الميكروفون الذهبي لـ«العندليب» يجدد التساؤلات حول «ميراث الفنانين»

نجل شقيق عبد الحليم حافظ أهداه لمطرب صاعد

عبد الحليم حافظ في شرفة منزله (أرشيفية)
عبد الحليم حافظ في شرفة منزله (أرشيفية)
TT

الميكروفون الذهبي لـ«العندليب» يجدد التساؤلات حول «ميراث الفنانين»

عبد الحليم حافظ في شرفة منزله (أرشيفية)
عبد الحليم حافظ في شرفة منزله (أرشيفية)

جدّد إعلان عائلة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ إهداء «الميكروفون الذهبي» الذي غنى به «العندليب الأسمر» في حفله الأخير بسوريا، للمطرب الشاب محمود راتب التساؤلات حول «ميراث الفنانين» وكيفية التعامل معه والاحتفاظ به.

وكان «العندليب الأسمر» قد حصل على الميكروفون الذهبي من إحدى الشخصيات المرموقة عربياً، واستخدمه خلال الغناء في حفله بمعرض دمشق الدولي عام 1976 في واحدة من الحفلات الأخيرة التي أحياها قبل رحيله في العام التالي.

ولا يوجد متحف في مصر يضم مقتنيات عبد الحليم حافظ حتى الآن، بينما توجد متاحف لمقتنيات بعض الفنانين؛ منهم أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وهي المتاحف التي تتضمّن عرض مقتنياتهم، وتشرف عليها وزارة الثقافة مع جهات أخرى.

ويصف الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين إهداء الميكروفون الذهبي لمطرب صاعد بـ«الأمر الخاطئ». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن إرث عبد الحليم حال خروجه من أسرته يجب أن يوضع في متحف، ولا يتم التعامل معه بهذه الطريقة»، مشيراً إلى أن «فكرة وجود وجه للشبه بين المطرب الشاب و(العندليب الأسمر) ليست مبرراً على الإطلاق».

وأضاف: «عبد الحليم مطرب لا يمكن مقارنته بأي مطرب آخر حتى مع اختلاف الزمن، وليس من اللائق أن يتم تشبيه مطرب لم يقدم سوى أغنيتين فقط بمطرب له تاريخ فني طويل، واستطاع الاستمرار بغنائه وألحانه بعد 47 عاماً من رحيله»، مشيراً إلى أن الأسرة كان يجب عليها الحفاظ على مقتنياته، وإهداؤها للدولة وليس لأفراد.

في حين يرى الناقد الموسيقي مصطفى حمدي أن «عدم اهتمام الدولة بمقتنيات الفنانين، مثل عدم الحرص على إقامة متاحف لهذه المقتنيات والتسويق لها، أمر يجعل من حق الورثة الاحتفاظ بها، واستثمار تقديمها بالطريقة المثلى».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما قام به شبانة (نجل شقيق عبد الحليم حافظ) بمثابة استمرار لمحاولته استثمار اسم عبد الحليم، وتحقيق مكاسب من ورائه بصفته مَن يتحرك باسم الورثة باستمرار، وبالفعل حصل في السنوات الماضية على مكتسبات كبيرة، وقد يكون لجأ لهذه الخطوة بوصفها نوعاً من الدعاية للمطرب الشاب الذي سيتبناه إنتاجياً؛ لإدراكه أن اسم عبد الحليم قادر على جذب الجمهور».

محمود راتب (حسابه على «فيسبوك»)

ونشرت وسائل إعلام محلية أن علاقة نسب تجمع بين محمد شبانة نجل شقيق عبد الحليم، والمطرب الشاب محمود راتب شقيق زوجته، وهو مَن قام بإنتاج الأغنيتين اللتين قدمهما المطرب الشاب في الفترة الماضية، وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع شبانة وراتب لكن لم تحصل على رد من أي منهما.

وتحرص عائلة عبد الحليم حافظ على فتح منزله باستمرار في ذكرى ميلاده وذكرى وفاته؛ لاستقبال الجمهور الراغب في زيارة منزله بالعقار الكائن بحي الزمالك، والمطل على النيل، وهو المنزل الذي أقام فيه خلال سنواته الأخيرة ولا يزال يتضمّن الأثاث الذي عاش عليه كله.


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.