رانيا مطر لـ«الشرق الأوسط»: أستغربُ عدم التفاعل الدولي مع صور حربَي لبنان وغزة

عدستها تبحث عن السلام وتلاحق صمود نساء وطنها الجريح

تربط رانيا مطر علاقة وطيدة ببلدها لبنان (صور الفنانة)
تربط رانيا مطر علاقة وطيدة ببلدها لبنان (صور الفنانة)
TT
20

رانيا مطر لـ«الشرق الأوسط»: أستغربُ عدم التفاعل الدولي مع صور حربَي لبنان وغزة

تربط رانيا مطر علاقة وطيدة ببلدها لبنان (صور الفنانة)
تربط رانيا مطر علاقة وطيدة ببلدها لبنان (صور الفنانة)

شكَّل انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020 نقطة انطلاق لمشوار لم تخطّط له المصوِّرة اللبنانية رانيا مطر مع مهنتها. يومها، رافقت ابنها من أميركا إلى الوطن. فقد تطوّع لمساعدة المتضرّرين من هذه المأساة، منخرطاً في إحدى الجمعيات الخيرية.

«اعتقدتُ بأنني سأحمل كاميرتي وأصوّر الدمار والتشوّه الذي أصاب مدينتي بيروت. لكنني تحوّلت لا شعورياً إلى تصوير موضوع آخر. فقد لفتتني صلابة النساء اللبنانيات وعدم استسلامهن لواقع قاتم يعشنه. كنّ قويات يتمسّكن بحبّ الحياة، فيلملمن بقايا منازل ونوافذ وأبواب؛ يكنسن الطرقات، ويشاركن في تحضير وجبات طعام. مشهد ذكّرني بنفسي في سنّهنَّ. كنتُ مقاومة على طريقتي لحرب فُرضت على أرضنا. فلم أستسلم ولم أهاجر».

ثم تزوّجت وغادرت إلى أميركا، لكن علاقتها بلبنان وأرضه بقيت وطيدة. وفي كل مرّة تزور والدها في بيروت، تحمل كاميرتها وتترجم مشاعرها. وبعد رحيله، بقيت علاقتها بوطنها نابضة في قلبها؛ تقول.

صوَّرت مئات الفتيات اللواتي لفتت علاقتهن بلبنان نظرها: «تمسّكن بأرضهنّ رغم الويلات التي مرّت عليها. من خلالهن رويتُ مشاعري الحقيقية، كأنّني تمنّيتُ لو لم أغادر كما فعلن».

تركن إلى الإنسانية حتى في مشهدية مشوّهة أو معالم حزينة (رانيا مطر)
تركن إلى الإنسانية حتى في مشهدية مشوّهة أو معالم حزينة (رانيا مطر)

ترى رانيا مطر ما تقوم به رسالة حبّ إلى المرأة اللبنانية. وتضيف: «تعيش بلادي حرباً مدمّرة وأنا بعيدة عنها. أعدُّ الأيام والساعات لأعود فور نهاية الحرب. سأعود لأروي قصصَ بيوت وعائلات مزّقت قلبي وأنا أشاهدها تنزح وتقاوم. سأجول في كل المناطق لترجمة مشاعري».

تطبعك صورها بجمال ينبعث من الدمار والحزن. فكيف وفّقت بينهما؟ «أركن دائماً إلى الإنسانية حتى في مشهدية مشوّهة أو معالم حزينة. الأمر ليس سهلاً، لكنني أشعر بأنّ عينيّ تبحث عن الإيجابية تلقائياً». وهل للصورة الفوتوغرافية دور اليوم في الحرب؟ تردّ: «لا أدري. ربما بات الناس يغضّون أنظارهم عنها. أستغربُ عدم التفاعل الدولي مع صور تُبرز قسوة حرب يعيشها أهل بلدي. وفي الوقت عينه، أدرك أنّ بعض مواقع التواصل، منها (إنستغرام)، تُفرز صوراً معيّنة لتداولها دون سواها، فتغيب الصورة الفوتوغرافية المعبّرة عن فئة لا يُستهان بها من الناس».

بعدسة كاميرتها تبحث عن الجمال والإنسانية (صور الفنانة)
بعدسة كاميرتها تبحث عن الجمال والإنسانية (صور الفنانة)

لكنها ترى، بالمقابل، أنّ الصورة الفوتوغرافية لا تزال تحافظ على وهجها الفنّي أسوةً بالإنساني: «إنها جسر التواصل والدليل الوحيد الملموس على الأحداث».

