يوغا وميداليات رياضية لأطفال الحرب النازحين في مدرسة ببيروت

ليس بالغذاء والدواء وحدهما يحيا الإنسان

وقت اللعب يُهدِّئ وطأة أيام لا تليق بالبراءة (الشرق الأوسط)
وقت اللعب يُهدِّئ وطأة أيام لا تليق بالبراءة (الشرق الأوسط)
TT

يوغا وميداليات رياضية لأطفال الحرب النازحين في مدرسة ببيروت

وقت اللعب يُهدِّئ وطأة أيام لا تليق بالبراءة (الشرق الأوسط)
وقت اللعب يُهدِّئ وطأة أيام لا تليق بالبراءة (الشرق الأوسط)

ترتسم ابتسامات على وجوه الطفولة المذعورة وتلمع بهجة تفقدها، وسط القهر، العيون الزائغة. وقت اللعب يُهدِّئ وطأة أيام لا تليق بالبراءة. وهو لعبٌ يمتدّ ليصبح أنشطة منظَّمة، لها قواعدها وميدالياتها. في مدرسة «المستقبل» بمنطقة «البسطة التحتا» البيروتية، يُنتشَل الأطفال من المرارة المتمادية. بطابات كرة القدم، بالقفز والركض وجلسات يوغا؛ بالمنافسات الشريفة، يعبُر فرحٌ مثل نسائم تروِّض بلطفها ما اشتدَّ اختناقه.

مساحة ليشعر الأطفال بأنّ الأوان لم يحن لوداع الأوقات الحلوة (الشرق الأوسط)

حلَّ الدمار اللبناني، فهجَّر وفتك. كانت جمعية «بيروت ماراثون» تتأهَّب لتنظيم الحدث السنوي المُقرَّر في نوفمبر (تشرين الثاني)، فيتدفّق المتسابقون مثل نهر يجري في شوارع المدينة وتحت غيومها أو مزاجية مطرها، أو بقايا حرّ الشمس. لكنّ ما طرأ، فرض تأهّباً آخر، فتقول مديرة العمليات في الجمعية فرنسواز نعمة لـ«الشرق الأوسط» إنّ الجهود تحوَّلت من تنظيم سباق لنحو 20 ألف مُشارك، إلى إيواء النازحين ومدِّهم بما لا يُذلّ. ليس الخبز وحده، ولا الماء والبطّانيات الواقية من تسلُّل البرودة. وإنما أيضاً بما يوازي ذلك أهمية: محاولة الحفاظ على الصحة العقلية.

محاولة الحفاظ على الصحة العقلية ضرورية أيضاً (الشرق الأوسط)

من إدراك «بيروت ماراثون» جدوى النشاط الجسدي، بينما يحلّ ما يكبِّل ويُشنِّج ويهدّ الحيل؛ تُكمل مَهمّتها. تتابع فرنسواز نعمة: «الرياضة ليست متعلّقة بخسارة الكيلوغرامات الزائدة فقط. إنها معبر نحو سلامة الصحة النفسية. يمكن حلُّ مشكلات عدّة بتبنّي هذا الخيار. كلّما اشتدّت الأزمة اللبنانية، يُهرَع الملوَّعون بها إلى الأفران والصيدليات ومحطات البنزين تحسّباً للأسوأ. قلّة تُحضِر ما يتيح التوازن النفسي، أو تكترث لأشكال الترفيه والسلامة الذهنية. نشاء الاهتمام بهذا الجانب، فنمنح الأطفال مساحة للإحساس بأنّ الأوان لم يحِن لوداع الأوقات الحلوة».

تنمو صداقات بين الأولاد السارحين في ملعب المدرسة (الشرق الأوسط)

تنمو صداقات بين الأولاد السارحين في ملعب المدرسة، كأنه حقلهم الشاسع حيث حلاوة الشغب وطعم الارتطام بالأرض على ركبهم الطرية. أولاد تتفاوت أعمارهم، يصبحون الآن فرق كرة قدم، أو متسابقين على كسب ميداليات أراد بها فريق «بيروت ماراثون» رفع المعنويات وإشعال الأمل. هؤلاء جعلتهم الحرب روحاً واحدة، يتشاركون تحويل الخوف إلى تحدٍّ، والمصير المجهول إلى ذكرى تبقى.

