الجنوبي ميشال حوراني هجر الزيتون الصامد وسيعود

الممثل اللبناني كشف لـ«الشرق الأوسط» عن مبادرته في مدارس اللاجئين

أيامٌ يصعب مرورها.. وما يعيشه هو الأقسى إنسانياً (صور ميشال حوراني)
أيامٌ يصعب مرورها.. وما يعيشه هو الأقسى إنسانياً (صور ميشال حوراني)
TT

الجنوبي ميشال حوراني هجر الزيتون الصامد وسيعود

أيامٌ يصعب مرورها.. وما يعيشه هو الأقسى إنسانياً (صور ميشال حوراني)
أيامٌ يصعب مرورها.. وما يعيشه هو الأقسى إنسانياً (صور ميشال حوراني)

الدائرة المقرَّبة من الممثل اللبناني ميشال حوراني لم تغادر قرية دير ميماس الجنوبية إلا مع إنذارات أفيخاي أدرعي الأخيرة. أمضوا عاماً في التحمُّل والمعاندة، ورفضوا تَرْك الأرض. والفنان، ابنُها، علاقته متجذّرة بشجر الزيتون الذي يُعرَف به مسقطه الحدودي. اعتاد ارتياده في الصيف وتنفُّس عليل هوائه. منذ مغادرة أقاربه منازلهم، وسط الخراب العميم، وهو يعمل على تأمين كرامة عيشهم تحت السقوف الغريبة. يُشبّه الجهود بـ«خلية نحل»، ويُخبر «الشرق الأوسط» عن محاولته تجنُّب تجرُّع أولاده سمّ الحرب المميت.

يلمح في تراب قريته التاريخ وفي شجرها إرث الأجداد (صور ميشال حوراني)

يؤكد أنها «أيامٌ يصعب مرورها»، وما يعيشه هو «الأقسى على المستوى الإنساني». ميشال حوراني ابن جيل الحرب الأهلية، لكنّ صعوبة هذه الأحوال تُضاعفها الأبوّة: «ألمح في عيون أولادي ما يعكّر براءة الأطفال؛ أسئلة وهواجس ومخاوف. عشتُ الاحتلال الإسرائيلي لأرضي الجنوبية، والحرب اللبنانية، وعذابات المعابر. لا أريد للمشهد أن يتكرّر؛ وأن يتشظّى الأبناء أسوةً بالآباء. توريث الحرب مرير، ولا أشاء لأولادي لوعة مماثلة. لا يُبرَّر تحمُّل جيلهم هذه السلسلة من الاعتداءات والتهجير».

يصف اللحظة بالمصيرية، ليقينه بأنّ لبنان في مواجه عدو طمّاع استيطاني. الأفظع، بالنسبة إليه، إحالة الأسماء على هيئة أرقام لارتفاع عدد الضحايا. «قاسٍ تحوُّل الوجه إلى رقم. شراسة الجريمة تُصعِّب إحصاء الخسائر. أخشى التعوُّد، وأن نُقابل الأهوال بالتكيُّف ونمضي كأنّ ذلك الركام الكبير لا يعنينا».

يخشى التعوُّد والمضي كأنّ الركام الكبير لا يعنينا (صور ميشال حوراني)

يقلقه مصير قريته، ويلمح في ترابها التاريخ، وفي شجرها وأرزاقها إرث الأجداد. «أُخليت تقريباً. للعدو نيّات السيطرة والاستيطان، ولا ثقة بمخطّطه. عمر شجر الزيتون فيها مئات السنوات؛ متجذّر، راسخ، وعنيد. يشبه أهلي وأجدادي وأبناء أرضي. يكبُر رفضي مسّ الاحتلال بهذا التاريخ. حق لبنان في جغرافيته وخيراته ليس للتنازل».

يستفيق على وجعين: وحشية القصف ودموع أولاده. يقول إنّ بكاءهم آلمه، وحين استفاقوا على وَقْع الخوف تقلّب بجمر الذاكرة. طعم الملاجئ يعلق في حلقه، وصور الحرب عصية على المحو. يبرع الدماغ في ربط الأحداث وتعويم الصدمة العتيقة. لذا، تُحرّكه الأبوّة نحو إيجاد حلّ: «أعزلهم بالمُستطاع عن أخبار لا تستوعبها عقولهم. شرحتُ لهم أننا في حرب، ومَن هو العدو. وعوّدتهم على أنّ فسحة التعبير متاحة، وبالإمكان تشارُك المشاعر. لا بأس بالخوف، قلتُ، فنحن بشر. وأنا أخاف أيضاً. فلنبكِ إن هدَّأت الدموع بعض العصف الداخلي. أضعهم أمام الواقع، ولكن أيضاً أمام الأمل. لن تدوم الحرب إلى الأبد».

