«قصائد مرئية»... معرض قاهري لنساء في حالة الطيران

الفنانة هند عدنان سعت إلى وَضْع الرسم في إطار شعري

إمرأة في حالة الطيران (الشرق الأوسط)
إمرأة في حالة الطيران (الشرق الأوسط)
TT

«قصائد مرئية»... معرض قاهري لنساء في حالة الطيران

إمرأة في حالة الطيران (الشرق الأوسط)
إمرأة في حالة الطيران (الشرق الأوسط)

تُجسّد الفنانة التشكيلية السورية - المصرية هند عدنان أحوال النساء في حالات نفسية ومزاجية متعدّدة، بدءاً من الحزن والشجن، مروراً بالرفض والتمرّد، وصولاً إلى حالة الطيران في رؤى أشبه بالأحلام، ضمن معرضها «قصائد مرئية» الذي يستضيفه غاليري مصر بالقاهرة حتى 6 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وبنحو 30 لوحة متباينة الحجم، يتجلّى الحضور الأنثوي عبر «موديل» تتكرّر في لوحات عدّة، ووجوه أخّاذة لنساء أفريقيات. وتظهر الملامح الأنثوية في حالاتها النفسية والمزاجية المتعدّدة، عبر خطوط ناعمة وألوان صريحة في بعض اللوحات، فتشعّ البهجة لدى المتلقّي.

وتوضح الفنانة أنّ «المعرض أُقيم قبل أشهر في متحف كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، ثم نقلتُه إلى القاهرة، وأحاولُ عبر اللوحات إبراز العلاقة بين التصوير والشعر، فحين نقرأ الشعر نتخيّل شكل الكلام في صورة مرئية، وحين نرى لوحات فنّية نشعر أنها تنطق بالشعر، العلاقة إذن قائمة بين الشعر والرسم، فحاولتُ التعبير عنها في هذا المعرض؛ لذا قدّمت بعض اللوحات لتبدو قصائد شعر مرئية».

حالات الحزن والترقّب والشجن بارزة في اللوحات (الشرق الأوسط)

وعن الحزن والحسّ المأساوي في نساء هند عدنان، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعنيني المرأة عموماً، وأوضاعها النفسية والاجتماعية. منذ بداياتي أهتم برسم (الموديل)، وبشخصيتها وإحساسها، خصوصاً أنها عادةً ما تكون فتاة في حدود الـ15 عاماً، أراها في حالة انتظار، لا تشعر بالحزن أو الكآبة، بل تنتظر شيئاً ما في المستقبل، هي من فئات اجتماعية غير ميسورة، تعمل (موديل) لحاجتها إلى المال، تتطلّع دائماً إلى أوضاع اجتماعية أفضل، وتعتمد في ذلك ليس على نفسها، وإنما على شخص آخر ليُخرجها من هذه الحالة، هي نظرة أمل وانتظار وترقُّب».

وتضيف: «حين أشاهد هؤلاء الفتيات مرّة أخرى وقد كبِرن، أجد أنّ نظرة الأمل في عيونهنّ تنطفئ، وأشعر أنهن وصلن إلى عزلة تامة، فقد أصبحن مصدراً للدخل بالنسبة لأسرهنّ، وبعدما كنّ ينتظرن مَن ينقذهنّ يجدْنَ أنفسهنّ مُحمَّلات بأعباء كثيرة، كأنّ حياتهنّ انتهت فجأةً بعد دخولها في دائرة مغلقة».

الألوان الزاهية المبهجة بارزة في اللوحات (الشرق الأوسط)

من بين اللوحات، تبرز لوحة تتوسّطها امرأة بحجم صغير، تبدو منغلقة على نفسها في حالة عزلة تامة، برغم وجود أشخاص حولها، وتبدو نظرة الحزن في أكثر من عمل، خصوصاً مع العيون المعتمة أو اللامعة بنظرات شجن.

