كشف مسح أثري قام به فريق من الباحثين من تخصصات مختلفة في موقع وادي بِهْت بالمغرب، عن مجتمع زراعي غير معروف سابقاً يعود تاريخه إلى الفترة من 3400 إلى 2900 قبل الميلاد. ما يعد أقدم وأكبر مجمع زراعي تم العثور عليه حتى الآن في أفريقيا وراء نهر النيل، وفق الباحثين.
وتظهر نتائج الدراسة، المنشورة في مجلة «أنتيكوتي - Antiquity»، حول هذا الاكتشاف عن أهمية المغرب (شمال غرب أفريقيا) في ظهور مجتمعات بشرية أكثر تعقيداً في حوض البحر الأبيض المتوسط الأوسع منذ أكثر من 5 آلاف عام.
ففي حين أن أهمية المنطقة خلال العصر الحجري القديم والعصر الحديدي والعصر الإسلامي معروفة جيداً، فإن هناك فجوة كبيرة في المعرفة بآثار المغرب بين نحو 4000 و1000 قبل الميلاد، وهي فترة شهدت تغييراً واسعاً في معظم أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط.
ولمعالجة هذه المشكلة، قام يوسف بوكبوط من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالمغرب، وسيبريان برودبانك من جامعة كمبريدج البريطانية، وجوليو لوكاريني من المجلس الوطني للبحوث العلمية والتخطيط والدراسات الإسلامية والمعهد الدولي لعلوم الآثار في إيطاليا، بتنفيذ عمل ميداني أثري مشترك في وادي بهت بالمغرب.
يقول البروفيسور بروودبانك: «لقد كنت مقتنعاً لأكثر من ثلاثين عاماً بأن علم الآثار في منطقة البحر الأبيض المتوسط كان يفتقد إلى شيء أساسي في شمال أفريقيا في عصور ما قبل التاريخ المتأخرة».
ويضيف في بيان صادر الاثنين: «والآن، أخيراً، نعلم أن هذا صحيح، ويمكننا أن نبدأ في التفكير بطرق جديدة تعترف بالمساهمة الديناميكية للأفارقة في ظهور المجتمعات المتوسطية المبكرة».
ويوضح الباحثون: «لأكثر من قرن من الزمان، كان آخر المجهول الكبير في عصور ما قبل التاريخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط المتأخرة هو الدور الذي لعبته مجتمعات جنوب البحر الأبيض المتوسط، وشواطئ أفريقيا غرب مصر»، مشددين على أن اكتشافاتهم تثبت أن هذه الفجوة لم تكن بسبب أي نقص في النشاط ما قبل التاريخي الرئيسي، ولكن بسبب الافتقار النسبي للتحقيق والنشر، مؤكدين على أن وادي بهت الآن يبرهن على الدور المركزي للمغرب في ظهور كل من المجتمعات المتوسطية والأفريقية الأوسع نطاقاً.
ويشترك الكشف الأثري الجديد في سمات متماثلة مع المواقع المعاصرة في شبه الجزيرة الأيبيرية في قارة أوروبا. ما يشير إلى أن المغرب كان له دور فعال في تشكيل منطقة غرب حوض البحر الأبيض المتوسط خلال الألفيتين الرابعة والثالثة قبل الميلاد.
وبفضل بيئة البحر الأبيض المتوسط، والحدود مع الصحراء الكبرى وإشرافها على أقصر معبر بحري بين أفريقيا وأوروبا، فإن المغرب يقع في موقع مثالي كمركز للتطورات الثقافية الكبرى والاتصالات بين القارات في الماضي.
وتكشف هذه النتائج أن الموقع كان أكبر مجمع زراعي من هذه الفترة في أفريقيا خارج منطقة نهر النيل. وتشير جميع الأدلة إلى وجود مستوطنة زراعية واسعة النطاق، مماثلة في الحجم لمدينة طروادة - منطقة الأناضول في تركيا الآن - في العصر البرونزي المبكر.
وقد استعاد الفريق بقايا نباتية وحيوانية غير مسبوقة، وفخاريات، وأحجاراً، تعود جميعها إلى العصر الحجري الحديث الأخير. كما كشفت أعمال التنقيب عن أدلة واسعة النطاق على وجود حفر تخزين عميقة.
ومن المهم أن المواقع المعاصرة ذات الحفر المماثلة تم العثور عليها على الجانب الآخر من مضيق جبل طارق في شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث أشارت اكتشافات العاج وبيض النعام منذ فترة طويلة إلى وجود صلات أفريقية.
ويشير هذا إلى أن المغرب كان له دور فعّال في التطورات الأوسع في غرب البحر الأبيض المتوسط خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد.
ومن الواضح أن وادي بهت وشمال غرب المغرب كانا جزءاً لا يتجزأ من منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع. وعلى هذا النحو، فإن هذه الاكتشافات تغيّر بشكل كبير فهْمنا لعصور ما قبل التاريخ اللاحقة للبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
وكما ذكر باحثو الدراسة: «من الأهمية بمكان أن ننظر إلى وادي بِهْت ضمن إطار أوسع متطور ومترابط، يضم الشعوب على جانبي بوابة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي خلال أواخر الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد. وعلى الرغم من احتمالية الحركة في كلا الاتجاهين، فإن الاعتراف به كمجتمع متميز قائم على أساس أفريقي ساهم بشكل كبير في تشكيل ذلك العالم الاجتماعي الواسع».