أفادت دراسة أميركية بأنّ العاملين من المنزل يشعرون بالضيق ويتوقون إلى ماضٍ متخيَّل لِما قبل انتشار وباء «كوفيد-19»، حيث كانوا يشعرون بالاستقرار والارتباط بزملائهم في بيئات العمل الطبيعية، ما وصفه الباحثون بـ«نوبات الحنين إلى الماضي».
ووفق النتائج التي توصّل إليها فريق بحثي مشترك من جامعات أميركية، فإنه منذ عامين على الأقل، يحاول الرؤساء التنفيذيون إعادة الموظفين إلى المكاتب مرّة أخرى، مشيرين إلى التأثيرات السلبية المفترضة للعمل عن بُعد على مستوى الإنتاجية ومعنويات العمل والتعاون الإبداعي بين الموظفين.
ووفق الدراسة، فإنّ المديرين يواجهون صعوبة في مراقبة فرق العمل المتفرقة وتحفيزها.
ويرى أستاذ الإدارة في كلية «دونالد جي كوستيلو» للأعمال في جامعة «جورج ماسون» الأميركية، وأحد باحثي الدراسة، كيفن روكمان، أنّ الضجة المتعلّقة بالعمل عن بُعد تخفي قضايا ثقافية أعمق تلعب دوراً مؤثراً في عدد من المنظمات، مضيفاً في بيان نشر، الجمعة، عبر منصة «ساينس إكس نتورك»: «هذا الضيق الثقافي يجعل الموظفين يتوقون إلى ماضٍ متخيَّل حيث شعروا بالاستقرار والارتباط بزملائهم. باختصار، العاملون عن بُعد يعانون نوبات الحنين إلى الماضي».
وتوثّق الدراسة التي شاركت في تأليفها جيسيكا ميثوت من «روتغرز»، وإميلي روزادو سولومون من جامعة «بابسون» الأميركيتين، نتائج الاستطلاعات التي أجريت 3 مرات يومياً على مدى أسبوعين مع 110 موظّفين محترفين يعملون بدوام كامل، خلال ذروة انتشار الوباء في سبتمبر (أيلول) 2020.
وطُلب من المشاركين في الدراسة الإبلاغ عن مشاعر الحنين إلى الماضي لديهم، بالإضافة إلى استراتيجيات التأقلم العاطفي مع نمط العمل من المنزل، ومستوى أداء المَهمّات، وسلوكيات العمل غير المنتجة (على سبيل المثال، عدم تقديم الدعم إلى الزملاء وسرقة الوقت على حساب وقت العمل الفعلي).
اعترفت الغالبية العظمى من المشاركين (98 من 110) بتجربة الحنين إلى الحياة قبل الوباء.
كانت إحدى الطرق التي تفاعل بها المستجيبون مع الحنين إلى الماضي هي استخدام ما يُسمّى باستراتيجيات «التغيير المعرفي» التي تساعد في تنظيم المشاعر من خلال إحداث تحوّلات في منظورهم للعمل. ويبدو أن هذه الاستراتيجيات أثارت لدى المشاركين في الاستطلاع استجابات عاطفية دفعتهم إلى التواصل مع الزملاء للتحقّق من أحوالهم أو تقديم المساعدة.
ومع ذلك، كان ثمة مسار أكثر قتامة في نتائج روكمان. فبدلاً من التواصل مع الآخرين استجابة للحنين إلى الماضي، كان المستجيبون يميلون إلى الانطواء على أنفسهم في محاولة لتقليل الانزعاج العاطفي من هذا الروتين اليومي. يوضح روكمان: «إنها آلية دفاعية، فلا تشعر أنّ لديك الوسائل للتواصل مع الآخرين، لذلك تشغل انتباهك بعيداً عن مصدر الألم».
ووفق نتائج الدراسة، أدّى هذا المسار إلى حوادث تشمل سلوكيات العمل المضادة للإنتاجية المذكورة أعلاه.
ويقول روكمان إنّ ظروف العيش وسط الوباء تظلّ ذات صلة لسببين على الأقل. تبدو التعليقات المكتوبة للمستجيبين للاستطلاع كأنها قد كُتبت بالأمس، وليس قبل 4 سنوات. كما تدور موضوعات الحنين الشائعة حول زملاء العمل، وبنية العمل المشترك، وهي الشكاوى التي تُسمع كثيراً من العاملين عن بُعد في عام 2024.
ورغم أنّ تطبيق آليات العمل عن بُعد تأتي سابقة لـ«كوفيد-19»، كما وثّقت بحوث روكمان السابقة حول هذا الموضوع، فقد أدّى الوباء إلى تسريع التحول الحتمي الذي كان جارياً بالفعل. لذلك، من المرجح أن يشعر الموظفون في سنّ معيّنة ببعض الحنين، حتى لو لم تكن هناك جائحة.
ولكن كيف يمكن للمنظمات مساعدة الموظفين في التغلُّب على هذا الحنين، أو على الأقل تشجيع طرق أكثر صحية للتعامل معه؟ قد تكون الإجابة الواضحة هي ما يحاول الرؤساء التنفيذيون القيام به الآن، وهو إنهاء العمل عن بُعد تماماً.
ووفق نتائج الدراسة، فإن مكافحة وباء الحنين إلى الماضي تتطلّب إعادة ضبط ثقافي لعدد من المنظّمات. يشدّد روكمان: «سيحتاج المديرون إلى التعامل بشكل أوثق مع الموظّفين، وطرح أسئلة حساسة (على سبيل المثال، ما الذي تفتقده في العمل هنا قبل الوباء؟)، والتعاون في خلق حلول فردية لمساعدة الموظفين على التكيُّف بشكل كامل مع التغييرات الكبرى في بيئة عملهم».