«المواقع الجيولوجية السعودية»... تنوّع فريد ودلائل على استيطان بشري قديم

مجلة «أرضنا» تسلّط الضوء على ثراء وتنوّع البيئة وذخائرها الثمينة

تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
TT

«المواقع الجيولوجية السعودية»... تنوّع فريد ودلائل على استيطان بشري قديم

تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)
تُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق ويبلغ أقصى ارتفاع للعرمة 805 أمتار (واس)

تزخر السعودية بعديد من المواقع الجيولوجية التي تعكس التنوّع البيئي الفريد، وتفتح نوافذ علمية واستكشافية إلى ما تختزنه أرضها من كنوز حضارية لا تقدَّر بثمن، وموارد وثروات طبيعية هائلة، بالإضافة إلى إبراز دور وجهود المملكة في الحفاظ على هذه الثروات واستكشافها لخير المجتمع ونفع البشرية، ومن هذا المنطلق احتفت مجلة «أرضنا»، في عددها الأخير الصادر في أغسطس (آب) الماضي، بعدد من المواقع الجيولوجية في البلاد، وسلّطت المجلة العلمية التي تصدر كل عام، عن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، الضوءَ على ثراء وتنوّع البيئة وذخائرها الثمينة.

لا تزال صحراء الربع الخالي بحاجة إلى المزيد من الاكتشافات والدراسات المتخصصة (واس)

دلائل استيطان بشري قديم

وكتبت خولة بنت علي القحطاني، مسؤول أول تفتيش آثار في هيئة التراث بالمنطقة الشرقية، عن البحيرات القديمة في صحراء الربع الخالي التي يعدّها العرب عبر العصور مخزناً للأسرار غير المكتشفة، وبينما لا تزال صحراء الربع الخالي بحاجة إلى المزيد من الاكتشافات والدراسات المتخصصة فإن القليل مما يُكتشَف فيها يثير الدهشة والإعجاب بشأن الكنوز الحضارية الفريدة التي لا تقدَّر بثمن.

وقد عُثر في صحراء الربع الخالي على مجموعة من قيعان البحيرات القديمة «أحواض مائية مغلقة» ذات أحجام وأشكال مختلفة، منها دائري، وهلالي، وهضاب منعزلة شديدة الانحدار، وذلك حسب اختلاف طبيعة الأرض، وخصائصها الجيولوجية.

ونقلت الباحثة في مشاركتها عبر المجلة، نتائج مشروع المسح الجيوفيزيائي الذي قام عليها متحف الدمام الإقليمي، وشركة «سراك»، خلال 5 مواسم عمل متتالية من شهر مارس (آذار) وحتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2006.

ما يُكشَف في الربع الخالي يثير الدهشة والإعجاب بشأن الكنوز الحضارية الفريدة في طيات كُثبانها الرملية (واس)

وفي منطقة شرق السليل وشمال شرق شرورة بالربع الخالي، تم اكتشاف ما يزيد عن 77 بحيرة طبيعية جافة، بأحجام مختلفة، تتشابه في خصائصها ومكوناتها، ما يشير إلى أن هذه البحيرات كانت في العصور المطيرة قبل 30 ألف عام متصلةً بعضها مع بعض، ولكن بسبب حقبة الجفاف التي لحقت العصور المطيرة انفصلت البحيرات، وطُمرت أجزاء كبيرة منها.

وتم العثور في قيعان البحيرات القديمة المكتشفة على العديد من القواقع والأصداف الحلزونية صغيرة الحجم، وآثار لسيقان وجذور نباتات متحجّرة، وآثار للحياة الحيوانية، كبقايا أجزاء من قشر بيض النعام المتحجّر، والكثير من الأحجار الكلسية والفروش والحجر الرملي الحديدي، بالإضافة إلى الطبقات من التراكمات الطينية والطمي المتحجّر، وتميّزت بعض البحيرات بأرضيتها التي كانت من الحجر الجيري الأبيض.

وأبرز ما تم اكتشافه في البحيرات هو دلائل الاستيطان البشري بالقرب من مصادر المياه العذبة، حيث تم العثور على مجموعة من الأدوات الحجرية المختلفة التي صنعها الإنسان القديم بغرض الصيد، وتؤرّخ الأدوات الحجرية مبدئياً إلى العصر الحجري الحديث، وتشير الباحثة إلى إمكانية الاستنتاج بحدوث تغيّر مناخي كبير في صحراء الربع الخالي، وذلك من خلال النظر إلى بقايا البحيرات الجافة، والنباتات المتحجرة، والأصداف والقواقع التي لوحظ أنها توجد في المياه العذبة تحديداً؛ لذا يمكن ربط مياه البحيرات العذبة باستيطان الجماعات البشرية منذ قديم الزمان بجوار هذه الموارد الضرورية التي تُعدّ إحدى أهم مقومات العيش البشري؛ لذا يمكن تفسير وجود الأدوات الحجرية المصنعة بشرياً بجوار وعلى ضفاف البحيرات القديمة في صحراء الربع الخالي.

