وائل أبو منصور: شخصيات «صيفي» رمادية... في أواخر تسعينات جدة

الفيلم السعودي الوحيد المشارك في مسابقة مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»

المخرج وائل أبو منصور في أثناء تصوير فيلم صيفي (خاص الشرق الأوسط)
المخرج وائل أبو منصور في أثناء تصوير فيلم صيفي (خاص الشرق الأوسط)
TT

وائل أبو منصور: شخصيات «صيفي» رمادية... في أواخر تسعينات جدة

المخرج وائل أبو منصور في أثناء تصوير فيلم صيفي (خاص الشرق الأوسط)
المخرج وائل أبو منصور في أثناء تصوير فيلم صيفي (خاص الشرق الأوسط)

في أواخر تسعينات القرن الماضي، راج الكثير من القضايا في السعودية حول مفهوم العمل الخيري وجدوى العلاج بالطاقة ومحتوى أشرطة الكاسيت، مما يجعلها حقبة غنيّة فكرياً، الأمر الذي جذب المخرج والكاتب السعودي وائل أبو منصور لتوظيف هذه الأفكار في فيلمه الجديد «صيفي»، وهو الفيلم السعودي الوحيد المشارك في مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بحسب إعلان المهرجان، للدورة الجديدة المنتظر عقدها بجدة، خلال الفترة من 5 وحتى 14 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

في حديث له مع الـ«الشرق الأوسط» قال أبو منصور إن «فيلم (صيفي) يتحرك بمنطقة واقعية تحمل معها نوعاً من الفانتازيا»، وبسؤاله عما إذا كانت خلفيته الصحافية قد فرضت نفسها في تقديم القضايا الفكرية المطروحة في الفيلم، أجاب: «ربما حدث ذلك بشكل لا شعوري، فلقد أردت أن أسلط الضوء على حقبة زمنية قريبة وغنية بالأفكار، وإظهار المجتمع آنذاك من خلال أكثر من زاوية». مؤكداً أن استدعاء عصر شريط الكاسيت ليس من باب التلذذ بالنوستالجيا، ولكن بوصفه نقطة زمنية فاصلة في رحلة الصراع الاجتماعي.

ويتابع أبو منصور: «الفيلم لا يحاول الانتقام لمرحلة فكرية معينة، أو التداخل بشكل جدلي مع أي فكرة أو آيديولوجيا ما، لكنه يتطرق لمرحلة كانت تضم أكثر من توجه، من خلال 5 شخصيات مختلفة في الفيلم، وذلك من غير إدانة لطرف على حساب آخر، ومن هنا قد يشعر المشاهد أن الكل مُدان بشكل أو بآخر... فلا توجد شخصية بيضاء أو سوداء، بل كلها شخصيات رمادية تحاول انتزاع مكانها بطريقة ما، لكن الارتباك يخيم عليها، بمن في ذلك رجل الأعمال الذي يستغل نفوذه للحفاظ على صورته الاجتماعية، ورجل الدين الذي يحاول الوصول إلى أهدافه الدنيوية، والرجل الفقير الذي يبحث عن الثراء، والبقية... كلهم معجونون في قصة واحدة».

يتخذ الفيلم من مدينة جدة موقعاً له ويُظهر شوارعها وأحياءها برؤية سينمائية جديدة (خاص الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث الفيلم حول الأربعيني صيفي محمد (أسامة القس)، الذي يعيش خلال فترة التسعينات وهم الثراء السريع، متمسكاً بفرقته الشعبية في إحياء الأفراح الجماعية بمساعدة رفيقه زرياب (براء عالم)، ومتجره «شريط الكون» الذي يبيع أشرطة كاسيت متنوعة، وخاصة الأشرطة ذات الطابع الديني والخطب الممنوعة التي يوفرها له المهدي (حسام الحارثي)، المستشار الديني لرجل الأعمال وصاحب الأعمال الخيرية الشيخ أسعد أمان (أحمد يماني).

