«عروسة المولد» تواجه طمع الإنسان في «الحلم حلاوة»

مسرحية مصرية كوميدية تشتبك مع قضايا اجتماعية معاصرة

الخليفة الفاطمي يتحدث إلى مستشاريه (الشرق الأوسط)
الخليفة الفاطمي يتحدث إلى مستشاريه (الشرق الأوسط)
TT

«عروسة المولد» تواجه طمع الإنسان في «الحلم حلاوة»

الخليفة الفاطمي يتحدث إلى مستشاريه (الشرق الأوسط)
الخليفة الفاطمي يتحدث إلى مستشاريه (الشرق الأوسط)

تُعد عروسة المولد أحد مظاهر الاحتفال بذكرى «المولد النبوي» عند المصريين، ورغم تعدد الروايات عن أصلها فإن المتفق عليه هو أنها تعود إلى العصر الفاطمي، واستلهاماً من حكاية هذه العروسة يدور العمل المسرحي «الحلم حلاوة» الذي يعرض على مسرح قصر «الأمير طاز» بالقاهرة.

التراث والخيال يلتقيان في هذه المسرحية، التي تتصدى لقضية إنسانية عصرية، وهي تعاظم الأطماع والطموحات والإحساس الدائم بعدم الرضا في ظل ازدياد المغريات والانفتاح على العالم من حولنا، وانعكاس ذلك بالسلب على سعادة الإنسان و«راحة البال».

وتدور فكرة العرض حول عروسة المولد والفارس من خلال «حدوتة» غير تقليدية تنتقل بالمشاهدين إلى العصر الفاطمي، حيث تقع معظم أحداثها، وتبدأ المسرحية بطفلة صغيرة فقيرة تطلب من صانع الحلوى أن يمنحها «عروسة المولد» لتلعب بها في هذه المناسبة.

تميزت بديكور واستعراضات مستوحاة من التراث (الشرق الأوسط)

لكنها لا تملك ثمنها، فيدفعها الرجل بعيداً، وتحزن وتبكي، لكنها فجأة تجد أمامها فتاة شابة جميلة ترتدي ملابس العروسة وتقول لها: «أنا عروسة المولد جئت إليك بدلاً من اللعبة»، لكن الطفلة تقول: «لكنك كبيرة للغاية، كيف أحملك وألعب بك»، فترد: «إذن العبي معي وليس بي».

وتسأل عروسة المولد الطفلة عن سبب حزنها، فتجيبها بأنها لا تملك المال، ووالدها يفرط في خوفه عليها، ولا يسمح لها باللعب مع الآخرين، فتعرض عليها العروس أن تأخذها معها إلى القصر الذي تعيش به في العصر الفاطمي، وتوافق الطفلة، ويخوضان معاً مغامرات كثيرة.

العرض تأليف ياسر أبو العينين، فكرة وإخراج مي مهاب، بطولة مارتينا عادل، حور أحمد، أحمد صبري، وآخرين، أشعار طارق علي، استعراضات مصطفى حجاج.

المسرحية تعرض في قصر الأمير طاز التاريخي (الشرق الأوسط)

ووصف مؤلف العمل ياسر أبو العينين النص بأنه نص يستند إلى التفتيش في التراث، في محاولة لاستخراج بعض كنوزه، وتابع: «بدأت فكرته عندما حدثتني المخرجة مي مهاب عن انبهار الحضور في أحد المهرجانات الدولية عام 2015، بتصميم لها، عبارة عن (عروس عصا) على شكل (حلاوة المولد)؛ لتحصل على جائزة أفضل تصميم عروسة، وتساءلت مي لماذا لا نستثمر هذه الأيقونة المصرية في عمل مسرحي رومانسي يجمع ما بين التراث والهوية».

ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «رحبت بالفكرة، وبدأت بالفعل في كتابة عمل تكون بطلته (عروسة المولد)، لكني جعلته اجتماعياً كوميدياً، يشتبك أيضاً مع قضية عصرية موجهة لأفراد الأسرة باختلاف أعمارهم وتوجهاتهم في زمن طغت عليه المادية، وارتفاع سقف الرغبات والأطماع إلى حد مُبالغ فيه».

تميزت الملابس والديكور بألوان زاهية تناسب العصر الفاطمي في مصر (الشرق الأوسط)

من خلال أحداث العمل تتبادل الشخصيتان روحيهما، إذ تحل روح عروسة المولد في جسد الطفلة، ويحدث العكس أيضاً، على أن ينتهي ذلك في حالة اللمس، وبينما تنبهر الصغيرة بالقصر والمجوهرات وأنواع الطعام، وبذخ العصر الفاطمي، تشعر العروسة بسعادة بالغة لحصولها على حريتها؛ إذ إنها في الأصل جارية، كما أنها تستمتع بفكرة الأسرة، وأن يكون لها والدان يمنحاها الحنان والاهتمام والعطف، بدلاً من صرامة مشرفة الجواري.

