الكلب البلدي المصري... احتفاء بـ«حفيد أنوبيس» بعد «مطاردته»

سلالته تنحدر من زمن «الفراعنة»

نقوش للكلب الفرعوني (وزارة السياحة والآثار المصرية)
نقوش للكلب الفرعوني (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

الكلب البلدي المصري... احتفاء بـ«حفيد أنوبيس» بعد «مطاردته»

نقوش للكلب الفرعوني (وزارة السياحة والآثار المصرية)
نقوش للكلب الفرعوني (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بأعدادها الكثيرة وألوانها المتنوعة، تعد الكلاب الهائمة أحد الملامح الرئيسية للشوارع والميادين المصرية، وبينما تسبب حوادث العقر المتكررة في الكثير من المناطق المصرية الهلع بين المواطنين، فإن قطاعاً كبيراً منهم يألفونها ويقدمون لها الطعام والشراب والعلاج، إذ يعدّون الكلب البلدي المصري وفياً وذكياً.

وشهدت محافظة الإسكندرية (شمال مصر) في سبتمبر (أيلول) الماضي عقر كلب ضال 30 شخصاً.

وبعد الأخبار السلبية المترتبة على تلك الحوادث والمطاردات المتلاحقة لكلاب الشوارع في مصر، حظيت كلاب هائمة في منطقة الأهرامات الأثرية بالجيزة (غرب القاهرة) باهتمام واسع بعد التقاط عدسة أحد هواة الطيران الشراعي صورة لكلب يعتلي قمة الهرم الأكبر؛ حيث تحول هذا الكلب وأقرانه بالمنطقة الأثرية إلى «نجوم» ومصدر للترويج السياحي.

وتسلّق الكلب هرم خوفو، الذي يبلغ ارتفاعه نحو 146 متراً، وبُني في عصر الأسرة الفرعونية الرابعة نحو عام 2560 قبل الميلاد، ويعد هو الهرم الأكبر بين الأهرامات الثلاثة الشهيرة التي تحظى بشهرة عالمية بوصفها من «عجائب الدنيا السبع القديمة»، ومسجلة ضمن موقع «اليونيسكو» للتراث العالمي.

صورة متداولة عبر «فيسبوك» لكلب بلدي بمنطقة الأهرامات (فيسبوك)

وتنحدر سلالة الكلب البلدي المصري الحالي من سلالة فرعونية يُطلق عليها «الكلب الفرعوني»، ووفق خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، فإن هذا النوع من الكلاب يعد أحد أقدم سلالات الكلاب، إذ كان يستخدم لصيد الظباء والطرائد الأخرى، وقد وُجدَت أشباه تلك الكلاب على جدران مقبرة الفرعون أَنْتيفا الثاني الذي يرجع تاريخها إلى عام 2300 ق.م. وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد أحضر الفينيقيون كلباً فرعونياً إلى جزيرة مالطا، واستوطنها حتى العصور الحديثة.

وتتميز الكلاب الفرعونية بطول ما بين 53 و70 سم عند ارتفاع الكتف وتزن ما بين 15 و23 كجم، واشتهرت باستخدام حاستي البصر والشم في الصيد، وتتحرك في سرعة ورشاقة تتوافق مع لياقة كلب الهرم.

نقوش للكلب الفرعوني (وزارة السياحة والآثار المصرية)

و«كانت الكلاب محبوبة في مصر القديمة ولها بعد ديني لارتباطها بالمعبود أنوبيس إله الموت والتحنيط والحياة الآخرة، وعادةً ما يتم تصويره على شكل كلب أو رجل برأس ناب، وكان يعتقد أنها تعمل رفيقة ومرشدة للبشر في الحياة الآخرة»، وفق قول الدكتور ريحان لـ«الشرق الأوسط».

وجاءت الكلاب في مصر القديمة في 7 أنواع متميزة: الباسنجي، والسلوقي، والإيبيزان، والفرعوني، والسلوقي، والويبت، والمولوسيان.