الميداليات أرادت بها جمعية «بيروت ماراثون» رفع المعنويات وإشعال الأمل (الشرق الأوسط)

تبدأ رئيسة الجمعية مي الخليل يومها بزيارة الصغار، وقد اعتادوا الاستيقاظ والخروج فوراً إلى الملعب. بالنسبة إليها، الأمان لا يعني السقف فقط، بل احتضان المخاوف وعلاج الأسئلة الصعبة. أحضرت وفريق «الماراثون» معدّات العمل الرياضي ليكتمل القفز والركض وضرب الكرة، مما يتيح تفريغ المكبوت وإخراج الشعور العصيب على شكل هيصة. تُسمع تلك الهيصات وتعلو باشتداد المنافسة، فعادةُ الأطفال تصديق الدور وتمثيله حتى الذروة. في مدرسة النزوح، بعضهم يرى نفسه رونالدو وآخر ميسي. وتدور المباراة. يتحوّل بعض الأهل جمهور المشجّعين، ويعلو تصفيق من عمق المأساة. لا تفقه الطفولة الوحشية الهابطة من الجوّ نحو الأرض. ولا الإقامة المفاجئة في المدارس. هي في مخيّلاتهم كتب وواجبات وزوّادة في الاستراحة. وأجمل صورها اللعب بين الحصص، وبعد قرع الجرس والاستعداد للمغادرة.

جهود «بيروت ماراثون» تحوَّلت من تنظيم السباق إلى إيواء النازحين (الشرق الأوسط)

هنا، لا يغادرون. تصبح المدرسة سقف المنزل الحامي، ومساحة اللعب الوحيدة، وصوت اللهو حين يُحلّق الطيران ويُرعب بهديره السماء. وهم بجانب تساليهم، يتجمّعون بشكل منتظم لبدء جلسة اليوغا. لبعضهم، التسمية غريبة، وسلوكياتها أيضاً. بالنسبة إلى فرنسواز نعمة، «إنهم يختبرون علاقة جديدة مع أنفسهم ويتعرّفون إلى صلة الجسد بالعقل. يتعلّمون التنفُّس وقدرته على امتصاص الغضب. في سنّهم الصغيرة، يدخلون هذا العالم المنفتح على التأمّل والأفكار. بذلك يخطون نحو إدراك جدوى الوقت، وهم يملأونه بما يخفّف المحنة ويُمرّرها بخسائر أقل. الوقت ليس للانتظار ولا لشطحات السيناريو الأسود. إنه للحركة الجسدية ونمو العقل والانتماء إلى فريق».

يتفرّج على الشغب الضاحك، الأهل وكبار السنّ، ومنهم مَن تشرُد أذهانهم بتذكُّر شقاوة الأمس. كانوا أيضاً أبناء حروب، وضمّتهم ملاجئ ومدارس. يشاهدون الضحكات وهي تنجح في التنصُّل من القهر العميم، فإذا بها تصدح مثل أنشودة سلام.

بين اللاجئين، ثمة مُصاب بمتلازمة داون، وآخر يعاني غسيل الكلى. ومن الموجوعين مَن يصارع السرطان. هؤلاء وجدوا الطبابة والاحتضان، فالجمعية تؤمّن للحالات الخاصة معاملة خاصة. وبين العائلات رضَّع، فتحضّ المتبرّعين على مدّهم بالحليب والحفاضات وثياب الطراوة والبراءة.

الجانبان بأهمية متساوية: إشباع المعدة وتهدئة النفس. منذ إعلان «بيروت ماراثون» عن حاجتها إلى متطوّعين بمجالات الرياضة والموسيقى واليوغا والأشغال اليدوية، نالت العدد المطلوب وفاض، فوزَّعت على مدارس مجاورة. تختم بما يمنح العزاء في أحلك الأوقات: «الشعب اللبناني يدٌ واحد وإن فرّقوه».


مقالات ذات صلة

الذهب يواصل مكاسبه مع احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية

الاقتصاد صائغ يعرض قطعة من الذهب في متجره بمدينة الكويت (أ.ف.ب)

الذهب يواصل مكاسبه مع احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن وسط احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
شؤون إقليمية آموس هوكستين (أ.ف.ب)

هوكستين يصل إلى تل أبيب قادماً من بيروت: هناك أمل

وصل المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى إسرائيل قادماً من لبنان، في إطار جهود الوساطة لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» والدولة العبرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الاقتصاد عملة ذهبية نادرة بقيمة 20 دولاراً تحمل صورة نسر مزدوج من عام 1870 بِيعت بمليون و440 ألف دولار في مزاد علني (أ.ب)

الذهب يرتفع على وقع تفاقم التوتر بين روسيا وأوكرانيا

ارتفعت أسعار الذهب، للجلسة الثالثة على التوالي، إلى أعلى مستوى في أسبوع، يوم الأربعاء، مدفوعةً بتراجع الدولار وتفاقم التوتر بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».