تنتمي الفنانة إلى لبنان، فأصول والدها تعود إلى بلدة حاصبيا الجنوبية، لكنها تعدّ نفسها فلسطينية أيضاً: «والداي وُلدا في يافا، لذلك أحمل عاطفة كبيرة تجاه فلسطين. ورغم إقامتي في أميركا، فإني أقف على كل شاردة وواردة في البلدين. ويُخيّل إليَّ أنّ غالبية الشعوب لا تعرف تماماً طبيعة مآسيهما».

نشاطات عدّة تشارك فيها مطر ببلد إقامتها لمساعدة النازحين في لبنان: «استطعنا جمع 100 ألف دولار خلال أسبوع. نحاول بذلك ترجمة معاني الإنسانية على أرض الواقع».

وتقول إنّ اللبنانيات بطلات يحفرن بالصخر ليؤمنّ مستلزمات حياة كريمة للنازحين: «نملك الحسّ الوطني بعضنا تجاه بعض، وهو أمر بديع أتمنّى ترجمته بكاميرتي قريباً».

وإنْ تسنّى لها تصوير لبنان، فمن أين تبدأ؟: «أعرف جيداً جميع المناطق، فقد زرتها، ومكثتُ فيها، وتعرّفت إلى أهاليها. اليوم، عندما يبلغني الدمار عبر نشرات الأخبار، أحزن. أتوجّه بالطبع إلى الجنوب وأروي قصص حبّ مع هذه الأرض».

توضح أنها ليست مصوّرة متخصّصة بالحروب. هي لبنانية المولد، أميركية، وأم. خلفيتها العرقية وتجاربها متعدّدة، مما يؤثّر عميقاً في فنّها. كرّست عملها لاكتشاف قضايا الهوية الشخصية والجماعية من خلال تصوير فترتَي المراهقة والأنوثة. صورها شملت النساء في الولايات المتحدة والشرق الأوسط. وتسعى إلى الكشف عن فردية كل امرأة تقف أمامها: «أركز على تجسيد جوهرنا، فيزيائيتنا، والقواسم المشتركة التي تجعلنا بشراً». ومن خلال عملها، تُضيء على كيفية تطوّر الذات الأنثوية بشكل موازٍ عبر خطوط الثقافات المختلفة.

صورة الطفلة لين عباس التي تصدَّرت الإعلام الغربي في حرب 2006 (رانيا مطر)
صورة الطفلة لين عباس التي تصدَّرت الإعلام الغربي في حرب 2006 (رانيا مطر)

سلسلتها التصويرية التي أطلقتها بعنوان «بعد 50 عاماً لوين بروح» تحوّلت مشروعاً. يومها، وبدل توثيق الحطام والدمار إثر انفجار بيروت، ركّزت على قوة نساء لبنان: «صمدْن، وكان لهن حضورهن الطاغي على مشهدية الانفجار، مما ألهمني إطلاق مشروعي».

وعن «حرب تموز 2006»، تقول: «تشبه ما يحصل اليوم على أرض لبنان». يومها التقطتْ صورة لطفلة سمّتها «فتاة باربي». اسمها الحقيقي لين عباس؛ صوّرتها بالأبيض والأسود وتداولتها وسائل إعلام عالمية. تُعلّق: «شعرتُ كأنها طائر الفينيق الخارج من الرماد. عنت لي كثيراً هذه الصورة، فعلّقتها في منزلي. اليوم، بعد 18 عاماً على تلك الحرب، استعدتُها ونشرتها على حسابي في (إنستغرام)، للإشارة إلى حرب مشابهة يشهدها وطني. وكم كانت دهشتي كبيرة عندما تواصلت معي لين الصغيرة. فقد أصبحت في الـ19 من عمرها، مشرقة وجميلة».

تختم رانيا مطر: «إنه تاريخ طويل حكمته الصراعات في لبنان لنحو 50 عاماً. يومها، سألتُ الفتيات اللواتي صوّرتهن: (هل ستبقَيْن أو تغادرْن؟). ومنذ ذلك الوقت عنونتُ مجموعتي بهذا الاسم. ومشروعي هذا سيُكمل، ويشقّ طريقه نحو الجمال والإنسانية».