وتتحفّظ الفنانة على تعبير «نساء هند عدنان»، وتقول: «ليست كل أعمالي مرتكزة في المرأة، لكنها التيمة التي اخترتُها لمعرض (قصائد مرئية). في بداياتي كانت كل العناصر الموجودة في لوحاتي من الرجال، وكان مشروع تخرّجي في كلية الفنون الجميلة عن الخيامية من منظور الطائر من الأعلى، كما أقمتُ معرضاً مشتركاً مع الفنانين آدم حنين وجميل شفيق وإبراهيم الدسوقي عن الحيوانات».

وتشير إلى أنها تعتمد على «الموديل الحي»، وليس على الرسم من الخيال: «تعلّمتُ ذلك بكوني فنانة أكاديمية درستُ في كلية الفنون الجميلة، يجب أن أرسم من (موديل)، فيكون مصدر الوحي والإلهام، ويجب أن يكون ثمة أساس مرتبط بالواقع، فالاعتماد على الخيال فقط يجعل الإنسان يستنفد كل أدواته سريعاً، لكن الطبيعة والواقع لا ينتهيان».

حالة من الاعتداد بالنفس لدى المرأة (الشرق الأوسط)

3 مراحل للحالة النفسية والمزاجية النسائية ترصدها الفنانة في هذا المعرض: مرحلة الأمل والترقّب، مرحلة اليأس وفقدان الأمل، والثالثة هي مرحلة الحركة الأشبه بالطيران.

وتقول عن الأخيرة: «رأيتُ أنّ المرأة يجب أن تتحرّك، أن تعبّر عن نفسها، أن تثور حتى في خيالها، لذلك جاء وضع التحليق أو الطيران محاولةً للابتعاد عن الأرض التي تكبّلنا بكل القيود والأثقال، وتنطلق بعيداً للشعور بأنك حرّ، ترى النساء طائرات في فراغ لا نهائي، لا أرض ولا سماء... هنّ في مجال متخيَّل، ربما يستطعن تحقيق هذه الحرية حتى في حلم».

الخطوط الناعمة في حالة أشبه بالأحلام (الشرق الأوسط)

رسمت الفنانة عدداً من البروفات للوحات النساء الطائرات لتلغي الخلفيات، وترسّخ لحالة الحرية عبر الانطلاق في الفراغ، وجاءت هذه البروفات «اسكتشات» ضمن المعروضات.

الوجوه الأفريقية ضمن أعمال المعرض (الشرق الأوسط)

وفي بعض الأعمال تبرُز المرأة الأفريقية بملامحها المميّزة، تقول هند: «لا علاقة لهذه اللوحات بالتيمة الأساسية للمعرض، لكنها مرتبطة بالاختلاط مع بعض الفتيات من نيجيريا، كنت أراقبهنّ وأحاول أن أفهم منهنّ ما لا يُردن قوله، وهؤلاء الفتيات يعملن مساعِدات في المنازل، لكن بعد انتهاء العمل اكتشفتُ جمالاً استثنائياً في أرواحهن، يتزينَّ ويرتدين أفضل ما لديهن، وعادةً ما تكون الألوان مبهِجة، ويبدأن الاستمتاع بالحياة».


مقالات ذات صلة

محكمة فرنسية تلغي حظراً على مشاركة شركات إسرائيلية في معرض للأسلحة

أوروبا إيمانويل ماكرون يزور جناحاً في معرض «يورونافال» للدفاع البحري في لو بورجيه بالقرب من باريس 23 أكتوبر 2018 (رويترز)

محكمة فرنسية تلغي حظراً على مشاركة شركات إسرائيلية في معرض للأسلحة

قال منظمو معرض «يورونافال للأسلحة البحرية»، إن محكمة فرنسية ألغت حظراً حكومياً على مشاركة شركات إسرائيلية في المعرض المقرر عقده الأسبوع المقبل قرب باريس.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق جانب من الأعمال المعروضة في الملتقى (الشرق الأوسط)

حوار فني بين «شيخ» الخط العربي وتلاميذه في مصر

يُتيح «ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي» لزائره فرصة استكشاف الزخم الجمالي للخطوط العربية، وتراكم فنونها عبر أجيال مختلفة.

