السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

«الوباء الصامت» يكلف الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار

الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)
الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع رفيع المستوى حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد، متوقعاً أن يقلل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 4 في المائة بحلول عام 2050، فيما يكلف الاقتصاد العالمي قرابة 100 تريليون دولار، ما يدفع إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي للالتزام بمنهجية موحدة.

وانطلقت أعمال المؤتمر الوزاري، الخميس، برعاية وزارة الصحة السعودية، بالشراكة مع هيئة الصحة العامة (وقاية)، في محافظة جدة، الخميس، ويمتد لـ3 أيام، ويجمع 48 وزيراً ونائب وزير من قطاعات الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم، يمثلون 57 دولة عضواً، إضافة إلى 450 مشاركاً من منظمات الأمم المتحدة.

يشكل المؤتمر خطوةً لتعزيز الجهود الدولية لمواجهة التحديات المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات (واس)

دعوة للالتزام بخريطة طريق موحدة

وأشار فهد الجلاجل، وزير الصحة السعودي، إلى أن المؤتمر الوزاري فرصة للمجتمع الدولي للالتزام بخريطة طريق موحدة ومجموعة من النتائج الواضحة التي ستساعد على التصدي لتزايد مقاومة الأدوية في البشر والحيوانات، وأن مقاومة مضادات الميكروبات تشكل تهديداً لجميع الفئات العمرية، لتأثيرها على صحة الإنسان والحيوان والنبات، وكذلك البيئة والأمن الغذائي.

وشدّد الجلاجل على ضرورة تبني نهج شامل يعالج التحديات التي تعيق التقدم بشكل منهجي، يتضمن ذلك تبادل أفضل الممارسات، والمبادرات التمويلية المبتكرة، وتطوير أدوات جديدة لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، مشيراً إلى أن الاجتماع يُعد فرصة حيوية لتعزيز استجابتنا العالمية الجماعية لمخاطر هذا «الوباء الصامت» المتزايد.

من جهته، أكد الدكتور عبد العزيز الرميح، نائب وزير الصحة السعودي، على أهمية المؤتمر الوزاري، معتبراً «أن تنظيمه يدخل ضمن جهود السعودية في المجال الصحي على الصُّعد المحلية والإقليمية والدولية، وما تبذله من جهود لمواجهة التحديات العالمية الكبرى الحالية والمستقبلية، في ضوء (رؤية السعودية 2030)».

وشكرت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، في كلمة لها، السعودية على تنظيم هذا المؤتمر الوزاري للمرة الرابعة، مشددةً على أهمية التعاون بين مختلف الدول والمنظمات الدولية للحدِّ من مقاومة مضادات الميكروبات.

جانب من جلسات النقاش التي عُقدت تزامناً مع انطلاقة المؤتمر العالمي في جدة الخميس (الشرق الأوسط)

نحو منهجية موحدة

من جانبه، قال الدكتور هاني جوخدار، وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «السعودية استشعرت هذا الموضوع مبكراً منذ عام 2015، وشكّلت لجاناً في القطاع الصحي تعنى بمكافحة هذه الجراثيم والعمل على تقليل أثرها في المنشآت الصحية»، لافتاً أن الموضوع دخل بشكل رسمي على طاولة مجموعة العشرين في 2017، وخلال رئاسة السعودية في 2020 استمرت في الحفاظ على هذا الملف المهم، رغم وجود جائحة «كورونا»، وخلال السنوات الـ7 الماضية، تم بناء منظومة وقّعت عليها الدول لوضع منهجية موحدة.

وأكد أن السعودية تتبنى اليوم تنفيذ هذه المنهجية، التي تعمل على الدفع بها لمرحلة أخرى، تتمثل في تنفيذها، وأن يكون ذلك على مستوى العالم، للخروج بحلول جذرية لمقاومة هذه الجراثيم.

وأضاف جوخدار: «السعودية لديها خبره كبيرة جداً، وهي إحدى الدول الرائدة في التحديات الصحية، بما فيها التحدي الصحي الأهم خلال الأعوام الماضية، وهي الفيروسات والجراثيم... والبكتيريا المقاومة للمضادات هو مصطلح قديم، كان يقتصر سابقاً على القطاع الصحي في المستشفيات والممارسين، وخلال الأعوام الـ10 الماضية دخل في مرحلة أخرى، إذ وضع على الطاولة الدبلوماسية، وأصبحت الدول تنظر له كموضوع اقتصادي كبير قد يؤثر على صحة الإنسان، ويؤدي إلى الوفيات المبكرة بسبب الجراثيم المقاومة للمضادات».

وأشار إلى أن «السعودية تستقبل على مدار العام القادمين من جميع دول العالم من مختلف الفئات والجنسيات، وكما هو معروف علمياً فإن الحركة البشرية من جميع أقطار العالم تحرك الجراثيم وتنقلها بين الدول، وقد نجحت السعودية منذ عقود طويلة في ألا تكون في يوم من الأيام مصدراً لهذه الجراثيم».

