسبوقة في مبيعات ألبومات فريق بيتلز (أ.ب)

يشكّل موت الفنان بحدّ ذاته مناسبةً لزيادة رصيده، بما أن الناس يعودون للاستماع إلى أغانيه أو مشاهدة أفلامه ومسلسلاته، أو قراءة كتبه. يحدث ذلك بوصفه ردّ فعلٍ عفويّاً على الأخبار المواكبة للوفاة، كما أن البحث عن أعماله قد يأتي من باب الفضول لإعادة اكتشافها، أو رغبةً في الحداد عليه. فكيف إذا كانت الشخصية المتوفّاة غير متقدّمة في السن، وكيف إذا حصلت الوفاة بشكلٍ مفاجئ وصادم؟

يلعب هذا النوع من التراجيديا دوراً أساسياً في إعادة الفنان إلى الضوء ومضاعفة مبيعاته، وقد تكرّر هذا السيناريو مع عدد كبير من المشاهير الذين خسروا حياتهم في سن صغيرة. عام 2017، انتحر مغنّي فريق «لينكين بارك» تشستر بينيغتون وكان يبلغ 41 سنة. في الساعات الـ24 التي تلت المأساة، ارتفعت الاستماعات إلى أغاني الفريق على المنصات الموسيقية الرقمية بنسبة 7 آلاف في المائة. وتلك المنصات وحدَها، بما تستقطب من مستخدمين، تشكّل مصدراً أساسياً للإيرادات بالنسبة إلى الفنانين المتوفّين.

مغنّي فريق لينكين بارك تشستر بينينغتون الذي انتحر عن 41 سنة (رويترز)

«النوستالجيا» تدرّ الأموال

من اللافت أنّ بعض متصدّري قائمة الفنانين المتوفّين الأكثر جمعاً للإيرادات، فارقوا هذه الحياة منذ سنواتٍ طويلة. رغم ذلك، فإنهم ما زالوا يحصدون الملايين. يعود الفضل في هذا الأمر إلى موضة «النوستالجيا» التي لا تأفل؛ تشهد عليها مثلاً صور مارلين مونرو التي ما زالت تغزو العالم رغم مرور سنواتٍ طويلة على وفاة صاحبتها. حتى العالِم ألبرت أينشتاين، المتوفّى عام 1955، ما زال يحقق مبيعاتٍ بالملايين بفَضل القمصان والبوسترات التي تحمل صورته الشهيرة وهو يمدّ لسانه.

تنشط شركات تسويق ضخمة في هذا المجال، فتعيد إحياء وجوهٍ غادرت هذا العالم منذ زمن، بما أنّ استحضارها يجذب المستهلك ويدرّ الأموال. لم يَحُل غياب مارلين مونرو دون ظهورها نجمة لإعلان أحد عطور «شانيل»، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى الممثلة الراحلة أودري هيبورن التي سوّقت لشوكولاته «غالاكسي».

لكن يبقى إلفيس بريسلي (1935 – 1977) ملك إيرادات ما بعد الموت، فهو يجمع بثبات 50 مليون دولار سنوياً. أما مصادر تلك الإيرادات، فتتوزّع ما بين حقوق نشر موسيقاه، وعائدات «غريس لاند» منزله المتحف في ممفيس - تينيسي الأميركية، الذي استقبل 600 ألف زائر خلال سنة 2024 وحدها.

الـذكاء الاصطناعي يحيي العظام وهي رميم

يوم نُشر خبر يفيد بعودة جيمس دين إلى الشاشة الكبيرة الصيف الماضي، ظنّ الجميع أنّ في الأمر خطأ ما. ليتّضح لاحقاً أن الممثل الأميركي الذي توفّي عام 1955 عن 24 سنة، عائد فعلاً إلى السينما بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبذلك، يثبت الـAI أو الذكاء الاصطناعي أنه محرّك أساسي في مضاعفة ثروات المشاهير وإحياء عظامهم وهي رميم.

