مهرجان القاهرة السينمائي انطلق بثبات وموقف

يجسّد صراعاً صامتاً بين حالتين

دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
TT

مهرجان القاهرة السينمائي انطلق بثبات وموقف

دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)
دار الأوبرا المصرية حيث تُقام الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائي (أ.ب)

على الطائرة المتجهة إلى القاهرة من دبي جلس لبنانيان يعملان في شؤون التوزيع والإنتاج في شركتين؛ واحدة تنشط في السعودية، والأخرى مركزها في الإمارات العربية المتحدة.

استمعت إليهما، وقد جاء مقعدي بالقرب منهما، يتحدثان فيما سيقومان به خلال وجودهما في الدورة الخامسة والأربعين لهذا المهرجان السينمائي العريق الذي انطلق عام 1976.

أن يحضر ممثلو شركات إنتاج عربية أو أجنبية ليس وضعاً خاصاً بالنسبة إلى مهرجان القاهرة، لكنه دلالة على اهتمام بعض الشركات العاملة في مجالي الإنتاج والتوزيع بهذا المهرجان؛ لمتابعة أعمال سبق التعاقد عليها (وبعضها إلى العروض قريباً)، أو للتعاقد على مشروعات جديدة.

فن أو تجارة

سألت أحدهما عن ذلك، فأجاب أن شركته توزّع أفلامها العربية، حين إنتاجها، على منصة «أمازون»، إلى جانب ما تعرضه في صالات السينما.

ذكرت له أن ما يُعرض على المنصات وفي صالات السينما من أفلام عربية (مصرية أساساً) في غالبيتها هي كوميدية دون أي مستوى مقبول. اعترف بذلك، لكنه أضاف: «أتوقع نهضة جديدة للسينما المصرية في المستقبل القريب. لن يبقى الحال على ما هو عليه الآن. السينما المصرية ستعود بقوة خلال العام المقبل».

هذا ممكن بالطبع، فالسينما المصرية سبق لها أن مرّت بأزمات سادت فيها ركاكة المُنتَج من الأفلام، ثم خرجت منها دون أن تطيح جانباً بما اعتادت عليه، بسبب جمهور محلي يقبل عليها بكثافة. لكن الواقع على شاشات صالات السينما في الإمارات، على سبيل المثال، يُشير إلى أن هذه الأفلام السريعة صنعاً تمر في صالات السينما دون القدرة على المكوث لأكثر من أسبوعين. بعض الأفلام أخفقت في أسبوع واحد.

إنه صراع دائم بين نوعَين من السينما: واحد طموح للتحليق فنياً، وآخر يسعى دوماً «لِدوْبَلة» تكلفته ومضاعفة أرباحه بالبقاء في طي الأعمال ذات الهدف التجاري المحض. النوع الأول دائماً متراجع في رقعة التجارة، لكنه كان حتى نهاية الثمانينات حاضراً بتعدد؛ بفضل مخرجين من أمثال عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد وهالة خليل ورضوان الكاشف من بين آخرين. لاحقاً اقتصرت هذه المحاولات على عدد أقل وإنتاجات متباعدة.

هذا الصراع الصامت بين طموح وواقع يوظّفه مهرجان القاهرة السينمائي؛ لأنه في المقام الأول يقدّم عروضاً لأفلام فنية غير جماهيرية، لكنه إذ بات يستقبل منتجين وموزعي أفلام من خارج مصر فإن الوضع الناتج ربما يفيد في تليين موقف هؤلاء تجاه الفيلم الفني واعتماده في برامج عروضهم المقبلة.

المسألة لن تكون سهلة، لكن إذا ما كان الفيلم المصري المصنوع للجمهور يخفق في البقاء في دور السينما لأكثر من أسبوع أو اثنين، فإنه من المحتمل أن يتيح المنتجون للأفلام البديلة عروضاً مستحقة.

استقطاب لموقف

انطلق المهرجان كما خُطط له أن ينطلق: حفل افتتاح حافل، ثم عروض متوالية في اليوم التالي. مواقف مؤيدة لرئيس المهرجان حسين فهمي الذي أعلن رفضه لدعم الشركات «الموجودة على قائمة المقاطعة» التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة ولبنان.

هذا القرار، بالإضافة إلى عرض فولكلوري فلسطيني يوم الافتتاح، قُصد به تأكيد حق المهرجان في اتخاذ مواقف سياسية، «كما حال المهرجانات الأوروبية»، كما قال.

عرض لفرقة فلسطينية في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (رويترز)

استقبال الإعلام المصري هذا القرار كان إيجابياً، خصوصاً أن موقف الدولة المصرية يلتقي مع موقف الرأي العام في رفض هذا العدوان المستمر، والدعوة إلى سلام شامل يضمن حق الفلسطينيين في دولة لهم.