مقالات ذات صلة

في جزء من الثانية... «هارت» يولد صوراً عالية الجودة عبر الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا مزج الباحثون بين نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية لإنشاء أداة سريعة تنتج صوراً بدقة عالية (Christine Daniloff, MIT)

في جزء من الثانية... «هارت» يولد صوراً عالية الجودة عبر الذكاء الاصطناعي

«هارت» (HART) أداة جديدة لإنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي، تتفوق على التقنيات الحالية بجودة أعلى، وسرعة أكبر بتسع مرات من النماذج الحالية!

نسيم رمضان (لندن)
يوميات الشرق اكتشاف تاريخي (دار المزادات شرق بريستول وباث)

الكشف للمرة الأولى عن صور ابنة عم تشرشل «الجاسوسة»

يُطرَح ألبوم صور، لم يسبق الكشف عنه، يخصُّ كلير شيريدان، ابنة عم ونستون تشرشل «الجاسوسة»، مقابل آلاف الدولارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق محاولة لانتشال حكاية مسرحُها الماضي من قسوة الطمس (الشرق الأوسط)

أكرم زعتري... نحتٌ ينتشلُ الحكاية من زوالها

بدا الشكل غريباً، حمَّال أوجه، مفتوحاً على التأويل. يقف بين الحبال مثل مَن يحمل همَّ البقاء على قيد الحياة، متصدّياً لمباغتة الإنسان والعوامل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
تكنولوجيا «ويسك» أداة ذكاء اصطناعي تتيح للمستخدمين إنشاء صور جديدة عبر دمج عناصر من صورهم الأصلية مع التحكم في الأسلوب والمشهد والتفاصيل الإبداعية (غوغل)

أداة «ويسك» من «غوغل» لتجربة إبداعية مفيدة بالذكاء الاصطناعي

تهدف إلى تطوير طرق مبتكرة لإنشاء الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل «Firefly Bulk Create» ليست مجرد أتمتة بل هي تمكين للإبداعيين للتركيز على ما يجيدونه أيضاً (أدوبي)

ثورة في تحرير الصور مع إطلاق «Firefly Bulk Create» من «أدوبي»

الأداة تعد بإعادة تعريف سير العمل للمصورين وصناع المحتوى والمسوقين!

نسيم رمضان (لندن)

علامات تشير إلى أنك في حالة «طلاق صامت» صريحة مع شريكك

ينتهي الأمر بالأزواج إلى حالة «الطلاق الصامت» عندما يفقدون شعورهم بالارتباط بعضهم ببعض (رويترز)
ينتهي الأمر بالأزواج إلى حالة «الطلاق الصامت» عندما يفقدون شعورهم بالارتباط بعضهم ببعض (رويترز)
TT
20

علامات تشير إلى أنك في حالة «طلاق صامت» صريحة مع شريكك

ينتهي الأمر بالأزواج إلى حالة «الطلاق الصامت» عندما يفقدون شعورهم بالارتباط بعضهم ببعض (رويترز)
ينتهي الأمر بالأزواج إلى حالة «الطلاق الصامت» عندما يفقدون شعورهم بالارتباط بعضهم ببعض (رويترز)

عندما كانت كارلي متزوجة، لم تكن تتشاجر مع زوجها كثيراً. وعندما بدأت الأمور تتدهور في زواجها، لجأت هي وطليقها حالياً إلى كتب الحياة الزوجية (كتب تحتوي على أفضل التمارين التي يمكن لأي زوجين القيام بها لمساعدة علاقتهما على العمل بشكل مثالي) لمحاولة فهم الأمور.

وقالت كارلي، وهي أم لطفل واحد لم ترغب في ذكر اسم عائلتها حفاظاً على الخصوصية لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «كنت أفضّل عدم التحدث معه في أي شيء؛ لأنه كان من الصعب جداً التواصل بشكل عام. كان يعاملني بصمت وسلبية عدوانية. وأشعر بأنني كنت مثله أيضاً».

وفي مرحلة ما، طلبت منه كارلي الانتقال من منزلهما في فلوريدا، لكنه قال: «لا، سنجد حلاً في منزلنا الخاص»، ونقل أغراضه إلى غرفة الضيوف في المنزل وبدأ النوم هناك. وبعد ذلك بعام، قرر الزوجان إنهاء زواجهما. وخلال هذا العام، استمرا في العيش معاً في المنزل نفسه، يربيان ابنتهما، ويتظاهران كزوجين أمام العالم الخارجي.

