الفيلم السعودي «مبتعث»... صراع نفسي بين الواقع والخيال المرعب

براء عالم لـ«الشرق الأوسط»: قدمنا قصة بهوية ثقافية بجودة وتقنيات الأفلام العالمية نفسها

صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
TT

الفيلم السعودي «مبتعث»... صراع نفسي بين الواقع والخيال المرعب

صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)
صورة لأحد مشاهد براء عالم في فيلم التشويق والرعب «مبتعث» (الشرق الأوسط)

استقبلت صالات السينما في السعودية ودول الخليج فيلم التشويق والرعب السعودي «مبتعث» الذي حقق نجاحاً ملحوظاً في أول أسبوع من عرضه والذي شارك في مهرجاني الغردقة السينمائي وكازابلانكا، ونال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.

تدور أحداث الفيلم الذي يمتد إلى نحو 105 دقائق حول «حمد» الطالب السعودي المبتعث في إحدى جامعات نيويورك عام 2010، ومع ضغط من أسرته المكونة من أب وأم مسنين يتفاقم شعوره بالذنب ليقرر حينها العودة إلى السعودية؛ ليجد أن أهله وبيئته ليسوا كما عهدهم، وهنا يظهر الصراع النفسي بين الواقع والخيال في أشد الأحداث رعباً.

سيناريو الفيلم مستلهم من قصص واقعية حدثت مع أشخاص من دائرة العلاقات المحيطة بالمخرج عامر الكامل، ظهر عليهم فيها أثر المرض النفسي ورحلة الشعور بالذنب، وكيف أثَّرت الغربة على روابطهم الأسرية. وهذا ما جعل للفيلم قيمة إنسانية عالية، فهو ليس فيلم رعب وتشويق مسلياً وحسب، بل يحمل أيضاً قيماً إنسانية واجتماعية قد تدفع البعض إلى التفكّر أكثر فيما وراء الصورة. فيلم «مبتعث» الذي تم تصوير جميع مشاهده بين السعودية والإمارات، بالإضافة إلى بضع لقطات من مدينة نيو يورك في أميركا التي كانت بلد الابتعاث لشخصية «حمد» في بداية الفيلم، من كتابة وإنتاج وإخراج عامر الكامل، وبطولة براء عالم، ونايف الظفيري وحابس حسين.

براء عالم بطل فيلم «مبتعث» في أحد مهرجانات السينما (الشرق الأوسط)

عناصر التشويق

عن التجرية يقول براء عالم صاحب شخصية «حمد»: «ألهمتني الرغبة في استكشاف التغيرات النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تحدث عندما يعود شخص إلى منزله بعد فترة طويلة من الغياب، تلك العودة قد تكشف عن جوانب مظلمة في داخله لم يكن يتوقعها، ناهيك عن كونها تجربة جديدة لم أخضها من قبل، ومن النادر أن نشاهد فيلماً عربياً من فئة الرعب ينجح في شد وتشويق المشاهدين لعالمه، وبصفتي ممثلاً أحب أن أجرّب أنواعاً جديدة وأنوّع في الأدوار التي أقدّمها».

تحدي الشخصية

براء عالم تجذبه الشخصيات المركبة التي تتطلب حالة استثنائية في الأداء والتقمص، فبعد شخصية الجني «حوجن» التي قدمها في أول فيلم فنتازيا سعودي، يطل براء بشخصية «حمد» في فيلم «مبتعث» ليقدم شخصية شاب سعودي وحيد والديه يبتعد عنهما للدراسة في أميركا وينخرط هناك في مجتمعات غير صحية، ويصاب باضطراب نفسي سببه عقدة الذنب لترك أهله، هذه الشخصية لم يكن أداؤها سهلاً، بحسب براء؛ فهي تطلبت منه جهداً نفسياً وبدنياً عالياً؛ مما جعل أبعادها النفسية وتعقيداتها تترك أثرها عليه حتى بعد نهاية التصوير.

من كواليس فيلم «مبتعث» مستخدم فيها تقنيات تصوير وديكورات موحشة ومظلمة (الشرق الأوسط)

واجه فريق عمل الفيلم تحديات عدة، أهمها كانت تتعلق بكيفية إيصال الأجواء النفسية المرعبة بصورة وهوية محليّة صادقة، وبحسب براء: «من السهل أن ننسخ الأفلام الأجنبية التي قدمت قصصاً من النوع نفسه ونعيد تعريبها وتقديمها للمشاهد، لكننا اجتهدنا وحاولنا أن نقدّم قصة صادقة بهوية ثقافية أصيلة بجودة وتقنيات الأفلام العالمية نفسها من النوع ذاته، ناهيك أيضاً عن ظروف التصوير الصعبة بحكم تعقيدات الشخصية النفسية، أشكر زملائي الممثلين وفريق العمل الذين تحمّلوني أثناء فترة التصوير، فلا أظن أنني كنت شخصية اجتماعية مرحة بحكم الأهوال النفسية التي كانت تمر بها شخصيتي أثناء التصوير».

فيلم «مبتعث» لا يركز على الابتعاث ويجعل منه مركزاً للقصة، فالابتعاث في الفيلم - بحسب براء - عالم له معنى مجازي أكثر من كونه طالباً يدرس خارج وطنه بشكل حرفي، لكنه يعتقد أن كل شخص ابتعد عن عائلته سواء لدراسة أو عمل قد يتّصل بالقصة بشكل أو بآخر، فجزء كبير من معاناة شخصيّة «حمد» في الفيلم قادم من شعوره بالفن لتركه أهله لفترة طويلة من الزمن، وابتعاده عنهم في أوقات قد تكون صعبة عليهم؛ وهذا ما أدّى إلى تدهور حالته النفسية وأوصلنا إلى أحداث الفيلم.

تميز وتفرد فني

فيلم «مبتعث» يتميز عن غيره من الأفلام بمزجه بين الدراما النفسية والرعب، في فئة لم يتم التطرق لها كثيراً في الأفلام المحليّة، فالكوميديا مثلاً فئة منتظرة ومحبوبة لدى الجمهور المحلّي ومعظم المخرجين سيفكّرون مرّتين قبل أن يقدِموا على عمل فيلم من فئة قد يكون فيها مخاطرة الرعب والإثارة.

وعما إذا كان في الفيلم عناصر فنية أو موضوعية تجعله فريداً، قال براء: «بالتأكيد الموسيقى التصويرية كان لها دور كبير في نقل مشاهد الشخصيات في الفيلم للمشاهد، وأيضاً تقنيات التصوير السينمائي والديكورات المستخدمة، وبحكم الحقبة الزمنية التي تدور فيها أحداث الفيلم، اشتغل فريق الديكور على بناء مواقع تصوير فريدة من نوعها موحشة ومظلمة، أيضاً لا أستطيع أن أنسى أداء صديقَي الممثلين المبدعين نايف الظفيري وحابس حسين اللذين قدّما أداءً رائعاً وأضافا لشخصيتي والفيلم إضافات قيّمة جداً».


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.