هذا ويمكن الإشارة إلى أنه من المرجح أن تكون بحيرات صحراء الربع الخالي سابقاً كانت مرتبطة بأنهار تغذّي هذه البحيرات بجانب الأمطار والمياه الجوفية، وذلك بسبب شَبه امتداد البحيرات مع بعضها، وتشابه محتويات قيعانها.

تحتوي هضبة العرمة على طبقات جيولوجية مختلفة ذات خصائص متنوعة (واس)

تنوّع جيولوجي فريد من نوعه

وفي المجلة يشارك محمد الخان، الإخصائي الجيولوجي لدى هيئة تطوير محمية الإمام عبد العزيز بن محمد الملكية، تفاصيل عن هضبة العرمة التي أعطاها التنوع الجيولوجي قيمة طبيعية للمحمية، وتكوّن عدة موائل برّية للحياة الفطرية، من خلال التصدعات والأودية والنتوءات الصخرية، والبِرَك المائية الطبيعية الموسمية التي ساعدت على حفظ مياه الأمطار لفترات طويلة.

وتتكون هضبة العرمة من سلسلة من المرتفعات الواقعة في هضبة نجد الجيولوجية في شرق وسط شبه الجزيرة العربية، وشمال شرق مدينة الرياض، وتمتد على مسافة تزيد على 700 كم على شكل حزام مُنحنٍ مُوازٍ لنفود الدهناء من الشرق، وتُعدّ حافة العرمة آخر حوافّ هضبة نجد من الشرق، ويصل أعلى ارتفاع لها إلى نحو 805 أمتار، كما أنها تمتد منحدرةً باتجاه الشمال الشرقي، وتختفي طبقاتها في باطن الأرض، لتصل إلى مستوى سطح البحر.

تختفي طبقات هضبة العرمة في باطن الأرض لتصل إلى مستوى سطح البحر (واس)

وتحتوي هضبة العرمة على طبقات جيولوجية مختلفة ذات خصائص متنوعة، ما أضاف لجمالها في اللون والشكل، وتتكون من متكونين رئيسيين، هما: متكوّن العرمة والوسيع، حيث يغطي متكون العرمة الجزء العلوي من الهضبة، ويعود إلى العصر الطباشيري الأعلى، ويحتوي على الحجر الجيري، وحجر الدولوميت، وحجر الطفل الصفحي، وقد تكونت في بيئة بحرية عميقة وضحلة، ومن ثم يليه جزء سفلي من الهضبة، هو متكوّن الوسيع الذي يعود إلى العصر الطباشيري الأوسط، ويحتوي على الحجر الرملي المتكوّن في بيئة بحرية ضحلة.

كما تتميّز متكونات هضبة العرمة باحتوائها على أحافير اللافقاريات التي تعكس طبيعة البيئة البحرية القديمة المتكونة منها، وتمتاز منطقة هضبة العرمة بجمالية التكوينات الصخرية الناتجة عن عوامل التعرية والتجوية، مثل الرياح ومياه الأمطار التي أدّت مع مرور الزمن إلى نحت وتآكل الطبقات الصخرية، وأسهمت في تكوين الأودية والأخاديد والخشوم والحُفَر الوعائية والكهوف.

ومن أبرز الظواهر الجيولوجية التي ساعدت في تحلّل وتفتّت الصخور هي الفوالق والتصدّعات البارزة في المنطقة التي تُعدّ مصدراً مهماً لتغذية الخزانات الجوفية، وتنشط الانهيارات الصخرية على حافة هضبة العرمة بسبب اختلاف وتفاوت صلابة الصخور.

كما تُعدّ هضبة العرمة مورداً طبيعياً للمياه السطحية والجوفية، حيث تنحدر منها أهم الأودية الرئيسية في المنطقة (مثل وادي الثمامة، ووادي الطوقي، ووادي الجريذي)، وتمتد إلى الشمال الشرقي من محمية الملك خالد الملكية، وتصبّ في روضة خريم (إحدى أكبر الروضات في منطقة نجد)، وحائرة المزيرع في محمية الإمام عبد العزيز بن محمد الملكية، حيث إن هضبة العرمة تلعب دوراً كبيراً في تنظيم تدفق المياه، وتقليل حدوث الفيضانات في المنطقة، وذلك بوجود الصخور المنهارة على سفحها، والأودية العميقة النابعة منها، وكثرة الروضات حولها.


مقالات ذات صلة

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

يوميات الشرق المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الجائزة تهدف إلى تكريم المتميزين في خدمة اللُّغة العربيَّة (واس)

تكريم الفائزين بجائزة «الملك سلمان للغة العربية»

كرّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية الفائزين بجائزته في دورتها الثالثة لعام 2024، ضمن فئتي الأفراد والمؤسسات، في 4 فروع رئيسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج وزير الدولة السعودي خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي (واس)

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

شهدت العاصمة الرياض، الأحد، مناقشات سعودية - أوروبية تناولت جهود الجانبين في حل النزاعات الإقليمية والدولية وأوجه التعاون والتنسيق المشترك في العديد من المجالات

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.