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق جزء تفاعلي من «فن تناول الطعام: ثقافة الطعام في العالم الإسلامي» في معهد ديترويت للفنون (نيويورك تايمز)

متحف ديترويت يركّز على تجربة تناول الطعام الإسلامية

يحاول معرض يستضيفه «معهد ديترويت للفنون» التواصل مع المجتمع العربي الأميركي الكبير والحيوي في المنطقة، عبر معروضات عن الطعام.

ميشيلين ماينارد (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الخط العربي حاضر (من المعرض)

حين تتفاهم الحضارات بلغة الألوان والفنون

يقدم المعرض مروحة واسعة مفتوحة على عدد من الثقافات والحضارات. إنها مقتنيات تعكس مهارة الإنسان المبدع وروعة المخيلة البشرية والنفوذ الكوني للفن على مرّ القرون.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«المجتمعات المتنقّلة في العلا»... لوحة غنية بالحياة تشكَّلت عبر الزمن

البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
TT

«المجتمعات المتنقّلة في العلا»... لوحة غنية بالحياة تشكَّلت عبر الزمن

البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)
البلدة القديمة مركز الاستقرار البشري في العلا منذ القرن الـ13 حتى الثمانينات (هيئة العلا)

استضافت محافظة العلا (شمال غرب السعودية) ندوة عالمية لفهم المجتمعات المتنقّلة، وأثر الترحال في رسم ملامح ما استقرّ عليه العالم اليوم، والتأمُّل في نشاط التنقّل بوصفه وسيلة للوصول إلى فرص جديدة، وتحسين ظروف الحياة، والاستكشاف.

وتحتضن العلا الندوة، من موقعها التاريخي ملتقى للتبادل التجاري واللغات والأفكار والعادات؛ وقد بقيت آثار ذلك حاضرة في أجزاء متفرّقة منها من خلال السجلّات الأثرية أو طبيعة الأرض أو القصص التي تلاها الناس وانتقلت عبر العصور.

وتاريخياً، مرّت شعوب مختلفة بالعلا أو اتّخذتها وطناً لها، فتركت بصمتها وخطّت آلاف النقوش.

ويعود تاريخ أقدم هذه النقوش إلى القرنين الـ9 والـ10 قبل الميلاد، بعضها دوّنه كتّاب محترفون، والبعض الآخر كتبه أشخاص عاديون. والنقوش يجري حفرها وطلاؤها وإبرازها، وتشمل اللغات الآرامية والثمودية والدادانية والمعينية والنبطية واليونانية واللاتينية والعربية، ومما سجّلوه في رحلات السفر والحج والزكوات.

وأضاء معرضٌ مُصاحب للندوة التي شهدت مشاركة خبراء ومتخصّصين وباحثين في مجالات علم الآثار وإدارة المواقع الثقافية، على تجربة التنقّل لدى مجتمعات منطقة العلا في شمال غرب شبه الجزيرة العربية عبر العصور، فحاول الكشف عن تاريخها العريق من خلال برنامج بحث أثري كبير، ركزت بحوثه على الثقافات المتنوّعة التي عبرت هذه المناطق، وربطت بين الطرق القديمة التي سهَّلت تبادل السلع والمعارف.

وكشفت التنقيبات والدراسات المستمرّة التي أجرتها «الهيئة الملكية للعلا» تأثير المجموعات المتنقّلة في المستوطنات المحلّية والزراعة، والتفاعل الحيوي والتعاملات بين هذه المجتمعات المتنقلة التي عبرت المنطقة والمجتمعات المستقرّة فيها؛ في حين قدَّم المعرض المُصاحب سرديةً ثريّةً بالتفاصيل، ولوحةً غنيةً من الحياة التي شكّلت ملامح العلا عبر الزمن.