وعن مخرجات المؤتمر المنتظرة، قال الدكتور جوخدار لـ«الشرق الأوسط»: «السنوات الـ7 الماضية استغرقت وضع المنهجية، واختتم وضع المنهجية في عُمان 2022، واليوم سنفعّل هذه المنهجية».

المؤتمر يجمع 48 وزيراً ونائب وزير من قطاعات الصحة والبيئة والزراعة من مختلف دول العالم (واس)

تعزيز الجهود

ويشكل المؤتمر خطوةً لتعزيز الجهود الدولية لمواجهة التحديات المتفاقمة المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات، التي باتت تهدد الصحة العالمية، كونها واحدة من أكبر التهديدات للصحة العامة والتنمية على مستوى العالم، إذ تتسبب في وفاة أكثر من مليون حالة سنوياً، أكثر من الإيدز والملاريا مجتمعين، كما تسهم في وفاة 5 ملايين شخص إضافي سنوياً، إلى جانب التأثيرات الصحية المختلفة، التي تجب مواجهتها بشكل جماعي من مختلف دول العالم.

ويعوّل المؤتمر المقام تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ... تسريع الإجراءات من خلال الشراكات متعددة القطاعات للحدّ من مقاومة مضادات الميكروبات» على تسريع العمل من خلال الشراكات متعددة القطاعات لاحتواء مقاومة مضادات الميكروبات، من خلال الاجتماعات التي ستتناول الأولويات، ومنها المراقبة والإشراف، وبناء القدرات، وتوفير التمويل، والحوكمة، والابتكار، والبحث والتطوير، ما يعكس التزام السعودية بتعزيز التعاون الدولي، ومواجهة التحديات الصحية العالمية، وتأكيد دورها القيادي في دعم الأمن الصحي العالمي.

اجتماع جدة

إلى ذلك، قال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إن مقاومة مضادات الميكروبات ليست خطراً مستقبلياً، بل هي موجودة الآن، ما يجعل كثيراً من المضادات الحيوية والأدوية الأخرى التي نعتمد عليها أقل فاعلية، ويجعل العدوى الروتينية أكثر صعوبة في العلاج، وقد تكون مميتة، مشيداً بقيادة السعودية لاستضافة هذا المؤتمر الوزاري المهم حول مقاومة مضادات الميكروبات، مشيراً إلى أن اجتماع جدة سيساعد على تنسيق الجهود العالمية عبر أنظمة بيئية متنوعة، بما في ذلك الصحة البشرية والحيوانية والزراعية، إضافة إلى حماية البيئة.

بدورها، بيّنت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن البيئة تقوم بدور رئيسي في ظهور وانتقال وانتشار مقاومة مضادات الميكروبات، للحدّ من عبء مقاومة مضادات الميكروبات ومخاطرها، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية البيئة، مشيرة إلى أهمية تكاتف جميع الجهات المعنية، وتوسيع نطاق الإجراءات الوقائية لتقليل النفايات والمخلفات الناتجة عن إنتاج الأدوية والصناعات الغذائية والرعاية الصحية والنظم البلدية.

وشهد اليوم الأول عدة جلسات، إذ ناقشت الجلسة الأولى التقدُّم الذي جرى إحرازه في مكافحة الأدوية المضادة للميكروبات في عام 2024، والتحديات مثل التمويل ووضع الخطط للبناء عليها لدعم الدول لتنفيذ صحة واحدة، مجمعين على ضرورة التعاون بين جميع الدول ومنظمة الصحة العالمية وكل المنظمات، مع زيادة الوعي بين الجمهور، فيما تناولت الجلسة التالية قوة التعاون المتعدد القطاعات في احتواء مقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 و2050 وما بعدهما.


مقالات ذات صلة

السفير الإيراني: علاقاتنا مع السعودية تنمو بخطوات مدروسة

خاص ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي خلال استقباله نائب الرئيس الإيراني في الرياض (واس)

السفير الإيراني: علاقاتنا مع السعودية تنمو بخطوات مدروسة

قال مسؤول إيراني إن العلاقات مع السعودية تسير وفق خطوات مدروسة، مشيراً إلى أن التعاون بين البلدين وما يمتلكانه من موارد طبيعية وبشرية وغيرها يساهم بشكل…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله أنجي موتشيكجا في الرياض الثلاثاء (واس)

مباحثات سعودية – جنوب أفريقية لتعزيز العلاقات الدفاعية

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع أنجي موتشيكغا وزيرة الدفاع بجنوب أفريقيا، الثلاثاء، سبل تعزيز العلاقات في المجال الدفاعي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية الأمير فهد بن جلوي لحظة تسلمه جائزة الرياضة والسلام في موناكو (الشرق الأوسط)

موناكو: السعودية تفوز بجائزة الرياضة والسلام

كرّمت منظمة الرياضة والسلام، الثلاثاء، القطاع الرياضي السعودي بجائزة «السلام والرياضة».

