في صالة عرض مارشيانو، يُقام حالياً معرض للنحاتة الإيطالية باولا غريزي. قد لا تكون قد سمعت باسمها ولا تخطّيت عتبة ذلك الغاليري من قبل، لكن مرورك العابر بساحة «فوج» في باريس يجذبك إلى التوقّف أمام تلك الواجهة الزجاجية التي تعرض منحوتات من البرونز تلفت النظر. نسرق من الزمن ساعة، وندخل لنتأمل وندقّق ونقرأ الدليل. نكتشف أنّ الفنانة زميلة لنا في مهنة الصحافة، بالإضافة إلى كونها نحاتة بارعة.
يجمع ما بين المنحوتات المعروضة خيط واحد. هناك كتب ودفاتر مفتوحة تطلع من بين صفحاتها «جنّيات» معجونات مع الكلمات. هل هنَّ كاتبات أم قارئات أم هاربات من مشاعر مسطَّرة بالقلم في رسالة حبّ ماضٍ؟ وهناك قدرة الفنانة في التحكُّم بمادتها، أي البرونز، بحيث تبدو ملساء طليّة متعدّدة الألوان، ما بين الفضي والرمادي والذهبي.
وُلدت باولا غريزي في روما عام 1968، وورثت حبّ الفنّ من جدّها الذي كان رساماً ونحاتاً. درست الأدب واشتغلت في الصحافة. لكنّ التعبير بالقلم لم يشبع نهمها إلى التعبير بالإزميل وقوالب المواد الصلبة والثقيلة. تقول إنها أرادت قولبة الأرض والتحكُّم بالمادة. وهكذا جمعت بين موهبتَي الكتابة والنحت. وتجلّى ميلها للأدب في أعمالها الفنية. لقد كانت شغوفة بدسّ الحضور الإنساني بين دفتَي كتاب.
لا طائل من محاولة فكّ الخطّ في المنحوتات. الأجدى قراءة وجوه النساء فيها ومحاولة النفاذ إلى ذلك السرّ الذي يجعلها تراوح ما بين الشجن وتسبيل العينين أو التطلُّع نحو البعيد. منحوتات جميلة تأسرك ولا تتركك خالي البال من التساؤلات.
نالت النحاتة شهرة عالمية؛ ومن إيطاليا ذاع اسمها في فرنسا ووصلت أعمالها إلى الصين. أقامت هناك ضيفة على مدينة تشانتشون، واقتنى منحوتاتها هواة معروفون وجامعو أعمال فنّية من أصحاب المجموعات الخاصة. كما نالت جوائز مرموقة عدّة، وكان من حظّها أن تُعرض منحوتاتها في المعرض العالمي الذي استضافته «حدائق إتريتا». وهي فضاء مستقبلي ساحر الخضرة في مقاطعة النورماندي الفرنسية يستلهم بنظرة حداثية الجنائن التي رسمها الانطباعيون في القرن الماضي، أمثال كلود مونيه.