أضاء المعرض على تجربة التنقّل لدى مجتمعات منطقة العلا (الشرق الأوسط)

التنقّل وظهور الإسلام

مع ظهور الإسلام في القرن الـ7 الميلادي، شهدت العلا زيادة أعداد المارّين فيها، وانتقلت نقطة التمركز البشري الرئيسية في وادي العلا إلى قرح في الجنوب، التي أصبحت المحطة الرئيسية للحجاج القادمين من سوريا وشمال أفريقيا إلى مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة.

وبحلول القرن الـ13، أصبحت بلدة العلا القديمة التي تقع بالقرب من دادان مركز التجمّع البشري الرئيسي، وبقيت كذلك حتى ثمانينات القرن الـ20. أما في بداية هذا القرن، أُنشئت سكة حديد بين دمشق والمدينة، بما ساعد في اختصار زمن رحلة الحج من 40 يوماً إلى 4 أيام فقط، وأسهم بذلك في زيادة عدد الحجاج.

قرح إحدى أهم مدن شبه الجزيرة العربية بين القرون الـ5 والـ12 (هيئة العلا)

مركز تجاري على مفترق طرق

كانت دادان التي تميَّزت بموقعها الاستراتيجي في وادي العلا وعلى طريق البخور مركزاً حضرياً حيوياً في شبه الجزيرة العربية خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وعاصمة لمملكتَي دادان ولحيان.

وتُبيّن الاكتشافات الأثرية الحديثة البراعة المعمارية والتأثر الفنّي بمصر وبلاد الرافدين والعالم اليوناني الروماني.

وفي القرن الأول قبل الميلاد، استقرّ الأنباط في الحجر القريبة التي كانت مركزاً تجارياً مزدهراً تحيط بها مقابر مزخرفة إلى الشمال من وادي العلا. وبعد ضمّ المملكة النبطية إلى الإمبراطورية الرومانية عام 106، واصلت الحجر دورها موقعاً استراتيجياً للرومان، مما رسَّخ مكانة المنطقة بوصفها محوراً دائماً للتجارة والتبادل الثقافي بين الحضارات.

حاول المعرض الكشف عن التاريخ العريق للمجتمعات المتنقّلة في العلا (الشرق الأوسط)

من حياة الصيادين إلى المزارعين

تكشف الأدلة الأثرية أنه قبل أكثر من 200 ألف عام، تنقّل عدد من الشعوب عبر هذه الأراضي كونهم صيادين وجامعي ثمار.

ومع مرور الزمن، تغيَّر هذا النمط الاقتصادي المتنقّل، في حين حافظت بعض المجتمعات على نمط الحياة البدوي الذي لا يزال جزءاً مهماً من التراث السعودي، واختارت أخرى الاستقرار وإنشاء الواحات.

وأظهرت الاكتشافات الأثرية الحديثة وجود مساكن شبه دائمة أو مأهولة بشكل دوري تعود إلى العصر الحجري الحديث، بالإضافة إلى اكتشاف قرية من العصر البرونزي في خيبر، مما يدلّ على تفاقُم استخدام الأراضي والاستفادة من الموارد الطبيعية.

ويشير ذلك إلى أنّ ظهور المستوطنات الحضرية في واحات العصر البرونزي أصبح محوراً للتبادلات الاجتماعية والاقتصادية، مما عزَّز الروابط والتعاملات بين المجموعات المستقرّة والبدوية في جميع أنحاء المنطقة.

وشهد، الخميس، ختام أعمال «ندوة العلا العالمية للآثار 2024» لبحث آثار وتراث المجتمعات المتنقّلة عبر الماضي والحاضر والمستقبل، بعد يومين من النقاشات الثرية بمشاركة علماء آثار وتراث ثقافي دوليين.

وتوفّر كلّ من «قمّة» و«ندوة» العلا العالمية للآثار فرصة للقاء الخبراء والمتخصّصين والباحثين في مجالات علم الآثار وإدارة المواقع الثقافية، وطرح الرؤى المعمّقة في مجالات عدة، تتعلّق بتطوير المواقع ذات الأهمية الأثرية والدلالات التاريخية وإدارتها.