أمانة جدة تستعيد 3 ملايين متر مربع من أراضي الدولة في أبحر الشمالية

ضمن جهودها للحفاظ على الممتلكات العامة

TT

أمانة جدة تستعيد 3 ملايين متر مربع من أراضي الدولة في أبحر الشمالية

آليات ومعدات ثقيلة تزيل الإنشاءات المخالفة في موقع مطل على الواجهة البحرية (أمانة جدة)
آليات ومعدات ثقيلة تزيل الإنشاءات المخالفة في موقع مطل على الواجهة البحرية (أمانة جدة)

في خطوة تهدف إلى حماية الممتلكات العامة وتعزيز التنمية المستدامة، استعادت أمانة محافظة جدة، بالتعاون مع الجهات المعنية، 34 موقعاً على الواجهة البحرية في أبحر الشمالية حتى الآن، بمساحة تتجاوز 3 ملايين متر مربع، والتي كانت مملوكة للدولة وتعرضت لتعديات غير نظامية. كما أغلقت الأمانة أحد مواقع الشاليهات المخالفة ضمن جهودها المستمرة لإزالة التجاوزات وضمان الاستخدام الأمثل للأراضي الحكومية.

الأمانة تزيل 34 موقعاً على الواجهة البحرية في أبحر الشمالية (أمانة جدة)

وأكد لـ«الشرق الأوسط» المتحدث الرسمي لأمانة جدة، محمد البقمي، أن استعادة الأراضي الحكومية على الواجهات البحرية تمثل جزءاً من «رؤية المملكة 2030» التي تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة، خصوصاً في المناطق الساحلية ذات الأهمية الحيوية. وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى فتح المجال أمام القطاعين الحكومي والخاص للاستثمار في تطوير الواجهات البحرية، وتحويلها إلى مرافق عامة تخدم السكان والزوار وتعزز جودة الحياة في المنطقة.

 

منطقة ساحلية مفتوحة بعد إزالة التعديات (أمانة جدة)

وأضاف البقمي أن فريقاً مختصاً يعمل حالياً على مراجعة جميع المواقع المطلة على الواجهات البحرية، وتحديد المخالفات إن وُجدت، ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بالتعاون مع الجهات ذات الصلة. وشدد على أن الأمانة ستواصل إزالة التعديات بشكل منظم، مع تعزيز أعمال الرقابة للتأكد من عدم تكرار المخالفات في المستقبل، وذلك لضمان الاستخدام الأمثل لهذه المساحات الحيوية.

 

فرص اقتصادية وتنموية جديدة

 

وأشار البقمي إلى أن استعادة هذه الأراضي تفتح آفاقاً استثمارية جديدة، وتتيح فرصاً لتطوير الوجهات الساحلية بما يعزز النشاط السياحي والاقتصادي في جدة. وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تحويل المناطق المستردة إلى وجهات سياحية وترفيهية توفر العديد من الخدمات والمرافق، بما في ذلك مسطحات خضراء وأماكن عامة تتيح للسكان والزوار الاستمتاع بها.

منطقة ساحلية بعد إزالة التعديات تتهيأ لاستقبال الزوار لتعزيز جودة الحياة في المنطقة (أمانة جدة)

وأكد أن هذه الخطوة ستنعكس بشكل إيجابي على التنمية الاقتصادية في المنطقة، من خلال زيادة نصيب الفرد من المواقع الترفيهية، ورفع مستوى السياحة الداخلية، وتوفير وجهات سياحية جديدة كانت مغلقة أمام العامة.

 

حماية مستدامة للممتلكات العامة

 

وفيما يتعلق بالإجراءات المستقبلية لمنع التعديات، شدد البقمي على أن الأمانة ستكثف جهود الرقابة المستمرة على جميع الأراضي العامة، وستتخذ الإجراءات القانونية بحزم ضد المخالفين. كما أشار إلى أن هذه الجهود تأتي ضمن مساعي الأمانة للمحافظة على الممتلكات العامة وتحقيق أقصى استفادة منها بما يخدم المجتمع ويدعم مشاريع التنمية المستدامة.

وجددت الأمانة تأكيدها على تطبيق الأنظمة بحزم، وتحقيق الاستفادة المثلى من الأراضي الحكومية بما يخدم مشاريع التنمية الشاملة، خاصة في المناطق الساحلية الحيوية، وبما يتماشى مع «رؤية المملكة 2030» في تعزيز التنمية المستدامة والمحافظة على الممتلكات العامة.



رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
TT

رسّام لبناني يبني أعماله على السلام والحوار

نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)
نزيه الشامي يترجم مشاعره برسومات من الواقع (نزيه الشامي)

بريشته الإلكترونية المشبّعة بالدفء والعاطفة رسَم نزيه الشامي مشهدية المبنى الذي دمّره القصف في لحظة بمنطقة الطيونة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، أمام الكاميرات، وقدّمها تحت عنوان ​«احتضان ما تبقّى»، وأرفقها بصورة لولدين يتعانقان من قلب يرتجف خوفاً.

