مهرجان «نزال سلّم ع بيروت» عربون وفاء لمدينة ترفض الحزن

يحمل تحية تكريمية لشارع «بلسّ» البيروتي العريق

نموذج من عمارات شارع بلسّ في رأس بيروت (تراث بيروت)
نموذج من عمارات شارع بلسّ في رأس بيروت (تراث بيروت)
TT

مهرجان «نزال سلّم ع بيروت» عربون وفاء لمدينة ترفض الحزن

نموذج من عمارات شارع بلسّ في رأس بيروت (تراث بيروت)
نموذج من عمارات شارع بلسّ في رأس بيروت (تراث بيروت)

يعدّ شارع بلسّ واحداً من الشوارع الرئيسية في منطقة رأس بيروت، ويقع بموازاة شارع الحمراء الشهير. سمّي الشارع هكذا تخليداً لذكرى الدكتور دانيال بلسّ الأميركي الذي أسس الجامعة الأميريكية في بيروت. وكان الترامواي قديماً يمر في الشارع، ويتوقف أمام البوابة الرئيسية للجامعة الأميركية، قبل إغلاقه منتصف الستينات من القرن العشرين. تقع الجامعة المذكورة على الجهة الغربية من الشارع الذي يتضمن العديد من المعالم التاريخية والمباني التجارية والمقاهي والمطاعم والحانات، إضافة إلى المكتبات.

شارع يعبق بالذكريات والجلسات الحلوة يحفر في ذاكرة أجيال من اللبنانيين، فيمثّل لطلاب الجامعة الأميركية، كما سكان الحي، جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة بيروت الحلوة.

مؤخراً تم الإعلان في مؤتمر صحافي عقد في وزارة السياحة عن إطلاق مهرجان «ألوين» في شارع بلسّ. ويقام تحت شعاري «مشوار ع بلس مشوار» و«نزال سلّم ع بيروت»، ويأتي كعربون وفاء لـ«ستّ الدنيا» وشارع بلسّ، الذي تطبعه نفحة الشباب بحكم وجود صرح الجامعة الأميركية فيه.

مهرجان «نزال سلّم ع بيروت» في 21 و22 سبتمبر الحالي

المديرة التنفيذية لشركة «أورا ميديا» المنظمة للمهرجان، آية موسى، أشارت خلال المؤتمر إلى أن الهدف من هذا المهرجان هو إعادة النبض إلى بيروت. فيما أعلن زميلها عاصم حمزة عن برنامج المهرجان، ويمتد على مدى يومي 21 و22 سبتمبر (أيلول) الحالي. سيتم إقفال الشارع، كي يصبح خاصاً بالمشاة فقط. وتبدأ فعاليات المهرجان من الثالثة بعد الظهر حتى منتصف الليل. وتتألف نشاطاته من عروض موسيقية وغنائية وأخرى للحكواتي طارق كوّى.

أدار المؤتمر الإعلامي جمال فياض، وحضره نقيب الفنانين اللبنانيين نعمة بدوي ونقيب محترفي الموسيقى والغناء فريد بو سعيد. كما شارك في إطلاقه نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي خالد نزهة وإعلاميون.

وأكد وزير الإعلام زياد مكاري، في كلمة مختصرة، أن هذا الحدث من شأنه أن يحرّك قلب المدينة. وتابع: «إنه يجعل هذا البلد يوحي بالتحدي والفرح والمحبة ويشجّع على القدوم إليه». كما أبدى استعداده الدائم لدعم السياحة، والحركة الإعلامية التي تواكبها دائماً، لتظهر صورة لبنان الحياة.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، تصرّح نائبة جمعية «تراث بيروت»، إنعام خالد، بأن لشارع بلسّ خصوصية تطبعه على مدى حقبات تاريخية. وتضيف: «بدأ هذا الشارع يتجه نحو الحداثة في أوائل القرن العشرين، فصار يعكس الحياة الثقافية والتعليمية بسبب صرح الجامعة الأميركية، ومكتبات ومراكز ثقافية أخرى. كما يتمتع بطراز عمراني تراثي يغلب على عماراته ومبانيه. فهو تأثر بالحقبة العثمانية كما بالانتداب الفرنسي. فجمع في مشهديته ما بين الماضي والحاضر».

وترى إنعام خالد أن الشارع يعدّ امتداداً للجامعة الأميركية؛ إذ كانت هيئة التدريس والطلاب يرتادونه باستمرار. وهو ما شكّل هويته الثقافية المعروف بها اليوم.

