يواصل «مشروع الجزيرة العربية الخضراء» جهوده التي بدأت منذ عام 2010 لدراسة العلاقة بين التغيرات المناخية المتتالية التي مرت على الجزيرة العربية عبر العصور، والتي أسفرت عن اكتشافات ثمينة حول وجود البشر في المنطقة منذ آلاف السنين. وكشف الدكتور عجب العتيبي، مدير إدارة البحث والتوثيق الأثري في هيئة التراث السعودية، أن المشروع أنجز 12 موسماً منذ انطلاقه، وكان الكشف عن دلائل 170 منشأة حجرية في شمال السعودية هو آخر ما توصل إليه فريق عمل المشروع، المكون من كوادر سعودية ودولية.
وقال الدكتور عجب العتيبي إن «مشروع الجزيرة العربية الخضراء» ينجح في كل موسم بتوثيق كثير من المواقع الأثرية التي تسلط الضوء على دراسة التنوع البيئي والأحيائي وأصول الإنسان في السعودية. وكشف العتيبي، في مؤتمر صحافي عقدته «هيئة التراث»، الأربعاء، في مدينة الرياض، أن المشروع يتضمن دراسة التغيرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزيرة العربية على مدى العصور المتتالية، ويمثل جهوداً علمية مشتركة بين هيئة التراث والجامعات المحلية والدولية ومجموعة من المتطوعين وطلاب الدراسات العليا الذين يساهمون في دعم الأعمال الميدانية.
ولفت العتيبي إلى أن المشروع يعمل على دراسة التغير البيئي في الجزيرة العربية، ودراسة علم الأحافير القديمة، والمناخ القديم، إضافة إلى دراسة سلوك البشر الأوائل والفصائل الحيوانية، ووضع تسلسل زمني موثق للمنطقة، ما يساهم في فهم تطور الحياة والثقافة في المنطقة على مدى مئات الآلاف من السنين، وذلك من خلال مسح الكهوف القديمة، والحرات البركانية، والبحيرات القديمة، كما أشار إلى أنه بالتزامن مع العمل الميداني، ينشط العمل على صعيد النشر العلمي، من خلال المجلات العلمية المحكمة الدولية، أو الأوعية العلمية المحلية.
كما كشف مدير إدارة البحث والتوثيق الأثري في الهيئة أن المشروع نجح في اكتشاف أحافير لحيوانات متنوعة الفصائل، بالإضافة إلى العثور على بقايا أقدم إنسان على أرض الجزيرة العربية قبل 85 ألف سنة من العهد الحالي، ووجود أدلة متعددة على وجود البشر في المنطقة منذ آلاف السنين، ما يعزز فهم الهجرات البشرية وتكيف المجتمعات مع التغيرات المناخية، واكتشافات تشير إلى أن الجزيرة العربية كانت خضراء في فترات عدة خلال التاريخ، ما يغير النظرة التقليدية والسائدة بشأن كون المنطقة صحراء جرداء وجافة.
من جهته، قال الدكتور عبد الله الشارخ، المشرف على «مشروع الجزيرة العربية الخضراء»، إن فكرة المشروع تدور حول فهم التراث الحضاري للسعودية في الفترات الزمنية القديمة، ومن هذا المنطلق يسعى المشروع إلى توثيق الوجود البشري المبكر في الجزيرة العربية عبر العصور المتعددة. وأشار الشارخ، خلال المؤتمر، إلى أن هذا المشروع الرائد يستخدم العلوم التطبيقية وتقنيات ووسائل بحثية ومعملية متقدمة من أجل فهم التراث الحضاري للسعودية، وساهم المشروع في إتاحة الفرصة للباحثين والباحثات والطلبة للمشاركة في هذه المشاريع وكسب الخبرات المتعددة حول العمل الميداني.
وكشف الشارخ أن نتائج المشروع سلّطت الضوء على قدرة المجتمعات البشرية التي سكنت الجزيرة العربية على التكيف مع الظروف المحيطة بها، وأقامت المنشآت والمباني التي تلبي احتياجاتها اليومية، وغالباً ما تكون هذه المجتمعات متنقلة، وأن نمط المستطيلات التي ركز عليها المشروع مؤخراً، لدراسة نحو 170 منشأة حجرية من نمط المستطيلات التي بنيت على مدى أكثر من 1000 سنة في شمال السعودية، تدل على أن هذه المجتمعات البشرية كانت في مرحلة استكشاف وتوسع وتنقل من مكان لآخر، بغرض الارتباط بالموارد المعيشية وتوفرها، كما أظهرت الدراسة الحديثة ارتباط هذه المنشآت بمصادر المياه الطبيعية، ولكن نظراً للظروف الطبيعية والمناخية لم يتسنَّ لها الاستقرار بشكل دائم، خصوصاً خلال الفترات المتأخرة.