انتشرت الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن راح يتبادلها اللبنانيون بكثافة. المبنى المهشّم تحوم حوله الطيور المذعورة، وتتطاير منه في لحظة سقوطه نفسها الذكريات والآمال. وبعين نزيه الشامي فإن هذه الغمرة تمثّل عناقاً بين أحد السكان ومبناه المدمّر. فهو يرى أن علاقةً وطيدة تربط الإنسان بالحجر. ومن يقول العكس فهو بالتأكيد لم يَخُض تجربة خسارة بيته. ويوضح لـ​«الشرق الأوسط»: ​«عندما شاهدت المبنى يسقط فكّرت مباشرة بسكّانه، وكيف أنه في ثوانٍ قليلة اختفت ذكرياتهم وجلساتهم العائلية وضحكاتهم، حتى إني غصتُ في حرقة قلوبهم لخسارتهم السقف الذي ادّخروا المال والعمر من أجل تأمينه. وترجمت أفكاري بهذه الرسمة كشخص يتمنّى عناق منزله قبل وداعه. فارتباطنا بالأماكن يندرج على لائحة العلاقات العاطفية التي نعيشها​».

الأماكن كما يقول نزيه الشامي حتى بعد تدميرها واختفائها عن الخريطة تبقى محفورةً في أذهاننا. نمرّ على أطلالها بين وقت وآخر لنستعيد ذكرياتنا ونتخيّلها تنبض دائماً بطيفنا. ويتابع: ​«هذه العودة التلقائية رسمتها بخيالي وترجمتها في لوحة​».

لوحة «احتضان ما تبقّى» (نزيه الشامي)

يعمل نزيه الشامي في إدارة المشروعات المرتكزة على بناء السلام والحوكمة. وطبيعة شغله تدور حول المساهمة في تعزيز الحوار والتفاهم بين المجتمعات. تخصّص بفن التصميم الغرافيكي في الجامعة اللبنانية. وانطلاقاً من تخصّصه راح يرسم بريشة إلكترونية وبتقنية الديجيتال، مشاهد تنبع من الواقع. ويضيف: ​«الفن يولّد السلام، بينما السياسة تتسبب في النزاعات. لا أنتمي إلى أي حزب أو جهة سياسية. ولكنني أتمسك بانتمائي لوطني لبنان أولاً وأخيراً​».

نزيه ابن الـ28 ربيعاً يعيش في مدينة طرابلس الفيحاء، ويعتزّ بعلاقته الوثيقة بها. لم تشأ الظروف أن يتعرّف إلى مناطق تتعرّض اليوم للقصف في لبنان. فهو ترعرع ودرس وعمل فيها. لكنه يستدرك قائلاً: ​«ليس عندي أي ارتباط عاطفي بالمناطق المتضررة من الحرب الدائرة على أرضنا اليوم. ولكن ما يحدث أمام أعين الجميع من دمار حرّك مشاعري. وهو ما حضّني على الإحساس بأنني أنتمي لكل لبنان. وفي ظل كل هذه المشاهد المرعبة التي نعيشها ولد عندي القلق والتوتر. وبرسوماتي أفرّغ الغضب الذي يسكنني​».

لوحة أخرى بعنوان ​«أفكار محاصرة​» رسمها نزيه الشامي تُبرز مدى تأثّر اللبناني بالحرب. ويُجسد ذلك بصورة شخص يتصاعد دخان الانفجارات من رأسه. فالضغوطات النفسية التي يعيشها أدّت به إلى ذلك. ويصوّر نزيه الشامي هذا الشخص يقف في شارع دمّرته الغارات. ويعلّق: ​«في رأيي أن الانفجار الأكبر يحدث اليوم في رؤوسنا، لا سيما عند الأشخاص الذين في عمري. فعندنا هواجس وقلق كبيران لمصير مجهول لا نعرف إلى أين يودي بنا. صحيح أني أبلغ الـ28 من العمر، ولكن سنوات الهدوء والسلام التي عشتها تشكّل أياماً فقط من عمري. فنحن أيضاً عشنا في طرابلس الأمرّين. وشهدنا حروباً بين أحيائنا فكان اللااستقرار رفيقنا​».

«أفكار محاصرة» لنزيه الشامي (نزيه الشامي)

يشرح نزيه الشامي سبب اختياره الأبيض والأسود في رسوماته: ​«إنها الألوان الرئيسية والمحايدة في الوقت نفسه في علم الرسم. كما أن هذين اللونين باستطاعتهما إبراز التناقض في اللوحة بشكل مباشر. وربما بسبب غياب ألوان الحياة الزاهية عن حياتنا نركن إلى الأبيض والأسود، فيسمحان بمشاهدة اللوحة بوضوح والتركيز على المشاعر والرسالة اللتين تحملهما. ووفقاً لدراستي فهذا الفن يتمتع بالجودة الخالدة».

وعن مدينته طرابلس يقول: ​«أنا طرابلسي حقيقي وأحس بأن هذه المدينة تسري في دمي. فهي ليست مجرد مدينة، بل مجموعة حضارات وثقافات. وتاريخها غني بالتحديات والصعوبات. ولعلها تترجم المثل القائل ​(كبرنا سنة بنهار واحد). فما خضته فيها من تجارب حياتية أنضجني بشكل سريع. وهو ما زوّدني بالقدرة على تجاوز مصاعب الحياة. فأنا أشبه مدينتي المنتصبة دائماً، التي تجمع في أحضانها جميع اللبنانيين​».

نزيه الذي عمل في مجال التطوع منذ كان في الـ16 من عمره، تعلّم أنه بذلك يردّ الجميل لمجتمع ينتمي إليه. ويختم لـ​«الشرق الأوسط»: ​«لقد جُلت على مراكز إيواء النازحين في مدينتي. واطلعت على حاجاتهم وساهمت في مساعدتهم. فطرابلس علّمتني الصمود. وهو ما يحفزني على الاستمرار. فأزقتها وبيوتها وأسواقها أعدّها مصدر إلهامي​».