الضباط المدخنون في الدراما المصرية... «صورة نمطية» هل تغيرها انتقادات السيسي؟

الرئيس المصري تعجب من الإصرار على تلك المشاهد

لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
TT

الضباط المدخنون في الدراما المصرية... «صورة نمطية» هل تغيرها انتقادات السيسي؟

لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)

أثارت الانتقادات التي وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للصورة النمطية التي يظهر بها ضباط الشرطة في الدراما، جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب الكلمة التي ألقاها الأحد، خلال حفل خريجي أكاديمية الشرطة، وتضمنت نصائح للخريجين الجدد من بينها الحفاظ على «اللياقة البدنية»، و«تجنب التدخين».

وعلى أثر ذلك، تصدر ترند «تيسير فهمي» موقع «إكس» بمصر، الاثنين، وهو شخصية ضابط الشرطة التي قدمها الفنان المصري شيكو باسم النقيب «تيسير فهمي» في مسلسل «الرجل العنّاب»، قبل 11 عاماً، في إطار كوميدي، ممسكاً بالسيجارة بشكل لافت خلال بعض المشاهد، بالإضافة إلى بدانته الواضحة.

وخلال توجيه الرئيس المصري للخريجين بالتعامل مع المواطنين بشكل لائق لتعزيز العلاقة فيما بينهما، أبدى الرئيس تعجبه من الإصرار على إظهار صورة ضابط الشرطة فنياً ممسكاً بالسيجارة خلال مشاهده، وارتباط تفكيره بالتدخين، كما توجه بحديثه إلى اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، متسائلاً: «خير، إيه الكلام ده؟».

الفنان المصري شيكو قدم شخصية ضابط شرطة في مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)

وبخلاف «الرجل العناب»، تناولت الكثير من الأعمال الفنية شخصية الضابط بأشكال وأنماط مختلفة، وغالباً ما تظهر «مدخنة»، خصوصاً حينما تفكر بعمق، فهل ستتغير هذه «الصورة النمطية» التي التصقت بضابط الشرطة في الأعمال الفنية، خاصة بعد انتقاد الرئيس المصري لها؟

من جانبه، قال الكاتب المصري أيمن سلامة إن «كلام الرئيس تم تفسيره بشكل خاطئ، فهو نصيحة عامة لخريجي الشرطة بالاهتمام بالرياضة وعدم التدخين، وليس كلمة مبطنة موجهة لصنّاع الأعمال الفنية لتغيير ذلك».

وأشار سلامة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه قدم شخصية الضابط المتزن في كثير من أعماله، من بينها مسلسل «قضية صفية»، و«ضد مجهول»، لافتاً إلى أن «التدخين ليس عادة متأصلة يلصقها الكتّاب بالضباط، لكن هناك بعض الحالات الدرامية تتطلب ذلك».

ويوضح سلامة أن «المخرج محمد خان قدم في فيلم (زوجة رجل مهم)، شخصية الضابط الفاسد العنيف والمدخن الشره، كما قدم شخصية الضابط المتزن المتسق مع سلوكه، وهو (أحمد مختار). وإظهار النموذجين هو دلالة واضحة على وجودهما».

أحمد زكي وميرفت أمين في لقطة من فيلم «زوجة رجل مهم» (يوتيوب)

ولفت سلامة إلى أنه شخصياً أحد الشخصيات الموقعة على بروتوكول وزارة التضامن المصرية وصندوق «مكافحة التعاطي والتدخين»، والذي يرفض مشاهد التدخين التي تؤثر على جمهور المشاهدين بالسلب.

وأبدى سلامة تخوفه من أن «يفسر القائمون والموظفون وأجهزة الرقابة على العملية الفنية بمصر كلام الرئيس وكأنه أمر مباشر بعدم ظهور أي ضابط مهما كان ممسكاً بسيجارة»، وفق قوله.

وقدم فنانون عدة شخصية الضابط في أعمال سينمائية، من بينهم أحمد زكي في «زوجة رجل مهم»، وعادل إمام في «النمر والأنثى»، وخالد صالح في «تيتو»، وأحمد السقا في «المصلحة»، وكريم عبد العزيز في «ولاد العم»، وأحمد مظهر ورشدي أباظة في «كلمة شرف»، ومحمود عبد العزيز في «البريء»، وحسين فهمي في «85 جنايات»، وفاروق الفيشاوي في «المشبوه».