وبعد حياة مليئة بالتجارب الفاشلة، يجد صيفي شريطاً يحتوي على تسجيل خاص يجمع الشيخ أسعد والمهدي؛ كفيلاً بتدمير مكانة الشيخ أسعد الاجتماعية. ويدخل صيفي في مغامرة خطيرة لابتزاز المهدي مالياً وهو المؤتمن على أسرار وأعمال الشيخ أسعد الخيرية، مما يضطره للهرب والاختباء عند طليقته رابعة (عائشة كاي) الشغوفة بجلسات تطوير الذات والاستشفاء بالطاقة، بمعاونة أختها رابية (نور الخضراء)، وبعدها تتفاقم الأزمات في وجه الجميع.

يتناول الفيلم وهم البحث عن الثراء السريع في قالب مليء بالقضايا الفكرية (خاص الشرق الأوسط)

بين الفني والجماهيري

يقول أبو منصور: «في صناعة أي فيلم، يعلو دائماً السؤال عن الفيلم الفني في مواجهة الفيلم الجماهيري، وبغض النظر عن هذا التضاد، يظل هاجس كل صانع فيلم أن يصل إلى إرضاء أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، وهذا ما نسعى إليه في الفيلم». وأضاف: «إذا تجاوزنا هذه القشرة الخارجية، نكتشف مع توالي خيبات البطل، عن حاجته الدفينة الضاغطة التي تحثه على استعادة كرامته المستهلكة في علاقاته بمن حوله، بالإضافة إلى الكرامة المهدرة عاطفياً المتمثلة في صورته بوصفه رجلاً أمام طليقته المستقلة (عائشة كاي)، وبسبب هذه الخيبات يصبح الهرب إلى الأمام وانتظار لحظة الانتقام هما الحل للمحافظة على البقاء!».

الممثلة نور الخضراء في مشهد من الفيلم (خاص الشرق الأوسط)

واقعية التسعينات

ويؤكد أبو منصور أن هذا التركيب على مستوى شخصية البطل، إضافة إلى الشخصيات الرئيسية الأخرى، مما دفعه للتركيز على أداء الطاقم التمثيلي بصفته من الركائز الرئيسية في الرؤية الفنية للفيلم. الأمر الذي يتطلب تعاوناً مكثفاً وحواراً مستمراً بين المخرج وطاقم التمثيل للخروج معاً بأداء يمثل الشخصية. وأردف قائلاًَ: «الأداء المقنع ليس الذي يحقق الواقعية المطلوبة للشخصيات ضمن القصة وحسب، وإنما أيضاً الذي يستطيع تكثيف جانب التعاطف مع الشخصيات لفهم دوافعها قبل الحكم عليها بالسلب أو الإيجاب».

ويرى أن الواقعية التي طغت على التفاصيل الدرامية للفيلم، أثرت على الكوميديا وصبغتها باللون الأسود الساخر الذي يقوم على عبثية الموقف، ما يترك الجمهور حائراً بين الجد والهزل. مضيفاً: «عملنا باجتهاد لتقديم مشاهد واقعية تجسد تلك الفترة، كما حرصنا على سرد أحداث الفيلم دون افتعال بصري لا تتطلبه القصة، إضافة إلى ذلك قمنا بتنسيق الديكور، والأزياء، والموسيقى، لنضمن انغماس المشاهد لاشعورياً مع تلك الحقبة الزمنية دون التزام صارم بالدقة التاريخية».

الممثلة السعودية عائشة كاي تؤدي دور عالمة الطاقة رابعة في الفيلم (خاص الشرق الأوسط)

«شريط الكون»

وحرص أبو منصور على أن يتضمن الفيلم عدداً من الأماكن اللافتة، وعلى رأسها متجر «شريط الكون» لبيع أشرطة الكاسيت، وأن يكون المتجر أيقونياً وواقعياً في آن واحد، لذلك عمل مع فريق الآرت بقيادة مصممة الإنتاج، داريا ساليكول، والمنتجة الفنية، آية سلامة، على بناء تصور حقيقي للمتجر، واعتمد الفريق على البحث الدقيق وزيارة محلات الكاسيت المتبقية، والتحدث مع ملاكها عن كيفية تنسيق المحل، لإضافة المصداقية والأصالة للمتجر.