وبالآونة الأخيرة؛ ساهمت ندى زين الدين، خبيرة ترميم آثار، وناشطة في مجال رعاية وعلاج الكلاب، في تغيير النظرة المجتمعية إلى الكلاب البلدية، التي كان يطاردها البعض بمنطقة الخليفة بالقاهرة، وغيرها من المناطق، فقد أثمرت الصور ولقطات الفيديو الخاصة بها مع كلبين أليفين من المنطقة المحيطة بمسجد السلطان حسن عن ردود فعل إيجابية وإشادات لافتة.

تقول ندى لـ«الشرق الأوسط»: «بعد تطعيم كلاب المنطقة ضد السعار، وتعقيمها، تقبل الجميع وجودها ورعوها بعدما كانت تتعرض لسلوكيات خاطئة من بعض الصبية».

ندى زين الدين مع كلب ترعاه بتكية «مسافر» (حسابها على «فيسبوك»)

وتجمع ندى مع بعض زملائها تبرعات مالية لشراء «مصل السعار» و«التعقيم» ووجبات غذائية لكلاب مناطق بعيدة على غرار منطقة صقر قريش المتاخمة للصحراء.

ويعد خبراء بيطريون الكلب البلدي من أذكى وأوفى أنواع الكلاب وأكثرها تحملاً للأمراض، وهي من أكثر السلالات المنتشرة في مصر وشائعة بشكل كبير، وتستطيع الاعتماد على نفسها في الطعام والشراب، ويستعين بها كثيرون في حماية منازلهم وحراسته بشكل مستمر.

وتفاعل عدد كبير من المشاهير مع «الشهرة العالمية لكلب الأهرامات»، من بينهم الفنان صلاح عبد الله الذي وصف الكلب بأنه «سكن القلوب»، وأنه أجمل كثيراً من ظواهر أخرى تتصدر اهتمام منصات التواصل، على حد تعبيره.

كلب بلدي بالجيزة (الشرق الأوسط)

وكتبت الفنانة رانيا فريد شوقي عبر حسابها بموقع «إنستغرام» على واقعة صعود الكلب لقمة الهرم الأكبر: «يضع سره في أضعف خلقه اللي للأسف في ناس في بلدنا المفروض أنهم بني آدمين بيعذبوه وشايفين أنه روح مالهاش لازمة»، مضيفة: «الكلب البلدي الضعيف ده عمل دعاية للسياحة في مصر ومعملهاش بني آدم وهو مش فاهم حاجة عكس بعض البشر».

ولا يعد وجود الكلاب في منطقة الأهرامات الأثرية غريباً، فقد اعتاد زوار المنطقة وجوده باستمرار، وقال مسؤول بالمنطقة إنه يجري تعقيمها وتطعيمها بواسطة «جمعية الرفق بالحيوان».


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة توضيحية لنوعين من الزواحف المجنحة من العصر الجوراسي الذي تم التعرف عليهما حديثاً من نوع «سكيفوسورا» (رويترز)

«ذيل السيف»... حفرية تكشف عن تاريخ زواحف طائرة عاشت قبل 147 مليون سنة

كشف العلماء عن حفرية محفوظة بحالة جيدة لهيكل عظمي من الزواحف الطائرة (التيروصورات).

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق ولادة بمنزلة أمل (غيتي)

طائر فلامنغو نادر يولَد من رحم الحياة

نجحت حديقة الحياة البرية بجزيرة مان، الواقعة في البحر الآيرلندي بين بريطانيا العظمى وآيرلندا بتوليد فرخ لطائر الفلامنغو النادر للمرّة الأولى منذ 18 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق نهاية الدبّة أحزنت أحبّتها (أ.ب)

سيارة تُنهي حياة الدبّة الأميركية «الأشهر في العالم»

نفقت الدبّة الشهيرة الملقَّبة بـ«غريزلي 399» التي كانت محبوبةً لعقود بعدما صدمتها سيارة في غرب ولاية وايومنغ الأميركية.

«الشرق الأوسط» (وايومنغ (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق معركة الدفاع عن الحياة (مكتب مأمور مقاطعة «لي»)

معركة ثمانينية مع تمساح في فلوريدا: هجم مثل «طوربيد»

أنقذت امرأة تبلغ 84 عاماً في ولاية فلوريدا الأميركية، حياتها، بعدما لكمت تمساحاً عدوانياً في وجهه... فماذا جرى؟

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».