صالون «مايك» من أقدم معالم شارع بلسّ (تراث بيروت)

وإذا ما قمت بجولة في شارع بلسّ، فلا بد أن تتوقف عند مطعم «فيصل». وتقول إنعام خالد: «كان يعدّ رمزاً من رموز شارع بلسّ، يقدم أشهى فطائر السبانخ بدبس الرمان منذ الثمانينات. أما منافسه «سقراط» الذي انتقل اليوم في شارع الحمراء بعدما تم هدم مبناه، فله قصته مع الشارع. وكان يسمّى مدخل الجامعة الأميركية المطل عليه بـ«بوابة سقراط».

تطول لائحة مطاعم ومقاهي بلس التي تشتهر بها بيروت منذ القدم، وبينها «سناك يونيفرسال». وكان من أوائل المطاعم التي تقدم شطائر الهمبرغر اللذيذة. ويُعد حتى اليوم واحداً من أقدم 7 مطاعم في بيروت. ولا يزال رواده من أعمار متقدمة يحبونه لاسترجاع ذكرياتهم.

ومن أقدم محلاته التي لا تزال تحافظ على هندستها القديمة منذ الثلاثينات «صالون سفر» للحلاقة. وكان يلقب هذا المكان بـ«كرسي الاعتراف». فكان يقصده الأستاذ والمحامي والمهندس والطبيب والفران والسياسي. ويستأنس صاحبه في ذلك الوقت أبو جميل بأحاديثهم، ويبوحون له خلال حلق شعرهم بأسرارهم ومشاكلهم، وكذلك يشتهر في الشارع «صالون خليل» المعروف باسم مايك. فكان مَعْلماً معروفاً في هذا الشارع نظراً لأنه مقصد طلاب الجامعة الأميركية وتلامذة مدرسة «الآي سي». ومن الزمن الجميل بقي درج تراثي يعود للعهد العثماني يربط شارع بلسّ بشارع بيار دودج الموازي لكورنيش المنارة. وقد حجبته عن النظر كما عن المارة جدران إسمنتية.

أما محلات طرزي لبيع المثلجات فكانت قد افتتحت على هذا الدرج من قبل صاحبها إيلي طرزي، واشتهرت يومها باسم «فريسكو» للكبار والصغار.

ومن معالم شارع بلسّ مخفر حبيش. ويقع في محيط طلابي وسكني مزدحم ويُعد من أشهر مخافر مدينة بيروت.

وتختم إنعام خالد بأن أشهر سكان شارع بلسّ المتاخم لشارع المكحول آل بخعازي والداعوق وشهاب وعيتاني ولبّان وغيرهم. وتميّزت بيوته البيروتية التراثية بحدائق حولها. وكذلك بشكلها المربّع ونوافذها الخشبية المقفلة دائماً وتعرف بـ«النوافذ الصمّاء».


مقالات ذات صلة

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

يوميات الشرق مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية شهد حضور فنانين مصريين ومن دول أفريقية (صفحة المهرجان على «فيسبوك»)

«الأقصر للسينما الأفريقية» في مرمى الأزمات المالية

شهد معبد الأقصر، مساء الخميس، انطلاق فعاليات الدورة 14 من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وسط تحديات عدة أبرزها الأزمة المالية نتيجة تقليص ميزانية المهرجانات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق من أفلام شاشات الواقع «النهار هو الليل» لغسان سلهب (المكتب الإعلامي للمهرجان)

مهرجان «شاشات الواقع» في دورته الـ19 بانوراما سينما منوعة

نحو 35 فيلماً وثائقياً طويلاً وشرائط سينمائية قصيرة، يتألف منها برنامج عروض المهرجان الذي يتميز هذه السنة بحضور كثيف لصنّاع السينما اللبنانيين.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة ألوان زاهية (أ.ف.ب)

مناطيد الهواء الساخن تُزيِّن سماء النيبال

أطلقت بوخارا أول مهرجان لمناطيد الهواء الساخن يُقام في النيبال، إذ تحوّلت سماء المدينة لوحةً من الألوان الزاهية ضمن مشهد شكّلت ثلوج قمم «هملايا» خلفيته.

«الشرق الأوسط» (بوخارا (النيبال))
يوميات الشرق حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي (وزارة الثقافة)

«بين ثقافتين» التقاء الثقافتين السعودية والعراقية في الرياض

يقدم مهرجان «بين ثقافتين» الذي أطلقته وزارة الثقافة في مدينة الرياض، رحلة ثريّة تمزج بين التجارب الحسيّة، والبصريّة.

عمر البدوي (الرياض)

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.