لكن استقرار الحال لا يدوم طويلاً؛ إذ يهاجم القصر مجموعة جواسيس لصوص يحاولون سرقة وثائق مهمة، وتعرف الطفلة بالأمر، وتفشل في إبلاغ مسؤولي القصر، كما أنها تواجه مشكلة أخرى وهي رغبة الفارس في الزواج منها، بصفتها عروسة المولد التي يحبها، ولا يعرف أنها طفلة تسكن جسدها.

توظيف الدفوف لنقل الأجواء التراثية إلى الجمهور (الشرق الأوسط)

وفي الوقت نفسه تشعر عروسة المولد بالحنين لحياتها، وحبيبها الفارس، وحين تقرر الفتاتان استرداد روحيهما، وتقرران لمس بعضهما لتحقيق ذلك، تفاجئان بعدم جدوى هذه الطريقة، وتتوالى الأحداث.

من خلال تبادل الشخصيات قدم المؤلف معالجة غير نمطية لثيمة تطلع كل إنسان إلى ما يتمتع به الآخر، والأطماع التي لا تنتهي، مهما حاول أن ينفي ذلك؛ إذ تكتشف العروسة «حلاوة» أن محاولة العودة باللمس لا تفلح بسبب أن الصغيرة لا تزال متعلقة بفخامة القصر والحياة المرفهة والملابس الفاخرة.

وهنا تذكرها بمدينتها ومدرستها وأسرتها وحب الجميع لها، وتنبهها إلى أنها لا يمكن أن تعود إلى ذلك كله وتستمتع به، ما لم تخرج من وجدانها وعقلها هذه المغريات الزائفة. وقالت للطفلة: «لكم أتمنى لو أن لدي أسرة محبة مثلك»، وتتأثر الصغيرة وتعود لتلمس العروسة عن اقتناع، فتفلح المحاولة وتعود كل منهما لحياتها راضية وسعيدة.

العروسة واللص (الشرق الأوسط)

وتجمع المسرحية بين الفصحى والعامية المصرية، خصوصاً عندما تتحدث الطفلة، وجاء ذلك لسبب درامي، حسب المؤلف، وهو أنها لا تجيد الفصحى كونها لا تزال صغيرة وتعيش في الزمن الراهن، وعندما تنتقل إلى العصر الفاطمي لا يكون أمامها سوى الفصحى؛ ليفهمها المحيطون بها والذين لا يتحدثون سواها.

مضيفاً: «قمت بتوظيف الجمع بين الفصحى والعامية في تحقيق أجواء من المرح، إذ تتحدث الطفلة في الجملة الواحدة أحياناً بهما معاً؛ ما كان يثير دهشة الشخصيات الأخرى في العمل، ويؤدي إلى ضحك الجمهور».

وتُشبع المسرحية العين المُحبة للتراث ومفرداته من خلال الصورة؛ إذ تتمتع الملابس بألوان زاهية وتصاميم تتسق مع العصر الفاطمي، وكذلك الديكور الذي زخر بالزخارف والتفاصيل العتيقة، فضلاً عن حمل الشخوص في الاستعراضات للدفوف المزدانة برموز من التراث المصري مثل رسوم المزمار والحصان وعروسة المولد، ومن خلال اللمبات الموجودة داخل الدفوف، التي تضيء في الظلام تبرز هذه الأشكال وغيرها بوضوح.


مقالات ذات صلة

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

يوميات الشرق فريق مسرحية «الأرتيست» (صفحة العرض على «فيسبوك»)

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

حصدت المسرحية المصرية «الأرتيست» إعجاباً لافتاً من جمهور ونقاد وفنانين أشادوا بها منذ انطلاقها منتصف العام الماضي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)

«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

للمرّة الأولى، تتبدَّل مقاعد المسرح لتصبح الأساسية فيها ثانوية، ويكون مُشاهد العمل على بُعد سنتيمترات من الممثلين.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من العرض المسرحي «الطريق» (هيئة قصور الثقافة)

26 عرضاً مسرحياً مصرياً تتنافس في «السامر» و«روض الفرج»

يتنافس 26 عرضاً مسرحيّاً في الدورة الـ47 للمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بمصر، على مسرح السامر بالجيزة (غرب القاهرة)، ومسرح قصر ثقافة روض الفرج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق في مسرحية جو الخوري تتحوّل الرحم إلى خشبة (مسرح المونو)

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

الخيط السردي الذي يربط الداخل بالعالم الخارجي، شبيه بحبل السرّة: مرئيّ، لكنه هشّ... متين بما يكفي ليُغذّي، وضعيف بما يكفي ليخنق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عرض «كارمن» وفق رؤية إخراجية جديدة (وزارة الثقافة المصرية)

«كارمن» تعود مجدداً لخشبة المسرح المصري برؤية حداثية

تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية.

محمد عجم (القاهرة )

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
TT

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)

استعان مهرجان «موازين»، في دورته الـ 20 والتي تقام فعالياتها حالياً في العاصمة المغربية الرباط، بشخص شبيه للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، ليجسد صورته «الهولوغرامية»، مع الاستعانة بصوته الأصلي لتقديم عدد من أغنياته، التي تعود ملكيتها للمنتج محسن جابر، وذلك لتجاوز الأزمة التي نشبت قبل الحفل بين ورثة العندليب وإدارة المهرجان.