كما قدمها درامياً أمير كرارة في «كلبش»، وأحمد مكي في «الاختيار»، وفتحي عبد الوهاب في «ريا وسكينة»، ومحمد رمضان في «نسر الصعيد»، وغيرها من الأعمال الفنية.

وترى الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله أن «شخصية الضابط مثل كافة شخصيات العمل الفني تخضع لضوابط الكتابة والسياق الدرامي».

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تجسيد شخصية الضابط بشكل ملائكي، أو إظهارها بشكل شيطاني، أيضاً أمر مرفوض؛ لأنها في النهاية بشر يطبق عليها قواعد الكتابة الصحيحة خلال السرد، ولا بد أن تتضمن صفات وسمات عادية مثل الناس، وإلا ظهر السياق بشكل غير منطقي».


مقالات ذات صلة

أحمد مالك: بـ«مطعم الحبايب» تحدّيتُ الصورة النمطية حيال ما أقدّم

يوميات الشرق الفنان المصري أحمد مالك يهوى الأدوار المؤثّرة (حسابه في «فيسبوك»)

أحمد مالك: بـ«مطعم الحبايب» تحدّيتُ الصورة النمطية حيال ما أقدّم

وجوده في المطبخ جعله يتعلّم طهي الحَمام المحشوّ بالأرز بطريقة احترافية، وهي الوجبة التي يحبّها من يدَي والدته.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق يارا صبري في مسلسل «العميل» (إنستغرام)

الفنانة السورية يارا صبري: «العميل» أعاد اكتشافي درامياً

عادت الفنانة السورية يارا صبري إلى الدراما العربية من جديد بعد فترة غياب لنحو 4 سنوات، بتجسيد شخصية الأم «ميادة» في مسلسل «العميل».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق جود السفياني (الشرق الأوسط)

جود السفياني... نجمة سعودية صاعدة تثبّت خطواتها في «خريف القلب»

على الرغم من أن الممثلة جود السفياني ما زالت في بداية العقد الثاني من عمرها، فإنها استطاعت أن تلفت الأنظار إليها من خلال مسلسلات محليّة حققت نسب مشاهدة عالية.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق الفنان تامر حسني (حسابه بموقع فيسبوك)

تامر حسني يرحب بتقديم «السيرة الذاتية» للفنان حسن يوسف

بعد أيام قليلة من رحيل الفنان المصري حسن يوسف، الملقب بـ«الولد الشقي»، أبدى الفنان المصري تامر حسني ترحيبه بتقديم السيرة الذاتية للفنان الراحل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان محمد القس لعب أدواراً درامية متنوعة (صفحته على «فيسبوك»)

محمد القس لـ«الشرق الأوسط»: أمي تكره اختياراتي الفنية

قال الفنان السعودي محمد القس إنه لم يتوقع النجاح الكبير الذي تحقق له في مسلسل «برغم القانون»، لأنه يشعر دائماً في كل عمل أنه لن ينجح.

انتصار دردير (القاهرة )

«سيلَما»... روحٌ تائهة في صالات طرابلس المَنسيّة وبين ركامها

حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)
حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)
TT

«سيلَما»... روحٌ تائهة في صالات طرابلس المَنسيّة وبين ركامها

حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)
حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)

اسمُها «سيلَما» وهي بطلة فيلم هادي زكّاك الجديد. ليست «سيلَما» امرأةً جميلة ولا شخصيةً حُبكت لها قصةٌ مثيرة. إنها ببساطة، السينما، كما كان يحلو للطرابلسيين أن يسمّوها.

المخرج اللبناني المخضرم، وهو أحد روّاد الفيلم الوثائقي في العالم العربي، مسكونٌ بالسينما؛ ليس صناعةً فحسب إنّما روحاً. لا يكتفي منها بصوَرِها وأصواتها وحكاياتها، بل تسحره السينما كمكان بقاعاته الدامسة ومقاعده النبيذيّة وجدرانه المخمليّة. تندهُ زكّاك أجيالٌ من البشر الذين عبروا تلك الصالات، تاركين خلفهم تاريخاً لم يأخذ نصيبَه من التأريخ.