يعود الممثل الراحل جيمس دين قريباً إلى السينما بفضل الذكاء الاصطناعي (إنستغرام)

لم يقتصر الأمر على دين، إذ إنّ ورثة كلٍ من الممثلين الراحلين لورنس أوليفييه وجودي غارلند وبورت رينولدز وقّعوا مع شركة ذكاء اصطناعي متخصصة في استنساخ أصوات المشاهير المتوفّين. وها هي أصوات النجوم الثلاثة تُستخدم في تسجيل الروايات، والمقالات، وغيرها من النصوص.

صراع الورَثة

بما أنّ المشاهير ليسوا هنا للاستفادة ممّا يجنون وهُم موتى، يتصدّر ورثتُهم الأحياء من أقرباء وجمعيّات ومؤسسات إنسانية، قائمة حاصدي الأموال. هؤلاء الورثة هم الزبائن الفعليون لشركات الإعلان والإنتاج، التي يبرمون معها صفقات بواسطة محاميهم، من أجل تسويق صورة الفنان الراحل أو صوته أو أعماله.

يحدث كذلك أن تستحوذ شركة أو متموّل كبير على إرث الفنان أو على جزءٍ منه. هكذا هي الحال مع تَرِكة إلفيس بريسلي، التي اشترى 85 في المائة من حقوقها رجل الأعمال الملياردير روبرت سيلرمان، ليتولّى بذلك إدارة «غريسلاند» وليكون بالتالي في طليعة المستفيدين.

«غريسلاند» أو منزل إلفيس بريسلي الذي تحوّل إلى متحف يدرّ الملايين سنوياً (إنستغرام)

كلّما زادت شهرة الشخصية الراحلة وبالتالي إمكانية جني الأرباح من إرثها، استعرت الصراعات بين الورثة، لا سيّما أن الفنانين معروفون بعدم التخطيط لتوريث ممتلكاتهم. لذلك، فإنّ الكلمة الفصل تبقى في يد المحامين الذين يتولّون تحديد حجم قطَع قالب الحلوى وحصّة كل مستفيد.


مقالات ذات صلة

شجرة تاريخية في بريطانيا تُواجه الفأس

يوميات الشرق لا تستحق تذوُّق الفأس (حملة إنقاذ الشجرة)

شجرة تاريخية في بريطانيا تُواجه الفأس

لطالما كانت جميلة تثير الإعجاب ولا تستحقّ هذه المعاملة. إنها أقدم من المنازل، وأقدم كثيراً من ساحة رَكْن السيارات...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

بعد أن كان نجوم الغناء يُرمَون بالورود خلال حفلاتهم، باتوا يُرشَقون بالأغراض المؤذية التي تنتج عنها إصابات. ما خلفيَّة هذه الظاهرة المستجدة؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق خادم الحرمين الشريفين يفتتح أحد المعارض المقامة في الصالة (أرشيف محمد المنيف)

4 عقود على افتتاح أكبر صالة للفنون التشكيلية في الرياض

أربعون عاماً منذ افتتحت صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون، أول صالة حكومية للفنون التشكيلية، أبوابها في الرياض لاحتضان حركة فنية بدأت تنمو مع رواد الفن السعوديين.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق طرق لندن هي الأكثر ازدحاماً في أوروبا حيث يقضي السائقون في العاصمة ما معدله 101 ساعة في الجلوس في حركة المرور (إ.ب.أ)

لندن تتصدر قائمة أكثر المدن ازدحاماً في أوروبا

تواصل لندن تصدرها لقائمة المدن الأكثر ازدحاماً في أوروبا، حيث يقضي السائقون فيها ما يقارب 101 ساعة سنوياً عالقين في الاختناقات المرورية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

وزارة الثقافة المصرية ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة» لتكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية»، وستشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذين رحلوا العام الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».