«الشرق الأوسط» (موناكو)
الخليج ولي العهد السعودي يلتقي الرئيس ماكرون وكبار رؤساء الشركات الفرنسية في الرياض (واس) play-circle 01:27

الأمير محمد بن سلمان يلتقي قادة دول ومسؤولين كباراً في الرياض

عقد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، الثلاثاء، سلسلة من اللقاءات الثنائية مع قادة دول وكبار المسؤولين على هامش انعقاد «قمة المياه الواحدة» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل
TT

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

كشفت أحدث دراسة هولندية تناولت التغذية الصحية للحوامل عن الآثار الإيجابية الكبيرة لنوعية الغذاء أثناء الحمل على صحة الأم والأطفال، ليس فقط على المدى القصير (أي فترة الحمل) لضمان ولادة رضيع سليم مكتمل النمو من دون مشاكل طبية، ولكن لدورها المهم لاحقاً في نمو المخ وزيادة معدلات ذكاء الأطفال، حينما تتراوح سنهم بين 10 و14 عاماً.

ونُشرت هذه الدراسة في «المجلة الأميركية للتغذية السريرية» (The American Journal of Clinical Nutrition) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

التغذية في أول 1000 يوم

من المعروف أن مخ الجنين ينمو بسرعة كبيرة أثناء شهور الحمل والمراحل المبكرة من الطفولة، ما يتطلب ضرورة التغذية الصحية الكافية لإمداده بالطاقة الكبيرة التي يحتاجها. ولذلك تُعد التغذية السليمة خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل أمراً بالغ الأهمية للتطور الإدراكي، وفي المقابل يمكن أن يؤدي سوء التغذية أثناء الحمل إلى الإضرار بالنمو العصبي والتطور المعرفي وحدوث تغييرات دائمة في خلايا المخ.

بيانات غذائية للحوامل والأمهات

أجرى الباحثون الهولنديون دراسة كبيرة على مجموعة من النساء الحوامل اللاتي ولدن في الفترة بين أبريل (نيسان) 2002 ويناير (كانون الثاني) 2006، وشملت الدراسة البيانات الغذائية الكاملة لما يزيد على 6 آلاف سيدة. وأيضاً وزَّعوا استبياناً على الأمهات يتعلق بنوعية النظام الغذائي لكل منهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لمعرفة القيمة الغذائية لجميع الأطعمة التي يتناولنها.

وقام العلماء بتثبيت كل العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة، مثل: سن الأم، وعرقها، ودخلها المادي، ومستوى التعليم، وحالتها النفسية، وأيضاً مدة الرضاعة الطبيعية.

وشمل الاستبيان جميع العناصر الغذائية تقريباً، وقام العلماء بإعطاء درجات لتقييم جودة النظام الغذائي، بداية من الصفر وحتى 15 درجة، تبعاً للمقاييس الغذائية في هولندا؛ حيث تشير الدرجات الأعلى إلى أنظمة غذائية تحتوي على طعام صحي، بينما تشير الدرجات الأقل إلى تدني القيمة الغذائية للطعام.

عناصر مفيدة لمخ الأطفال

ولاحظ الباحثون أن الدرجات الأعلى ارتبطت بتناول العناصر المفيدة، مثل الألياف والخضراوات والفاكهة، وفي المقابل ارتبطت الدرجات الأقل بالمكونات الضارة، مثل الدهون المشبعة والسكريات المخلقة.

كذلك قام العلماء بعمل أشعات رنين مغناطيسي على المخ (MRI) للمواليد؛ حيث تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: الأولى أُجري الرنين لهم حينما كانوا في سن العاشرة، وعددهم 2223، والمجموعة الثانية كانوا في سن الرابعة عشرة وعددهم 1582، والمجموعة الأخيرة تم عمل أشعة الرنين لهم في سن 10 و14 عاماً معاً، وبلغ عددهم 872 طفلاً. وتضمنت الأشعة قياس حجم المخ لكل طفل، ومقارنته بالنسب العالمية، بما في ذلك المادة البيضاء والمادة الرمادية white matter and gray matter (الأنسجة المكونة لخلايا المخ). كما خضع الأطفال لأربعة اختبارات لقياس معدل الذكاء بناءً على سرعة التفكير والذاكرة والمنطق والفهم.

جودة غذاء الأم ومعدل الذكاء

وجد الباحثون أن جودة النظام الغذائي للأم أثناء الحمل انعكست بالإيجاب على مخ الأطفال، بداية من المراحل الأولى للحمل؛ حيث كان حجم مخ الجنين أكبر وأكثر تعقيداً. وبعد الولادة في سن الثامنة كان معدل الذكاء نحو 102 (أعلى من المتوسط) وذلك في وجود نظام غذائي متوسط. وكان حجم المخ أكبر من المقاييس العالمية، ونفس الأمر تكرر في سن العاشرة والرابعة عشرة، وتطورت القدرات الإدراكية والمعرفية.

وتُعد هذه الدراسة هي الأولى التي تظهر ارتباطاً طويل الأمد بين نوعية النظام الغذائي قبل الولادة، وشكل morphology المخ حتى بداية مرحلة المراهقة، وتوضح الأهمية الكبيرة للغذاء الصحي للأم أثناء فترة الحمل على المخ والجهاز العصبي من الناحية العضوية والوظيفية.