«سيلَما» هي التسمية التي يطلقها الطرابلسيون على السينما (صوَر زكّاك)

بعدما أيقنَ المخرج أن صالات بيروت اندثرت إلى الأبد تحت الحجارة الجديدة لمشروع إعادة الإعمار، انتقل إلى طرابلس عام 2014. قصد عاصمة الشمال اللبناني بحثاً عن الوقت الضائع، لكنه وصل متأخراً على ما يخبر «الشرق الأوسط». لم يبقَ سوى واحدة من دُور المدينة التي كانت 42 في ماضٍ مضى، وتلك الناجية الوحيدة تُستخدم اليوم كمسرحٍ وليس كسينما.

يحدث أن تراه في إحدى لقطات الوثائقي، واقفاً مع كاميرته وسط ركامٍ وعشبٍ كثيف. «تلك كانت قاعة سينما وما عادت»، يقول زكّاك. إلا أن الحطام، والغبار الذي استوطن المقاعد، والشاشات التي انطفأت إلى غير رجعة، والحروف التي سقطت من أسماء الصالات بداعي الزمن والإهمال، لم تُثنِه عن استكمال مشروعه الذي استغرق العمل عليه 8 سنوات.

استغرق العمل على وثائقي «سيلَما» 8 سنوات (صوَر زكّاك)

هو عائدٌ للتوّ من مهرجان الجونة السينمائي، حيث جرى العرض الأول لـ«سيلَما». يعتبر أن مصر محطة أساسية خصوصاً أنّ «للسينما المصرية حضوراً وازناً في الفيلم، وقد استوقف المصريين كم أن سينما بلادهم فعلت فعلها في تطوّر المجتمع اللبناني خصوصاً والعربي عموماً، لا سيّما في موضوع صورة المرأة وحقوقها».

تسلك المعالجة التوثيقية التي اعتمدها زكّاك 3 خطوطٍ تاريخية، أوّلها فني يواكب رحلة صعود السينما، من تلك الصامتة، إلى الـ«سينما سكوب» مروراً بالأفلام المتعددة الجنسيات، وليس انتهاءً بالأفلام المستقلّة. يسير هذا الخط بالتوازي مع سيرة المدينة الباحثة أبداً عن هويةٍ لها؛ من الناصريّة إلى المقاومة الفلسطينية، والحرب الأهليّة، ثم الوصاية السوريّة، وصولاً إلى ثورة عام 2019. أما الخط الثالث فمجتمعيّ يوثّق التحوّلات التي مرّت على المجتمع الطرابلسي، وقد شكّلت «السيلَما» مرآةً لتلك التحوّلات، فكانت الصالات المغلقة وأماكن العروض في الهواء الطلق، محطات لقاءٍ بين الناس وأماكن نُسجت العلاقات الاجتماعية والإنسانية فيها.

حب الطرابلسيين للسينما عابرٌ للأزمنة وليست العروض في الهواء الطلق غريبة عن المدينة (صوَر زكّاك)

مع أنّ وجوههم لا تظهر في الوثائقي، إلا أن الناس هم روح العمل ومحرّكه. مكث زكّاك فترة طويلة في المدينة حيث لمس شوقاً لدى أهلها ومثقّفيها للكلام عن ذكرياتهم السينمائية فيها، وهو بنى علاقاتٍ إنسانية صادقة معهم.

يسمع المُشاهد أصواتهم وحكاياتهم وشهاداتهم عن تاريخ السينما في طرابلس، يرافقها ضجيج المدينة وأجزاء صوتيّة من أفلام كلاسيكية. يقول زكّاك إنه أخفى الوجوه عمداً لأنه أراد «أن تكون السينما هي البطلة التي في الواجهة أما المتحدّثون من أهل المدينة والمهنة، فبمثابة الحكواتيين الذين يسردون السيرة».