يحاول تجنيب أولاده تجرُّع سمّ الحرب المميت (صور ميشال حوراني)

كان قد أنهى تصوير عمل وهمَّ ببدء التعليم الجامعي، حين شُلَّت الأيام وتعطَّلت أشكال العطاء المهني. شغلته متابعة الأخبار حدّ الشعور بأنه استُنزف. يقول: «لا أفصل كوني فناناً عن وطنيتي وإنسانيتي. الحرب سرقتنا جميعاً، وأرغمتنا على الالتصاق بالشاشات. ثم شعرتُ بأنّ الضخّ يُهلك متلقّيه، فتحوّلتُ إلى المساعدة الميدانية. التلهّي بالعمل الاجتماعي يُساعد أيضاً. التوثيق مهم، والبثّ المباشر مطلوب، وإنما كمية ما يتلقّاه الدماغ تهدّ المرء. مدّ اليد للآخرين يُشعرني بالجدوى».

تجذُّر العلاقة بشجر الزيتون الذي تُعرف به قريته (صور ميشال حوراني)

بين أهل قريته، يواصل التحرُّك. يراقب في عيون الفتيان ومَن يقتربون من وداع المراهقة، تكثُّف الشعور الضاغط. لذا، فكَّر بما يخفّف الحِمْل عن هذه الأعمار المتقلّبة: «أُطلِقُ مسرحاً هم أبطاله، فيُخرجون تراكمات الداخل بالتعبير الدرامي. المشروع سيجول في مدارس النزوح، أحدّد مواقعها في الأيام المقبلة. أخلق مساحة لرَفْع الصوت حيال المسكوت عنه في الدواخل. لا أدّعي أنه علاج، فالوقت ليس مناسباً الآن لإعلان مرحلة الترميم. أعمل على إيجاد مساحة آمنة للتعبير عبر الدراما، فيعبّر الشباب والمراهقون عما يتقلّب في نفوسهم. يُنفّسون الغضب ويُهدّئون التوتّر، فتتّخذ المخاوف أشكالاً أقل تضخّماً مما هي عليه في وضعية كبت المشاعر».

لا يريد أن يتشظّى الأبناء بالحروب أسوةً بالآباء (صور ميشال حوراني)

جميعنا متضرّرون؛ يُكمل. يبدأ أيضاً مَهمّة التعليم عن بُعد، وهو يصغي لبعض طلابه ممَن آلمهم هجران المنازل وفراق عادات اليوم الهادئ. الحرب لقّنته عبرة في معنى الجدوى الإنساني: «بعض ما ننجزه قد يتلاشى ويُنسى. لكن الاستثمار بأنفسنا بوصفنا بشراً، هو ما يبقى. العقل والقلب والروح والنفس، تسمو بفعل الخير. تواجهني هذه الأيام الثقيلة بأسئلة من نوع: لماذا نطارد المجهول بأنفاس لاهثة؟ لِمَ نطمع ونتقاتل؟ وكيف نمضي العمر في خوض عراك لا يُجدي؟ أعطني خبزي كفاف يومي، هو خلاصة الحياة».


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد مالك يهوى الأدوار المؤثّرة (حسابه في «فيسبوك»)

أحمد مالك: بـ«مطعم الحبايب» تحدّيتُ الصورة النمطية حيال ما أقدّم

وجوده في المطبخ جعله يتعلّم طهي الحَمام المحشوّ بالأرز بطريقة احترافية، وهي الوجبة التي يحبّها من يدَي والدته.

أحمد عدلي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ المغينة الشهيرة بيونسيه تحتضن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي (د.ب.أ)

بين بيونسيه وتايلور سويفت... لماذا لم يكن دعم المشاهير لهاريس كافياً؟

رغم قدرة نجوم ونجمات من عيار بيونسيه وتايلور سويفت مثلاً على استقطاب الحشود الجماهيرية، لم ينجح دعمهما هاريس في التغلب على ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق طائرات خاصة وشلّالات ومنازل للكلاب... ماذا يُهدي المشاهير أنفسَهم وأحبّتَهم؟

طائرات خاصة وشلّالات ومنازل للكلاب... ماذا يُهدي المشاهير أنفسَهم وأحبّتَهم؟

في عيده الـ40 قبل أسابيع تلقّى الأمير هاري 10 ملايين دولار هدية. لكن ثمة هدايا تتفوّق على هذا المبلغ في عالم المشاهير، وليست طائرة بيونسيه لجاي زي أثمنها.

كريستين حبيب (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».