بعيداً عن السياسة، هناك الكثير مما يعرضه المهرجان في برامجه. وأحد هذه البرامج «آفاق السينما العربية» الذي تزوّد بأربعة عشر فيلماً هذا العام، أي بزيادة ملموسة عن الأعوام السابقة.

«ثقوب»

الفيلم الذي اُختير لافتتاح هذا البرنامج هو «ثقوب» للمخرج السعودي عبد الله الضبعان. الصالة كانت شبه ممتلئة وأقل من ذلك عند انتهاء العرض، نظراً إلى مناطق ضعف في الفيلم، ليست ناتجة عن غياب الطموح والقدرات، بل عن الكيفية التي صاغ فيها المخرج السيناريو، متوقعاً وصول رموزه ومواقفه كما كتبها. هذا لم يحدث على النحو المنشود، بل ترك في التنفيذ مسائل غير محلولة ومنهج عمل يدفع صوب أهمية المطروح بيد، ويمنع تطويره من دون قصد باليد الأخرى.

«ثقوب» دراما عائلية كما كان حال فيلم الضبعان الأول (والأفضل) «آخر زيارة». قصة شقيقين تباعدا منذ سنوات، وانقطعت علاقة كل منهما بالآخر. يلقي الفيلم اللوم عليهما معاً، ويدفع بهما إلى مواجهة جديدة عندما تدخل والدتهما المستشفى على أثر حادثة سطو لا نراها. كان من الأفضل لو أنها عُرضت للمشاهد، لكن تغييب الحادثة ليس هو المشكلة الوحيدة هنا إنما افتقار الفيلم إلى أسلوب سردي يُثير الاهتمام.

لقطة من الفيلم السعودي «ثقوب»

في فيلمه السابق، تعامل المخرج مع خلاف بين أب وابنه في سياق تتابعي جيد. ولكن في «ثقوب» يدخل على الخط أكثر من فكرة تبدو في غير مكانها أو بكلمات أخرى غير متسلسلة، بما يضمن دفع الرتابة بعيداً. الحوار بدوره يعاني من جمود (تمر أحياناً عشر ثوانٍ من الصمت بين ممثلين يتبادلان الحديث).

كما في فيلمه السابق، يغشي المخرج بعض المشاهد فلا تظهر الملامح واضحة. تفعيل جيد لمعانٍ ضبابية مقصودة. ما لا ينجح على القدر ذاته أسلوب التداخل البطيء بين نهاية مشهد وآخر. هذا يتكرر من دون أن يترك دلالات واضحة.


مقالات ذات صلة

الفيلم السعودي «ثقوب» يفتتح مسابقة آفاق عربية بـ«القاهرة السينمائي»

يوميات الشرق فيلم «ثقوب» يدور حول قضايا اجتماعية متنوعة (مهرجان القاهرة السينمائي)

الفيلم السعودي «ثقوب» يفتتح مسابقة آفاق عربية بـ«القاهرة السينمائي»

افتتح الفيلم السعودي «ثقوب» مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45، بحضور صنّاع العمل.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق المخرج المصري خيري بشارة يتحدث عن مشواره الفني (إدارة مهرجان القاهرة السينمائي)

خيري بشارة: قسوت على أحمد زكي... و«كابوريا» نقطة تحول

أكد المخرج المصري خيري بشارة أنه يرفض تصنيف أفلامه لأن التصنيف يسجن أفكاره، خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق تكريم المخرج يسري نصر الله في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يطلق «دورة التحدي» ويدعم فلسطين ولبنان

يسعى مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45 التي انطلقت، الأربعاء، بدار الأوبرا المصرية، وتستمر حتى 22 نوفمبر الحالي، لتعويض غيابه العام الماضي.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق النسخة الأولى من الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان) الذي نظمته هيئة التراث العام الماضي (واس)

حرفيون من 25 دولة يشاركون في ملتقى «الحرف اليدوية» بالرياض

في حدث يعكس اهتماماً بالتراث ومكوناته، يشارك حرفيون من مختلف دول العالم في النسخة الثانية من الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق جانب من المؤتمر الصحافي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نسخته الرابعة بحلة جديدة تحت شعار «للسينما بيت جديد» من قلب مقره الجديد في المنطقة التاريخية بمدينة جدة.

سعيد الأبيض (جدة)

إيفان كركلا: لبنان لا يموت وهو حاضر أبداً بمبدعيه وتاريخه

إيفان كركلا يُهدي رئيس أكاديمية الرقص في بكين كتاباً عن مهرجانات بعلبك (فرقة كركلا)
إيفان كركلا يُهدي رئيس أكاديمية الرقص في بكين كتاباً عن مهرجانات بعلبك (فرقة كركلا)
TT

إيفان كركلا: لبنان لا يموت وهو حاضر أبداً بمبدعيه وتاريخه

إيفان كركلا يُهدي رئيس أكاديمية الرقص في بكين كتاباً عن مهرجانات بعلبك (فرقة كركلا)
إيفان كركلا يُهدي رئيس أكاديمية الرقص في بكين كتاباً عن مهرجانات بعلبك (فرقة كركلا)

تتوطَّد العلاقات بين «مسرح كركلا» وبعض المراكز الثقافية الصينية الكبرى، رغم الحرب الدائرة على لبنان. حصل ذلك على هامش أعمال «منتدى بكين للفنون المسرحية» في «المركز الوطني للفنون المسرحية في بكين» (NCPA)، أحد أبرز دُور الأوبرا في العالم، بمبادرة أطلقتها وزارة الثقافة الصينية.