تجدر الإشارة إلى أن وائل أبو منصور، كاتب ومخرج سعودي، يعمل رئيس استوديوهات «تلفاز 11»، ويتميز أسلوبه السردي بالمزج ما بين الواقعية والمحلية والفانتازيا. وقدم قبل فيلم «صيفي» فيلمه الطويل الأول «مدينة الملاهي» في عام 2020، إلى جانب الفيلم الوثائقي «مزمرجي» 2017 وبدأ حياته المهنية صحافياً ميدانياً، وعمل في مؤسسات مرموقة؛ مثل جريدتي «الوطن»، و«الشرق الأوسط»، ومتعاوناً مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، وهذه الخلفية الصحافية أثرت بشكل كبير في رؤيته الإبداعية، مضيفة أبعاداً أعمق لأعماله السينمائية.


مقالات ذات صلة

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي خلال مباحثاته مع نظيره البريطاني جون هيلي في الرياض (واس)

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره البريطاني جون هيلي، الخميس، الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها عسكرياً ودفاعياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد.

إبراهيم القرشي (جدة)
الخليج أكدت وزارة الداخلية السعودية أن الجهات الأمنية ستتصدى لكل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد واستقرارها (الشرق الأوسط)

السعودية تضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات تضم 9 مواطنين

تمكنت وزارة الداخلية السعودية من كشف وضبط شبكة إجرامية تمتهن تهريب المخدرات من خارج المملكة، حيث تم القبض على 9 مواطنين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال إلقائه كلمته في الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية (واس)

اتفاقية تعاون سعودية ـ مغربية متعددة المجالات

أبرمت السعودية والمغرب اتفاقية للتعاون في عدد من المجالات التي تجمع وزارتي «الداخلية السعودية» و«العدل المغربية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«عريسين مدري من وين» استعادة الابتسامة في زمن لبنان - الحرب

الكاتب الراحل مروان نجار (زياد نجار)
الكاتب الراحل مروان نجار (زياد نجار)
TT

«عريسين مدري من وين» استعادة الابتسامة في زمن لبنان - الحرب

الكاتب الراحل مروان نجار (زياد نجار)
الكاتب الراحل مروان نجار (زياد نجار)

الدعوة مفتوحة لمشاهدة مسرحية «عريسين مدري من وين» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، على مسرح «مونو» في العاصمة اللبنانية بيروت، وباستطاعة كلّ مَن يرغب في استعادة الابتسامة في زمن الحرب، أن يُتابعها ضمن عرض مصوّر. وبذلك سيتسنّى للبنانيين مشاهدة واحد من أجمل أعمال مسرح الفودفيل الذي اشتهر به الكاتب الراحل مروان نجار.

يحضّر زياد نجار لسلسلة عروض مسرحية (زياد نجار)

عائلة الكاتب المسرحي الراحل رغبت في هذه الخطوة من باب تحريك عروض المسرح في زمن الحرب. واليوم بعد مرور نحو 40 عاماً على عرضها الأول تعود إلى الحياة. ويعلّق زياد مروان نجار لـ«الشرق الأوسط»: «راودتنا الفكرة أثناء أحد الاجتماعات التي عقدناها في مسرح (مونو)، وكانت لقاءاتنا تهدف إلى إيجاد حلول لإعادة الحركة إلى خشبة بيروت. وعندما اقترحت علينا جوزيان بولس عرضها وافقت عائلتي على الفور».

سبق وفكّر الكاتب والممثل والمخرج المسرحي زياد نجار في إعادة عرض هذه المسرحية على الخشبة مع شخصياتها. وجاءت الحرب لتلغي مشروعات مسرحية عدة كان ينوي تقديمها. ومع غياب ميزانية ودعم مطلوبين لتقديم مسرحية كاملة حالياً، وجد نجار أن عرضها مصوّرة فكرة جيّدة.

عُرضت هذه المسرحية لأول مرة في عام 1986، ومرة ثانية في عام 2000 على مسرح جورج الخامس في منطقة أدونيس. وهي تحكي عن شابين يقعان في حبّ فتاتين ابنتي رجل محافظ جداً وقاسٍ، فقررا أن يتحولا إلى عاملين في منزلهما كي يستطيعا التقرّب منهما. وبذلك تحوّلا إلى جنايني وعامل منزل، فيواجهان مواقف طريفة ومربكة تحضّ مشاهد العمل على الضحك طوال عرض المسرحية.