وتقول كارلي: «بعد عام، أصبح غريباً عني، وما زلت متزوجة منه تحت سقف واحد، ثم انفصلنا». وعلى الرغم من أن الإجراءات القانونية للطلاق جاءت لاحقاً، فإن الزوجين كانا يمران بالفعل بما يُسمى «الطلاق الصامت».

ما هو الطلاق الصامت؟

ينتهي الأمر بالأزواج إلى هذه الحالة عندما يفقدون شعورهم بالارتباط بعضهم ببعض، لكنهم يستمرون في البقاء معاً لأسباب مالية أو غيرها، وفقاً لمستشارة الصحة النفسية، ستيفاني موير، التي تقول إن «الطلاق الصامت هو عندما لا تكون منفصلاً قانونياً، ولكنك بالتأكيد منفصل عاطفياً ونفسياً، بل وجسدياً تقريباً، عن شريكك».

وتضيف: «إنه أمر قد تمر به شخصياً وبمفردك، وليس شرطاً أن يكون تشاركياً». ومن الشائع أن الزواج يتطلب جهداً. وتؤكد موير: «إذا لم تبذل جهداً حقيقياً لإنجاح زواجك، فقد يؤدي ذلك إلى انفصال عاطفي حيث لا يكون الشخصان على وفاق».

علامات تشير إلى حالة الطلاق الصامت

أشارت موير إلى أن إدراككما كشريكين أنكما لم تعد لديكما أهداف مشتركة بينكما، وعدم القدرة على رؤية نفسكما «تنموان وتتطوران» مع بعضكما البعض، يُعدّان من علامات الطلاق الصامت أو الاقتراب من الوصول له على أقل تقدير. وأضافت: «ربما تبدآن بقضاء إجازات منفصلة أو لا تذهبان معاً إلى التجمعات الاجتماعية، مثل أعياد الميلاد».

وأشارت إلى أن من العلامات الدالة الأخرى على هذه الحالة النقص المستمر في العلاقة الحميمة الجسدية مع شريكك، سواءً توقفتما عن ممارسة العلاقة الجنسية أو افتقرتما إلى أي نوع آخر من التواصل الذي كان معتاداً في السابق.

بدورها، قالت ليزا لافيل، الاختصاصية الاجتماعية والمعالجة النفسية في نيويورك، إنها ترى في عيادتها العديد من «الأزواج الناجحين» الذين يمرون بحالات طلاق صامت. وتضيف: «قد يبدوان وكأن الأمور على ما يرام ظاهرياً، وأنهما شريكان رائعان في تربية الأبناء، ويتعاونان في ترتيب الأمور، لكن ثمة انفصال عاطفي».

وتوضح لافيل: «من أولى العلامات التحذيرية التي أراها عادةً عندما يكون الأزواج على وشك الطلاق أو في حالة طلاق صامت، شعورهم بأنهم أقرب إلى رفقاء سكن منهم إلى شركاء عاطفيين. ينصب التركيز على كونهم أماً وأباً، وليس زوجاً وزوجة». وتشير إلى أن قلة العلاقة الحميمة تعد علامة واضحة على وجود مشكلة.

وتؤكد أنه في حين قد يشعر جميع الأزواج بالانفصال بعضهم عن بعض في مرحلة ما، فإن الأمور تُصبح مُشكلة عندما يتجنبون التحدث عن هذه المشاكل ولا يستطيعون العودة إلى طبيعتهم.

علاج الطلاق الصامت

إذا كنت تدرك أنك قد تكون في حالة طلاق صامت، فيمكنك الجلوس والتحدث مع شريك حياتك. اسأله: «هل تلاحظ نفس الشيء أيضاً؟»، وحاولا حقاً أن تتواصلا إلى تفاهم في تلك اللحظة.

هذه المحادثة، وإن كانت غير مريحة، تُعدّ فرصةً لمعرفة ما إذا كانت العلاقة تستحقّ العمل عليها. فعدم الحديث له تداعياته.

وتقول لافيل إنه «كلما طال أمد الاستياء دون علاج، زادت صعوبة معالجته. لذلك، قد يكون من المفيد طلب الدعم العلاجي». وتضيف: «يفترض الناس أن العلاج النفسي يهدف إلى إنقاذ العلاقة، وهو أمرٌ ممكن. لكن في المقام الأول، يهدف العلاج النفسي إلى مساعدة الأزواج على إجراء محادثات غير مريحة، ليتمكنوا من اتخاذ قرارات أكثر وعياً بشأن علاقتهم».