عبر عرض مخصّص لأعمال الفنان المغربي محمد المليحي، يسجّل غاليري «لوفت» اسمه بصفته أول غاليري مغربي يشارك في سوق الفن العالمي «آرت بازل باريس».
وجاء اختيار الغاليري الفنانَ المليحي لما له من مكانة رائدة في الفن المغربي الحديث، وبوصفه أحد مؤسسي مدرسة «كازابلانكا للفنون»، وبشكل خاص لكونه اسماً رافق غاليري «لوفت» الذي كان يمثّله لمدة 10 أعوام.
كانت تجارب المليحي الهندسية الجذرية محورية في تشكيل جماليات المغرب بعد الاستقلال، ويمكن النظر للأعمال التي يقدّمها المعرض له في «آرت بازل باريس» على أنها تجسيد لسعي الفنان للوصول إلى الحداثة في التصوير، ودراسة تفاعلها مع الثقافة المحلية؛ للوصول إلى لغة جمالية عالمية.
تتحدّث ياسمين برادة، الشريك المؤسس لغاليري «لوفت»، عن أهمية المشاركة كأول غاليري مغربي في محفل فني عالمي، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشاركة في (آرت بازل باريس) أمر يبعث على الفخر، ونعدّه خطوةً هامة لنا منذ انطلاقنا منذ 15 عاماً، شاركنا فيها في عدد من المناسبات الفنية العالمية».
وتستكمل برادة: «عملنا لسنوات على أن يكون الغاليري بمثابة جسر بين الثقافة المغربية والقارة الأفريقية من جهة، والعالم الغربي من جهة أخرى، فإن ذلك يولّد مساحة للحوار بين الفنانين من مناطق مختلفة، الفنانون الأفارقة يقدّمون بلادهم وثقافتهم، ولكن هناك عالمية في لغتهم، من هذه العالمية نسعى إلى خلق حوارات مع فنانين آخرين ومع الغرب».
الغاليري يمثّل قصة نجاح شخصية لياسمين برادة، تتحدث عنها قائلة: «عندما قررتُ أنا وشقيقتي مريم افتتاح الغاليري قبل 15 عاماً، واجهنا الكثير من المنتقدين الذين رأوا أننا بوصفنا شابّات لا نملك المهارات والأسس المتينة للبقاء في هذا العالم. توقع كثيرون أن نتوقف بعد 6 أشهر، وأن نختفي من عالم الفن، كل يوم أشكر هؤلاء الأشخاص الذين لم يؤمنوا بنا؛ لأنني أعتقد أن هذا ما أعطانا القوة والعزيمة للاستمرار، اليوم أعتقد أنني ما زلت أكافح دون وعي من أجل تلك الشابة التي أطلقت معرضاً قبل 15 عاماً، ويتجلّى هذا أيضاً في حقيقة أن العديد من الفنانين الذين نمثّلهم اليوم هم من النساء، وأن الفريق من حولي يتكوّن أيضاً من النساء».
تقول إن اختيار الفنان محمد المليحي ليكون الفنان الوحيد في العرض «أمر له أهميته ورمزيته، فهو رائد الفن الحديث في المغرب، ورافقَتنا أعماله منذ أنشأنا الغاليري، بشكلٍ ما أردنا أن نحكي عن قصتنا الشخصية، وأيضاً عن صداقتنا معه التي بدأت مع إنشاء الغاليري، واستمرت حتى وفاته، فقد عرضنا أعماله بشكل حصري لأكثر من 10 أعوام، أردنا أيضاً أن نحتفل ونُشيد بهذه الشخصية الرئيسية في الفن المغربي، التي كان لديها الكثير لتقوله، والتي يشهد ثراؤها أيضاً على هذه الثقافة المغربية الجميلة».
من أعمال الفنان المليحي التي يعرضها الغاليري قطع نادرة من الخمسينات والستينات، منها إحدى تجارب الفنان المبكرة على نبات الجوت «بوري بي، 1958»، بالإضافة إلى عمل أحدث كثيراً، يعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهناك أيضاً قطع نفّذها أثناء إقامته في نيويورك، وبعض الأعمال التي تمثل بداية استخدامه لشكل الموجة المميزة لأعماله، «أردنا أن نتتبّع رحلة كاملة من حياته الفنية».
ما الذي يميّز أعمال المليحي عن غيره ضمن سياق الفن المغربي الحديث برأي ياسمين برادة؟ تقول: «أعتقد أنه في بداية الستينات، ابتكر المليحي لغة فنية جاءت للإجابة عن أسئلة حول الهوية المغربية، وكيفية خلق أشكال التجريد المغربي في سياق دولي، مع الحفاظ على جذوره المغربية. كل هذه أسئلة أجابت عنها مجموعة فناني مدرسة الدار البيضاء للفنون.
وبالنسبة للمليحي أعتقد أنه أجاب عن هذه الأسئلة، من خلال موتيف يتكرر كثيراً؛ موتيف الموجة، لكن ما يميّزه هو أنه عرف كيف يُعيد استخدام هذا الموتيف، ويُعيد اختراعه على مرّ السنين للإجابة، في كل مرة، عن أسئلة في سياق جديد يتطور، في شكل معاصر عاشه. وفي الواقع، فهو فنان يعرف حقاً كيف يتطور مع عصره ومع أسئلة عصره».
تشير برادة إلى أنه خلال تعامل الغاليري مع الفنان كان هناك أمر يرتبط به بشكل خاص، وهو التعبير عن مواضيع قوية تتعلق بالفترة الزمنية التي يعيش فيها، وتضرب المثل بمعرضه الأخير «مليحي والطوفان»، وتضيف: «كان السؤال يدور حول قضايا تغيُّر المناخ، وكان هناك سؤال حول نهاية العالم، تنبّأ الفنان تقريباً بحدوث شيء دراماتيكي، وكان ذلك عشية (كوفيد)، لذلك أعتقد أنه كان يتمتع بحساسية وحاسة سادسة كبيرة».
وتُنهي حديثها بالقول: «المليحي فنان كان يجلب لنا الحظ دائماً، وأتمنى أن يجلب لنا الحظ مرة أخرى في هذا المعرض في (آرت بازل باريس)، إنه تكريم نقدّمه للرجل العظيم الذي عرفناه، نحن فخورون جداً بتمثيله وتمثيل فنون المغرب في هذا الحدث».