لم يُظهر المخرج وجوه ضيوف الوثائقي الـ40 فمنح أحاديّة البطولة للسينما (صوَر زكّاك)

يوضح المخرج أن «الصوت يعمل بعكس الصورة، فالأخيرة تخبر الكثير عن الموت، فيما يحمل الصوت الحياة إلى الفيلم». واللافت أنّ زكّاك اعتمد الصورة الفوتوغرافية الثابتة على امتداد الدقائق الـ90 من الوثائقي، على اعتبار أنها تجسيدٌ للزمن المتوقّف في صالات سينما المدينة. وقد تنوّعت الصور ما بين تلك المستقاة من الأرشيف وتلك التي التقطها زكّاك خلال رحلة التصوير الطويلة.

لم يسلب هذا الجمادُ «سيلَما» المعاني التاريخية والثقافية والإنسانية، إذ سلكت السيرة دربَها بسلاسة من دون أن تتحوّل إلى درسٍ في التاريخ؛ وقد شكّل هذا الأمر التحدّي الأكبر بالنسبة إلى زكّاك الذي لم يُرِد أن يرتدي ثوب المؤرّخ، ولا أن يبدوَ كسائحٍ متحسّرٍ يقف على أطلال المدينة وصالاتها السينمائية.

الفيلم مبني على الصور الفوتوغرافية وليس تلك المتحركة كتجسيد للزمن المتوقف (صوَر زكّاك)

نقّب زكّاك عن الجمال والأصالة والنوستالجيا في قلب الركام. اقتحم صالاتٍ عشّش فيها النسيان وجيَف الزواحف. «أوبرا»، «روكسي»، «ريفولي»... وغيرها من الأسماء التي صنعت المجد الثقافيّ، لمدينةٍ ما عاد في وسع أبنائها اليوم أن يشاهدوا فيلماً في قاعة سينما، إذا ما رغبوا في ذلك. «كان عملاً يدوياً شاقاً وشبيهاً بالبحث عن الآثار»، يتذكّر زكّاك المرحلة الأصعب من إنجاز الوثائقي.

طرق كذلك أبواب أشخاصٍ يشكّلون الذاكرة السينمائية للمدينة. فتّش بين ذكرياتهم عن صورٍ ووثائق نادرة، تخبر عن ماضٍ قريب، لكنه يبدو بعيداً جداً الآن لفرط ما لحقَ بسينما طرابلس من أضرار. من دون أن يتحوّل إلى مَرثيّة، يصوّر الفيلم النزول إلى الهاوية بعد سنوات الضوء. فهذه «السيلَما» ذاقت طعم العزّ وكانت القلب النابض للمدينة، قبل أن تتحوّل إلى مرتعٍ لمسلّحي الشوارع، ولاحقاً إلى قاعاتٍ تُنظّم فيها المهرجانات الحزبية، لتكون النهاية بإطفاء الأنوار وإقفال الأبواب أو حتى الهدم.

ملصق الفيلم الوثائقي «سيلَما» لهادي زكّاك

يدرك المخرج أن فيلماً وثائقياً، حتى وإن جال مهرجانات العالم، لن يحيي العظام وهي رميمُ ولن يستبدل صورَ «زعماء» طرابلس بملصقات أفلام وبمواعيد عروض جديدة. لكن في «سيلَما» يفعل زكّاك ما استطاعت عدسته، يغوص في الذكريات محاولاً تحصين ذاكرة المدينة الذهبيّة ضدّ الزوال.

لتلك الغاية، هو لم يكتفِ بالفيلم بل أرفقَه بكتابٍ حمل عنوان «العرض الأخير: سيرة سيلَما طرابلس»، كان قد صدر عام 2021 بموازاة الإعداد للوثائقي. ولأنه ليس من هواة السوداويّة، فهو يفتح نافذةً في ختام حديثه ليذكّر بأنّ السينما ما زالت حيّة في طرابلس، رغم موت أماكنها الأصليّة. فالمدينة على موعدٍ سنويّ مع مهرجانٍ للأفلام يتّسم بطابعٍ شبابيّ عابرٍ للحدود العربية، كما أنها شرّعت أبواباً جديدة لمشاريع ثقافية تضرب مواعيدَ دَوريّة مع العروض السينمائية.