إيفان كركلا خلال انعقاد المؤتمر (فرقة كركلا)

حضر المنتدى نحو 300 ممثل عن 60 مؤسّسة فنّية مسرحية عالمية، من 30 دولة عبر 6 قارات، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وغيرها. ومن الدول العربية عمان، ولبنان الذي مثَّله المخرج إيفان كركلا. ونوقشت موضوعات مثل تنمية مواهب الأجيال الصاعدة، ونشر الفنون لتنمية جمهور مقدِّر للفنّ، بالإضافة إلى إدارة العمليات والاستدامة في الإنتاج الإبداعي.

وهذه هي المرة الثانية على التوالي التي يُدعى فيها المخرج إيفان كركلا إلى هذا المنتدى العالمي، بعد إدراج «مسرح كركلا» عضواً في «جمعية العالم للفنون المسرحية» (WAPA)؛ نظراً لإنجازاته الثقافية وسُمعته العالمية، ولكونه مؤسّسة فنّية وتعليمية رائدة في العالم العربي.

في هذا السياق، رحَّب وانغ نينغ، رئيس المركز الوطني للفنون المسرحية (NCPA)، بإيفان كركلا، ووقَّع معه اتفاقية تفاهم لتطوير الإنتاجات الفنّية، والتبادل الثقافي مع «مسرح كركلا»، وتعزيز العلاقات الثقافية بين الصين ولبنان. كما دُعي إيفان كركلا لإلقاء كلمة رئيسية تحدَّث فيها عن مسرحه وأهمية الاستدامة في الإنتاج الفنّي.

وعبّر، في كلمته، عن سروره البالغ بالعودة إلى بكين، من خلال «المنتدى الثقافي العالمي»، الذي يجمع نخباً ثقافية من العالم، تتشارك أفكارها وتجاربها، بهدف التطوّر؛ ليس فقط في المجال الفنّي، أو على مستوى المؤسّسات، وإنما أيضاً على مستوى الأفراد والقادة في المجالات المختلفة؛ لصنع غدٍ أفضل للأجيال المقبلة.

وأشار كركلا إلى أنّ «الفنّ هو المقياس الحقيقي لتقدُّم المجتمع ورُقيّه، على مرّ التاريخ، حيث يظل تألق الفنانين خالداً، وهم يتركون إرثاً دائماً يُشكّل الثقافة الإنسانية ويُلهم الأجيال المقبلة. كما أنّ الفن يمتلك قوة فريدة في توحيد الناس عبر الحدود، مما يخلق شعوراً بالانتماء يتجاوز المكان والزمان».

وختم: «نركز على دور الإنتاجات الفنّية؛ ليس فقط وسيلةً للإبداع، وإنما أيضاً أداةً اجتماعيةً قويةً يمكنها دعم قضايا المجتمع والبيئة والثقافة، مع تعزيز الوعي بأهمية الاستدامة».

كركلا خلال لقاءاته في أكاديمية الرقص ببكين (فرقة كركلا)

ودُعي كركلا أيضاً لزيارة رئيس «أكاديمية بكين للرقص»، الذي طلب من «مسرح كركلا» أن يكون جزءاً من «تحالف التعليم العالمي للرقص» (WDEA)، الذي يجمع بين أفضل 70 مؤسّسة تعليمية للرقص من جميع أنحاء العالم؛ وذلك بهدف تعزيز تعليم الرقص عالمياً والتنوّع الثقافي.

وعلى مر السنوات الماضية، قدَّم «مسرح كركلا» عروضه بالصين، في مناسبات عدّة، خصوصاً في «المركز الوطني للفنون المسرحية»، حيث قدَّم عرضَي «ألف ليلة وليلة» و«طريق الحرير». وبنى إيفان كركلا علاقات فنّية وثقافية قوية في الصين، وأجرى إنتاجات مشتركة مع مؤسّسات وفرق فنية وراقصين صينيين.

إنجازات طيبة لفرقة لبنانية في هذا الوقت الأليم... لهذا علّق كركلا: «كم كنت فخوراً بأنني حقّقت، من خلال هذا التلاقي العالمي، حضورَ لبنان وسُمعته الحضارية التي هو بأمسّ الحاجة إليها اليوم، لنذكّر العالم بأنه لا يموت، مهما اشتدَّت عليه الصعاب. هو حاضر أبداً بمبدعيه وتاريخه العريق».