زياد نجار في مسرحيته «وعيتي؟»

من المسرحيات التي خطر على بال زياد تقديمها من جديد «فارس والصبايا» و«سولد» و«وين بدو يروح». وعندما بحث عن العمل الذي صُوّر بالجودة المطلوبة وقع خياره على «عريسين مدري من وين». «إنها من الأقدم التي كتبها والدي الراحل مروان نجار. وكانت محطة (إل بي سي آي) قد تسلّمت حينها مهام تصويرها، فجاءت النتيجة جيدة في الصورة والصوت. كنت أرغب في إضافة ترجمة مكتوبة على شريط العمل، ولكن لضيق الوقت لم أنفّذ هذا الأمر».

يشير زياد نجار إلى أن مَن يشاهد «عريسين مدري من وين» يخيّل إليه أنها تتناول أوضاعنا اليوم. ويوضح: «التاريخ يعيد نفسه في لبنان. ولذلك نلاحظ أن جميع أعمالنا المسرحية تحظى بهذه الميزة. فكأنها كُتبت للتو لتتناول هواجس ومشكلات نعيشها حالياً».

في أمسية العرض في 15 الحالي في مسرح «مونو» يحضر بعض من أبطالها. «سيلتقي المشاهد بجورج دياب وديانا إبراهيم وروز الخولي. في حين سيغيب طوني مهنا أحد نجومها البارزين بداعي هجرته إلى أميركا، أمّا الممثل جوزيف سعيد فلن يكون حاضراً بسبب المرض».

بطلا «عريسين مدري من وين» طوني مهنا وجورج دياب (زياد نجار)

يؤكّد زياد نجار أن المسرحية ستروق لجيل الشباب كما لجيلٍ سبق وشاهدها في الثمانينات والألفية الثانية. «لو تسنّى لي إجراء تغييرات، لكنت استغنيت عن تلوين وجهَي نجماها بالأسود. يومها كانا يجسّدان دور عاملين منزليين من التابعية السريلانكية. اليوم قد ينتقد كثيرون هذه المشهدية ويضعونها في خانة العنصرية. ولذلك يمكنني أن أختار شخصين من جنسيات أخرى».

يرى نجار في عرض هذا العمل بمثابة فترة استراحة بالنسبة لرواد المسرح في زمن الحرب. «اللبناني يحتاج اليوم لابتسامة أكثر من أي وقت مضى. وبفعل ضغوط حياتية واجتماعية كثيرة سيجد كثيرون فيها فسحة ترفيهية».

يُستهلّ العرض بكلمة مختصرة يلقيها زياد أمام الحضور. وفي نهايته يُناقش العمل مع مَن يهمه الأمر من الجمهور.

وعن دور المسرح في زمن قاتم يعيشه اللبناني، يردّ زياد نجار: «يمكن القول إن المسرح هو من الفسحات المطلوبة في أزمنة الحرب. فيشكّل حاجة أساسية ومتنفساً لمجتمع ينوء تحت تراكمات من الهموم والشجون والحزن. وما نقوم به من نشاطات مماثلة هو لإخراج اللبناني من قوقعته. واستطاعت جوزيان بولس مديرة مسرح (مونو) بأن تُخرج المسرح من عزلته بفضل هذا النوع من الأعمال».

«عذرنا يا وطن» حوار يديره النجار على مسرح «مونو»

بعد عرض «عريسين مدري من وين» يحضّر زياد نجار لعمل مسرحي جديد. ويتابع: «في 19 نوفمبر سأقدم عملاً بعنوان (عذرنا يا وطن) على مسرح (مونو). وهو كناية عن حوار يديره زياد مع ضيوفه، وهم مجموعة ممثلين ومخرجين، هم فؤاد يمين وأنجو ريحان وهادي زكاك.

ويوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن موضوعه يتعلّق بالنشيد الوطني اللبناني. «فنقف على مدى تطبيق اللبنانيين كلماته بالفعل وليس بالاسم فقط. فمن الضروري أن نتذكّر اليوم هذا النشيد ومعانيه الحقيقية».

ومن ناحية أخرى، أنهى زياد نجار التحضير لعملين مسرحيين جديدين. «إنهما شبه جاهزين، وسنختار الوقت المناسب لعرضهما. فالمسرح قبل الأحداث الأخيرة كان في نهضة ملحوظة؛ ولذلك علينا أن نبقيه نابضاً بأعمال ونشاطات مختلفة».