وخرج الحفل «الهولوغرامي»، الذي أقيم على خشبة «المسرح الوطني... محمد الخامس» للنور، ورفع شعار «كامل العدد»، حسب إدارة المهرجان، بعد أزمة كبيرة دارت خلال الأيام الماضية بين ورثة العندليب، وإدارة مهرجان «موازين»، التي استعانت بشركة أخرى غير التي تتعاون مع الورثة، نظراً لأنها ليست شركة مغربية خالصة، وفق بيان للمهرجان.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

الحفل الذي رفع شعار «كامل العدد»، حضره نخبة من الشخصيات الرسمية، وفق بيان المهرجان، الذي أكد أن كل ما نشر عن إلغائه أو منعه لا يمت للحقيقة بصلة، وكان الغرض منه إثارة الجدل فقط، وأنه أُقيم بشكل قانوني، بعد حصولهم والشركة المنظمة على جميع التصريحات الرسمية من المنتج محسن جابر، صاحب الحقوق الحصرية لأرشيف عبد الحليم.

وتعليقاً على الحضور اللافت للحفل، «الهولوغرامي»، من جميع المراحل العمرية، حسب البيان، وبعيداً عن أزمة «الملكية الفكرية»، يرى نقاد أن الحنين للكلمة واللحن، وحضور أحد نجوم «الزمن الجميل»، مجدداً هو أساس جماهيرية هذه الحفلات.

الناقد الموسيقي المصري محمد شميس يرى أن هذا النوع من الحفلات الغنائية ينعش الحنين لمطرب تابعه جمهوره، وارتبطوا بأعماله وأغنياته على الشاشة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رؤيته مجدداً على المسرح عن طريق هذه التقنية والتفاعل معه، أمر رائع وشعور جيد، لذلك تحظى هذه الحفلات غالباً بحضور، خصوصاً إذا كانت لمطرب له جماهيرية طاغية.

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان بـ فيسبوك)

وافتتح الحفل، بأغنية «الماء والخضرة والوجه الحسن»، التي قدمها عبد الحليم خصيصاً للمملكة المغربية، كما استمع الجمهور خلال الحفل لباقة من أغنيات «العندليب» الشهيرة من بينها، «أول مرة تحب يا قلبي»، و«بلاش عتاب»، و«أسمر يا أسمراني»، و«جبار»، و«بتلوموني ليه»، و«جانا الهوا»، و«حبك نار»، و«سواح».

ورغم شعار «كامل العدد»، الذي رفعه الحفل، وفق إدارة المهرجان، لكن حساب «عبد الحليم»، بـ«فيسبوك»، وصفه بأنه «مهزلة وفضيحة كبري، ومثير للاشمئزاز»، حيث ظهر حليم بشكل كارتوني مضحك، حسبما كتبت الصفحة، واستكمل الحساب الذي يدار بمعرفة «ورثة» العندليب، بأن «الحفل سيكون سقطة في حق المهرجان».

وبدأت أزمة الحفل التي أثيرت خلال الأيام الماضية، عقب إعلان صفحات المهرجان «السوشيالية»، عن إقامته، الأمر الذي أثار حفيظة أسرة العندليب، والتي أعلنت عبر بيان صحافي، أنها ستقوم بمقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، لعدم التواصل أو الاتفاق معهم بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

ويقول الناقد الموسيقي المصري أمجد مصطفى: «إن هذا النوع من الحفلات يحظى بحضور كبير، نظراً للحنين الجارف لهؤلاء النجوم، وأعمالهم التي أثرت الساحة الفنية»، وأوضح مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن إقامة هذه الحفلات في إطار منظم وعدم الإساءة لاسم النجم وشكله، أمر رائع ومتاح لتوثيق حضورهم مجدداً، كي تتعرف عليهم الأجيال الحالية.

وأكد مصطفى أن من حق «ورثة»، عبد الحليم، الاعتراض على إقامة الحفل إذا كان يسيء له، لكن خلاف ذلك فوجود اسمه، وغيره من النجوم بأعمالهم في حفلات وأعمال درامية أيضاً، أمر مهم للتوثيق الفني.

لم يكن حفل «العندليب»، الهولوغرامي، الأول من نوعه خلال مهرجان «موازين»، فقد تم استخدام التقنية نفسها، العام الماضي، في حفلين سابقين لـ«أم كلثوم»، وفق إدارة المهرجان.

الناقد الفني المصري محمد شوقي أكد أن نجاح هذه الحفلات يعود لكون الأغنيات التي تقدم بها تحمل مشاعر وأحاسيس ومعاني افتقدناها بشكل كبير في الإنتاجات الفنية الحالية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحفلات تعد فرصة جيدة للتحليق في سماء الفن، وظاهرة صحية نتيجة الظروف القاسية التي نعيشها».

وقدم عبد الحليم حافظ عدداً كبيراً من الأفلام العربية، التي اتسمت بالطابع الغنائي من بينها، «لحن الوفاء»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد غرام»، و«دليلة»، و«الوسادة الخالية»، و«شارع الحب»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، «أبي فوق الشجرة»... وغيرها.